مع تجارب التاريخ البعيد والقريب يجب على حركة “طالبان” الحذر فلا أمان عند الغرب الصليبي ولا يطمئن اليهم عاقل؛ فهم يحاولون في السياسة أن يكسبوا ما عجزوا عنه في الميدان.

الخبر

“قال الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” إن الولايات المتحدة ستُبقي على وجودها العسكري في أفغانستان حتى بعد التوصل إلى اتفاق مع حركة “طالبان” التي تطالب بانسحاب كل القوات الأجنبية.

وأضاف ترامب في مقابلة مع إذاعة “فوكس نيوز” الأميركية أن إدارته تعمل على خفض قواتها العسكرية في أفغانستان إلى (8600) جندي من نحو (15) ألفا حاليا.

وشدد على أن بلاده ستحافظ على وجود عسكري واستخباراتي دائم هناك حتى لو تم توقيع اتفاق مع طالبان لإنهاء الحرب، مشيرا إلى أن الهدف من إبقاء قوات أميركية في أفغانستان هو توفير معلومات استخبارية عالية المستوى.

وكان المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان سهيل شاهين قال للجزيرة على هامش جولة مفاوضات جديدة بالدوحة إن الحركة والوفد الأميركي على وشك التوصل إلى اتفاق. وأضاف أن المرحلة الانتقالية سيجري التوافق بشأنها بعد توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة والدخول في حوار أفغاني أفغاني.

ووضع الجانبان في الدوحة اللمسات الأخيرة على مسودة اتفاق يتوقع أن تحدد الخطوط العريضة لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وتمثل ضمانة من جانب طالبان لمحاربة “الجماعات الإرهابية”، وهو مطلب تؤكد واشنطن على ضرورة الالتزام به مقابل الانسحاب”. (1موقع “الجزيرة” 30/8/2019، على الرابط:
ترامب: سنبقي قوات بأفغانستان حتى بعد الاتفاق مع طالبان
)

التعليق

مع تجارب التاريخ القريب والبعيد، يوقن المسلم أنه لا يوفي الكفارُ بعهودهم ومواثيقهم، وإنما هي راحة للحصول على مُكنة وقدرة، فيثِبون من جديد على عدوهم.

وكم من عهد أعطوه للمسلمين وخانوه، منذ فعلت قريش مما تسبب في فتح مكة، الى معاهدات الروس والأوروبيين مع العثمانيين، الى التاريخ القريب والمعاصر.

فإذا أضفنا لهذا شعور العدو بالقوة والغطرسة حتى قال أحد رؤسائهم “بيل كلينتون” ما كانت ترجمته الحرفية “مَن أشد ّمنا قوة” كلمة عاد الهالكة. وأما الديانة فلا دين لهم بل هو دين القساوسة بشهواتهم وأحقادهم وكذبهم وفجورهم، وهو دين الرأسمالية التي لا تعرف الأخلاق بل تعرف صناعة القتل والأمراض والمجاعات والحروب والخداع.

هذا هو الغرب ببساطة، وعند التفاوض معه يجب أن يكون حاضرا في ذهن المفاوض المسلم كل هذه الحقائق وغيرها مما يحمله التاريخ.

وعلى هذا فالتصريحات المرفقة أعلاه تعني أمرين:

أولا: أنه لا انسحاب. بل تعني أن الأمريكي يريد تخفيف أعباء الاحتلال مع الفوز في الوقت نفسه بالوجود في البلد المسلم “أفغانستان” ليقوم بالدور الذي جاء من أجله، وأن تنوب عنه “طالبان” في استكمال بعض المهام، وتوفر عليه النفقة، وتعطيه الأمان بعدم الهجوم فتوفر الإحراج أمام شعبها وأمام العالم.

ثانيا: وفي تصريحات أخرى يدور الحديث الأمريكي حول وجوب تفاوض “طالبان” مع “الحكومة الأفغانية” وهو يعني بقاء الحكومة العميلة التي صنعها الغرب ووضع معها القيم الغربية والقوانين الغربية والتوجهات التغريبية في الإعلام والفنون والرياضة ومجال المرأة خصوصا.

ومعنى هذا الكلام هو أن الحكومة العميلة ذات التوجهات الغربية موجودة وباقية في التخطيطات المستقبلية، وأن التفاوض سيتم حول ما ستتقاسمه “طالبان” معها، مع التخلي عن مقاومتها.

هذا ما يريده الأمريكيون؛ أن يَستوعبوا ويُدمِجوا “طالبان” في بقائهم بنجاساتهم التي صنعوها.

هذا لا علاقة له بما تريده الحركة، ولا بجهادها الشريف ضد من احتل بلادها وغزاها في عقر دارها ويهينها ببقائه فيها؛ فنحن نوقن أن للحركة تصورها وأهدافها؛ ولكننا نحذّر بشدة أن كثيرا ممن جاهد الاستعمار الغربي الصليبي في منتصف القرن العشرين، وكثيرا من حركات المقاومة الإسلامية؛ خسروا في ميدان السياسة والتفاوض ما كسبوه في مجال الجهاد، بل وأن العدو حصل في مفاوضاته أحيانا على ما عجز عنه في ساحات المعارك والوغى، وأن المفاوض المعاصر عن المسلمين قدّم تنازلات بلا مقابل ولا ثمن.

ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى

إن للعدو جنودا في مفاوضاته لا يقِلّون عن جنود المعركة تدريبا وخبثا ودراسة، وتلاعبا بالقيم والعهود. وواجب الحركة أن تكون يقظة وأن تستعصي على “الإحتواء” وأن تمتنع عن التموضع حيث يريد لها العدو، وألا تنسى هدفها الأول في إقامة دولة إسلامية بقدر طاقتها ومحليتها.

لو قبلت “طالبان” بوجود جندي صليبي محارب واحد على أرضها فهذا يعني تحقق مخطط  العدو وآماله. ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120)

إن اليقظة تجاه العدو، والتمسك بالقوة على طول الخط ـ تلك اللغة التي يفهمها ـ والتصالح مع شعبها وأمتها، ومعرفة ألاعيب السياسة الغربية وإحباطها.. تلك واجبات ثقال؛ لا تقل إطلاقا عن ثقل معركة السلاح بل إنها إما تتمم جهد المجاهدين والشهداء أو تهدر جهدهم أدراج الرياح وتبيعه بوعي أو بغير وعي.

ظننا بالمجاهدين خير، وقد دوّخوا العدوّ سنين عددا. والظن بهم أن يدوموا حتى تحقيق آمال أمة عبثت بها الخيانات حتى قتلت في الناس آمالا حسانا.

اللهم انصر من نصرك، واحفظ من جاهد في دربك، واهدهم سبل السلام.

……………………………

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة” 30/8/2019، على الرابط:
    ترامب: سنبقي قوات بأفغانستان حتى بعد الاتفاق مع طالبان

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة