إن الإسلام قد فرض على الناس عبادات لها أثر حسن في إصلاح القلوب وتهذيب النفوس وسنشير في هذه العجالة إلى ما تشتمل عليه هذه العبادات من المثل العالية والمبادئ السامية التي تحقق السعادة في الدنيا والآخرة.

أولا: الصلاة وفضائلها

إن من يدرس هذه الفضيلة دراسة واعية مستفيضة يدرك أنها تشتمل على كثير من الفضائل التي تسهم في سعادة الفرد والمجتمع ومن هذه الفضائل ما يأتي: _

1_ إنها تعوِّد المؤمن مراقبة الله وخشيته، إذ يقف العبد فيها فارغا من الشواغل موجها قلبه إلى مولاه يناجيه ويثني عليه بما هو أهله خائفا عقابه طامعا في رحمته طالبا منه العون والهداية فيؤثر ذلك في نفسه ويعوده مراقبة الله وخشيته فيجتنب ما يغضب مولاه عما حرم الله.

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} .

2_ الصلاة تمد المؤمن بقوة روحية تعينه على مواجهة المشقات والمكاره في الحياة الدنيا {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

3_ إن في الصلاة غذاء روحيا للمؤمن يعينه على مقاومة الجزع عند الشر والمنع عند الخير والتغلب على جوانب الضعف الإنساني {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} .

4_ إن الصلاة سبب لمحو الخطايا وغفران الذنوب فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أرأيت لو أن نهرا على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فهل يبقى على بدنه من درنه شيء قالوا: لا قال فذلك مثَل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا” أخرجه البخاري ومسلم.

5_ إن الصلاة تعلم العبد بما فيها من الركوع والسجود والثناء والتعظيم كيف يتواضع لله، وكيف يشكر من أحسن إليه ويكافئ من أسدى إليه معروفا.

6_ إن الصلاة بما فيها من الخشوع ترقق قلب المؤمن وتملأه رحمة وقناعة فيرحم الضعفاء، ويواسي البؤساء، ويرضى عن الله في الشدة والرخاء.

7_ إن في الصلاة غذاء للروح لا يغني عنه علم ولا أدب فالصلوات الخمس هي وجبات الغذاء اليومي للروح كما أن للمعدة وجباتها اليومية يناجي المصلي فيها ربه فتكاد تشف روحه وتصفو نفسه فتسمع كلام الله الذي يقول: “قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل” رواه مسلم.

8_ في الصلاة تدريب للمسلم على النظام وتعويد له على الطاعة ويظهر هذا واضحا في صلاة الجماعة إذ يقف المسلمون في صفوف مستقيمة متلاصقة فلا عوج ولا فرج المنكب إلى المنكب والقدم إلى القدم فإذا كبر الإمام كبروا وإذا قرأ أنصتوا، وإذا ركع ركعوا، وإذا سجد سجدوا، وإذا سلم سلموا، من خرج على هذا النظام فكأنما خرج على الإنسانية وانحط إلى مستوى الحيوانية11 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص45. ففي الحديث الشريف: “ألا يخشى الذي يركع أو يسجد قبل الإمام أن يمسخ الله رأسه رأس حمار” رواه البخاري ومسلم.

9_ في صلاة الجماعة مظهر من مظاهر المساواة الرائعة إذ يقف الأمير إلى جانب الفقير والغني في جوار المسكين، والسيد في محاذاة الخادم، فليس في المسجد لائحة تخصص الصف الأول للوزراء والصف الثاني للنواب، والصف الثالث للمدير وإنما الجميع سواسية كأسنان المشط فمن بكَّر في الذهاب إلى المسجد احتل مكانه في مقدمته أيّاً كانت منزلته وأيّاً كان عمله في الناس22 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص58..

10_ في صلاة الجماعة دعم لعاطفة الأخوة وتقوية لروابط المحبة وإظهار للقوة فبالاجتماع تذهب الضغائن وتزول الأحقاد، وتتآلف القلوب وتتحد الكلمة.

11_ في صلاة الجماعة تظهر عظمة ملك الملوك ورب الأرباب ويعم الخير وتنتشر الرحمة لأن المسلمين إذا اجتمعوا في صعيد واحد وراء إمام واحد إلى قبلة واحدة يعبدون ربّاً واحدا خاشعين خاضعين خائفين عذابه طامعين في فضله غشيتهم رحمته وعمهم إحسانه {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .

12_ الصلاة تعود على البدن بنفع عظيم فهي تقوى العضلات وتسبب اليقظة المبكرة والنشاط لجميع الجوارح فالجسم في الصلاة يعمل قائما وقاعدا وراكعا واللسان يعمل قارئا مكبرا مسبحا مهللا33 المرجع السابق ص48. والعقل يعمل متدبرا متفكرا فيما يتلى عليه من القرآن والقلب يعمل مستحضرا رقابة الله تعالى وحشيته والشوق إليه.

13_ إنها تسهم في حماية العبد من الأمراض التي تفتك به وتعوقه عن العمل لدنياه وأخراه لما فيها من الحث على النظافة فقد جعل الإسلام مفتاحها طهارة البدن والثوب والمكان.

عناية الإسلام بالصلاة

لقد عني الإسلام بالصلاة لما فيها من الفضائل ولما تشتمل عليه من الخير والنفع فشدد كل التشديد في طلبها وحذر كل التحذير من تركها أو تأخيرها عن أوقاتها فهي عمود الدين ومفتاح الجنة وخير الأعمال وأول ما يحاسب عليه المرء المؤمن44 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص34. يوم القيامة يذكرها القرآن الكريم في دعاء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} .

ويمدح بها إسماعيل عليه الصلاة والسلام {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} .

ويأمر الله تعالى كليمه موسى عليه الصلاة والسلام بإقامتها أول ما يأمره به في ساعات الوحي الإلهي {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} .

ويوحي إليه وإلى أخيه هارون عليهما الصلاة والسلام {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} .

ومن وصايا لقمان لابنه {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} .

وينطق عيسى عليه السلام وهو في مهده {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} . ويأمر بها خام أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ} .

ويؤكد الإسلام عليها في الحضر والسفر والأمن والخوف والسلم والحرب {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانا} .

وينذر بالويل والهلاك من يصرف قلبه عنها أو يؤخرها عن وقتها فيضيعها {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} .

ويجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم الدليل الأول على التزام عقد الإيمان والشعار الفاصل بين المسلم والكافر ففي الحديث الشريف “بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة” رواه أحمد ومسلم.

وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم يوما فقال: “من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف” أحمد وابن حبان.

وفي توجيه هذا الحديث كلام حسن خلاصته أن من شغله عن الصلاة ماله فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.

وفي الحديث الشريف “من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله” رواه ابن حبان تلك هي مكانة الصلاة في الإسلام ولهذه المكانة كانت أول عبادة فرضت على المسلمين فقد فرضت في مكة قبل الهجرة بسنتين تقريبا، وكانت طريقة فرضيتها دليلا آخر على عناية الله تعالى بها إذ فرضت ليلة الإسراء والمعراج بخطاب مباشر من رب العالمين تبارك وتعالى إلى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

الصلاة التي يريدها الإسلام

إن الصلاة التي يريدها الإسلام والتي تشتمل على الفضائل التي سلفت ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان، وحركات تؤديها الجوارح بلا تدبر من عقل ولا خشوع من قلب، أو تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديك55 من محاسن الإسلام للأستاذ احمد عز الدين ص41. كلا وإنما الصلاة التي يريدها الإسلام هي التي تأخذ حقها من التأمل والخشية واستحضار عظمة المعبود جل جلاله لأن القصد الأول من الصلاة هو تذكير الإنسان بربه عز وجل {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} فالصلاة التي يريدها الإسلام لابد فيها من حضور القلب والعقل معا فالقلب يستحضر عظمة المعبود والعقل يتدبر فيما يتلى من القرآن، وبحضور القلب والعقل تسكن الجوارح ويتم الخشوع، وتؤتي الصلاة ثمارها، ويحظى المصلي بفضلها وثوابها وتقوى صلته بربه فيسعد في الدنيا والآخرة يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه”.

ثانيا: الزكاة وفضائلها

ومن العبادات التي تشتمل على كثير من الفضائل (الزكاة) ومن فضائلها ما يأتي:

1_ إنها تغرس في نفس المؤمن فضيلة السخاء وتطهر نفسه من رذيلة الشح فيفوز برضا الله ويسعد بتوفيقه {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

2_ الزكاة فيها سدّ لحاجة الفقراء وتفريج لكربة الغارمين وتيسير لأبناء السبيل وعون على المصالح العامة.

