الله عز وجل هو العظيم في كل شيء، عظيم في ذاته وفي أسمائه وصفاته، عظيم في رحمته، عظيم في قدرته، عظيم في حكمته، عظيم في جبروته وكبريائه..

ورد هذا الاسم الكريم في القرآن الكريم في تسع آيات منها:

قوله – عز وجل -: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة: 255].

وقوله تبارك وتعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى: 4].

وقوله سبحانه: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 96].

وقوله – عز وجل -: (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) [الحاقة: 33].

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح بهذا الاسم في الركوع؛ وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: « … فأما الركوع فعظموا فيه الرب – عز وجل – وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم»1(1) رواه مسلم (479)..

فإن الذكر الواجب في الركوع هو قول: “سبحان ربي العظيم”، كما نقل ذلك في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو عند الكرب فيقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم»2(2) البخاري (6345)، ومسلم (2730)..

المعنى اللغوي (للعظيم)

العظيم: خلاف الصغير، عَظُم يَعظُم عِظمًا وعظامَة: كَبُر. وهو عظيم وعُظام، وعَظَّم الأمر: كبره، وأعظمه، واستعظمه: رآه عظيمًا فهو مُعْظم.

والتعظيم: التبجيل، والعظمة: الكبرياء.

والتعظيم في النفس: هو الكبر والزهو والنخوة، والعظمة والعظموت: الكبر3(3) انظر الصحاح 5/ 1987، واللسان 4/ 3004، 3005..

المعاني العظيمة التي تضمنها اسم الله (العظيم)

قال الزجاجي: ( “العظيم”: ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه – عز وجل -، كذلك تعرفه العرب في خطبها ومحاوراتها، يقول قائلهم: من عظيم بني فلان اليوم؟ أي: من له العظمة والرئاسة فيقال له: فلان عظيمهم، ويقولون: هؤلاء عظماء القوم أي: رؤساءهم وذو الجلالة والرئاسة منهم …)4(4) اشتقاق أسماء الله (ص 111، 112)..

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (وهو العظيم بكل معنى يوجب التعظيم لا يحصيه من إنسان)5(5) الكافية الشافية البيت رقم (3222). فهو عظيم في كل شيء، عظيم في ذاته وفي أسمائه وصفاته، عظيم في رحمته، عظيم في قدرته، عظيم في حكمته، عظيم في جبروته وكبريائه، عظيم في هبته وعطائه، عظيم في لطفه وخبرته، عظيم في بره وإحسانه، عظيم في عزته وعدله وحمده، فهو العظيم المطلق، فلا أحد يساويه، ولا عظيم يدانيه6(6) انظر أسماء الله الحسنى للأشقر ص 146..

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: (العظيم الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، والمجد والبهاء الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء، وإن جلت في الصفة، فإنها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم.

والله تعالى عظيم له كل وصف، ومعنى يوجب التعظيم فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه، كما ينبغي له ولا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده.

واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان:

أحدهما: أنه موصوف بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال أكمله، وأعظمه وأوسعه، فله العلم المحيط، والقدرة النافذة، والكبرياء، والعظمة، ومن عظمته أن السماوات والأرض في كف الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن عباس وغيره، وقال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر: 67]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر: 41]، وقال تعالى وهو العلي العظيم: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) الآية [الشورى: 5].

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته»7(7) مسلم (2620) في البر والصلة باب تحريم الكبر، وأحمد في المسند 2/ 376.، فلله تعالى الكبرياء والعظمة، والوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما.

النوع الثاني من معاني عظمته تعالى: أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما يعظم الله؛ فيستحق – جل جلاله – من عباده أن يعظموه بقلوبهم، وألسنتهم، وجوارحهم؛ وذلك ببذل الجهد في معرفته، ومحبته، والذل له، والانكسار له، والخضوع لكبريائه، والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه: أن يُتَّقى حق تقاته؛ فيطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. ومن تعظيمه: تعظيم ما حرَّمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، ومن تعظيمه: أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه)8(8) الحق الواضح المبين ص 27، 28..

ومن دواعي تعظيمه سبحانه: التفكير في عظمة خلقه سبحانه ودقة صنعه في الآفاق والأنفس، والتفكر في قهره وقصمه للجبابرة، والمستكبرين الغابرين.

