عملت حركة حماس ومعها عديد من الفصائل الإسلامية في الإعداد العسكري والتسليح طوال تلك الفترة؛ استعدادًا لمواجهة اليهود؛ لاستنقاذ القدس والمسجد الأقصى وفلسطين من براثن هؤلاء المعتدين المحتلين الذين لم يهدأ لهم بال طوال الوقت في الإعداد لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه، وطرد المسلمين من الضفة الغربية وغزة وغيرها من مناطق تواجدهم.

كيف كان الحال قبل طوفان الأقصى؟

لم يبدأ طوفان الأقصى من 7 أكتوبر، بل كانت نتيجة معاناة طويلة امتدت ل75 عاما من الظلم، وصراع التحرير.

ومن المعلوم أيضا أن اليهود قد اغتصبوا أرض فلسطين -وفيها القدس والمسجد الأقصى- منذ ٧٥ سنة، وقد كان المسلمون في حالة شديدة من الضعف والهوان وما زالوا فارتكب اليهود ومن يدعمهم من النصارى المجازر تلو المجازر في الشعب الفلسطيني المسلم، وهدموا الكثير من الديار، واعتقلوا الأعداد الضخمة على مر تلك السنين، وقاموا بحصر المسلمين في أماكن محدودة؛ كالضفة الغربية المحاذية للأردن، وقطاع غزة المحاذي لمصر.

وقد نجحت حركة حماس الإسلامية في حكم غزة، بينما تحكمت حكومة عباس العلمانية الموالية للصهاينة في الضفة الغربية.

وقد عملت حركة حماس ومعها عديد من الفصائل الإسلامية في الإعداد العسكري والتسليح طوال تلك الفترة؛ استعدادًا لمواجهة اليهود؛ لاستنقاذ القدس والمسجد الأقصى وفلسطين من براثن هؤلاء المعتدين المحتلين الذين لم يهدأ لهم بال طوال الوقت في الإعداد لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه، وطرد المسلمين من الضفة الغربية وغزة وغيرها من مناطق تواجدهم.

خطوات صهيونية عربية نحو تهويد الأقصى

ومؤخرا استقدم اليهود خمس بقرات حمراء ذات مواصفات خاصة معروفة عندهم من تكساس الأمريكية، واستعدوا لذبحها لبدأ ما يدعونه من نبوءات لبناء الهيكل وطرد المسلمين، وبدا ظاهرا تواطؤ كافة الدول العربية في المنطقة معهم؛ فهذه مصر -مثلا- تطرد سكان مدينتين كبيرتين في سيناء وهما: رفح والشيخ زويد، وإحاطتهما بأسوار عالية في تمهيد واضح لترحيل سكان غزة إلى سيناء.

ويستمر المخطط؛ فبدأت أعداد كبيرة من اليهود في اقتحام المسجد الأقصى – يوميا – بحراسات مشددة، وطقوس مصحوبة بالموسيقى، واحتفالات صاخبة في ساحات المسجد الأقصى، ولمنع المسلمون من الصلاة في المسجد الأقصى – إلا من كان فوق السبعين من عمره -، وتم طرد وضرب وإهانة واعتقال كل من يأتي للمسجد من المسلمين.

إضافة إلى ما يعانيه قطاع غزة من حصار ظالم منذ ١٦ عاما، حتى أصبح أهله يموتون ببطء، وما يعانيه آلاف السجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال من إهانة وتنكيل وتعذيب وتحرش وسجن طويل ظلما، وفيهم مئات النساء والأطفال..

إضافة إلى خطوات التطبيع المتسارعة، والتي أدت إلى نسيان القضية الفلسطينية..

طوفان الأقصى وكشف خطط اليهود الوشيكة

فكان اختيار حماس لهذا التوقيت لضرب اليهود المحتلين لما يسمى بمستوطنات غلاف غزة، كان أنسب توقيت لإفساد خطط اليهود الوشيكة، وبدأت قيادات غزة باستنفار جنود الإسلام، وقد وفقهم الله تعالى لقتل وأسر الآلاف من الجنود والمسلحين اليهود والاستيلاء على كثير من الأسلحة والأوراق العسكرية والاستخباراتية -الشديدة الأهمية- والتي تكشف خطط وتمركزات وعملاء جيش اليهود، مما أثار غضب اليهود -معهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم من دول أوروبا النصرانية الحاقدة-.

واستمرت خسة اليهود؛ فبدلا من المواجهات العسكرية مع جنود غزة قاموا بكل نذالة بقصف النساء والأطفال وكبار السن والمستشفيات والمساجد والأفران وكافة مرافق غزة -بعد قطع الماء والكهرباء والاتصالات عنهم-.

وكالعادة خذل حكام بلاد العرب والإسلام أهل غزة، بل وحاصرتهم مصر خوفًا من اليهود فلم تسمح بمرور المساعدات ولا الجرحى المحتاجين للإسعاف العاجل.

فكان لزاما على كل مسلم مستطيع بذل كل الجهود لرد اعتداء هؤلاء اليهود والنصارى.