3_ إنها تخرج الأضغان من قلوب البائسين وحقدهم على الأغنياء المترفين وتملأ قلوبهم بمحبتهم وتمنعهم من الإساءة إليهم وبذلك يسود الأمن وبذلك تكون الألفة والإخاء.

4_ الزكاة فيها تطهير للمال من الشر ففي الحديث الشريف “إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره” رواه الحاكم وفي الحديث الشريف أيضا: “حصنوا أموالكم بالزكاة” رواه أبو داود.

5_ الزكاة ضمان اجتماعي66 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص64. لأن الإسلام يأبى أن يكون في مجتمعه من لا يجد القوت الذي يكفيه والثوب الذي يواريه والبيت الذي يؤويه فهذه ضرورات يجب أن تتوافر لكل من يعيش في ظل الإسلام الرحيم والمسلم مطالب بأن يحقق هذه الضرورات وما فوقها من جهده وكسبه فإن لم يستطع فالمجتمع يكفله ويضمنه والزكاة مورد أساسي لهذه الكفالة الاجتماعية التي فرضها الإسلام لفقراء والمساكين {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} .

6_ الزكاة أمضى سلاح لمحاربة كنز الأموال ولإخراج النقود من مخابئها فالمال المخبوء تأكله الزكاة.

هذه هي بعض الفضائل التي تشتمل عليها هذه الفريضة ولو أن الناس أخرجوا زكاة أموالهم كما أمرهم ربهم لسدت حاجة الفقراء والمساكين ولعاش الناس إخوة متحابين متآلفين ولكن بعض الأغنياء بخلوا بزكاة أموالهم فمنعوها مستحقيها فكانوا سببا في انتشار الأحقاد والضغائن وحدوث كثير من المفاسد والجرائم.

ثالثا: الصيام وفضائله

كذلك من العبادات ذات الأثر الحسن في إصلاح القلوب وتهذيب النفوس (الصيام) فهو يشتمل على كثير من الفضائل نذكر بعضها:

1_ في الصيام ضبط للنفس وإطفاء لشهواتها فإنها إذا شبعت تمردت وسعت وراء شهواتها وإذا جاعت خضعت وامتنعت عما تهوى قال صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فهو له وجاء” فإنه يكسر من شهوة الشباب حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العنت والفاحشة فكان الصوم ذريعة إلى كف النفس عن المعاصي.

2_ إن الصيام وسيلة إلى إصلاح النفوس وتهذيبها إنه يربي في الإنسان فضيلة الصدق والوفاء والإخلاص والأمانة والصبر عند الشدائد لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن الحلال من الغذاء الذي لا غنى لها عنه طلبا لمرضاة الله وخوفا من أليم عذابه فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام الغنية عنه فلا يكذب الصائم ولا يغدر ولا ينقض عهدا ولا يخلف وعدا ولا يكون مرائيا ولا خائنا فكان الصوم سببا في اتقاء المحارم وقوة العزيمة والتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل وإلى هذا كله أشار جل جلاله بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

3_ الصوم يدعو إلى شكر النعمة إذ هو كف للنفس عن الطعام والشراب ومباشرة النساء وكل هذا من جلائل نعم الله عز وجل على خلقه والامتناع عن هذه النعم من أول اليوم إلى آخره يعرف الإنسان قدرها إذ لا يعرف فضل النعمة إلا بعد فقدها فيعينه ذلك على القيام بشكرها، وشكر النعمة واجب وإلى هذا أشار جل وعلا بقوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

4_ الصيام يبعث في الإنسان فضيلة الرحمة بالفقراء والعطف على البائسين فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات تذكر الفقير الجائع في كل الأوقات فيسارع إلى رحمته والإحسان إليه.

5_ في الصيام تمام التسليم لله وكمال العبودية له فالصائم يجوع ويعطش وأسباب الغذاء والري أمامه77 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص69. ميسرة لولا حب الله تعالى والرغبة في رضاه ولهذا جاء في الحديث القدسي “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي يدع شهوته وطعامه من أجلي” رواه مسلم.

6_ الصيام يعود على البدن بالصحة ويكون سببا في شفاء كثير من الأمراض إذ فيه راحة للمعدة من عناء الهضم وتخليص للجسم من فضلاته الضارة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول “صوموا تصحوا” رواه الطبراني.

هذا هو الصيام لم يشرعه الله تعالى تعذيبا للبشر ولا انتقاما منهم وإنما شرعه إيقاظا لأرواحهم وتصحيحا لأجسامهم وتقوية لإرادتهم وتعويدا لهم على الصبر وتعريفا لهم بالنعمة وتربية لمشاعر الرحمة فيهم وتدريبا لهم على كمال التسليم لله رب العالمين88 المرجع السابق ص71..

