لقد أبت عقول وأيادي شباب الإسلام إلَّا أن تذيق العدو مرارات إثر مرارات بما ارتكبوا من جرائم في حق المسلمين؛ فنفروا للدفع والجهاد لنصرة الدين وانتقامًا للأعراض المنتهكة والمسجد الأقصى الجريح.

 الزحف الآن نحو فلسطين

تفاجأ العالم كله فجر يوم السبت الماضي (22 من ربيع الأول 1445هـ الموافق 7 أكتوبر 2023م) باستنفار القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف لعموم من يستطيع القتال ومن لا يستطيع من أهل غزة وفلسطين:

“اليوم كل من عنده بندقية فليخرجها فقد آن أوانها، ومن لم يستطع المشاركة في طوفان الأقصى بشكل مباشر فليشارك بالتضامن…”

ثم يستنفر ويوجه كلامه لعموم الأمة العربية والإسلامية:

“ابدأوا بالزحف الآن نحو فلسطين، ولا تجعلوا حدودًا ولا أنظمة ولا قيودًا تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى”.

فاستجاب له الموفقون الباحثون عن الشهادة، أو النصر والنكاية في اليهود، والغاضبون من تدنيس اليهود للمسجد الأقصى ومنع المسلمين من الصلاة فيه.

استجابوا نيابة عن الأمة الإسلامية التي استوجب عليها دفع اليهود عن كل شبر من بلاد فلسطين الإسلامية؛ فكانوا من خير معاش الناس لهم كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

«من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه…»1(1) [أخرجه مسلم (1889) من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه]..

بداية نصر وعز للأمة

ولقد تمكن هؤلاء الرجال من نزع الوهن من قلوبهم -الذي هو حب الدنيا وكراهية الموت- كما ثبت في حديث ثوبان رضي الله عنـه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:

«يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت»2(2) [أخرجه أبو داود (4299)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود]..

ليصدق فيهم قول القائل:

علو في الحياة وفي الممات….لحق أنت إحدى المعجزات3(3) [لأبي بكر الأنباري؛ انظر قوله في قرى الضيف (2/439) لابن أبي الدنيا].

فكان هذا اليوم -وما تلاه- بداية نصر وعز لهم ولأمتهم أبلوا فيه بلاء حسنًا، ونال منهم الشهادة من نالها وعاد من عاد بتبيض وجه أمته، وما زال الكثير منهم في نحر العدو، ثبتهم الله تعالى ونصرهم على عدوه وعدوهم.

الذين كفروا بعضهم أولياء بعض

وتأكدت بهذه الغزوة المباركة حقائق -لم تكن غائبة- تسفر عن وجهة أقوام ومواقفهم من الإسلام والمسلمـيـن؛ فقد سارع البيت الأبيض الأمريكي ومجلس الأمن القومي الأمريكي بقولهم: إن واشنطن “تقف بحزم” بجانب “إسرائيل” في مواجهة هجوم حركة حماس… ندين بشدة الهجمات الإرهابية غير المبررة لحماس على إسرائيل.

وسار على دربهم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي، وأكثر النصارى.

موقف حكام الدول العربية والإسلامية

وأما عموم حكام الدول العربية والإسلامية فقد كانوا على عادتهم في التخاذل والرد على الاستنفار بالمطالبة بضبط النفس، وقد كانوا هم السبب الأكبر لتطاول اليهود على مقدسات المسلمين تارة بالتطبيع مع اليهود وفتح بلادهم لهم ليدنسوها بالتجسس ونشر الفواحش والإجرام، وتارة بالتخاذل في نصرة المسجد الأقصى والمسلمين المستضعفين والمحاصرين باليهود وأعوانهم.

ونستثني من الحكام: حكام إمارة أفغانستان الإسلامية؛ فقد أعلنوا الاستعداد للنفير لتحرير المسجد الأقصى، وطالبوا الدول التي تحول بينهم وبين الوصول لفلسطين بفتخ المجال فلم تستجب لهم واحدة منها، وهي: إيران والعراق والأردن.

وأما الشعوب الإسلامية فقد ظهر من عمومهم الاستعداد للنفير إذا فتحت لهم الحكومات الطريق للجهاد، وقام الكثير منهم بالتظاهر نصرة للمجاهدين وغضبًا على اليهود.

