من المؤسف اننا نجد من يوجه سهام النقد إلى المجاهدين في حماس، ويشوه صورتهم بحجة أنهم يتعاطفون مع إيران ويثنون على رموز التشيع والرفض.

لجوء حماس لإيران لجوء الجائع المضطر لأكل الميتة

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد:

فلا يخفى على أحد ما يجري في الأرض المباركة من حرب بين الحق والباطل بين معسكر الإسلام ومعسكر الكفر من اليهود والنصارى والمنافقين، نسأل الله أن تكون هذه الحرب مقدمات وإرهاصات لما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم من فتح ونصر شامل على اليهود وإخراج لهم من مقدسات المسلمين وعلو لراية الحق هناك.

وإن مما يحز في النفس ويؤلم القلب أن نجد في هذه الأيام العصيبة والمحن المتتابعة والمؤامرة العالمية على أهلنا المسلمين في غزة والقدس وفلسطين عامة من يوجه سهام النقد إلى المجاهدين في حماس، ويشوه صورتهم بحجة أنهم يتعاطفون مع إيران ويثنون على رموز التشيع والرفض، وما درى هؤلاء الذين سخّروا أقلامهم على حماس وفلسطين وغيرهم وتنفير الناس منهم أنهم بهذه المواقف يقدمون خدمة عظيمة للعدو الصهيوني ويبررون لهم ما يقوم به من مجازر وقتل ممنهج للمسلمين في غزة وغيرها.

ولو أن هذه المواقف العدائية من حماس وغيرها -صدرت من الأنظمة التي تحمي حدود اليهود أو من دول طبّعت أو دول تنوي التطبيع مع اليهود أو أنها صدرت عن المجامع العلمية التي هي في حقيقتها أبواق للأنظمة المجرمة المعادية لكل مقاوم لليهود- لو أن هذه المواقف صدرت من هؤلاء لم يكن ذلك مستغربا؛ لأن كل إناء بما فيه ينضح، ولا يتوقع -من الأنظمة الخائنة لدينها وأنظمتها- لا يتوقع إلا هذا أو أخبث.

ولذا فإن خطابنا هذا ليس موجها لهؤلاء، فإنهم مفضوحون قد فضحهم الله بهذه الأحداث وما قبلها من أحداث، ولكن خطابنا هذا لمن نظن فيهم الخير من طلاب العلم أو الدعاة ممن لم يتلوثوا بالركون إلى الظالمين، ولكنهم تأثروا بكثرة ما يطرحه حزب الله وأعلامه وذبابه من هذه التشوهات والتشويهات.

ونود هنا مناصحتهم أن يتقوا الله عز وجل فيما يكتبون ويقولون، ولا يستخفنهم الذين لا يوقنون فيستخدمونهم ويوظفوهم من حيث لا يشعرون في معاداة المجاهدين من هذه الأمة وأن من أهم بنود هذه المناصحة الأمور التالية:

أولًا: علينا أن نحيط ملابسات لجوء حماس وغيرها من المجاهدين إلى إيران والثناء على بعض رموزها ولا يعني أننا نبرر لهم هذه العلاقات، كلا، وقد تم نصحهم وبيان خطئهم في ذلك، ولكن إذا علمنا أن ذهابهم إلى إيران وما تقدمه من دعم سخي مالا وعتادا وسلاحا كان بعد أن رفضت كل الأنظمة العربية مساعدة حماس، بل معاداتهم ووصفهم بالإرهابيين! فماذا يفعل أناس محاصرون في غزة ومضطهدون من الجميع فما رأوا أمامهم إلا إيران وهي ترحب بهم لتحقيق أغراض خبيثة من وراء مساعدتهم فهم يقولون أننا لم نذهب إلى إيران إلا بعد أن رفضتنا جميع الأنظمة العربية والإسلامية فلجأنا إلى إيران لجوء الجائع المضطر لأكل الميتة.

ونكرر هنا أننا لا نقرهم ونبرر لهم ذلك، ولكن علمنا بالملابسات والدوافع تجعلنا نضع الخطأ في حجمه الطبيعي ولا نتجاوز به إلى أن نضع أنفسنا في خندق الأعداء الكفرة ضدهم.

وجوب العناية بفقه الأولويات والمآلات

ثانيا: إن من شأن العلماء الراسخين أن يكونوا على دراية تامة بالقواعد الشرعية التي تضبط المصالح والمفاسد عند التعارض وذلك بالعناية بفقه الأولويات والمآلات؛ لأن في إغفال هذه العلوم الشريفة فتنة على المفتي وعلى الناس افرادًا وجماعات. فمثلا في مسألتنا هذه التي نحن بصددها حيث انبرى بعض الناس في ذكر مثالب حماس وتنفير الناس منهم في وقت تستعر الحرب هناك بين اليهود والمسلمين، ولا يتصدى لهم اليوم إلا حماس، فهل من فقه الأولويات والمآلات أن نثير هذه الأمور اليوم لتصب في خندق الكفرة والأعداء؟ وهل التوقيت مناسب لذلك؟

إن إغفال هذا الفقه ينتج عنه خلل في ترتيب الخصوم والأعداء، حيث إن الأعداء والخصوم ليسوا في انحرافهم على درجة واحدة، فخطورة الكافر والمنافق وعداوتهما ليست كخطورة المبتدع من أهل القبلة وخصومته، وعليه نستطيع أن نحدد أولوياتنا فيمن نوجه إليه حربنا اليوم وصراعنا.

وجوب الوقوف مع أهل القبلة -ولو كان عندهم أخطاء- ضد أهل الكفر

ثالثا: إن معركتنا اليوم في ظل هذه النوازل العظيمة التي تمر بها الأمة الإسلامية ليست مع جماعات إسلامية مبتدعة وعندها شيء من المخالفات، وليست مع أهل البدع من أهل القبلة؛ لكنها مع الكفرة والملاحدة والخونة المنافقين الذين يريدون سحق الدين الإسلامي وطمس هويته، وعلى رأسهم المشروع الصهيوني الصليبي وأذنابهم.

فهل من الفقه والحكمة أن نوجه حربنا إلى فئات إسلامية من أهل القبلة؛ لأن عندهم بعض الانحرافات! وهم يواجهون أعتى الكفرة في حرب غير متكافئة. أو أننا نقف مع أهل القبلة ضد أهل الكفر مع مناصحتنا لهذه الجماعات الإسلامية وتعديل انحرافهم.

إن هذا هو ما قام به شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أيام هجوم التتار على دمشق، فمع أنه كان سيفا مصلتا على أهل البدع من الأشاعرة والصوفية، إلى أنه تحالف معهم وخرجوا جميعًا في حرب التتار وصدهم عن بلاد الشام، ومثال آخر: ما قام به علماء السنة في شمال أفريقيا حينما تحالفوا مع بعض الخوارج في قتال الدولة العبيدية الباطنية، قد ذكر الذهبي في السير (أن عالم أهل السنة أبو إسحاق الفقيه خرج مع أبي يزيد الخارجي في قتال الدولة العبيدية، وقال عن الخوارج هم من أهل القبلة وأولئك ليسوا من أهل القبلة، وهم بنو عدو الله، فإن ظفرنا بهم لن ندخل تحت طاعة أبي يزيد؛ لأنه خارجي )1(السير15/155). هذا هو والله الفقه الذي نحتاجه اليوم.

فقه الاستضعاف يسعه ما لا يسع فقه التمكبن

ومثل هذا الفقه ينطلق من أن فقه الاستضعاف يسعه ما لا يسع فقه التمكين، ففي حال القوة والتمكين وقيام دوله قوية للمسلمين لا يسع التحالف والسكوت عن أهل البدع والانحرافات، بل يناصحون ويؤطرون على الحق ولو كلف ذلك مفاصلتهم او تعزيرهم.

أما وإن حال الأمة -كما ترى- لا كيان ولا دولة تحميهم، وهم مستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها إما من الكفار أو من أذنابهم المنافقين في بلدان المسلمين؛ فإن الأمر يتغير ويصبح من الحكمة والفقه اجتماع الأمة على مواجهة الحرب العالمية على الإسلام وأهله، ولو كان من المسلمين من هو متلبس ببعض البدع والمخالفات؛ مادام أنه مسلم من أهل القبلة وليس من الفقه أن يواجه بعض المسلمين بعضا في مثل هذه الظروف.

فقه شيخ الإسلام ابن تيمية

الحرص على أن تكون أمتنا أمة الجسد الواحد

رابعا: هل هذا وقت التلاوم والنقد، ألا ترون صور الظلم والقتل الموجه لإخوانكم المسلمين أطفالا ونساء وسلب للممتلكات وتهجير واستيلاء على الأراضي والبيوت! ألا يهزكم هذا الظلم ويمنعكم من أن توجهوا نقدكم وحربكم على الضحية المظلومة! ليتقوى بموقفكم هذا الظالم الجزار!! أين تعاطفكم مع المسلمين؟ أين تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ). (أخرجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦) باختلاف يسير)

يا إخواننا لا تظلموا أنفسكم فتقفوا مع الجزار على الضحية بحجة ان الضحية بها بعض العيوب. إن لم يكن لكم دور في إنقاذ إخوانكم ودعمهم هناك فلا أقل من أن تمسكوا ألسنتكم عنهم ولو بصورة مؤقتة في ظل هذه الحرب المدمرة فتوقيتكم غير موفق.

نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعز أوليائه وأن يرد كيد أعداء هذا الدين من كفار ورافضة ومنافقين إلى نحورهم وأن يجعل بأسهم بينهم وأن ينجي المستضعفين من المسلمين من الرجال والنساء والولدان في كل مكان وفي فلسطين المجاهدة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

الهوامش:

  1. السير15/155
  2. أخرجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦) باختلاف يسير

اقرأ أيضاً:

التعليقات غير متاحة