الحمد لله رب العالمين القائل:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصف:10-11] وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد نبي الملحمة القائل: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ)1(1) [الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].. والقائل: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ)2(2) [مسلم:1910].. والقائل: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)3(3) [أبو داود، وصححه الالباني]..

سنة التدافع والصراع بين الحق والباطل

فقد اقتضت حكمة الله تعالى البالغة أن دينه الذي ارتضاه لعباده لا ينتشر ولا يمكن له في الأرض إلا بجهد عباده المؤمنين وصبرهم وتضحياتهم ولو شاء الله عز وجل لانتشر وانتصر بدون هذه المعاناة والجهاد في سبيل الله وقد عرفنا الله عز وجل في كتابه الكريم على نفسه وأسمائه وصفاته الحسنى وما تقتضيه من سنن إلهية مطردة صارمة لا تتبدل ولا تتحول ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر:43].

ومن هذه السنن العظيمة والتي نراها تعمل اليوم وذلك فيما يجري من أحداث حاسمة في أكناف بيت المقدس (غزة والضفة) سنة التدافع والصراع بين الحق والباطل. بين باطل اليهود وأولياؤهم من الدول الصليبية في الغرب الكافر ومن تولاهم من المنافقين وبين الطائفة المنصورة في أرض الشام قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40].

وهذه سنة ثابتة لا تتخلف يوضحها أيضا قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام:112] وما دام الأمر كذلك فإن الجهاد في هذه الامة أمر حتمي لأنه الوسيلة العظمى لتبليغ دين الله ودحر الواقفين في طريق انتشاره التي اقتضت سنة الله عز وجل أن يقيضهم أعداء لأهل الحق.

طوفان الأقصى وإحياء فريضة الجهاد

وإن ما يحصل في أكناف بيت المقدس لمن أكبر الأمثلة على هذه السنة حيث قام سوق الجهاد لتحقيق قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39] فقد اشتملت هذه الآية على نوعي الجهاد، جهاد الدفع، وهو دفع الفتنة عن المؤمنين الذين يفتنهم اليهود اليوم في دينهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم وعقولهم، وجهاد الطلب الذي غايته أن يكون الدين كله لله. فجزى الله إخواننا الأبطال من أهل السنة في فلسطين؛ على ما يقومون به من جهاد الدفع للصائل اليهودي الصليبي المعتدي على الأرض والدين والعرض والمال، وثبت الله قلوبهم وسدد آراءهم وسلاحهم ونصرهم على عدوه وعدوهم.

وإن مما يقوم به الأبطال المجاهدون في فلسطين من جهاد للعدو الصليبي اليهودي لشرف عظيم لهم، ذلك أن الله عز وجل اصطفاهم لينوبوا عن الأمة في إحياء فريضة الجهاد؛ بعد أن كادت جذوتها أن تنطفئ، وبعد أن سخر الكفار والمنافقون آلتهم الإعلامية في وصف الجهاد والمجاهدين بالإرهاب. وبينوا للأمة أن الكفار الغزاة لا يزيلهم إلا القوة والجهاد؛ وليس اتفاقيات الذل والخيانة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

المسائل العلمية والعملية لنصرة الجهاد والمجاهدين

وفي هذه الأوراق أنبه نفسي وإخواني المسلمين الذين يهمهم أمر الأمة والنهوض بها؛ على بعض المسائل العلمية والعملية التي أرى أهميتها لمن لم يشرفه الله عز وجل بالانضمام إلى ركب المجاهدين في فلسطين، ونصرهم بالنفس، حيث منع من ذلك طواغيت العرب المحيطين بأرض الجهاد الذين يحمون اليهود ويظاهرونهم على المؤمنين فإذا تعذرت هذه المشاركة فليرى الله تعالى من أنفسنا صدقا بالإعداد والتأهب لنصرة الدين متى أمكن ذلك، والمقصود من ذكر المسائل التالية التنبيه لمن يهمه أمر هذا الدين ونصرة المجاهدين بأن هناك من الأمور ما نستطيع بها نصرة الجهاد والمجاهدين وذلك لمن عجز عن نصرتهم بالنفس والقتال.

المسألة الأولى: ما معنى الجهاد لغة وشرعا؟

الجواب: الجهاد لغة: مأخوذ من الجَهْد والجُهْد: الطاقة والمشقة، وقيل الجَهْد بالفتح المشقة، والجُهْد بالرفع: الوسع4(4) [انظر الراغب في مفردات القرآن:99].، وقال ابن حجر والجِهاد بكسر الجيم أصله لغة: المشقة5(5) [فتح الباري:6/3] ..

الجهاد شرعا: يدور عند أغلب الفقهاء: على قتال المسلمين للكفار بعد دعوتهم إلى الإسلام أو الجزية ثم إبائهم.