وأما الروافض -قبحهم الله تعالى- في إيران ولبنان وحوثية اليمن فهم كالعادة: مجرد ظواهر صوتية؛ من أجبن خلق الله تعالى عن لقاء اليهود والنصارى -وأي عدو سوى أهل السنة والجماعة-.

إن الغطرسة الإسرائيلية هي سبب ما يحدث

وقد لخص كاتب يهودي غطرسة اليهود التي كانت دافعًا قويًّا للمجاهدين لتأديب اليهود، وننقل معظمه فيما يلي:

يقول جدعون ليفي -في صحيفة هآرتس-:

إن الغطرسة الإسرائيلية هي سبب ما يحدث.

فكرنا أنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع ثمنًا ولن نعاقب على ذلك أبدًا. نواصل دون تشويش، نعتقل، نقتل، نسيء معاملة، نسلب، نحمي مستوطِني المذابح، نزور قبر يوسف، وقبر عثنيئيل، ومذبح يشوع، وكلها في الأراضي الفلسطينية، وبالطبع نزور جبل الهيكل (يعني المسجد الأقصى) -أكثر من 5000 يهودي في عيد العرش-. نطلق النار على الأبرياء، نقتلع عيونهم ونهشِّم الوجوه، نرحِّلهم، نصادر أراضيهم وننهبهم، ونخطفهم من أسرَّتهم، ونقوم بتطهير عرقي، أيضًا نواصل الحصار غير المعقول على غزة، وكل شيء سيكون على ما يرام.

نبني حاجزًا هائلًا حول القطاع، كلفت بنيته تحت الأرض ثلاثة مليارات شيكل، ونكون آمنين… ثم يتضح أنه يمكن لجرافة بدائية وقديمة اختراق حتى أكثر العوائق تعقيدًا والأعلى تكلفة في العالم بسهولة نسبيًّا، عندما يكون هناك حافز كبير للقيام بذلك. انظروا، يمكن عبور هذا العائق المتغطرس بالدراجات الهوائية والنارية، رغم كل المليارات التي صرفت عليه، ورغم كل الخبراء المشهورين والمقاولين الذين كسبوا المال الكبير.

اعتقدنا أنه يمكن أن نواصل التحكم الدكتاتوري بغزة، ونرمي عليها هنا وهناك من فتات المعروفية المتمثل ببضعة آلاف من تصاريح العمل في إسرائيل -وهذه قطرة في محيط، وهي أيضًا مشروطة دائمًا بالسلوك السليم- ومقابل ذلك نبقيها سجنًا لهم.

نصنع السلام مع دول عربية، وتنسى قلوبنا الفلسطينيين، حتى يتم محوهم، كما كان يرغب عدد غير قليل من الإسرائيليين. نواصل احتجاز آلاف الأسرى الفلسطينيين، ومن بينهم أسرى بدون محاكمة، وأغلبهم سجناء سياسيون، ولا نوافق على مناقشة إطلاق سراحهم حتى بعد عقود في السجن. ونقول لهم إنه فقط بالقوة يمكن لأسراهم أن يحصلوا على الحرية. لقد ظننا أن نواصل بغطرسة صد أي محاولة للحل السياسي، لمجرد أنه لا يناسبنا الانشغال فيه، ومن المؤكد أن كل شيء سيستمر على هذا النحو إلى الأبد. ومرة ​​أخرى ثبت أن الأمر ليس كذلك. اخترق عدة مئات من المسلحين الفلسطينيين السياج وغزوا إسرائيل بطريقة لم يتخيلها أي إسرائيلي.

لقد أثبت بضع مئات من المقاتلين الفلسطينيين أنه من المستحيل سجن مليوني إنسان إلى الأبد، دون دفع ثمن باهظ. وكما هدمت الجرافة الفلسطينية القديمة المدخّنة بالأمس الجدار، وهو الأكثر تطورًا بين كل الجدران والأسوار، إلا أنها مزقت أيضًا عباءة الغطرسة واللا مبالاة الإسرائيلية. كما أنها مزقت فكرة أنه يكفي مهاجمة غزة بين المرة والأخرى بالطائرات الانتحارية بدون طيار… بالأمس رأت إسرائيل صورًا لم ترها في حياتها: سيارات عسكرية فلسطينية تقوم بدوريات في مدنها، وراكبو دراجات هوائية من غزة يدخلون بواباتها. هذه الصور يجب أن تمزق عباءة الغطرسة. قرر الفلسطينيون في غزة أنهم على استعداد لدفع أي شيء مقابل الحصول على لمحة من الحرية. هل هناك رجاء من ذلك؟ لا. هل ستتعلم إسرائيل الدرس؟ لا.

