العليم هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والإسرار، والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات، والممكنات وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (العليم)

أولاً: الخوف من الله – عز وجل – وخشيته

ومراقبته في السر والعلن، لأن العبد إذا أيقن أن الله تعالى عالم بحاله مطلع على باطنه وظاهره، فإن ذلك يدفعه إلى الاستقامة على أمر الله – عز وجل – ظاهرًا وباطنًا، فتزكوا أعمال قلبه وجوارحه ويصل إلى مرتبة الإحسان الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)1(1) رواه البخاري (50)...

ثانيًا: اليقين بشمول علم الله تعالى لكل شيء في السماوات والأرض

وللبواطن والظواهر، يثمر في قلب العبد تعظيم الله تعالى وإجلاله والحياء منه، كما يعين على التخلص من الآفات القلبية التي تخفى على الناس ولكنها لا تخفى على الله – عز وجل – كآفة الرياء، والحسد، والغل، والعجب، والكبر، وآفات الخواطر الرديئة والوساوس الشيطانية حتى يصبح القلب سليمًا من كل شبهة تعارض خبر الله تعالى وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كل شهوة تعارض أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وسليمًا من كل غش أو إرادة سوء بأحد من المسلمين.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإن قلت: فما السبيل إلى حفظ الخواطر قلت: أسباب عدة، أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه ونظره إلى قلبك، وعلمه بتفصيل خواطرك. الثاني: حياؤك منه.

الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته.

الرابع: خوفك أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.

الخامس: إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته … )2(2) طريق الهجرتين 1/ 275..

ثالثًا: طمأنينة القلب إزاء ما يقضيه الله تعالى من الأحكام القدرية

إن اليقين بعلم الله تعالى للأمور قبل وقوعها وكتابتها عنده سبحانه في اللوح المحفوظ قبل خلقها، يثمر في قلب العبد طمأنينة إزاء ما يقضيه الله تعالى من الأحكام القدرية كالمصائب، والمكروهات التي لم تحدث إلا بعلم الله تعالى وحكمته وأنها ليست عبثًا ولعبًا.

قال الله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51]، وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22 – 23]، ولذا نجد أنبياء الله – عز وجل – يذكرون هذا الاسم مع اسمه الحكيم كعزاء لهم في ما يواجههم من مصائب وآلام، فهذا يعقوب – عليه السلام – يقول عند فقد أبنائه الثلاثة: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 83]، وعندما عاتب الله – عز وجل – نبيه نوحًا – عليه السلام – بسؤاله لابنه قال نوح عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) [هود: 47].

وفي الآيات التي يذكر الله تعالى فيها تفاوت أرزاق الناس بين فقر وغنى، نجد أن بعضها يختم بعلم الله تعالى قال الله – عز وجل -: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [العنكبوت: 62].

كما يلاحظ أيضًا ذكر هذا الاسم الكريم فيما يقضيه سبحانه من الهدى، والضلال، والتوفيق، والخذلان، وأن ذلك كله كان ويكون بعلم الله تعالى الذي لا تحيط بعلمه العقول فيحصل حينئذ التسليم، والانقياد، والراحة، والاطمئنان، قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَن اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 53]، وقال سبحانه عن خليله ونبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) [الأنبياء: 51].

رابعًا: التسليم لأحكام الله الشرعية، والرضى بها

والفرح والاغتباط بها حيث إنها من لدن عليم حكيم، عليم بما يصلح لعباده ويجلب لهم الخير والسعادة في الدارين فيأمرهم به، وعليم بما يجلب لعباده الشر والشقاء في الدارين فينهاهم عنه، ويحذرهم منه، فهو سبحانه أعلم بخلقه وما يصلح لهم من أنفسهم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14]، وقال تعالى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [النساء: 166].