وهناك أنواع من الجهاد قد أطلق عليها الشارع اسم الجهاد مع خلوها من القتال كجهاد المنافقين وجهاد النفس. ولذا فلشيخ الإسلام رحمه الله تعالى تعريفا عاما للجهاد قال فيه: (والجهاد هو بذل الوسع_ وهو القدرة_ في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه الحق)6(6) [الفتاوى: 10/192]..

المسألة الثانية: ما هي وسائل الجهاد:

الجواب: الجهاد يكون باللسان، والمال، والنفس، قال ﷺ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ)7(7) [مسند أحمد:3/123].. ويدخل في جهاد البيان باللسان كل الوسائل الإعلامية مكتوبة ومسموعة ومرئية.

المسألة الثالثة: ما غاية الجهاد في سبيل الله تعالى:

الجواب: الجهاد من أحب العبادات لله عز وجل وفيه شهادة على صدق المجاهد في حبه لله والتضحية في سبيله وغاية الغايات من الجهاد هو الفوز برضوان الله تعالى وما أعد للمجاهدين في جنات النعيم هذا في الآخرة، وفي الدنيا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين والحكم كله لله عز وجل.

المسألة الرابعة: ما أنواع الجهاد بالقتال وصفا وحكما؟

الجواب: الجهاد بالقتال نوعان:

  • جهاد الدفع: وهو أن يعتدي الكفار على بلد من بلدان المسلمين للاستيلاء عليها وقتل المسلمين وسلب أموالهم وأهليهم وفتنتهم في دينهم، وحكم هذا فرض عين على كل قادر لا يستأذن فيه ولي الأمر إن وجد ولا الزوجة زوجها ولا المملوك سيده وهو من باب دافع الصائل على النفس والعرض والمال الذي قال عنه النبي ﷺ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)8(8) [متفق عليه: البخاري:2480، مسلم:226]. وزاد أبو داود (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)9(9) [أبو داود: 4772].. بل إن دفع الكفار أوجب من ذلك لأن فيه دفع الفتنة في الدين والعرض عن المسلمين. لذا فكما أن الصائل على العرض والمال والنفس يدافع مهما تفوقت قوة الصائل عددا وعتادا فكذلك يدافع الكفار الذين احتلوا ديار المسلمين أو يريدون احتلالها وفتنة أهلها ولا يشترط لذلك التكافؤ المادي ولاقريب منه
  • جهاد الطلب: وهو أن يغزو المسلمون ديار الكفار لإخضاعها للإسلام وإزالة الحواجز التي تقف في وجه إبلاغ هذا الدين للناس وأن يكون الدين كله لله يخضع الجميع فيه لحكم الله، وحكم هذا النوع من الجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وكان النافرون فيه أعظم درجة من القاعدين. وهذا النوع من الجهاد لابد له من دولة وكيان ينطلق منها.

المسألة الخامسة: ما معنى كون الجهاد هو (ذروة سنام الإسلام):

الجواب: من معاني ذلك أنه يتحقق به عز الإسلام فإذا قام المسلمون  بهذه الفريضة فهم في ذروة العز والظهور، أما إذا تقاعسوا عن الجهاد كانوا في ضعف وضمور وذلة فالجهاد في سبيل الله مظهر العز والذروة .

وهناك معنى آخر ألا وهو أن في الجهاد تربية وتزكية وتقوية لأعمال القلوب حيث لا تبلغ أعمال القلوب ذروتها وقوتها إلا في ميادين الجهاد والصبر والمصابرة؛ فالتوكل وحسن الظن بالله والزهد في الدنيا والإخلاص وغيرها من أعمال القلوب لا تبلغ ذروتها إلا في الجهاد، ولأن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام وجدناه سابقا في فضله لأكثر الأعمال فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: «لاَ أَجِدُهُ» قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟»، قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ»10(10) [البخاري:2785].، ولأن الجهاد ذروة سنام الإسلام فإن المتأمل في الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه في صفات الموعودين بالجنة يجد أن جلها في المجاهدين في سبيل الله تعالى، اقرأ إن شئت سورة التوبة (أولها وآخرها) وسورة آل عمران والنساء وسورة المائدة وسورة الأنفال وسورة الأحزاب وسورة محمد وسورة الفتح وسورة الحجرات وسورة الصف.

المسألة السادسة: من أي أنواع الجهاد ما يحدث الآن في غزة من طوفان الأقصى؟

الجواب: لمعرفة ذلك يجب أن نكون على دراية بوصف الحال والواقع الذي يعيشه المسلمون في فلسطين قبل طوفان الأقصى وهذا مما لا يعرفه أو لا يريد أن يعرفه من يلوم المجاهدين في مواجهتهم لليهود في طوفان الأقصى.ومعلوم أن الحكم على الشيئ فرع عن تصوره .