بالأمس كانوا يتحدثون بالفعل عن محو أحياء بأكملها في غزة، وعن احتلال قطاع غزة ومعاقبة غزة “كما لم تتم معاقبتها من قبل”. لكن اسرائيل تعاقب غزة منذ عام 1948م، دون توقف للحظة واحدة. 75 عامًا من التنكيل، والأسوأ ينتظرها الآن. إن التهديدات بـ “بمسح غزة” تثبت أمرًا واحدًا فقط: أننا لم نتعلم شيئًا.

إن الغطرسة موجودة لتبقى، حتى بعد أن دفعت إسرائيل مرة أخرى ثمنًا باهظًا.

يتحمل بنيامين نتنياهو مسؤولية ثقيلة جدًّا عما حدث، وعليه أن يدفع الثمن، لكن الأمر لم يبدأ معه ولن ينتهي بعد رحيله. وعلينا الآن أن نبكي بمرارة على الضحايا الإسرائيليين؛ ولكن علينا أيضًا أن نبكي على غزة. وغزة، التي معظم سكانها لاجئون خلقتهم أيدي إسرائيل؛ غزة التي لم تعرف يومًا واحدًا من الحرية. انتهى كلامه.

قدر كبير من الإنصاف

في كلمات هذا اليهودي قدر كبير من الإنصاف؛ فرغم أن كلامه هذا كان نصحًا لقومه؛ فلم يندفع في مغالطاتهم المعتادة، ولعل من يقرأ كلامه من نصارى الغرب وعلمانيي بني جلدتنا يعقلون قسطًا من الحقيقة التي شهد بها يهودي.

وإنصاف يهودي من أندر ما يكون؛ فهم قوم بُهْتٌ من قديم الزمان كما وصفهم عبد الله بن سلام رضي الله عنـه -وكان من أحبارهم ومَنَّ الله تعالى عليه بالإسلام-؛ عن أنس رضي الله عنـه قال:

سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي؛ فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: «أخبرني بهنَّ جبريل آنفًا». قال: جبريل؟ قال: «نعم». قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة. فقرأ هذه الآية: «﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ‌فَإِنَّهُ ‌نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، أما أول أشراط الساعة فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت». قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله إن اليهود قوم بُهْتٌ وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني. فجاءت اليهود فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أي رجل عبد الله فيكم؟» قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا. قال: «أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام». فقالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فقالوا: شَرُّنا وابن شَرِّنا. وانتقصوه. قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله4(4) [رواه البخاري (4480)]..

وفي رواية: قال -أي: عبد الله بن سلام-: فقلت: يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بُهْتٌ، أهل غدر، وكذب، وفجور؟5(5) [رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/531)]..

فتأمل كيف أن هذا هو حال كبراء اليهود وأحبارهم؛ ينقلبون على ما شهدوا به في نفس المجلس، وهم قدوات اليهود.. وحتى زماننا هذا فإن اليهود كما هم، والأصل الأصيل فيهم هو الغدر والخيانة والكذب والفجور.

ونقول لعموم المسلمين

يا أمة الإسلام: إن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة؛ فلا تلتفتوا إلى الحكام العملاء والمثبطين العاجزين، وصدق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ يقول:

«إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم»6(6) [رواه أبو داود (3462) وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وصححه الألباني في الصحيحة (11)]..

ولنتأمل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «حتى ترجعوا إلى دينكم»، كم فيه من الزجر عن ترك الجهاد؛ فقد جعله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تركًا للدين؛ يقول الصنعاني رحمه الله تعالى:

وفي هذه العبارة زجر بالغ وتقريع شديد حتى جعل ذلك بمنزلة الردة7(7) [سبل السلام (2/58)]..