الآثار الإيمانية والسلوكية لاسم الله (العظيم)

1 – الخشوع والخضوع لله تعالى والاستكانة والتذلل لعظمته وجبروته ومحبته، وإفراده وحده بالعبادة، ولذا شرعت الصلاة التي كلها – أركانها وواجباتها وأذكارها – فيها التعظيم لله تعالى والخضوع لعظمته، وإفراده وحده بالعبادة.

ويصف الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – الركوع في الصلاة فيقول: (ثم يرجع جاثيًا له ظهره خضوعًا لعظمته؛ وتذللاً لعِزَّته؛ واستكانة لجبروته، مسبحًا له بذكر اسمه “العظيم”.

فنزَّه عظمته عن حال العبد وذلِّه وخضوعه، وقابل تلك العظمة بهذا الذُلِّ والانحناء والخضوع، قد تطامن وطأطأ رأسه وطوى ظهره، وربُّه فوقه يرى خضوعه وذُلَّه؛ ويسمع كلامه، فهو ركنُ تعظيمٍ وإجلالٍ، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع: فعظِّموا فيه الربَّ»)9(9) شفاء العليل 2/ 630..

2 – ومن تعظيمه سبحانه نفي الشركاء والأنداد عنه قال تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد) [الإخلاص: 4]، وقال تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13].

3 – ومن تعظيمه سبحانه إثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات الجليلة وتنزيهه وتعظيمه سبحانه من مشابهة أحد من خلقه كما في قوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، ومن نفى عنه سبحانه صفاته أو أولها أو فوض معانيها بدعوى أن إثباتها يوهم تشبيهه بالمخلوقين فقد ضل ضلالاً مبينًا، ولم يعظم ربه سبحانه.

4 – تعظيم أمره سبحانه ونهيه، وتعظيم نصوص الكتاب والسنة والاستسلام لها وعدم التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم برأي أو اجتهاد.

قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].

5 – تعظيم شعائر الله وحرماته؛ قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، وقال سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

ومن تعظيم شعائر الله تعالى تعظيم الحج وشعائره كالصفا والمروة، والذبح لله تعالى، وتعظيم شعيرة الصلاة، والزكاة، والصيام، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من شعائر الله تعالى وفرائضه.

ومن تعظيم حرمات الله تعالى تعظيم مناهيه واجتنابها، كالربا والزنا وشرب الخمر وسائر الكبائر والمحرمات، فاجتناب محارم الله تعالى دليل على تعظيم الله تعالى وتوقيره ولتعظيم أوامر الله تعالى ومناهيه علامات: يشرح بعضها الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – فيقول: (تعظيم الأمر والنهي ناشئ عن تعظيم الآمر والناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه وقال سبحانه وتعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13]، قالوا في تفسيرها: ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة … وأول مراتب تعظيم الحق – عز وجل – تعظيم أمره ونهيه … وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله – عز وجل – واتباعه، وتعظيم نهيه واجتنابه، فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه دالاً على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي، ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان، والتصديق وصحة العقيدة، والبراءة من النفاق؛ فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق وطلب المنزلة والجاه عندهم، ويتقي المناهي خشية سقوطه من أعينهم، وخشية العقوبات الدنيوية من الحدود التي رتبها الشارع على المناهي فهذا ليس فعله وتركه صادرًا عن تعظيم الأمر والنهي، ولا تعظيم الآمر والناهي.

ومن علامات التعظيم للأوامر: رعاية أوقاتها وحدودها، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها، والحرص على تحينها في أوقاتها، والمسارعة إليها عند وجوبها، والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها كمن يحزن على فوت الجماعة، ويعلم أنه لو تقبلت منه صلاته منفردًا فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفًا، ولو أن رجلاً يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون دينارًا لأكل يديه ندمًا وأسفًا، فكيف وكل ضعف مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من ألف، وألف ألف، وما شاء الله تعالى، فإذا فوّت العبد عليه هذا الربح قطعًا، وهو بارد القلب فارغ من هذه المصيبة غير مرتاع لها، فهذا من عدم تعظيم أمر الله تعالى في قلبه، وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى، أو فاته الصف الأول … وكذلك فوت الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها. وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان، والإخلاص، والمحبة، وتوابعها…

وأما علامات تعظيم المناهي: فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها، وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها، وأن يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس … ومجانبة من يجاهر بارتكابها، ويحسنها، ويدعو إليها، ويتهاون بها، ولا يبالي بما ارتكب منها؛ فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته.