جهاد الدفع فرض عين على جميع المستطيعين

إنه لمن المقرر والمتفق عليه بين العلماء أن جهاد الدفع فرض عين على جميع المستطيعين، وفيه يستخدم المسلمون ما أمكنهم من حيلة وسلاح، ولا يشترط له توفر القدرة التامة والإمكانات العالية؛ بل إن العدو يدفع حسب الإمكان؛ قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: … إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع؛ فلم يجز لأحد التخلف عنه..1(1) [المغني (۳۸۳/۱۰)]..

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين؛ فواجب إجماعا؛ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده2(2) [الفتاوى الكبرى (٥٣٨/٥)]. .

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه؛ العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجبًا عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع لا جهاد اختيار3(3) [الفروسية ص(۱۸۸)]..

وعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك» قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله» قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»4(4) [رواه مسلم (١٤٠)]. .

قال ابن باز رحمه الله: وهذا حديث عظيم يدل على أن من قتل من المسلمين مظلوما فهو شهيد. فلله الحمد والمنة على ذلك5(5) [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة له (١٢٤/٦)]..

الانتصار للحق والاستعلاء على الباطل مطلب شرعي

إن الأخذ بالعزيمة والانتصار للحق والاستعلاء على الباطل ومدافعته مجمع عليه في الجملة بين علماء الإسلام، وهو بحد ذاته نصر عظيم، ومطلب شرعي، ولو أدى إلى إزهاق النفس؛ ولذا أنطق الله الرضيع ليثبت أمه كي تلقي بنفسها معه في النار في قصة أصحاب الأخدود؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في آخر القصة: «… حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق»6(6) [رواه مسلم (٣٠٠٥)]..

وهذه العزيمة لا يستطيعها إلا أصحاب النفوس الكبيرة…

وقد أبت عقول وأيادي شباب الإسلام في غزة -بحمد الله تعالى- إلا أن تذيق العدو مرارات إثر مرارات بما ارتكبوا من جرائم في حق المسلمين؛ فابتكروا لهم صورًا للدفع من صواريخ وقذائف وعبوات تستخدم من المسافة صفر مما أرعب العدو أشد الرعب حتى امتنع كثير من جنود اليهود عن الحرب وتمردوا على قياداتهم حتى اضطروا لاستقدام الجنود المرتزقة من أمريكا وأوروبا – خذلهم الله تعالى- ورصدوا لهم الرواتب الضخمة ليحفزوهم على مواجهة رجال الإسلام.

هل تكافؤ القوة بين أهل الإسلام والكفر شرط للجهاد؟

وقد ظن بعض الناس أن تكافؤ القوة بين أهل الإسلام والكفر شرط للجهاد، وليس ذلك صحيحا في جهاد الدفع -وله تفصيله في جهاد الطلب-، وقد تقدم معنا قول ابن القيم رحمه الله تعالى.

وإذا كنا سننتظر لتكون لنا قوة كقوة يهود ومن يدعمهم من الغرب؛ فسيطول الانتظار، وسينفذ اليهود كل خططهم بكل أريحية، والمدد الأمريكي الأوروبي لن يجعلنا نتساوى في القوة مع اليهود -كما هو الواقع المنظور- ؛ فهذه حجة باطلة يبتها الشيطان في القلوب، وقد قال الله تعالى: .. (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ…) [البقرة:249-251].

قال ابن تيمية: …. وملاك الشجاعة الصبر الذي يتضمن قوة القلب وثباته ولهذا قال تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)7(7) [الاستقامة (٢٧٠/٢)]..

ويقول السعدي: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: بإرادته ومشيئته، فالأمر لله تعالى، والعزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فلا تعني الكثرة مع خذلانه، ولا تضر القلة مع نصره ..8(8) [تيسير الكريم الرحمن ص (۱۰۸)]..

خمسة أشياء تبتنى عليها قبة النصر

وإن أمر هذا العدو المتكبر لهين؛ بشرط الثبات، والذكر الكثير، وطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم التنازع، والصبر؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:45-46].

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء ما اجتمعت في فئة قط إلا نصرت وإن قلت وكثر عدوها:

أحدها: الثبات.

الثاني: كثرة ذكره سبحانه وتعالى.

الثالث: طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم.

الرابع: اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم؛ فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها.

الخامس: ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه؛ وهو الصبر.

فهذه خمسة أشياء تبتنى عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوى بعضها بعضا، وصار لها أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت آل الأمر إلى ما آل..9(9) [الفروسية ص(٥0٥-٥٠٦)]..

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عن هذه الآية: هذا تعليم الله عباده المؤمنين آداب اللقاء، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء10(10) [تفسير القرآن العظيم (٧٠/٤)]..