الأخذ بالقوة ونبذ العجز

وأي ذلٍّ أشد مما يعانيه المسلمون منذ زمن بعيد، فلله درُّ شباب الإسلام في فلسطين الذين قرروا أن سبيل مقاومة الاحتلال اليهودي لن يكون إلا بلغة القوة، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها اليهود -بعد أن جرَّب الساسة كل سبل المفاوضات والمطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي ألقى بها اليهود عرض الحائط-، وكان ذلك منهم إحياء لفريضة الجهاد، وأخذًا بالعزم والقوة المأمور بها، ونبذًا للعجز الذي حل بأوصال عموم الشعوب الإسلامية رغم التوجيهات والأوامر الشرعية الحاضَّة على الأخذ بالقوة ونبذ العجز؛ قال الله تعالى:

﴿‌وَأَعِدُّوا ‌لَهُمْ ‌مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.

وعن أبي هريرة رضي الله عنـه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز…»8(8) [رواه مسلم (2664)]..

التفنن في سبل المقاومة والجهاد من القوة المطلوبة شرعًا، ومن الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ وترك العجز

قال النووي رحمه الله تعالى:

قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» والمراد بالقوة هنا: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة؛ فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك9(9) [شرح مسلم (16/215)]..

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ‌فإذا ‌كانت ‌الشياطين تأتي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتؤذيهم وتفسد عبادتهم فيدفعهم الله تعالى بما يؤيد به الأنبياء من الدعاء والذكر والعبادة ومن الجهاد باليد؛ فكيف من هو دون الأنبياء؟. فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قمع شياطين الإنس والجن بما أيده الله تعالى من أنواع العلوم والأعمال ومن أعظمها الصلاة والجهاد. وأكثر أحاديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصلاة والجهاد، فمن كان متَّبِعًا للأنبياء نصره الله سبحانه بما نصر به الأنبياء10(10) [مجموع الفتاوى (1/171)]..

والرعب الذي يعم اليهود الآن قد أخبر به -وبأمثاله- رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ يقول ما يؤيد هذا المعنى:

«نصرت بالرعب على العدو…»11(11) [رواه البخاري (2977) ومسلم (523) -واللفظ له- من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه مرفوعًا]..

وقد أبت عقول وأيادي شباب الإسلام إلَّا أن تذيق العدو مرارات إثر مرارات بما ارتكبوا من جرائم في حق المسلمين؛ فنفروا للدفع والجهاد لنصرة الدين وانتقامًا للأعراض المنتهكة والمسجد الأقصى الجريح.

وفي جهاد الدفع يستخدم المسلمون ما أمكنهم من حيلة وسلاح، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الإجماع على وجوب جهاد الدفع، وأنه لا يشترط له شرط من توفر القدرة التامة والإمكانات العالية؛ بل إن العدو يُدفع حسب الإمكان؛ يقول رحمه الله تعالى:

وأما الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده12(12) [الفتاوى الكبرى (5/538)]..

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

… فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمُّ وجوبًا، ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه؛ العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجبًا عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار13(13) [الفروسية صـ(188)]..

ونسوق هنا كلام أحد المفكرين المعاصرين وهو المستشار طارق البشرى -رحمه الله- الذي كان يشغل منصبًا هامًّا في الحكومة المصرية؛ يقول:

لا مهرب من استخدام العنف عند مواجهة استعمار استيطاني قائم على كسب الأمر الواقع بالقوة، أو يتوسـل لذلـك بـإبادة أصحـاب الحـق وأصحـاب الأمـر الواقـع القائم، بالطـرد أو بالقتـل. انتهى.

ويجب أن لا ننسى أنه مهما كان ضعف المسلمين فعليهم جهاد -باليد أو باللسان أو بالمال أو بالقلب وهو أضعف الإيمان-، وبمثل هذا كانت حياة هذه الأمة على مدار التاريخ، وستظل به حية إلى قيام الساعة..

إن مجرد تحديث النفس بالغزو هو من الجهاد، وترك تحديث النفس به شعبة من شعب النفاق كما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنـه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق»14(14) [رواه مسلم (1910)]..

فالمسلم الحق من يفكر دومًا حتى عندما يضع جنبه بعد تعب اليوم لينام فيُعْمِل فكره في أحوال المسلمين والمجاهدين، ويحدث نفسه باللحاق بذلك الركب المبارك الطيب لا من يفكر بلعبة أو مباراة أو امرأة، أو دنيا لن يأتيه منها إلا ما قدره الله عزَّ وجلَّ.