رابعا: الحج وفضائله

إن في فريضة الحج كثيرا من الفضائل التي تسهم في تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة ومن هذه الفضائل ما يأتي:_

1_ الحج غذاء روحي كبير تمتلئ فيه جوانح المسلم خشية وتقى لله رب العالمين، ففي كل منسك من مناسكه غذاء للروح فما الإحرام إلا تجرد من شهوات النفس والهوى وحبس للنفس عما سوى الله عز وجل وحث على التفكير في عظمة الله جل جلاله وحث على تذكر الموت والاستعداد له بالعمل الصالح فالحاج في لباس إحرامه يذكر بالميت في أكفانه، وما التلبية إلا استجابة وذكر وطاعة وامتثال، وما الطواف بعد التجرد إلا استحضار لعظمة الله تعالى حول بيته، وامتثال لأمره {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وما السعي بين الصفا والمروة إلا تردد بينهما التماسا لرحمة الله تعالى وطلبا لمغفرته، وما الوقوف بعرفة إلا بذل99 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص79. للمهج في الضراعة إلى الله بقلوب مملوءة بالخشية وأيد مرفوعة بالرجاء وألسنة لاهجة بالدعاء وآمال صادقة في أرحم الراحمين، وما الرمي بعد ذلك إلا رمز لاحتقار عوامل الشر ونزغات الشيطان، وما الذبح إلا إراقة للدم الذي أمر الله به أن يراق ورمز للتضحية والفداء.

{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

2_ في الحج تدريب على ركوب الأخطار وتحمل المشقات ومفارقة الأهل والتضحية بالراحة والدعة في الحياة الرتيبة بين الأهل والأصحاب.

3_ في الحج تدريب للمسلم على المبادئ الإسلامية العالية التي جاء بها الإسلام ففي وحدة مظهر الحجاج في إحرامهم معنى المساواة في أجلى صورها وأتمها.

4_ في الحج ترى معنى الوحدة الإسلامية جليا كالشمس فشعور المسلمين فيه واحد وشعائرهم واحدة لا إقليمية ولا عنصرية ولا عصبية للون أو جنس أو طبقة فكلهم مسلمون يؤمنون برب واحد ويطوفون ببيت واحد1010 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص82..

5_ الحج مظهر من مظاهر السلام فأرض الحج هي البلد الحرام والبيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، ومن دخله كان آمنا. إنها منطقة أمان شمل الطير في الجو والصيد في البر والنبات في الأرض فهذه المنطقة لا يصاد صيدها ولا يروع طيرها ولا حيوانها ولا يقطع شجرها ولا حشائشها1111 المرجع السابق ص83..

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} {حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} .

6_ الحج مؤتمر إسلامي عظيم فهناك يجد المسلم إخوانا له في الدين من قارات الدنيا الخمس اختلفت أقاليمهم وألوانهم ولغاتهم وجمعتهم رابطة الإيمان والإسلام1212 المرجع السابق ص84. فما أجدر المسلمين أن ينتفعوا من هذا المؤتمر السنوي بما يعود عليهم بالخير في أمر دينهم وأمر دنياهم {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم} .

هذه هي بعض الفضائل التي تشتمل عليها العبادات، وهذه الفضائل لا تحصل للعابد إلا إذا أسس عبادته على التوحيد بأن يصرف كل هذه العبادات لله وحده وأن يحسن أداءها بحيث يأتي بها على الوجه الذي شرعه الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

الهوامش

1 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص45.

2 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص58.

3 المرجع السابق ص48.

4 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص34.

5 من محاسن الإسلام للأستاذ احمد عز الدين ص41.

6 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص64.

7 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص69.

8 المرجع السابق ص71.

9 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص79.

10 من محاسن الإسلام للأستاذ أحمد عز الدين ص82.

11 المرجع السابق ص83.

12 المرجع السابق ص84.

المصدر

كتاب: “العبادات في الإسلام وأثرها في إصلاح المجتمع” محمود السيد شيخون…

اقرأ أيضا

الآثار السلوكية لتوحيد العبادة

ارتباط الأخلاق بالعبادة

دور “التعبُّد” في تربية المسلم

من أسباب حياة القلوب

التعليقات غير متاحة