يا رب.. عزّ النصير وأنت خير نصير

فيا إخواننا في غزة وفلسطين لقد اعتمدتم على ركن شديد ما دمتم توكلتم على الله عز وجل وأخذتم بما تستطيعون من أسباب، فأنتم الطائفة المنصورة – بإذن الله – التي تقاتل نيابة عن الأمة لتحريرها وتحرير مقدساتها، لا يضركم من خالفكم ولا من خذلكم حتى يأتيكم وعد الله .. قال الله تعالى على لسان لوط عليه السلام-: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود:80].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر الله للوط؛ إن كان ليأوي إلى ركن شديد»11(11) [رواه البخاري (٣٣٧٥) ومسلم (١٥١)]..

قال النووي رحمه الله تعالى: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: «ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى رکن شديد». فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى؛ فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها، ومعنى الحديث والله أعلم أن لوطا صلى الله عليه وسلم لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في ذلك الحال: لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي، أو أوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم..12(12) [شرح مسلم (١٨٤/٢)]..

التوكل على الله عزّ وجلَّ في مواجهة الكفرة الفجرة

ولنا أسوة في أنبياء الله تعالى في التوكل على الله عزّ وجلَّ في مواجهة الكفرة الفجرة؛ فهذا هود عليه السلام يتحدى قومه متوكلا على الله تعالى؛ قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام-: … (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [هود:54-56].

ومثل ذلك كان من نبي الله نوح عليه السلام؛ قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ) [يونس:71].

قال السعدي: … (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) أي اعتمدت على الله في دفع كل شر يراد بي، وبما أدعو إليه، فهذا جندي، وعدتي. وأنتم فأتوا بما قدرتم عليه من أنواع العَدَدَ والعُددَ. (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) كلكم، بحيث لا يتخلف منكم أحد، ولا تدخروا من مجهودكم شيئًا. (وَ) أحضروا (شُرَكَاءَكُمْ) الذي كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين… إلى أن قال: وهو يقول لهم: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم، وأبدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد، فأوقعوا بي إن قدرتم على ذلك..13(13) [تيسير الكريم الرحمن ص (٣٦٩)]..

وخلاصة القول:

إنه عند انقطاع الأسباب وتخلي الناس فإن اللجوء يكون لله عز وجل خالصا، لا لرافضي عدو بغيض، ولا لباطني ملحد فيه كل سوء، ولا لعلماني عبد لأمريكا، ولا لغيرهم، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال:64].

وخذلان العلمانيين والمرتدين من العرب والعجم ليس مستغربا، بل هو من فضل الله تعالى؛ فإنهم لو ناصروكم لكانوا كما قال الله تعالى عن المنافقين: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة:46-47].

قال السعدي: (و) أما هؤلاء المنافقون ف(لَوْ أَرَادُوا الخرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةٌ) أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يعدوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج. (وَلَكِنْ كَرِه الله انْبِعَاثَهُمْ) معكم في الخروج للغزو (فَتَبَّطَهُمْ) قدرًا وقضاء، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) من النساء والمعذورين. ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا) أي: نقصا. (وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ) أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم. (وفيكُمْ) أناس ضعفاء العقول (سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم، فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فلله أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم. (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمين) فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم14(14) [تيسير الكريم الرحمن ص(٣٣٩)]..

وهذا أمر واقع مشاهد؛ فما وضع المنافقون من الروافض والعلمانيين المرتدين -وأشباههم- أقدامهم في بلد إلا أفسدوها ونشروا الفتن والمليشيات التي تنشر القتل والفتن وتقسم الناس إلى فرق متناحرة.

فنحمد الله تعالى أن تباعدت تلك الدول والفرق المفسدة، ولتتوكل على الله عز وجل وحده الذي بيده الخير كله ولن نخذل ما استقمنا على أوامره تبارك وتعالى، وحاشا لله أن تذهب تلك الدماء الزكية سدی..

نصر الله تعالى إخواننا المجاهدين في حماس وغزة وعموم فلسطين والشام.

الهوامش

(1) [المغني (۳۸۳/۱۰)].

(2) [الفتاوى الكبرى (٥٣٨/٥)].

(3) [الفروسية ص(۱۸۸)].

(4) [رواه مسلم (١٤٠)].

(5) [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة له (١٢٤/٦)].

(6) [رواه مسلم (٣٠٠٥)].

(7) [الاستقامة (٢٧٠/٢)].

(8) [تيسير الكريم الرحمن ص (۱۰۸)].

(9) [الفروسية ص(505-٥٠٦)].

(10) [تفسير القرآن العظيم (٧٠/٤)].

(11) [رواه البخاري (٣٣٧٥) ومسلم (١٥١)].

(12) [شرح مسلم (١٨٤/٢)].

(13) [تيسير الكريم الرحمن ص (٣٦٩)].

(14) [تيسير الكريم الرحمن ص(٣٣٩)].

اقرأ أيضا

طوفان الواجبات.. وواجبات الطوفان

أحوال اليهود عند القتال

وأعِدُّوا

إرهاصات النصر

لماذا يا حماس؟!

طوفان الأقصى

التعليقات غير متاحة