إن أحوال المسلمين في فلسطين قبل طوفان الأقصى هي باختصار: أحوال ظلم وعدوان واحتلال لجيش صائل غاز مغتصب لأرض مسلمة يذيق أهلها كل يوم سوء العذاب من تقتيل وسجن لرجال ونساء وأطفال، واعتداء على بيوت المسلمين وتهجيرهم منها وهدمها وحصار خانق على غزة منذ أكثر من (15) سنة ذاق فيها المسلمون الأمرين في طعامهم وشرابهم ودوائهم وأطفالهم. فإذا أضيف إلى ذلك عدوانهم اليومي على مسرى رسول الله ﷺ وأولى القبلتين وتدنيسهم له وحرمان المسلمين من الصلاة فيه فماذا بقي من عدوان وصولان على المسلمين في دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم؟ إن هذا العدوان يوجب ويفرض على المسلمين في فلسطين ومن يستطيع من خارجها أن يهب لدفع هذا العدوان وجهادهم ولو بالعصي والسكاكين كما لو جاء صائل إلى مسلم في بيته وأراد سلب ماله أو عرضه أو قتله فإن الواجب والحال هذه دفعه ومقاتلته بما أمكن ولو قتل المعتدى عليه فهو شهيد كما صح ذلك عن رسول الله ﷺ وإن لم يكن ما فعله المجاهدون في فلسطين في طوفان الأقصى جهاد دفع فلا ندري ما جهاد الدفع ولا سيما وقد أخذوا بما في وسعهم من الإعداد والعتاد فجزى الله المجاهدين الأبطال خير الجزاء وثبتهم. إن اللائم  لهم أو من يتهمهم بالتسبب في كل ما جرى لا يدري أو لا يريد أن يدري ما سبق وصفه من أحوال المسلمين في فلسطين ولا سيما في غزة رمز العزة. فاليتب إلى الله عز وجل واليقل خيرا أو ليصمت .

المسألة السابعة: ما الواجب على من حيل بينه وبين الجهاد بالنفس في فلسطين؟

الجواب: هناك جوانب كثيرة يستطيع بها المسلم أن ينصر المجاهدين هناك منها:

أولا: أن يتولاهم ويحبهم ويفرح بما يحقق الله على أيديهم من نصر وكسر لعدوهم، و أن يتبرأ من أعدائهم من الكفرة والمنافقين ويفضحهم.

ثانيا: أن يسوق لجهادهم ومواقفهم البطولية وأن ينشر المشاهد على ذلك.

ثالثا: الذب عنهم والدفاع عن أعراضهم ممن ينالهم بسب أو قدح في نياتهم وأهدافهم وأن يخذل عنهم ولا يخذلهم.

رابعا: مساعدتهم بالمال نقدا أو عينا وبذل الجهد في ذلك، ومن جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله فقد غزا.

خامسا: على من كان من أهل العلم والفتوى أن يصدروا الفتوى المؤصلة سواء من العالم بمفرده أو مع غيره من أهل العلم بوجوب الجهاد والتحريض عليه ونصرة المجاهدين في غزة بالنفس لمن قدر على ذلك، وبالمال والبيان والمقال. وفي المقابل يصدروا الفتوى بردة من يعاون اليهود والغرب الصليبي ويظاهرهم على المسلمين سواء كانت هذه المظاهرة بالنفس أو المال أو العتاد أو الرأي أو تمنى نصرهم على المسلمين.

سادسا: إن المعركة اليوم بين اليهود والمجاهدين إنما هي معركة عقيدة. معركة بين الأمة المسلمة والأمم الكافرة في الأرض وليس مجالها المعركة العسكرية فحسب؛ بل إن المعركة العسكرية يصاحبها دائما معركة في العقيدة والمفاهيم، ومعركة في القيم والأخلاق، ومعركة مع النفس ومداخلها ومخارجها، فإذا أدركنا هذا كان من الواجب على أهل المنهج الصحيح النقي أن يستثمروا مثل هذا الحدث العظيم في بيان المفاهيم الصحيحة حول الجهاد والسنن الإلهية والمنطلقات العقدية التي تنطلق من أن لهذا الكون مدبرا عظيما قويا عزيزا عليما حكيما رؤفا رحيما لا يكون في ملكه إلا ما يشاء وهو سبحانه الذي يدير المعركة ويؤيد المؤمنين بنصره ورحمته ويهلك الكافرين والمنافقين بقوته وعزته وأن ننطلق في ذلك من التوجيهات القرآنية والسيرة النبوية .إنه لابد من بروز وفي بيان المفاهيم الصحيحة رد على المفاهيم المغلوطة المنحرفة وبيان تهافتها ومصادمتها للكتاب والسنة الصحيحة. إنه لابد من بروز الخطاب الشرعي في تناول هذا الحدث وغيره من الأحداث وإلا انحرفت بوصلة الحق عن مسارها .

