والله سبحانه له الكمالُ المطلق الذي لا نقصَ فيه بوجهٍ ما، والإحسان كلُّه له ومنه، فهو أحقُّ بكلِّ حمد، ٍ وبكل حب من كل جهة، فهو أهلٌ أنْ يُحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، ولكل ما صدر منه سبحانه.

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الحميد)

سبق القول بأن (الحميد) يأتي بمعنى (المحمود) [ من أسماء الله: الحميد ] أي: أن الله – عز وجل – هو المحمود في ذاته وفي أسمائه وصفاته وأفعاله، وله الحمد كله وله الثناء الحسن كله، وله الحمد في الأولى والآخرة، وفي السماوات والأرض، وذلك لما يتصف به سبحانه من صفات الكمال والجلال والجمال، ولأن أسماءه كلها حسنى، وأفعاله كلها حسنى تتراوح بين الفضل والرحمة والإحسان، وبين الحكمة والعدل.

وهذه الآثار والمعاني العظيمة لابد أن تثمر في قلب المؤمن آثارًا وعبوديات لله تعالى من أهمها:

أولاً: محبة الله – عز وجل – محبة عظيمة صادقة لا يشاركه فيها أحد من الخلق، وهذه المحبة بدورها تثمر عبوديات أخرى في القلب، كالإخلاص لله تعالى والحياء والأدب مع الله – عز وجل – وعبوديات اللسان والجوارح بالقيام بأوامره، واجتناب نواهيه، والتقرب إليه بطاعته.

ثانيًا: كثرة ذكره سبحانه وشكره، وبخاصة بالأذكار التي تتضمن حمده سبحانه والثناء عليه بالثناء الحسن الذي هو أهل له آناء الليل وأطراف النهار، وعمل اليوم والليلة.

ثالثًا: اليقين بأن الله – عز وجل – هو المستحق للحمد كله على الإطلاق كما قال سبحانه عن نفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} واللام في (الحمد) للاستغراق، أي: هو الذي له جميع المحامد بأسرها، وليس ذلك لأحد إلا لله تعالى ولا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، فهو الحميد في ذاته وصفاته وفي أسمائه وفي أفعاله، فله الحمد على كل حال، في كل زمان ومكان، في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، وفيما نحب ونكره، كيف لا! وهو العليم الحكيم، الفعَّال لما يريد، المختار لما يشاء، فمهما يقضي ويقدِّر فهو الموافق للحكمة البالغة، والعلم التام، وأما ما ينسب إلى المخلوق من الحمد فهو جزئي، وحقيقته أنه داخل في حمد الله – عز وجل – فما من محمود يحمد على شيء مما دق أو جل إلا والله المحمود عليه بالذات والأولوية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “ومعلوم أن كل ما يحمد فإنما يحمد على ما له من صفات الكمال، فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد، فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحق من كل محمود بالحمد، والكمال من كل كامل وهو المطلوب”1(1) مجموع الفتاوى 6/ 83، 84..

وهذا اليقين يثمر في قلب المسلم القبول التام، والاستسلام المطلق لأحكام الله الشرعية.

واليقين أنها كلها خير ومصلحة وحكمة، ولو لم ندرك حكمة بعضها، لكن الله تعالى يحمد عليها لما يعلمه سبحانه من الحكمة والخير فيها لعباده، وكذلك أحكامه سبحانه القدرية فما كنا فيها مأمورين بمدافعتها بالأسباب الشرعية دافعنا، وما كان منها أمر مقضي فإن الواجب حينها الاستسلام والرضا واليقين بأن له سبحانه الحكمة البالغة التي يحمد عليها ولو غابت عن عقولنا، وكذلك له الحمد في كل ما خلق في هذا الكون من ناطقه وجامده، وله الحمد على ذلك كله ولو لم ندرك حكمته سبحانه في خلق كثير منها.

كما أن له الحمد في أحكامه الجزائية في الدنيا ويوم القيامة؛ لأنها كلها فضل ورحمة أو عدل وحكمة، وهذه مما يحمد الله -عز وجل- عليها.

اقتران اسمه سبحانه (الحميد) ببعض الأسماء الحسنى

أولاً: اقتران اسمه سبحانه (الحميد) باسمه سبحانه (الحكيم)

وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42].

وقد سبق ذكر المعنى المستفاد من اقتران هذين الاسمين الكريمين في الكلام عن اسمه سبحانه (الحكيم) فليرجع إليه.

ثانيًا: اقتران اسمه سبحانه (الحميد) باسمه سبحانه (المجيد)

جاء اقتران اسمه (الحميد) باسمه سبحانه (المجيد) مرة واحدة في القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) [هود: 73]، وجاء ذلك أيضًا في أذكار التشهد الأخير في قول المصلي: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبرهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد”2(2) البخاري 3370، مسلم 406/ 405. وعن المعنى الزائد في اقتران هذين الاسمين الكريمين يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله، فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود، فمن أحببته ولم تُثْن عليه لم تكن حامدًا له، وكذا من أثنيت عليه لغرضٍ ما ولم تُحبه لم تكن حامدًا له حتى تكونَ مثنيًا عليه محبًا، وهذا الثناء والحب تَبَعٌ للأسباب المقتضية له، وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال، ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير، فإن هذه هي أسباب المحبة، وكلما كانت هذه الصفات أجمع وأكمل، كان الحمد والحب أتَمَّ وأعظم.