ومن علامات تعظيم النهي: أن يغضب لله – عز وجل – إذا انتهكت محارمه، وأن يجد في قلبه حزنًا وحسرة إذا عُصِيَ الله تعالى في أرضه، ولم يُضطلع بإقامة حدوده وأوامره، ولم يستطع هو أن يغير ذلك.

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافيًا غير مستقيم على المنهج الوسط؛ مثال: ذلك أن السنة وردت بالإبراد بالظهر في شدة الحر، فالترخص الجافي أن يبرد إلى فوات الوقت أو مقاربة خروجه فيكون مترخصًا جافيًا …

… فحقيقة التعظيم للأمر والنهي أن لا يعارضا بترخص جاف، ولا يعرضا لتشديد غالٍ؛ فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله – عز وجل – بسالكه. وما أمر الله – عز وجل – بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين …

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يحمل الأمر على علة تضعف الانقياد والتسليم لأمر الله – عز وجل – بل يسلم لأمر الله تعالى وحكمه، ممتثلاً ما أمر به، سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والبذل والتسليم … )10(10) الوابل الصيب، ت: بشير عيون ص 12 – 26 ” باختصار وتصرف يسير”..

6 – تعظيم كتابه سبحانه وعدم التقدم بين يديه، بحيث ينقاد له ويسلم، ويحكِّمه في الصغير والكبير، ويتحاكم إليه، ويرضى بحكمه ويسلم. فلم يعظم الله – عز وجل – من هجر كتابه ولم يحكم به أو يتحاكم إليه.

7 – الاستعانة بالله وحده وصدق التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وعدم الركون إليها، وإنما الركون إلى الكبير المتعال الذي قهر كل شيء بكبريائه وعظمته، وخضع لسلطانه كل مخلوق مهما علا شأنه، وهذا يورث الطمأنينة والثقة الكاملة بالله – عز وجل – الذي نواصي الخلق بيده سبحانه مما يكون له أثر عظيم في الثبات، ورباطة الجأش عند الشدائد والمخاوف.

8 – الخوف منه سبحانه وحده، وعدم الخوف من المخلوق الضعيف11(11) والمقصود بالخوف هنا: الخوف الذي يقعد بصاحبه عن فعل واجب أو يدفعه إلى محرم، أما الخوف الجبلي فلا يلام عليه. الذي لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعًا، فضلاً عن أن يملكه لغيره، وحينما يذكر العبد ربه باسمه العظيم وتقوم في القلب معانيه وآثاره؛ فإن هذا ينعكس على أعماله وأحواله ومواقفه، بحيث لا تطير نفسه شعاعًا عندما يصدر من مخلوق متمكن تهديد في رزق أو حياة، وإنما تعظيم الله – عز وجل – بلسانه وقلبه يجعله ينظر إلى المخلوق الضعيف بما يناسب قدره، وتستولي على القلب عظمة الله سبحانه وكبرياءه فتتبدد المخاوف ويحل محلها الشجاعة، والطمأنينة، والإقدام، وعدم الانصياع للتهديد والمخاوف.

اقتران اسمه سبحانه (العظيم) باسمه سبحانه (العلي).

قال الله – عز وجل -: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة: 255].

وقال سبحانه: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى: 4].

وعن بعض أسرار اقتران هذين الاسمين الكريمين يتحدث الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (قد شرع الله سبحانه لعباده ذكر هذين الاسمين: (العلي؛ العظيم) في الركوع والسجود، كما ثبت في الصحيح أنه: (لما نزلت: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 74]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم. فلما نزلت: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى: 1]، قال: اجعلوها في سجودكم)12(12) لم أقف عليه في الصحيح، ولكن رواه أحمد 4/ 155، وأبو داود (869)، وضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود (184)..

وهو سبحانه كثيرًا ما يقرن في وصفه بين هذين الاسمين، كقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى: 4].

وقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62، سبأ: 23].

وقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد: 9].

يثبت بذلك علوه على المخلوقات وعظمته، فالعلو: رفعته، والعظمة: عظمة قدره – ذاتًا ووصفًا)13(13) الصواعق المرسلة 4/ 1364..