وحتى النساء المؤمنات؛ فها هي أم سليم رضي الله عنهـا تحمل الخنجر -وهو سلاح من لا سلاح له- وتحدث نفسها ببقر بطون المشركين به عندما تحين فرصة لذلك؛ عن أنس رضي الله عنـه أن أم سليم رضي الله عنهـا اتخذت يوم حنين خنجرًا فكان معها، فرآها أبو طلحة رضي الله عنـه فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما هذا الخنجر؟» قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه. فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضحك..15(15) [رواه مسلم (1809)]..

فيا أيها المجاهدون الأبرار

لا يضركم من خالفكم ولا من خذلكم؛ فأنتم -إن شاء الله تعالى- من الطائفة المنصورة القائمة بأمر الله تعالى -وهم بالشام-؛ عن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية رضي الله عنـه يقول: سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

«لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك».

قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشام. فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذًا يقول وهم بالشام16(16) [رواه البخاري (3641، 7460)]..

وعن سعيد الجريري أن مطرفًا قال: قال لي عمران بن حصين رضي الله عنـه: إني أحدثك الحديث أرجو أن ينفعك الله به. قال: فإني أراك تحب الجماعة. قال: قلت: إي والله، لأنا أحرص على الجماعة من الأرملة -أي إذا كانت الجماعة عرفتُ وجهي- قال: وقال عمران: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

«لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق -أو على الحق ظاهرين- لا يضرهم من خذلهم -أو فارقهم- حتى يأتي أمر الله» أو قال: «حتى تقوم الساعة». قال: وقال: نظرت في هذه العصابة فوجدتهم أهل الشام17(17) [رواه الروياني (119) وغيره، وسنده صحيح]..

وهنيئًا للمجاهدين الصابرين بحديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

«عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني: أصحابه- فعلم ما عليه فرجع حتى أُهريق دمه، فيقول الله عزَّ وجلَّ لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى أُهريق دمه»18(18) [رواه أبو دود (2538) وابن حبان (4729)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3981)]..

وفيه أحسن العزاء لمن فقد الرفقة الصابرة في جهاده فجاهد وحيدًا، وفقد التأييد من أقرب الناس إليه فجاهد لا يخاف في الله لومة لائم.

ومثله عن أبي الدرداء عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

«ثلاثة يحبهم الله عزَّ وجلَّ، يضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عزَّ وجلَّ، فإما أن يُقتل، وإما أن ينصره الله عزَّ وجلَّ ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه…»19(19) [رواه البيهقي في الأسماء والصفات (931) وغيره، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (1/245)، وحسنه الألباني في الصحيحة (3478)]..

وتتعرض اليوم غزة لقصف انتقامي غير مسبوق؛ ذهب ضحيته مئات الشهداء وعدد كبير من الجرحى، وعزاؤنا أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، والعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّا ‌لَنَنْصُرُ ‌رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَكَانَ ‌حَقًّا ‌عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، ‌هازم ‌الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم.

الهوامش

(1) [أخرجه مسلم (1889) من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه].

(2) [أخرجه أبو داود (4299)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].

(3) [لأبي بكر الأنباري؛ انظر قوله في قرى الضيف (2/439) لابن أبي الدنيا].

(4) [رواه البخاري (4480)].

(5) [رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/531)].

(6) [رواه أبو داود (3462) وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وصححه الألباني في الصحيحة (11)].

(7) [سبل السلام (2/58)].

(8) [رواه مسلم (2664)].

(9) [شرح مسلم (16/215)].

(10) [مجموع الفتاوى (1/171)].

(11) [رواه البخاري (2977) ومسلم (523) -واللفظ له- من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه مرفوعًا].

(12) [الفتاوى الكبرى (5/538)].

(13) [الفروسية صـ(188)].

(14) [رواه مسلم (1910)].

(15) [رواه مسلم (1809)].

(16) [رواه البخاري (3641، 7460)].

(17) [رواه الروياني (119) وغيره، وسنده صحيح].

(18) [رواه أبو دود (2538) وابن حبان (4729)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3981)].

(19) [رواه البيهقي في الأسماء والصفات (931) وغيره، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (1/245)، وحسنه الألباني في الصحيحة (3478)].

اقرأ أيضا

“طوفان الأقصى” في عيون الصهاينة

مفتاح القدس هو نفس مفتاح المنطقة

الاضطراب العقدي والسياسي .. وضياع الطريق إلى القدس

من نحن؟ وما لنا وللأقصى والقدس؟

التعليقات غير متاحة