هل هناك من ينهج نهج ابن تيمية فيتقدم الصفوف عملياً في غزة وإدلب ليضع حداً لعجرفة وصلف مثلث الشؤم العالمي القائم على دعم حلف الأقليات وتمكينهم من رقاب الأمة، بعد أن أثخنوا فيها طوال عقود؟
سر استهداف غزة وإدلب باستمرار لسنوات
ثمة خيط سُري يربط بين غزة وإدلب، وثمة سر في استهداف المنطقتين باستمرار لسنوات، دأب عليه أعداء المنطقتين وخصومهما، فأكثر ما يغيظ أعداء الأمة هو امتلاكهما لشوكة خشنة مسلحة، تدافع فيه عن بيضتها، وأمتها وشعبها.
وإلا فإن بقاءك منزوع الدسم، منزوع الخير، الذي هو ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله، لا ضير منه على أعداء الأمة، فأنت بذلك تلعب في ملاعب السلمية والمظاهرات والتظاهرات والمؤتمرات والاجتماعات، وأضرابها، التي ثبت أنها لا تقود لتمكين، وإنما تربي دجاجاً يستطيع العدو ذبحه في الوقت الذي يختاره، وفي المكان الذي يحدده، بل إن تجليات
العمل السلمي ومظاهره، مطلوبة دولياً وإقليمياً ومحلياً من أجل تدجين هذه الأمة، فتظن أنها بذلك تحسن صنعاً، بينما الحقيقة والواقع عكس ذلك تماماً.
زراعة الكيان الصهيوني في المنطقة لإضعاف الأمة وتمزيقها
منذ أن غرزت بريطانيا عبر وعد بلفور ١٩١٧ هذا الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين الحبيبة، أفلحت (لندن) حينها في فصل الشام عن مصر، وهما جناحان مهمان في الأمة المسلمة للتصدي لأي حملة صليبية، وللدفاع عن الأمة، وتحديداً عن الأقصى، فأدرك أعداء الأمة أن المشروع الحقيقي في إضعافها وتمزيقها، يكمن بزرع كيان صهيوني غاصب يفصل بين الشام ومصر، واستطاعوا من خلاله جلب يهود مشتتين ممزقين من أصقاع شتى وزرعهم في هذه الأرض المغتصبة،
الحرب على الدولة العثمانية لتثبيت الأقليات، وتفتيت الأمة المسلمة
وبالتالي أسسوا لحكم أقلوي يهودي في فلسطين الحبيبة، وهو جوهر وأس وحقيقة الحملة الصليبية التي جردت لقتال الدولة العثمانية طوال المئين من السنين الماضية، فكانت حرباً لتثبيت الأقليات، وتفتيتاً للأمة المسلمة، وقد كان لها ذلك، وسريعاً ما منحت فرنسا تلك المشروعية السياسية لحكم يهود، يوم انقلبت على من وقف إلى جانبها وهو الشريف حسين وابنه فيصل، فلم تسمح لحكمه سوريا سوى لعامين فقط ۱۹۱۸-۱۹۲۰، لأنها كانت تدرك تماماً مخاطر النخب السنية التي كانت حوله، والتي أتت من خلفية حكم دولة بحجم الخلافة العثمانية، فما كان منها إلا أن تنقلب على كل ما هو سني لتؤسس لحكم أقلوي في الشام الشمالية، بعد أن انتزعت الشام الجنوبية لصالح الأقلية اليهودية.
الدور الفرنسي في تأسيس حكم الأقليات وتمكينهم من رقاب الأمة
نجحت فرنسا خلال فترة احتلالها لسوريا ١۹۲۰-١٩٤٧ في مهمات متعددة:
تهميش السنة وتأسيس جيش المشرق من الأقليات الطائفية والعرقية
الأولى: تمثلت في طرد الملك فيصل من حكم سوريا مع بطانته البيروقراطية السنية، فانتقلت بذلك إلى المهمة الثانية: وهي تحضير الأقليات لحكم سوريا، فكان أن أسست جيش المشرق، والذي تكون من الأقليات الطائفية والعرقية، ولكن ظلت الطائفة النصيرية هي العمود الفقري في هذا الجيش، فكان الجيش خير معين ومساعد للاحتلال طوال فترة بقائه جاثماً على أرض سوريا، أو الشام الشمالية، وحين رحل الاحتلال الفرنسي شكلاً عن الشام الشمالية، ليبقى مضموناً، لم تصمد الحوكمة التي خلفها سوى ثلاث سنوات حتى انقلب الجيش الذي صنعته فرنسا على عينها، وبدأت سلسلة الانقلابات التي كان يقودها ضباط مرتبطون ومرتهنون للخارج، وهو الأمر الذي مكن المستعمر الذي بقي ظله في سوريا من تمكين الطائفة النصيرية من رقاب الشعب السوري، وهو ما تجلى علنياً بانقلاب حافظ الأسد عام ١٩٧٠.
