طوفان الأقصى درس كشف مجموعة من نقاط الضعف في النسيج العربي الإسلامي، درس يُجدد في فهمنا وسلوكنا، أنَّ مجد الإسلام لا يكون إلا بإحياء فريضة الجهاد في سبيل الله، وتربية الشباب لحب الشهادة في سبيله، ورفع راية لا إله إلا الله في جميع الميادين…

تقديم

تعتبر السيرة النبوية مصدرًا غنيًا بالأحداث والدروس والعبر في جميع جوانب الحياة، سواء الحياة الشخصية للرسول صلى الله عليه وسلم أو الحياة العامة. إن السيرة النبوية تُعَد الدرس العملي والتطبيقي للمسلمين في حياتهم. في بداية الدعوة الإسلامية، واجهت قريش الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع الوسائل لمنع انتشار الدعوة الإسلامية. استخدموا الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، ساوموه بالمال والجاه، وتوسلوا إلى عمه لإقناعه بالتخلي عن الدعوة. طالبوه بعبادة دينهم يومًا ويعبدون دينهم يومًا آخر. عذبوا أصحابه، وحاصروهم في شعاب مكة. فشلت جميع هذه المكائد، لذا فكروا في قتله والتخلص منه، ليتوزع دمه على القبائل حتى لا تقدر قبيلة بني هاشم على مواجهة قريش وتقبل بالدية.

الحرب على غزة تكشف قسوة وحيوانية الصهاينة

هذه المشاهد كلها أو جزء منها نشاهدها اليوم ونراها في غزة تتكرر، قتل الأطفال والنساء و الشيوخ ، حصار، تدمير المستشفيات والدور، أطنان من القنابل والمتفجرات تدك كل شبر من غزة، بجنون وبشاعة لا مثيل لها، تكشف معدن هذا النوع من البشر، الذين وصفهم الله تعالى بالقاسية قلوبهم ، لا يرحمون صغيرا، ولا امرأة ولا شيخا كبيرا، قسوة وحيوانية لا مثيل لها كل هذا بدعم عالمي أمريكي غربي، ينم عن الكراهية وفقدان للإنسانية، وللأخلاق، عالم صليبي يختبئ بوجهه السيئ وراء الديمقراطية وحقوق الإنسان …

مشاهد من طوفان الأقصى

فما هي المشاهد التي كشف عنها طوفان الأقصى؟

المشهد الأول حب الشهادة في سبيل الله

كشف طوفان الأقصى على أن المدخل الحقيقي لأي نصر في هذه الحياة ، هو تربية جيل يحب الاستشهاد في سبيل الله تعالى، فأهل غزة صادقون في طلب الشهادة، صادقون في نصرة الأقصى وتحريره، قال اسماعيل هنية: ” أرواحنا أهلنا دماؤنا أبناؤنا فداء للقدس والأقصى”. صدق فيهم قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:111].

يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: ويُهيب بنا نداء العناية الإلهية بصوت الجهاد في فلسطين لنذكر الله والآخرة والجنة، ولنطلب الشهادة، ونتجرد من الدنيا، ونبْرأ من أصل الداء وجذر الفتنة وخطير البلاء: الوهن، وهو حب الدنيا وكراهية الموت1[1] – عبد السلام ياسين ، سنة الله ، ص 172..

فالشهيد أعد الله له حياة طيبة، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران:169-170]

أعطى الله الشهادة لجميع من يقاتل في غزة للمرابط تحت الأنفاق، وللمرابط في أرضه ووطنه رافض الهجرة؛ فالشّهيد كما بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشمل كلاًّ من: المبطون، والميّت بالطاعون، والمحروق، وصاحب الهدم -من يموت تحت الأنقاض-، والنّفساء التي تموت بسبب الولد، فطوبى لأهل غزة بهذه الجائزة، فلا حياة للأمة بدون حب الشهادة…

المشهد الثاني كشف قوة الحاضنة الشعبية في الميدان

ثبات الشعب الغزاوي رغم القتل والدمار، رغم التجويع والحصار، ثبات قل نظيره في عالم مادي، ثبات يذكرنا بالصحابة رضي الله عنهم ، في تمسكهم بدينهم والدفاع عنه، هذا الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، ألم تر إلى أبي سفيان حين سأله هرقل ـ ملك الروم ـ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه؟! فقال ـ وكان وقتها مشركاً ـ : لا، قال هرقل: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27]، مشهد الصمود والثبات وهو مشهد يذكرنا بأهل بدر “كم من فئة قليلة غلبة فئة كثيرة” ، فأذاقوا قريشا أشد العذاب، وهو نفس الشيء الآن يتكرر في غزة ، المجاهدون مرغوا جيش الاحتلال ، وأذاقوه شر هزيمة ، لم يكن يتصور مثلها يوما ما …

شعب غزة يعرف جيدا رسالته

يقول عبد السلام ياسين رحمه الله: رسالتنا لأنفسنا وللإنسان أن يكون الله عز وجل غاية كل فرد من العباد. أن يكون ابتغاء رضاه، والسباق إلى مغفرته وجنته، والسير على مدارج الإيمان والإحسان لمعرفته، والوصول إليه، والنظر إلى وجهه الكريم، منطلق الإرادة، وحادي المسارعة وقبلة الرجاء. هذا معنى أن الإسلام دعوة إلى الله، دعوة إلى الاستسلام بين يديه، نحب لقاءه، ونطيع أمره، ونقبل حاكميته، ونجاهد لإعلاء كلمته، ونطلب الاستشهاد في سبيله. بهذا فقط نكون قدرا من قدر الله2[2] – عبد السلام ياسين ، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا ، ص22..