سابعا: الدعاء الصادق للأمة بعامة، والمجاهدين والمظلومين المعذبين في غزة بخاصة، والإلحاح على الله عز وجل بنصرهم، ورفع المحنة والشدة عنهم، والترحم على موتاهم، وطلب الشفاء لجرحاهم، وأن تختار أوقات الإجابة؛ في السجود، ودبر الصلوات، وآخر الليل، وساعة الجمعة، وأوقات السفر، ونزول المطر وغيرها، فالدعاء سلاح عظيم، لأنه لجوء إلى فاطر السماوات والأرض، العزيز الذي لا يعجزه شيء، الرحيم اللطيف، البر الكريم، الذي هو أرحم بالمؤمنين من أنفسهم، ولن تعدم الأمة من رجل صالح مستجاب الدعوة لو أقسم على الله لأبره.

ثامنا: الانتهاء عن التنازع والتفرق الحاصل بين الدعاة والجماعات فهذا أوان اجتماع الكلمة ورص الصفوف وتوحيد الجهود في تجييش الأمة على عدوها وإحياء هويتها وليس من العقل ولا من الشرع اشتغال الدعاة بعضهم ببعض في هذه الظروف العصيبة، ولو كان عند بعضهم الهفوات لأن معركتنا اليوم الكبرى هي مع من يريد اجتثاث الدين وطمس الهوية.

تاسعا: ينبغي علينا وعلى المجاهدين ونحن نرى بشائر النصر ألا نكون سببا في تأخيره ذلك بأن نحاسب أنفسنا ونتفقدها ونتوب إلى الله من ذنوبنا التي تحول بين الأمة وبين نصر الله عز وجل سواء ما كان من هذه الذنوب على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]، وأن نتجمل بالتقوى التي تحول بيننا وبين ضرر وكيد الأعداء بنا قال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران:120].

عاشرا: يجب أن يستثمر هذا الحدث في فضح المنافقين أصحاب القلوب المريضة، والحذر والتحذير منهم؛ ولا سيما أهل الأهواء منهم، أما من كان جاهلا أو متأثرا بشبهة فالواجب في حقه النصح وإزالة الشبهات، وتحذيره من موالاة الطغاة الظالمين، والتزلف لهم، والدفاع عنهم، لأن هذه الأحداث قد فضحتهم وعرتهم أمام الأمة. ولا يواليهم ويركن إليهم إلا من آثر الحياة الدنيا على الآخرة.

حادي عشر: علينا أن نعيد النظر في نمط حياتنا واهتماماتنا ونسعى لنقلها من حياة الترف والملذات والدعة والركون إلى الدنيا التي تعوق عن الجهاد إلى حياة الجد والزهد وإنشاء هم الآخرة في النفوس. والمتدبر في آيات القرآن الكريم يجد أن الترف لم يرد في القرآن الكريم إلا على سبيل الذم وأنه كان سببا في الضلال وتقليد الأباء وترك الجهاد والرضا بحياة الذل والهوان واستيلاء العدو على الديار وهتك الأعراض .

ثاني عشر: وهذه من أهم الواجبات التي تمليها علينا أحداث غزة دار الجهاد والعزة ألا وهي: الاستعانة بالله عزوجل  بالسعي الحثيث ومن هذا اليوم في إعداد أنفسنا وتربيتها تربية جهادية نري الله عز وجل من خلالها أننا نحدث أنفسنا  بالغزو صادقين وأن عندنا العزيمة والجد في الانضمام إلى ركب المجاهدين عند الإمكانية من ذلك وذلك لننجو من شعبة النفاق الوارد ذكرها في قوله ﷺ: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ)11(11) [مسلم: 1910]. وتفصيل ذلك في المسألة التالية.

المسألة الثامنة: ما هي جوانب إعداد النفس للجهاد في سبيل الله:

الجواب: من أهم الجوانب التي تدل على صدق العبد في إعداد نفسه للجهاد في سبيل الله وصدق تحديثه لنفسه بالغزو الجوانب التالية:

أولا: الإعداد العلمي الإيماني:

إن في قوة إيمان المجاهدين أثرا عظيما في الانتصار على الأعداء لأنه يباعدهم عن الذنوب والمعاصي التي هي من أسباب الفشل والهزيمة كما بين ذلك عمر رضي الله عنه في وصيته لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يودعه في مسيره إلى غزو الفرس بقوله: (عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي كُلِّ حَالٍ يَنْزِلُ بِكَ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ الْعُدَّةِ، وَأَبْلَغُ الْمَكِيدَةِ، وَأَقْوَى الْقُوَّةِ، وَلَا تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَدَاوَةِ عَدُوِّكَ أَشَدَّ احْتِرَاسًا لِنَفْسِكَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ مَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَى النَّاسِ مِنْ مَكِيدَةِ عَدُوِّهِمْ، وَإِنَّمَا نُعَادِي عَدُوَّنَا وَنَسْتَنْصِرُ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَنَا قُوَّةٌ بِهِمْ، لِأَنَّ عَدَدَنَا لَيْسَ كَعَدَدِهِمْ، وَلَا قُوَّتُنَا كَقُوَّتِهِمْ، فَإِنْ لَا نُنْصَرْ عَلَيْهِمْ بِمَقْتِنَا لَا نَغْلِبْهُمْ بِقُوَّتِنَا، وَلَا تَكُونُنَّ لِعَدَاوَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَحْذَرَ مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ، وَلَا أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عَلَيْكُمْ مَلَائِكَةَ اللهِ حَفَظَةٌ عَلَيْكُمْ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فِي مَسِيرِكُمْ وَمَنَازِلِكُمْ، فَاسْتَحْيُوا مِنْهُمْ، وَأَحْسِنُوا صَحَابَتَهُمْ، وَلَا تُؤْذُوهُمْ بِمَعَاصِي اللهِ، وَأَنْتُمْ زَعَمْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا تَقُولُوا أَنَّ عَدُوَّنَا شَرٌّ مِنَّا، وَلَنْ يُنْصَرُوا عَلَيْنَا وَإِنْ أَذْنَبْنَا، فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ قَدْ سُلِّطَ – أَوْ سُخِطَ – عَلَيْهِمْ بِأَشَرَّ مِنْهُمْ لِذُنُوبِهِمْ، وَسَلُوا اللهَ الْعَوْنَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ كَمَا تَسْأَلُونَهُ الْعَوْنَ عَلَى عَدُوِّكُمْ، نَسْأَلُ اللهَ ذَلِكَ لَنَا وَلَكُمْ)12(12) [حلية الأولياء:5/303]..

وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لرجل قال له: أريد أن أبيع نفسي لله فأجاهد حتى أقتل، فقال له: (ويحك وأين الشرط؟ أين قوله تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة:112].

والإعداد الإيماني يتطلب جهاد النفس والشيطان على تعلم العلم والعمل به والدعوة إليه، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:

إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، [ويبدأ بالعلم العيني الذي لا يسع أحد جهله ثم يكمله بالعلم الكفائي].

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ. فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ)13(13) [باختصار وتصرف من زاد المعاد: 3/6]..

والعلم لمن يعد نفسه للجهاد ضرورة، ليعبد الله بما شرع، وليكون على دراية بالحق والباطل؛ حتى لا يقاتل إلا تحت راية يحبها الله ويرضاها.

كما أن العمل ضرورة للمجاهد يتعبد به لله تعالى ويكسب به محبة ربه عز وجل فيؤيده وينصره. والأعمال التي ربى رسول الله ﷺ عليها صحابته المجاهدين في مرحلة الإعداد في مكة واستكملها في المدينة في جهاده ومغازيه نوعان من الأعمال:

1/ أعمال قلبية: وهي أساس الأعمال الظاهرة: كالإخلاص لله تعالى ومحبته والخوف منه ورجائه والتوكل عليه وحده والصبر على طاعته وعن معاصيه وعلى اقداره المؤلمة.

والحذر من الآفات القلبية التي تضعف الإيمان إن لم تزله، كأفة الرياء والعجب والحسد والكبر والتعلق بغير الله تعالى، وغيرها من الأعمال القلبية التي يكرهها الله عز وجل.

2/ الأعمال الظاهرة: كالمحافظة على الفرائض من صلاة وصيام وزكاة والإكثار من نوافل هذه الفرائض. وتجنب المعاصي الظاهرة كبيرها وصغيرها والمسارعة بالتوبة بعد الوقوع فيها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ الأمانة وتجنب صفات المنافقين كالكذب والغدر والخيانة والفجور في الخصومة وإخلاف الوعد والعهد. والمحاسبة الدائمة للنفس والتفتيش عن عيوبها وآفاتها، ويتبع الأعمال الظاهرة: التحلي بالأخلاق التي يحبها الله تعالى كالوفاء والإيثار والكرم والشجاعة والتواضع ولين الجانب والرحمة والبر والإحسان والغيرة وإغاثة الملهوف والسعي في حاجة المسلمين وتفريج كرباتهم وزيارة مرضاهم وتشييع موتاهم.