ولذا نجد كثيرًا من آيات الأحكام تختم باسميه سبحانه (العليم، الحكيم). كقوله تعالى بعد أن ذكر أحكام المهاجرات من مكة إلى المدينة: (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الممتحنة: 10]، وقوله تعالى بعد أن ذكر المحرمات من النساء في سورة النساء: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 24]، وقوله – عز وجل -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 92]، وقال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

وهذا التسليم لأحكام الله الشرعية يقتضي الحكم بها، والتحاكم إليها، وسلامة القلوب من الحرج منها، ورفض ما سواها من السياسات الجائرة، والأقيسة الفاسدة، والأذواق والمواجيد السامجة، والسعي بالدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى لإقامتها حتى يكون الدين كله لله، وينعم الناس بشريعة الله – عز وجل – المبرأة من الجهل، والظلم، والهوى، والنقص لأنها من لدن حكيم عليم.

خامسًا: الرجاء والأنس بالله تعالى

إن يقين العبد بعلم الله تعالى الشامل لكل شيء، ومن ذلك علمه سبحانه بحال عبده المصاب وما يقاسيه من الآلام، إن ذلك يثمر في القلب الرجاء والأنس بالله تعالى ويدفع اليأس والقنوط من القلب، لأن العبد إذا أيقن أن ربه سبحانه يعلم حاله ولا تخفى منه خافية في ليل أو نهار في بر أو بحر أو سماء، فإن ذلك يثمر في قلب المؤمن تعلقه بربه تعالى العالم بأحوال عباده، فيتضرع بين يديه، ويوجه شكواه إليه، ويلقي بحاجته عند بابه. فإذا وافق هذا الانطراح والانكسار حسن ظن بالله تعالى وقوة اضطرار، لم تتخلف الإجابة، وجاءه الفرج من ربه العليم الحكيم، البر الرحيم.

سادسًا: تثبيت المؤمنين في ميدان الصراع والنزال مع الباطل وأهله

فإذا قصر علم البشر عن العلم والإحاطة بكيد الكافرين ومكرهم فإن الله – عز وجل – لا تخفى عليه من أمورهم خافية، وهو من ورائهم محيط وعليهم قدير. وهذا الإيمان يجعل المؤمن في مواجهة الخصوم وكيدهم يطمئن قلبه، ويقوى ضعفه، ويقبل على مقارعة عدوه غير هياب ولا وجل.

قال الله – عز وجل -: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) [النساء: 45]، وقال سبحانه: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) [الإسراء: 47]، وقوله سبحانه: (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [يس: 76]، وقوله – عز وجل – عن المنافقين: (وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال: 60]، وقوله تبارك وتعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80].

سابعًا: الحرص على التزود من العلم النافع

والتواضع لله تعالى وللخلق بهذا العلم، وعدم التكبر والفخر به، وهذا إنما يتأتى باليقين بأنه لا علم من علوم الدين والدنيا إلا من الله – عز وجل -: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) [البقرة: 32]، وقال سبحانه: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) [النحل: 78]، وقال تبارك وتعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) [البقرة: 255]، وقوله سبحانه: (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 5]، واسمه سبحانه (العليم) يقتضي محبة الله تعالى للعلم والعلماء، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (إن الله سبحانه (عليم) يحب كل عليم، وإنما يضع علمه عند من يحبه فمن أحب العلم وأهله فقد أحب الله وذلك مما يدان به)3(3) مفتاح دار السعادة 1/ 435.، والعلماء المقصودون هنا هم العلماء العاملون بعلمهم، الداعون إليه، الخائفون من الله، المتواضعون للحق وللخلق، أما من أدى به علمه إلى التكبر والفخر والمباهاة دون العمل والخشية، فليس بعالم ولا محبوب لله عز وجل.

ومما يعين العالم على التواضع يقينه أن ما أوتي من العلم إن هو إلا قطرة من بحر علم الله تعالى قال الله – عز وجل -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء 85].

الهوامش

(1) رواه البخاري (50)..

(2) طريق الهجرتين 1/ 275.

(3) مفتاح دار السعادة 1/ 435.

اقرأ أيضا

من أسماء الله الحسنى: [العليم، العالم، علام الغيوب]

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الحكيم)

إن ربك حكيم عليم… لوازم ومقتضيات

اسم الله (القيوم) وآثاره في الأحداث المعاصرة

 

التعليقات غير متاحة