المشهد الثالث كشف دور المنافقين في حصار الدعوة

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة:73]، قال ابن مسعود: يجاهدهم بيده، فإن لم يستطع فليكْفَهِرَّ في وجوههم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان. أُذهِبَ الرفق عنهم.

هذا الصنف من البشر، حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وخصهم الحق سبحانه بسورة في كتابه الكريم تذكر وتتلى في كل وقت وحين، لأن مكرهم وخيانتهم تتكرر، أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحذر منهم وبين علاماتهم، وكلف بهم صحابي يحصي أسمائهم، لخطورة أفعالهم على الدعوة والدعاة، أخطر ما خلق الله تعالى، لذلك وعدهم بالدرك الأسفل من النار، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء:145].

مشهد المنافقين الذين ساندوا الكفار في حربهم على الرسول صلى الله عليهم وسلم ، نفسه يتكرر اليوم على أهل غزة جموع من المسلمين وحكامهم لا تستطيع فك الحصار على أهل غزة ، لا تستطيع تقديم الطعام والدواء، فالقليل من اليهود يتفننون في إذلال أمة يفوق عددها المليار والنصف.

المشهد الرابع كشف الحقد الصليبي على الإسلام

مشهد مؤلم أن تتحرك الدول الكبرى في العالم بأسطولها الحربي وبحاملات الطائرات الحربية، لقتل شعب أعزل محاصر مند سنوات لا يملك شيء سوى إيمانه بالله تعالى، وبقضيته في تحرير أرضه، جل الدول الصليبية تتحرك لدعم الكيان اللقيط تدعمه بالسلاح والمال والغذاء .كانت غزوة الأحزاب من أهم الغزوات التي حدثت في التاريخ الإسلامي، حيثُ لاقى المسلمون أذى كبير في هذه المعركة، ولكنهم تحملوا وحاربوا بشجاعة فانتصروا في نهاية الأمر، فعندما عرف النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم جيش المشركين أمر النبي الصحابي سلمان الفارسي بحفر خندق في اتجاه شمال المدينة المنورة، حتى يمنع هذا الخندق جيوش الأحزاب من دخول المدينة، فلولا الأنفاق، والقدرة الإلهية في حماية عباده، لكانت إبادة جماعية لهذه الثلة من البشر المؤمنة.

المشهد الخامس التأييد الرباني

هل كان يعتقد أحد أن هذه البقعة الصغيرة التي يحاصرها القريب قبل البعيد تستطيع أن تصمد هذه المدة الطويلة أمام جيوش العالم المتنوعة، أليس هناك تأييد رباني؟ أليس هذا الحدث يذكرنا بغزوة بدر؟ قال الله تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: 123]، حدثت هذه الغزوة بعد أن أذن الله لعباده بالقتال، ودخول عدد كبير من أهل المدينة في الإسلام بعدما بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على النصرة والجهاد، فحقق الله للمسلمين في هذه المعركة الكبرى انتصاراً عظيماً، وكانت فرقانا بين الحق والباطل، وهذا ما نتمناه في طوفان الأقصى أن يكون قنطرة للعبور الى المسجد الأقصى وتحريره، وإرجاع العزة والكرامة للأمة جمعاء…

خاتمة

طوفان الأقصى درس كشف مجموعة من نقط الضعف في النسيج العربي الإسلامي، درس يُجدد في فهمنا وسلوكنا، أنَّ مجد الإسلام لا يكون إلا بإحياء فريضة الجهاد في سبيل الله، وتربية الشباب لحب الشهادة في سبيله، ورفع راية لا إله إلا الله في جميع الميادين، فما ترك قومٌ الجهاد إلا وسلّط الله عليهم الذلّة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما نبغي العزة بغير الإسلام أذلنا الله”…

الهوامش

[1] – عبد السلام ياسين ، سنة الله ، ص 172.

[2] – عبد السلام ياسين ، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا ، ص22.

المصدر

مجلة المنار، د/سعيد العيوشي.

اقرأ أيضا

أرض الرباط نموذج ” التصفية والتربية “

تداعيات الطوفان على الاقتصاد الإسرائيلي

دروس ووصايا من ملحمة الإباء في طوفان الأقصى

طوفان الأقصى.. هل يبلغ مداه الأقصى..؟

“طوفان الأقصى” في عيون الصهاينة

التعليقات غير متاحة