التكبر في حق الله تعالى جمال وكمال، وفي حق المخلوق نقص وسفال؛ إذ لا يليق الكبر إلا بمن له صفات العظمة والجلال، وهذه ليست إلا للخالق وحده.
من أسماء الله الحسنى: [المتكبر]
ورد اسمه سبحانه (المتكبر) في القرآن مرة واحدة وذلك في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر:23].
المعنى اللغوي (للمتكبر)
قال الراغب: “عن ابن السكيت أنه قال: كبْر الشيء: معظمه. قال: والكبْر من التكبير أيضًا، فأما الكُبْر بالضم: فهو أكبر ولد الرجل. وهذه الصفة لا تكون إلا لله خاصة؛ لأن الله عز وجل هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد مثله، وهو الذي يستحق أن يقال له: المتكبر. وقوله سبحانه: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه. والكِبَر مصدر الكبير في السن”1(1) المفردات للراغب..
المعاني العظيمة التي تضمنها اسم الله المتكبر
“(المتكبر) العظيم ذو الكبرياء، المتعالي عن صفات خلقه، المتكبر على عتاتهم. والكبرياء: العظمة والملك. وقيل: هي عبارة عن كمال الذات، وكمال الوجود، ولا يوصف بها على وجه المدح إلا الله”2(2) لسان العرب 3/ 210..
وقال الخطابي: “المتكبر: المتعالي عن صفات الخلق. ويقال: هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فيقصمهم. والتاء في المتكبر: تاء التفرد، والتخصص بالكبر، لا تاء التعاطي والتكلف”3(3) شأن الدعاء ص 48..
وقال قتادة: (المتكبر) أي: تكبر عن كل شر 4(4) تفسير الطبري 28/ 37..
وقيل: (المتكبر) هو الذي تكبر عن ظلم عباده وهو يرجع إلى الأول5(5) نفس المصدر السابق 28/ 37..
مما سبق من النقولات يمكن فهم معنى اسمه سبحانه (المتكبر) في المعاني التالية:
1 – المتكبر والمتنزه عن كل سوء وشر.
2 – المتكبر على عتاة خلقه وجبابرتهم إذا نازعوه العظمة فيقصمهم.
3 – المتكبر عن ظلم عباده فلا يظلم أحدًا.
4 – المتكبر والمتعالي عن صفات خلقه فلا شيء مثله.
5 – الذي كبر وعظم فكل شيء دون جلاله صغير وحقير.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله – عز وجل -: العز إزاري، والكبرياء ردائي فمن نازعني عذبته»6(6) مسلم (2620) في البر والصلة باب تحريم الكبر، وأحمد في المسند 2/ 376..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح ربه سبحانه ويثني عليه في ركوعه وسجوده بهذا الدعاء: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»7(7) رواه النسائي في الصلاة باب أذكار الركوع، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1004)..
الآثار الإيمانية والسلوكية لاسم الله المتكبر
1 – امتلاء القلب بخلق التواضع لله تعالى بتوحيده وعبادته، والانقياد للحق الذي جاء في كتابه سبحانه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. والتواضع لعباد الله وعدم التكبر عليهم، والبعد عن ظلمهم وهضم حقوقهم. قال صلى الله عليه وسلم: «الكبر بطر الحق وغمط الناس»8(8) مسلم (91).. وبقدر ما في القلب من تعظيم الله تعالى والإيمان بكبريائه وجلاله يكون التواضع للحق وترك احتقار الخلق.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد»9(9) مسلم (2865)..
وللإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – كلام نفيس عن التواضع للحق وصوره وأصناف الناس في تكبرهم على الحق فيقول: “التواضع للدين هو: الانقياد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستسلام له، والإذعان. وذلك بثلاثة أشياء:
الأول: أن لا يعارض شيئًا مما جاء به بشيء من المعارضات الأربعة السارية في العالم، المسماة بالمعقول والقياس، والذوق، والسياسة.
فالأول: للمنحرفين – أهل الكبر من المتكلمين – الذين عارضوا نصوص الوحي بمعقولاتهم الفاسدة، وقالوا: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل وعزلنا النقل، إما عَزْل تفويض، وإما عَزْل تأويل.
والثاني: للمتكبرين – من المنتسبين إلى الفقه – قالوا: إذا عارض القياس والرأي النصوص، قدمنا القياس على النص ولم نلتفت إليه.
والثالث: للمتكبرين المنحرفين – من المنتسبين إلى التصوف والزهد – فإذا تعارض عندهم الذوق والأمر، قدَّموا الذوق والحال ولم يعبؤوا بالأمر.
