إنه لا بد للإسلام من قوة ينطلق بها في ” الأرض ” لتحرير ” الإنسان ” . . وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة : أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها ؛ فلا يصدوا عنها ، ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها . . والأمر الثاني : أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على ” دار الإسلام ” التي تحميها تلك القوة . .

الولاء والبراء الفريضة الغائبة

على مدى عقود عمل اليهود والنصارى في تفتيت لحمة المسلمين حتى وصل كثير منهم إلى درجة أن يُسْلِم بعضهم بعضًا، ويخذل بعضهم بعضًا بدعاوى لا قيمة لها في ميزان الشرع، بل صار بعضهم يصطف مع العدو الكافر ضد إخوانه المسلمين، وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على أن أمة الإسلام أمة واحدة مهما تباعدت البلدان، وأن موالاة اليهود والنصارى ضد المسلمين ردة عن الإسلام.

وها هم مسلمو غزة يعانون من هجمة يهودية نصرانية غاشمة، ولا يجدون من يمد لهم يد العون رغم كثرة عدد المسلمين، وثرواتهم وإمكانياتهم الهائلة، ورغم المسؤولية العظيمة التي عليهم لتحرير الأراضي الإسلامية وخاصة القدس والمسجد الأقصى من اليهود الغاصبين القتلة المعتدين، وإنقاذ المستضعفين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‌وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ [النساء:75].

دور الأمة في نصرة إخواننا في غزة وفلسطين

فأما حكام زماننا فعامتهم لا يرجى منهم خير لأمة الإسلام، ولذا فسنوجه كلامنا لأفراد الأمة الإسلامية وجماعاتها وقياداتهم خاصة؛ ليرجعوا لدينهم -الجهاد في سبيل الله تعالى-؛ عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»1(1) [رواه أبو داود (3464) وغيره، وصححه الألباني]..

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -في شرحه لهذا الحديث-: فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا..2(2) [الحكم الجديرة بالإذاعة صـ(14)]..

وإذا تعذرت نصرة إخواننا في غزة وفلسطين لسبب أو لآخر فلْنُرِ الله تعالى منا صدقًا بالإعداد والتأهب لتلك النصرة متى أمكن ذلك، ومن لم يفعل فإنه يُخشى عليه من النفاق؛ قال الله تعالى -عن المنافقين-: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ‌فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة:46].

قال السعدي: ﴿وَ﴾ أما هؤلاء المنافقون فـ ﴿لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يُعِدُّوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج. ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ معكم في الخروج للغزو ﴿‌فَثَبَّطَهُمْ﴾ قدرًا وقضاء، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم ﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ من النساء والمعذورين3(3) [تيسير الكريم الرحمن صـ(339)]..

وأعدوا لهم ما استطعتم

وسبل الإعداد كثيرة؛ نذكر منها ما يلي:

  1. الإيمان والعمل الصالح

فقد وعد الله تعالى المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويعبدونه ولا يشركون به شيئًا أن يستخلفهم في الأرض ويُـمَكِّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿‌وَعَدَ ‌اللَّهُ ‌الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

يقول الحافظ ابن جرير: يقول تعالى ذكره: ﴿‌وَعَدَ ‌اللَّهُ ‌الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿مِنْكُمْ﴾ أيها الناس، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يقول: وأطاعوا الله ورسوله فيما أمراه ونهياه ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يقول: ليورثنهم الله أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ يقول: كما فعل مِنْ قبلهم ذلك ببني إسرائيل، إذ أهلك الجبابرة بالشأم، وجعلهم ملوكها وسكانها ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ يقول: وليوطئنّ لهم دينهم، يعني: ملتهم التي ارتضاها لهم، فأمرهم بها..4(4) [جامع البيان (19/208)]..

ويقول العلامة السعدي: … فقام صدر هذه الأمة من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكَّنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح5(5) [تيسير الكريم الرحمن صـ(573)]..

ويتضمن قوله تعالى: ﴿لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ التخلي عما سوى دين الإسلام من العلمانية وعامة مذاهب الكفر التي دان بها عامة حكام المسلمين فاستحقوا خزي الدنيا وعذاب الآخرة بإعراضهم عن شرع الله تعالى..

  1. إخلاص النية لله عزَّ وجلَّ

بأن يقصد بالإعداد وجه الله تعالى، ولا يقصد به توصُّلًا إلى غرض دنيوي كتحصيل مال أو جاه أو شهرة بين الناس ونحو ذلك، ومن ذلك أيضًا ألا ينظر إلى الآخرين بعين التنقُّص؛ فلعل لهم عملًا وإعدادًا خفيًّا يرتضيه الله وليس له مثله.

عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله؛ فإن أحدنا يقاتل غضبًا ويقاتل حميَّة؟ فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا، فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عزَّ وجلَّ»6(6) [رواه البخاري (123) ومسلم (1904)]..

والنية الفاسدة في الجهاد تحبطه وتجر صاحبها إلى النار؛ عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرَّفه نِعَمَه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء؛ فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار…»7(7) [رواه مسلم (1905)]..

ولعظيم شأن النية الصالحة كان من يسأل الشهادة بصدق يبلغ منزلة الشهداء؛ عن سهل بن حنيف أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»8(8) [رواه مسلم (1909)]..

  1. تعلم فقه الجهاد

فالجهاد عبادة من العبادات لها أحكامها، ومن أراد الجهاد -حقًّا- فلابد أن يتعلم فقهه، وكم ممن خرج يزعم الجهاد فآذى أقوامًا لا يستحقون الإيذاء بسبب جهله بما يجوز وما لا يجوز في الجهاد.

قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا ‌كَافَّةً ‌فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾.

يقول السعدي: يقول تعالى -منبِّها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم-:

﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا ‌كَافَّةً﴾ أي: جميعًا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك وتفوت به كثير من المصالح الأخرى، ﴿‌فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ﴾ أي: من البلدان والقبائل والأفخاذ ﴿طَائِفَةٌ﴾ تحصل بها الكفاية، والمقصود: لكان أولى.

ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ أي: القاعدون ﴿فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ أي: ليتعلَّموا العلم الشرعي، ويَعلَموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليُعلِّموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم9(9) [تيسير الكريم الرحمن صـ(355)]..

ولا يـخـفى أن الجهاد في زماننا هذا قد تعرض لكثيـر من شبهات الطواغيت وعلماء السوء من جهة -لصد الناس عنه-، والتحريف من جهة أخرى -لتلبية رغبات الغلاة-، وما ذلك إلا جراء حذف كل ما يمت للجهاد بصلة من أكثر المناهج التعليمية لطلاب المدارس، ومنع خطباء المساجد والمدرسين والوعاظ من الكلام في الجهاد، ولذا صار تعلم فقه الجهاد عزيزًا؛ فعلى أهل العلم إحياء فقه الجهاد بين الناس استعدادًا للقاء المعتدين من اليهود والنصارى وغيرهم من أعداء الإسلام.

  1. الرياضة البدنية

فمشقة الجهاد تحتاج للقوة البدنية، والأجساد الضعيفة لا تقدر على دحر عدو ولا نصر ولي، وقد حرَّض النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحضَّ على تقوية البدن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنـه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز…»10(10) [رواه مسلم (2664)]..

 قال النووي رحمه الله تعالى: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»: والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك11(11) [شرح مسلم (16/215)]..

  1. تحصيل القوة وتعلم الرمي

والقوة المطلوبة لإحقاق الحق وإبطال الباطل هي قوة في كافة المجالات؛ اقتصادية، سياسية، إعلامية، عسكرية، تنظيمية..

ومن القوة المطلوبة في الجهاد: الرمي؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ ‌مَا ‌اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.

وقد فسر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم القوة في هذه الآية بأنها الرمي؛ عن عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ ‌مَا ‌اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾؛ ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي»12(12) [رواه مسلم (1917)]..

وتأمل تشوف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى رماية من كان حسن الرماية؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنـه قال: “كان أبو طلحة يتترس مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بترس واحد، وكان أبو طلحة حسن الرمي؛ فكان إذا رمى تشرف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فينظر إلى موضع نبله”13(13) [رواه البخاري (2902)]..

وانظر إلى تبرؤ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ممن تعلم الرمي ثم تركه؛ عن عبد الرحمن بن شماسة أن فقيما اللخمي قال لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك. قال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم أعانيه. قال الحارث: فقلت لابن شماسة: وما ذاك؟ قال إنه قال: «‌من ‌علم ‌الرمي ثم تركه فليس منا» أو «قد عصى»14(14) [رواه مسلم (1919)]..