تشكيل الشرعية السياسية للأقليات في المنطقة
شكلت الأقليتان اليهودية والنصيرية، ومعهما المارونية السياسية في لبنان شرعية سياسية لبعضهما البعض، وبالتالي كانت المشروعية السياسية مهيئة للجميع، ولذا رأينا بكل وقاحة وصفاقة تصريحاً لوزير خارجية روسيا (الافروف) مع بداية الثورة السورية وهو يقول: لن يحكم السنة سوريا.
وهو الأمر الذي نفذته القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بحرمان الثوار من المضادات الجوية، لتسمح بذلك لطيران الأسد والمحتلين أن يفتك بالمدن السورية.
حرمان أهل السنة من امتلاك القوة الخشنة
هذه المقدمة باعتقادي مهمة جداً لفهم ما جرى، ويجري وسيجري في كل من غزة وإدلب، لقد كان العنوان العريض القديم الجديد في تعامل الغرب مع الشام الشمالية والجنوبية وغيرهما، هو حرمان أهل السنة في هذه المنطقة الحساسة لمجاورتها يهود من امتلاك القوة الخشنة، فكان حرمان الشعب السوري وأهلنا في فلسطين واضحاً جلياً، وذلك لبقاء الحكم الأقلوي في كل من سوريا، وفلسطين الحبيبة، وحتى لبنان حين ضعفت الأقلية المارونية في الحكم، ليؤتى بالأقلية الشيعية لتحكمه، فتتماهى بذلك مع الأقلية في الشام، وامتداد للأقلية الشيعية في العراق، فيستقويان بإيران المجاورة للعراق، وتدفع بذلك الأمة في الشام وفلسطين ومصر الثمن باهظاً، وستظل تدفعه ما لم تكسر معادلة امتلاك القوة الخشنة، لأنها الأساس في المواجهة التي اختارتها الأقليات في عملية كسر العظم المتواصلة منذ سنوات، مستقوية بالدول الغربية والشرقية، والمستهدفة في جوهرها لأهل السنة وأساسهم وجوهرهم، عبر تشريدهم وتهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم.
في غزة اليوم المعركة معركة وجود
ما يجري في غزة اليوم يقع ضمن منظومة إجرامية تستهدف المنطقة كلها، وهو تفريغ حواضر أهل السنة من أهلها، فلم يعد الاستهداف هو استهداف العقيدة والفكر وتغيير أنماط السلوك، وهي المعركة التي فشل فيها المحتل الغربي والصهيوني والإيراني والروسي، لقد غدت المعركة معركة وجود، عبر اقتلاع السكان الأصليين من أرضهم، وهو ما استشهد به نائب وزير خارجية الكيان الصهيوني (داني أيالون) حين استحضر تكتيكات رئيس النظام السوري بشار الأسد في تهجير ملايين السوريين إلى تركيا، وبالتالي لماذا لا نقوم نحن – بحسب تعبيره – بتهجير الغزيين إلى سيناء، بحيث تبنى لهم مدن فيها، وهو الأمر الذي سبقه فيه الكاتب الأمريكي اليهودي الأصل توماس فريدمان حين هدد باستخدام اسرائيل لقواعد حماة في التعامل مع غزة، وهي القواعد التي كان بطلها المجرم الهالك حافظ أسد حين دمر مدينة حماة عام ۱۹۸۲، وقتل من أهلها أكثر
من ٤٠ ألف مدني، وهي نفس القواعد التي يطبقها اليوم الكيان الصهيوني، ويأتي لتدمير المشافي والبنى التحتية، لتغدو المدينة غير قابلة للعيش والحياة، وبالتالي لا بد من الرحيل عنها، وهو الأمر الذي فعله النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون في حمص وحلب ودرعا ودير الزور وغيرها من البلدات السورية، فأجبروا أهلها على الرحيل، بعد أن دمروا مقومات الحياة فيه.
هل هناك من ينهج نهج ابن تيمية ليضع حداً لعجرفة مثلث الشؤم العالمي؟
ستظل إدلب وغزة بمثابة القلاع الشامية التي صمدت بوجه الغزاة المغول، والتي سريعاً ما حركت نخب العلماء، فكان على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي قاد جحافل المجاهدين يومها، فكان التحرك إيذاناً بأفول شمس المغول، وبعودة شمس الإسلام من جديد على المنطقة، فهل هناك من ينهج نهج ابن تيمية فيتقدم الصفوف عملياً في غزة وإدلب ليضع حداً لعجرفة وصلف مثلث الشؤم العالمي القائم على دعم حلف الأقليات وتمكينهم من رقاب الأمة، بعد أن أثخنوا فيها طوال عقود؟
المصدر
د. أحمد موفق زيدان، مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، العدد ١٨.