والرابع: للمتكبرين المنحرفين – من الولاة والأمراء الجائرين – إذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة، قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة.
فهؤلاء الأربعة: هُم أهل الكبر. والتواضع: التخلص من ذلك كله.
الثاني: أن لا يتهم دليلاً من أدلة الدين، بحيث يظنه فاسد الدلالة، أو ناقص الدلالة أو قاصرها، أو أن غيره كان أولى منه، ومتى عرض له شيء من ذلك فليتهم فهمه، وليعلم أن الآفة منه، والبلية فيه، كما قيل:
وَكَمْ مِنْ عَائِب قَوْلاً صَحِيحًا وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْم السَّقِيمِ
وَلكِنْ تَأخُذُ الأذهَانُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ القَرَائِحِ وَالفُهُومِ
وهكذا الواقع في حقيقة أنه ما اتهم أحد دليلاً للدين إلا وكان هو المتهم الفاسد الذهن، المأفون في عقله وذهنه، فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل.
وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك، وينبو فهمك عنه فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم، ولم تؤت مفتاحه بعد هذا في حق نفسك.
وأما بالنسبة إلى غيرك فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص، فما لم تفعل ذلك فلست على شيء: ولو .. ولو .. وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.
قال الشافعي قدَّس الله روحه: “أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يحل له أن يَدَعَهَا لقول أحَد”.
الثالث: أن لا يجد إلى خلاف النص سبيلاً البتة، لا بباطنه ولا بلسانه ولا بفعله ولا بحاله، بل إذا أحس بشيء من الخلاف فهو كخلاف المُقْدِمِ على الزنا، وَشُرْب الخمر، وقتل النفس، بل هذا الخلاف أعظم عند الله من ذلك، وهو داع إلى النفاق، وهو الذي خافه الكبار والأئمة على نفوسهم10(10) مدارج السالكين 2/ 334، 335..
2 – الخوف من الله – عز وجل – والحياء منه مما يكن له الأثر في المبادرة إلى طاعته فيما أمر به، واجتناب ما عنه نهى وزجر، والإخلاص له سبحانه في ذلك، وتعظيم أمره، والانقياد لحكمه.
3 – اليقين بأنه ما من متكبر وطاغية إلا وسيقصمه الله – عز وجل – في الدنيا والآخرة؛ قال الله عز وجل: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَن اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ) [فصلت: 15، 16]، وفي الآخرة يقول الله عز وجل: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف: 20]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطأهم الناس»11(11) مسند أحمد (6677)، والبخاري في الأدب المفرد (568)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (434).. وهذا يثمر في قلب المؤمن عدم الاغترار بقوة الكافر وجبروته؛ فإن الله عز وجل فوقهم وقاصمهم إذا أخذ المؤمنون بأسباب النصر وشروطه.
اقتران اسمه سبحانه (المتكبر) باسمه سبحانه (الجبار)، (العزيز)
يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – عن هذا الاقتران: “جعل سبحانه اسمه (الجبار) مقرونًا بـ: (العزيز والمتكبر)، وكلُّ واحدٍ من هذه الأسماء الثلاثة تضمَّن الاسمين الآخرين.
وهذه الأسماء الثلاثة نظير الأسماء الثلاثة وهي: (الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر: 24].
فـ (الجبَّار)، (المُتكبِّر) يجريان مجرى التفصيل لمعنى اسم (العزيز)، كما أن (البارئ المصور): تفصيل لمعنى اسم (الخالق).
فـ (الجبار) من أوصافه يرجع إلى كمال القدرة، والعزة، والملك.
ولهذا كان من أسمائه الحسنى، وأما المخلوق فاتصافه بالجبار: ذمٌّ له ونقصٌ، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 35] “12(12) شفاء العليل 1/ 121..
الهوامش
(1) المفردات للراغب.
(2) لسان العرب 3/ 210.
(3) شأن الدعاء ص 48.
(4) تفسير الطبري 28/ 37.
(5) نفس المصدر السابق 28/ 37.
(6) مسلم (2620) في البر والصلة باب تحريم الكبر، وأحمد في المسند 2/ 376.
(7) رواه النسائي في الصلاة باب أذكار الركوع، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1004).
(8) مسلم (91).
(9) مسلم (2865).
(10) مدارج السالكين 2/ 334، 335.
(11) مسند أحمد (6677)، والبخاري في الأدب المفرد (568)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (434).
(12) شفاء العليل 1/ 121.
اقرأ أيضا
قواعد وتنبيهات على أسماء الله الحسنى
من أسماء الله الحسنى: [المؤمن]
أسماء الله الحسنى: (8) [القيوم]