قال النووي -في شرح هذا الحديث-: … وفيه -وفي الأحاديث بعده- فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى، وكذلك المشاجعة وسائر أنواع استعمال السلاح، وكذا المسابقة بالخيل وغيرها كما سبق في بابه، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك15(15) [شرح مسلم (13/64)]..

وإذا كان الرمي قديمًا بالسهام والرماح، فالرمي اليوم بالصواريخ والقذائف الحديثة..

  1. تعلم العلوم العسكرية

وقد توسعت العلوم العسكرية في عصرنا هذا كثيرًا، وليس من المعقول مواجهة الدرونات والطائرات والصواريخ بأسلحة فردية -على أهميتها في المعارك-، بل لابد من مسايرة التقدم الحاصل في التقنيات العسكرية لمواجهة أعداء الله تعالى.

  1. تعلم المداواة، وخاصة طب الجراحة

والمداوة لها أهميتها الكبيرة في الحروب، ولذا كان من الإعداد: التمرن والتمرس على طب الحروب.

  1. التوفير وترشيد النفقات

والمقصود الاقتصاد في المعيشة توفيرًا للمال الذي قد يكون ضروريًّا للاستعداد للجهاد، أو لتجهيز المجاهدين وخلافتهم في أهليهم بخير، وكذا لفطم النفس عما اعتادت عليه من مأكولات لا تتوفر في ساحات المعارك.

وللنساء أيضًا مجال في الإعداد بما يناسبهن؛ عن الربيع بنت معوذ قالت: “كنا نغزو مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة”16(16) [رواه البخاري (2883)]..

وعن أم عطية الأنصارية قالت: “غزوت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى”17(17) [رواه مسلم (1812)]..

وعن أنس بن مالك قال: “كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا؛ فيسقين الماء ويداوين الجرحى”18(18) [رواه مسلم (1810)]..

وعن يزيد بن هرمز أن نجدة -وهو رأس من رؤوس الخوارج- كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال فقال ابن عباس: “لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه”.

كتب إليه نجدة: أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟

فكتب إليه ابن عباس: “كتبت تسألني هل كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغزو بالنساء، وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن…”19(19) [رواه مسلم (1812)]..

ولا يوجد دليل يمنع من حملهن السلاح في حالة الدفاع -إذا كان منهن من تطيق ذلك-.

عن أنس رضي الله عنـه أن أم سليم رضي الله عنهـا اتخذت يوم حنين خنجرًا فكان معها فرآها أبو طلحة رضي الله عنـه فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما هذا الخنجر؟» قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه. فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضحك..20(20) [رواه مسلم (1809)]..

وفيه روح الاستعداد العالية التي كانت تسود في الصحابة -والنساء منهم- لمواجهة الأعداء، وهذه الروح التي رباهم عليها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هي التي يجب أن تسود أمة الإسلام الآن، ونربي عليها شبابنا وفتياننا؛ لمواجهة مؤامرات اليهود والنصارى وغيرهم الذين استأسدوا على المؤمنين -سواء في غزة أو غيرها-.

أعزَّ الله تعالى دينه وعباده المؤمنين.

الهوامش

(1) [رواه أبو داود (3464) وغيره، وصححه الألباني].

(2) [الحكم الجديرة بالإذاعة صـ(14)].

(3) [تيسير الكريم الرحمن صـ(339)].

(4) [جامع البيان (19/208)].

(5) [تيسير الكريم الرحمن صـ(573)].

(6) [رواه البخاري (123) ومسلم (1904)].

(7) [رواه مسلم (1905)].

(8) [رواه مسلم (1909)].

(9) [تيسير الكريم الرحمن صـ(355)].

(10) [رواه مسلم (2664)].

(11) [شرح مسلم (16/215)].

(12) [رواه مسلم (1917)].

(13) [رواه البخاري (2902)].

(14) [رواه مسلم (1919)].

(15) [شرح مسلم (13/64)].

(16) [رواه البخاري (2883)].

(17) [رواه مسلم (1812)].

(18) [رواه مسلم (1810)].

(19) [رواه مسلم (1812)].

(20) [رواه مسلم (1809)].

اقرأ أيضا

إرهاصات النصر

لماذا يا حماس؟!

طوفان الأقصى

“طوفان الأقصى” في عيون الصهاينة

المشروع الصليبي الاستعماري في المشرق الإسلامي

هل من راية تجمعنا؟

التعليقات غير متاحة