ثانيا: الإعداد النفسي والاجتماعي:

وذلك بأن يعيد المسلم النظر في نمط حياته ومعيشته وعلاقاته بالمجتمع من حوله حيث الغالب اليوم في حياة الأفراد والمجتمعات هو الترف الزائد والترهل والتكاثر من الدنيا ولا سيما في المجتمعات الخليجية . والمجتمعات المترفة هم أول من يضعف عن الجهاد ويتثاقل إلى الأرض كما عاتب الله عز وجل من هذه حاله بقوله سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة:38] فكلما انغمس العبد في متاع الدنيا من أموال وأولاد وتجارات ونساء  وأنعام وحرث كان ذلك من المعوقات الشديدة له عن الجهاد. لذا ينبغي لنا أن نعيد برمجة حياتنا وننشا فيها هم الآخرة وما فيها من النعيم وأن نعرف حقيقة الدنيا وفنائها فنتخفف منها ومن ترفها وملذاتها  .إن المجاعة التي أصابت خلافة عمر رضي الله عنه أنشأت جيلا أسقط إمبراطوريتي الروم والفرس، والحياة الرغيدة التي خيمت في الأندلس وبغداد أضاعت بلاد المسلمين كلها.

ثالثا: الإعداد الجسمي:

العناية بالجسم وصحته ورياضته جانب مهم من جوانب الإعداد فالجسم الضعيف لا يتحمل مشاق الجهاد وأجواءه لذا لابد أن يكون هناك من البرامج التي تعتني بصحة الجسم وحيويته وقوته ويدخل في ذلك العناية بالأكل الصحي والنوم الصحي والنفسية المنشرحة والرياضة اليومية وقد أجمع الأطباء على أن الغذاء الطازج الخالي من المواد الحافظة والكيماويات والهرمونات والزيوت المهدرجة والنوم المبكر بعد صلاة العشاء مباشرة والمشي الطويل كل يوم والهواء النقي البعيد عن هواء المدن وما فيها من دخان السيارات وغبار المصانع. كل هذا مما يجعل كل خلية من خلايا الجسم يكتمل غذاؤها وتخرج سمومها وتقوى مناعتها بإذن الله تعالى. كل هذه الأسباب مما ينبغي الأخذ بها في إعداد النفس للجهاد في سبيل الله تعالى، فالأجسام الضعيفة المترفة المترهلة لن تلبي نداء الجهاد ومشاقه التي لا تطيقها الأجسام المتخمة، كما يدخل في الإعداد الجسمي دخولا مهما تعلم الرماية  والسباحة وركوب الخيل قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي)14(14) [مسلم: 1917]..

رابعا: الإعداد المالي:

المال عصب الجهاد فجهاد بلا مال مآله الضعف أو اللجوء إلى مساومات الأعداء وابتزازهم، فلا بد أن يكون هناك مصدر مالي دائم يدعم الجهاد والمجاهدين ولا يضطرهم إلى تنازلات للحصول على المال، والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن الجهاد بالمال يذكر دائما مع الجهاد بالنفس ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:15]، وذلك لما للمال من أهمية كبرى في قوة الجهاد وأهله.

خامسا: الإعداد الإعلامي:

الإعلام اليوم يعتبر من أقوى أسلحة المجاهدين سواء ما يكون منه من تثبيت للمؤمنين ورفع لمعنوياتهم ونشر إثخانهم في العدو أو ما يكون منه من بث الرعب في قلوب الأعداء وإشعال الحرب النفسية في صفوفهم.

سادسا: الإعداد الأمني:

وذلك برفع مستوى الوعي الأمني عند المجاهدين والاستفادة من الوسائل المعاصرة التي تكشف لنا حقيقة الأعداء ومكرهم وخططهم وتكشف عملاءهم المندسين في صفوف المجاهدين والإحاطة بالوسائل التي تحقق الحذر من الأعداء وكشف عوراتهم ومعرفة نقاط الضعف والقوة لديهم، لأن التفريط في الجانب الأمني جر ويجر على الجهاد وأهله مصائب ونكبات ، من أخطرها  اختراق العدو لصفوف المجاهدين والتفريق بينهم

سابعا: الإعداد الإداري:

الذي يضبط قواعد العمل ويوزع الأدوار ويحول الخطط إلى عمل وتطبيق وهذا يستلزم إعداد الكوادر الإدارية والفنية التي تقوم بهذا الشأن وترتيبه.

ثامنا: الإعداد التوعوي:

وذلك برفع مستوى الوعي عند المجاهدين سواء الوعي بسبيل المؤمنين والفقه الصحيح الذي أشرنا إليه في الإعداد العلمي والإيماني أو الوعي بسبيل المجرمين من كفار ومنافقين وكيدهم ومكرهم ويدخل في ذلك الوعي السياسي والمناورات السياسية المحكومة بقواعد الشريعة والسياسة الشرعية.