والله سبحانه له الكمالُ المطلق الذي لا نقصَ فيه بوجهٍ ما، والإحسان كلُّه له ومنه، فهو أحقُّ بكلِّ حمد، ٍ وبكل حب من كل جهة، فهو أهلٌ أنْ يُحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، ولكل ما صدر منه سبحانه.

وأما المجد فهو مستلزم للعظمة، والسعة، والجلال، كما يدل عليه موضوعه في اللغة، فهو دَالٌّ على صفات العظمة والجلال، والحمد يدل على صفات الإكرام والله سبحانه ذو الجلال والإكرام”3(3) جلاء الأفهام ص 186 – 187.، ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: عند قوله تعالى: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ): “أي حميد الصفات لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال، لأن أفعاله إحسان وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط، (مجيد) والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها”4(4) تفسير السعدي 2/ 379..

ثالثًا: اقتران اسمه سبحانه (الحميد) باسمه سبحانه (العزيز)

ورد هذا الاقتران ثلاث مرات في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج: 8]، وقوله تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم: 1]، وقوله تعالى: (وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ: 6]، وعن سر هذا الاقتران بين هذين الاسمين الكريمين يمكن القول بأن: “العزة صفة كمال لله – عز جل – والحمد صفة كمال أخرى، واقتران العزة بالحمد صفة كمال ثالثة لله تعالى.

فله الحمد “على عزته وغلبته، وعلى إعزازه لأوليائه، ونصره لحزبه وجنده”5(5) انظر: مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم، د. نجلاء الكردي ص 208..

والله تعالى محمود في عزته، لأنها جارية على سنن الرحمة، وسنن الحكمة، وسنن المغفرة والتجاوز عن الذنوب، وسعة المواهب والعطايا، فالله تعالى كما وصف نفسه هو: (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وهو: (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وهو: (الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وهو: (الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)، وهو: (الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ)، ولا كذلك العزيز من العباد الذي يتجبر، ويطغى، ويبطش فيخاف إفساده وبغيه وبطشه وتعد السلامة من أذاه غاية المطلوب.

رابعًا: اقتران اسمه سبحانه (الحميد) باسمه سبحانه (الغني)

جاء هذا الاقتران في القرآن الكريم عشر مرات؛ من ذلك قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [الممتحنة: 6]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267]، وبقية المواضع في سورة الحج، الحديد، التغابن وفاطر، وإبراهيم، ولقمان، والنساء. وعن وجه هذا الاقتران يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – عند آية البقرة: “فإنه سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبًا، ثم ختم الآيتين بصفتين تقتضيهما سياقهما، فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) فغناه وحمده يأبى قبول الرديء، فإنَّ قابِلَ الرديء الخبيث: إما أن يقبله لحاجته إليه، وإما أن نفسه لا تأباه لعدم كمالها وشرفها، وأما الغنيُّ عنه، الشريف القدر الكامل الأوصاف: فإنه لا يقبله”6(6) طريق الهجرتين ص 666 – 667..

خامسًا: اقتران اسمه سبحانه (الحميد) باسمه سبحانه (الولي)

ورد هذا الاقتران مرة واحدة في القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28].

” (والولي) معناه المتولي للأمر والقائم به، ومالك التدبير، وهذا الاسم صريح في الموالاة، ويختص بمصالح العباد وحسن النظر لهم عمومًا في جميع الخلق وخصوصًا في المؤمنين وخصوص الخصوص في المرسلين، والنبيين والصديقين، ولا يصح أن يقال: إن الله ولي الكافرين لقوله تعالى: (وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد: 11]، وعن المعنى الزائد في اقتران اسمه (الحميد) باسمه (الولي) فيمكن القول بأن: “الله – عز وجل – هو (الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) الذي يتولى شؤون عباده، ويدبر أمورهم على نحو يستوجب الحمد والثناء، لاتصافه – عز وجل – بصفات الكمال من العلم والحكمة والخبرة والعزة .. فولايته موصوفة بالكمال، وما كمل كان جديرًا في ذاته بالحمد والثناء.

فكيف إذا كان في ذلك صلاح من تحت ولايته، واستقامة أمورهم؟ ولذلك كان الله – وحده – الحقيق بالحمد على المنع، وعلى العطاء، وعلى المحبوب وعلى المكروه، ولا يحمد على كل حال سواه”7(7) انظر: مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم د. نجلاء كردي ص 660..

الهوامش

(1) مجموع الفتاوى 6/ 83، 84.

(2) البخاري 3370، مسلم 406/ 405.

(3) جلاء الأفهام ص 186 – 187.

(4) تفسير السعدي 2/ 379.

(5) انظر: مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم، د. نجلاء الكردي ص 208.

(6) طريق الهجرتين ص 666 – 667.

(7) انظر: مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم د. نجلاء كردي ص 660.

اقرأ أيضا

من آثار الإيمان باسميه سبحانه: (الرحمن الرحيم)

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الحكيم)

كيف يكون الإيمان بالأسماء والصفات

من أسماء الله الحسنى: [الواسع]

من أسماء الله: [الملك، المليك، المالك]

 

التعليقات غير متاحة