ومن هذه الأسرار الجميلة، والحكم الجليلة المتعلقة بهذا الاقتران:

قوله رحمه الله تعالى: (إنه سبحانه قرن بين هذين الاسمين الدالَّيْن على عُلُوِّه وعظمته في آخر آية الكرسي، وفي سورة الشورى، وفي سورة الرعد، وفي سورة سبأ في قوله: (قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ: 23].

ففي آية الكرسي: ذَكَر الحياة – التي هي: أصل جميع الصفات – وذكر معها قيوميته – المقتضية لذاته وبقائه، وانتفاء الآفات جميعها عنه؛ من النوم والسِّنة والعجز وغيرها – ثم ذكر كمال ملكه، ثم عقَّبه بذكر وحدانيته في ملكه؛ وأنه لا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، ثم ذكر سعة علمه وإحاطته، ثم عقَّبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيءٍ من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه، ثم ذكر سعة كرسيه؛ منبهًا به على سعته – سبحانه – وعظمته وعُلُوّه؛ وذلك توطئة بين يدي ذكر عُلُوِّه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره، وحفظه للعالم العلويِّ والسفليِّ من غير اكتراث ولا مشقةٍ ولا تعبٍ، ثم ختم الآية بهذين الاسمين الجليلين الدالَّيْن على عُلُوِّ ذاته وعظمته في نفسه)14(14) الصواعق المرسلة 4/ 1371..

(ولله – عز وجل – صفة كمال من اسمه (العلي)، وصفة كمال من اسمه (العظيم)، وصفة كمال ثالثة من اجتماعهما، فقد حاز العلو بكل أنواعه، وجمع العظمة بكل صورها، فهو عظيم في علوه، عالٍ في عظمته سبحانه ولعل تقديم اسم (العلي) على (العظيم) من تقديم السبب على المسبب لأنه – عز وجل – عظم لعلوه على كل شيء)15(15) انظر “مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم” د. نجلاء كردي ص 474..

اقتران اسمه سبحانه (العظيم) باسمه سبحانه (الحليم)

وقد ورد ذلك في دعاء الكرب حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو عند الكرب فيقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم»16(16) البخاري (6345)، مسلم (2730)..

ووجه الاقتران بين هذين الاسمين الكريمين واضح وذلك بأن الله – عز وجل – مع أنه العظيم الجبار المتكبر القاهر فوق عباده فإنه سبحانه الجليل الرحيم الرؤوف بعباده، والجمع بين هذين الاسمين الجليلين يدل على صفة كمال وجمال فلم تمنعه عظمته سبحانه وقدرته على خلقه من أن يحلم عنهم، ويصفح ولم يكن حلمه سبحانه عن ضعف وعجز، بل عن عظمة وقدرة وقهر.

الهوامش

(1) رواه مسلم (479).

(2) البخاري (6345)، ومسلم (2730).

(3) انظر الصحاح 5/ 1987، واللسان 4/ 3004، 3005.

(4) اشتقاق أسماء الله (ص 111، 112).

(5) الكافية الشافية البيت رقم (3222).

(6) انظر أسماء الله الحسنى للأشقر ص 146.

(7) مسلم (2620) في البر والصلة باب تحريم الكبر، وأحمد في المسند 2/ 376.

(8) الحق الواضح المبين ص 27، 28.

(9) شفاء العليل 2/ 630.

(10) الوابل الصيب، ت: بشير عيون ص 12 – 26 ” باختصار وتصرف يسير”.

(11) والمقصود بالخوف هنا: الخوف الذي يقعد بصاحبه عن فعل واجب أو يدفعه إلى محرم، أما الخوف الجبلي فلا يلام عليه.

(12) لم أقف عليه في الصحيح، ولكن رواه أحمد 4/ 155، وأبو داود (869)، وضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود (184).

(13) الصواعق المرسلة 4/ 1364.

(14) الصواعق المرسلة 4/ 1371.

(15) انظر “مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم” د. نجلاء كردي ص 474.

(16) البخاري (6345)، مسلم (2730).

اقرأ أيضا

أسماء الله الحسنى (2) الرب

من أسماء الله الحسنى: [الظاهر، الباطن]

أسماء الله الحسنى: (8) [القيوم]

 

التعليقات غير متاحة