“المجيد: الكبير العظيم الجليل، وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى، وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه وإجلاله والخضوع له والتذلل لكبريائه”…

ورد اسمه سبحانه (المجيد) في القرآن الكريم مرتين

وذلك في قوله تعالى: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) [هود: 73].

وكذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) [البروج: 14، 15]، كما جاء اسم (المجيد) وصفًا للقرآن الكريم الذي هو كلام الله – عز وجل – فقال تبارك وتعالى: (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) [ق: 1]، وقال – عز وجل -: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج: 21، 22].

المعنى اللغوي لـ (المجيد)

قال الزجاج: أصل المجد في الكلام: الكثرة والسعة، وهو مأخوذ من قولهم: أمجدتُ الدابة إذا أكثرت علفها. فالماجد في اللغة: الكثير الشرف1(1) تفسير الأسماء ص 53..

وقال الراغب: المجد: السعة في الكرم والجلال2(2) المفردات ص 463..

المعاني العظيمة التي تضمنها اسم الله (المجيد)

قال الأزهري: “الله تعالى هو المجيد، تمجد بفعاله، ومجده خلقه لعظمته”3(3) لسان العرب 5/ 4138..

قال الخطابي رحمه الله تعالى: ” (المجيد) هو الواسع الكرم”4(4) شأن الدعاء ص 74..

وقال ابن جرير رحمه تعالى: ” (مجيد)، ذو مجد ومدح وثناء كريم”5(5) تفسير الطبري 12/ 47..

وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته:

“وهو المجيد صفاته أوصاف تعظيم فشأن الوصف أعظم شان”6(6) النونية 2/ 215.

وقال أيضًا: “وصف نفسه بـ (المجيد) وهو: المتضمن لكثرة صفات كماله وسعتها، وعدم إحصاء الخلق لها، وسعة أفعاله وكثرة خيره ودوامه، وأما من ليس له صفات كمال ولا أفعال حميدة فليس له من المجد شيء، والمخلوق إنما يصير مجيدًا بأوصافه وأفعاله فكيف يكون الرب – تبارك وتعالى – مجيدًا وهو معطل عن الأوصاف والأفعال تعالى الله عما يقول المعطلون علوًا كبيرًا، بل هو المجيد الفعال لما يريد، والمجد في لغة العرب: كثرة أوصاف الكمال وكثرة أفعال الخير”7(7) التبيان في أقسام القرآن ص 125..

وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: “المجيد: الكبير العظيم الجليل، وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى، وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه وإجلاله والخضوع له والتذلل لكبريائه”8(8) تفسير السعدي 5/ 300..

ويقول أيضًا: “والمجد هو عظمة الصفات وسعتها فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه: فهو العليم الكامل في علمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته”9(9) الحق الواضح المبين ص 33 للشيخ السعدي..

وقد جاء في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي … )10(10) رواه مسلم (395)..

ومن هذا الحديث يظهر لنا معنى من معاني المجيد حيث إن من تمجيد الله تعالى وصفه والاعتراف له بالملك والقهر، والحكم يوم الدين والحساب لا معقب لحكمه، ولا مهرب من جزائه.

القرآن المجيد

وقد وصف الله – عز وجل – كتابه بـ (المجيد)، وذلك كما مر بنا في الآيتين في سورة البروج وسورة ق.

فالقرآن مجيد أي: شريف كريم عظيم واسع الخير والفضل والكرم، وذلك لما تضمنه من العلوم والمكارم والمقاصد العليا والمصالح الدنيوية والأخروية ولا غرابة في ذلك فإنه كلام الله – عز وجل – المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ومن عظمة هذا القرآن ومجده: (أن الله يرفع به أقوامًا، ويخفض به آخرين. يرفع به من عمل به واتخذه دينًا ومنهجًا، ويخفض به ويذل من تركه وراءه ظهريًا؛ ففي صحيح مسلم عن عامر بن واثلة أن نافع ابن عبدالحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئٌ لكتاب الله – عز وجل – وإنه عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: “إن الله يرفعُ بهذا الكتاب أقوامًا ويضعُ به آخرين”11(11) رواه مسلم (817)..

فقد رفع الله تعالى هذا المولى لحفظه لكتابه، وعلمه به مع انحطاط نسبه وشرفه على غيره من أهل مكة أهل الشرف والنسب.

وهذا المجد والرفعة في الدرجات في الآخرة، فإنما هي لمن أخذ بهذا الكتاب، وعمل به، والذّل والمهانة والدركات لمن تركه وأعرض عنه12(12) انظر النهج الأسمى محمد حمود النجدي 1/ 437..

الآثار الإيمانية والسلوكية لاسم الله (المجيد)

أولاً: محبة الله – عز وجل – الذي وسع خلقه بكرمه وفضله ورحمته!!

وهذا يلزم عليه عبادته وحده لا شريك له، والتعلق به وحده، وسؤاله قضاء الحوائج، وتفريج الكربات وحده، وترك التعلق بالمخلوق الضعيف الفقير بذاته إلى الله تعالى وإن كان فيه مجد أو كرم محدود فهو من جود الله تعالى وكرمه.

ثانيًا: تمجيده سبحانه واللهج بذكره، والثناء عليه بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير وسؤاله بأسمائه الحسنى، لأن كل أسمائه وصفاته هي من باب التمجيد لله رب العالمين، فقولنا: هو الله الواحد الأحد، الصمد، العزيز، الوهاب، الملك الأول، الآخر، الظاهر والباطن، الحميد، السميع، البصير؛ كل هذا من باب التمجيد لله الواحد الأحد.

ثالثًا: التقرب إلى الله – عز وجل – بطاعته والتماس مرضاته، والبعد عن معاصية ومساخطه، وهذه هي حقيقة التقوى التي فيها الشرف والمجد والرفعة للعبد في الدنيا والآخرة قال الله – عز وجل -: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( … ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)13(13) أخرجه أبو داود (3643)، والدارمي (344)، وابن حبان (84).، فالله سبحانه (المجيد) لا يهب المجد والرفعة والذكر الحسن إلا لمن عبده ووحده، ومجده، واتقاه.

اقتران اسمه سبحانه (المجيد) باسمه سبحانه (الحميد)

وهو الاقتران الوحيد في القرآن، وقد سبق ذكر وجه هذا الاقتران في الكلام عن اسمه سبحانه (الحميد) [ من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الحميد) ].

الهوامش

(1) تفسير الأسماء ص 53.

(2) المفردات ص 463.

(3) لسان العرب 5/ 4138.

(4) شأن الدعاء ص 74.

(5) تفسير الطبري 12/ 47.

(6) النونية 2/ 215.

(7) التبيان في أقسام القرآن ص 125.

(8) تفسير السعدي 5/ 300.

(9) الحق الواضح المبين ص 33 للشيخ السعدي.

(10) رواه مسلم (395).

(11) رواه مسلم (817).

(12) انظر النهج الأسمى محمد حمود النجدي 1/ 437.

(13) أخرجه أبو داود (3643)، والدارمي (344)، وابن حبان (84).

اقرأ أيضا

من أسماء الله: الحميد

من أسماء الله الحسنى: الكبير

أسماء الله الحسنى: [الأول، الآخر]

من أسماء الله الحسنى: [المؤمن]

التعليقات غير متاحة