تاسعا: الإعداد القتالي:

وذلك بتعلم فنون القتال وأدواته ومن توفيق الله تعالى أنها اليوم متاحة سواء من الناحية المعرفية حيث الشبكة العنكبوتية مليئة بهذا الزخم من المعلومات أو من الناحية العملية حيث وجود الكوادر المؤهلة التي سبق وأن شاركت في مواقع الجهاد فاكتسبت من الخبرة ما يكفي للتدريب عليها.

عاشرا: الإعداد التربوي الجهادي لأسرنا المسلمة وأولادنا:

ومجالات هذا الإعداد كثيرة أحاول إجمالها في الأمور التالية:

1/ تقوية الإيمان والتوحيد في قلوب أسرنا وأولادنا وتكثيف الدروس معهم في ذلك، فهذا رسول الله ﷺ يعلم ابن عباس رضي الله عنهما وهو غلام صغير حديث: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)15(15) [الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].، ويحفظهم آيات الجهاد والولاء والبراء ويعرفهم بمغازي الرسول ﷺ ومغازي المسلمين. ومن التوحيد تقوية الإخلاص في نفوسهم والحذر من مبطلات الإيمان.

2/ دور الأم في تربية أبنائها تربية إيمانية جهادية، وتوعية الأمهات بأهمية ذلك.

3/ تربية الأولاد على الأخلاق الحسنة مع الوالدين ومع الناس وحثهم على الإكثار من ذكر الله تعالى، ويحفظهم أذكار اليوم والليلة.

4/ تعليمهم ما لا يسع المسلم جهلة وأمرهم بتطبيقه، كالصلاة والتبكير لها والخشوع فيها وأداء نوافلها، وأركان الإسلام، والحقوق العامة والخاصة.

5/ بناء الهمة العالية لديهم وذكر النماذج في ذلك لهم وترفعهم عن سفاسف الأمور وتوافهها.

6/ تعريفهم بغزوات المسلمين وبطولاتهم، وتعريفهم بالمسجد الأقصى؛ من بناه، ومن فتحه، ومن حرره، وما يقوم به المجاهدون في غزة انتصارا للأقصى، وتحريرا للبلاد من الغزاة اليهود ومن عاونهم.

7/ إحياء الولاء والبراء والمحبة للمؤمنين، والعداوة والبغضاء للكافرين، ولا سيما المحاربين منهم المغتصبين للديار، وتعريفهم بكل أعدائهم من الكفار والمنافقين، وتذكيرهم بمجازرهم  في ديار المسلمين حتى يتحكم بغض الكفار في نفوسهم.

8/ تقوية أجسامهم وإعدادها إعدادا صحيا ورياضيا؛ يقوى على الشدائد والمشاق، ومن ذلك تعليمهم السباحة والرمي وركوب الخيل.

9/ استعمال الكلمات المحفزة التي ترفع معنوياتهم ولا سيما إذا فعلوا ما يمدحون به.

10/ الخروج مع الأسرة والأولاد في رحلات لمكة والمدينة أو  في رحلات برية أو بحرية ويستثمر العيش الجماعي معهم في ما من شأنه تعليمهم وتوعيتهم بأحوال المسلمين وأحوال أعدائهم.

11/ أن يرى الأولاد القدوة الصالحة في والديهم؛ من العبادة والسلوك الحسن، والاهتمام بأمور المسلمين والمجاهدين.

12/ إبعادهم عن الوسائل التي تقتل الهمم؛ وتجرهم إلى التفكير الهابط، والسلوك السافل، وذلك بإبعاد أجهزة الفساد عنهم، وترشيدهم في استخدام الأجهزة الذكية، وإبعادهم عن قرناء السوء، وإلحاقهم بمحاضن تربوية تكمل تربيتهم.

13/ تذكيرهم بحرمة دم المسلم، وأن لا يقاتل إلا كافر محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

14/ الدعاء للمجاهدين بحضور الأولاد ، والقنوت لهم في الصلاة وهم يؤمنون.

15/ ربطهم بالبطولات العظيمة لقواد المسلمين في الجهاد، وقراءة سيرهم، وتصغير وتحقير ما يسمى بالنجوم الزائفة؛ التي يراد ربط أبناء الأمة بهم، كرموز الفن والرياضة من كفار أو فساق.

16/ تكليفهم بدراسة سيرة أحد الشهداء، وإلقاء هذه الدراسة في جلسة أسرية.

17/ يناقش معهم غاية الجهاد في الإسلام، ولماذا هو ذروة سنام الإسلام.

18/ يطرح معهم بما يناسب عقولهم متى يكون الجهاد عينيا، ومتى يكون كفائيا.

19/ ينبغي تعويدهم على الكتمان وحفظ الأسرار.

20/ ينبغي تقوية الثقة بأنفسهم من دون غرور، والحذر من أساليب التحطيم والإحباط.

21/ تعويدهم على الغيرة على الدين والعرض وحمايتها، ودفع الصائل عليها، وذكر أمثلة من فعل السلف.

المسألة التاسعة: هل يطالب جميع المجاهدين بتكميل الصفات المطلوبة للإعداد؟

الجواب: المجاهدون ليسوا على مرتبة واحدة وليس مطلوبا أن يكونوا في مرتبة واحدة فلكل قدراته واستعداداته وإنما المطلوب لمن حدث نفسه بالغزو بصدق أن يسعى لتكميل صفات المجاهدين حتى لو فرط في بعض الصفات فإن دخوله في ركب المجاهدين يكمل هذه الصفات. والجهاد وبيئته تربي وتزكي. هذا فيما يتعلق بعامة الذين يحدثون أنفسهم بالغزو بصدق، أما القدوات والقادة من رموز الجهاد فلا يتسامح معهم كما يتسامح مع غيرهم فإن لهم شأنا آخر في الإعداد حيث يعتنى بإعدادهم ويطالبون بتكميل مراتب وجوانب الإعداد قدر الإمكان لأنهم في مكان القدوة والتأثير على غيرهم في العلم والعمل والدعوة والتضحية يتحملون ما يواجههم من أذى وعوائق فهؤلاء بمثابة القاعدة الصلبة التي يثبتها الله عز وجل ويثبت بها الصف المسلم من التفكك والضعف والاضطراب.

المسألة العاشرة: كيف نتعامل مع أخطاء المجاهدين؟

الجواب: المجاهدون كغيرهم من البشر يخطئون ويصيبون، ولا عصمة لأحد بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولكن ينبغي الحذر كل الحذر عندما يكون هناك حاجة في نصحهم ونقد أخطائهم؛ أن لا تكون في منابر عامة يوظفها أعداء الأمة من كفار ومنافقين في مخططاتهم الماكرة في التنفير من المجاهدين، ووصمهم بالإرهاب، وتعطيل شعيرة الجهاد، وفي هذا مفاسد عظيمة، وإنما ينبغي أن يكون التناصح والنقد في مجالس خاصة؛ فردية أو جماعية، وإن كان هناك حاجة أو ضرورة لإعلانها فليكن بعبارة لا يستطيع إعلام الأعداء الماكر أن يستفيد منها أو يوظفها في أغراضه الماكرة، وذلك بأن يثني على المجاهدين وأثرهم في إحياء الجهاد والعزة ودورهم في دحر الغزاة الكافرين وإرهابهم وأن أخطاءهم تنغمر في بحر حسناتهم، في الوقت الذي يتولى بالنقد والفضح ممارسات الكفار الإرهابية على ديار المسلمين، وإرهاب الطواغيت في بلاد المسلمين والذين يتولون الكافرين وما يقومون به من إرهاب وتعذيب للدعاة في سجونهم وما يمارسونه من إقصاء لشريعة الله والحكم بغير ما أنزل الله . وما أجمل الاستدلال في هذا المقام بما ذكره الله عز وجل في كتابه حينما أجلبت قريش على المسلمين بأنهم يقتلون في الشهر الحرام وينتهكون الحرمات فقال الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة:217]، حيث فضح الله عز وجل المشركين عندما تترسوا بالحرمات وأن المسلمين ينتهكون الحرمات وكشف زيفهم  ، وذلك ببيان أن القتل في الشهر الحرام نعم كبير لكن ما تقومون به أيها الكافرون من صد عن سبيل الله وكفر به وإخراج المسلمين من المسجد الحرام هذا أكبر مما تتهمون به المسلمين . والفتنة و الشرك أكبر من القتل المحرم.

أسأل الله عزوجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يجعلنا من أوليائه الذين (يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) والحمدلله رب العالمين.             

الهوامش

(1) [الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].

(2) [مسلم:1910].

(3) [أبو داود، وصححه الالباني].

(4) [انظر الراغب في مفردات القرآن:99].

(5) [فتح الباري:6/3] .

(6) [الفتاوى: 10/192].

(7) [مسند أحمد:3/123].

(8) [متفق عليه: البخاري:2480، مسلم:226].

(9) [أبو داود: 4772].

(10) [البخاري:2785].

(11) [مسلم: 1910].

(12) [حلية الأولياء:5/303].

(13) [باختصار وتصرف من زاد المعاد: 3/6].

(14) [مسلم: 1917].

(15) [الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].

اقرأ أيضا

وجوب الجهاد لتحرير الأقصى وفلسطين

وأعِدُّوا

خذلان الحكام

دفع عدوان الظالمين مفهوم أصيل في الجهاد المحمدي

الجهاد مستمر في فلسطين

هذان خصمان اختصموا في ربِّهِم .. توجيهات ومواقف

التعليقات غير متاحة