ثمة اندفاع للبعد عن الإسلام السُنّي واقعا وتطبيقا، كما توجد قرارات خطأ تستفيد منها إيران، ووقائع على الأرض تُظهر حقائق الدوافع واتجاه سير الأحداث.

مقدمة

تعجّب الناس من ظهور الحوثي كقوة تستطيع الاستيلاء على بلاد اليمن بإمكاناتها ووعورتها وقبائلها.

فوجيء المسلمون بسقوط جزء نفيس من الأمة في يد رافضة يتبعون إيران بمشاريعها وباطنيتها المريبة والمتحالفة مع الغرب الصليبي، والمدعية العداء مع الصهاينة؛ بينما هم في حالة حفاظ على التوازن واستفزاز متبادل يُبتغى منه ابتزاز المسلمين السُنة من كلا الطرفين؛ إذ يربحان على حساب خاسر واحد.

تستغل إيران تناقضات الأنظمة العلمانية مع شعوبها ومع عقيدة الأمة وثوابتها لتصل بـ “شعاراتها” ـ كـ “الموت لأمريكا واسرائيل” ـ الى اكتساب مساحة من جماهير المسلمين ضعيفةِ العقيدة الجاهلة بدينها، واستغلال من يميل لمال أو غيره.

تبقى الأمور على الأرض كما هي بلا حراك؛ فلا اسرائيل هدّدها أحد تههديدا حقيقيا، ولا القدس استُرجعت، ولا ماتت أمريكا ولا غيرها، بل يموت المسلمون كل يوم وتُقتنص أرضهم وبلادهم، وتُهدد مقدساتهم وبلادهم، ولا يَجني الناس غير شعارات الرافضة يقبع تحتها حقد أسود، ومآلات أفعالهم مصائب وكوارث يومية على الأمة.

اكتسبوا كذلك زخما حين ساندوا المقاومة السُنية “حماس” حين تخلى عنها الجميع وعادتْها أقرب الأنظمة جوارا؛ إعلاميا واستخباراتيا وسياسيا وعسكريا، ويحاولون حصارها اجتماعيا بتبغيض المجاهدين الى الشعوب والفصل بينها وبينهم، هذا مع الحصار الاقتصادي الخانق؛ وحينئذ تتقدم إيران الرافضية نحو مساندة “المقاومة” بشروطها وابتزازتها؛ فتشترط عليهم نشر كتب التشيع الرافضي بكل خبثها ونكدها، كما تمتلك ابتزازهم وتحديد سقف مقاومتهم، وقبل كل هذا وبعده تحدد عليهم إملاءات مواقف ضد الطغاة في أماكن أخرى حين يساندهم الرافضة، كالموقف من طاغية سوريا؛ فتقع “حماس” وغيرها في تناقض مخجل، تحت الضغوط.

في اليمن يقبع “الحوثيون”، جماعة من الحفاة؛ فإذا بهم يستولون على “اليمن” بمقدراته ومساحته؛ فتنفذ إيران ـ بعد العراق وسوريا ولينان ـ الى البحر الأحمر والمحيط الهندي..! وتقترب من الحرمين الشريفين.

المُفارقة

والمفارقة أن القيادات المتحكمة في المسلمين قد جمعت بين الخيانة والطاغوتية وبين الحمق والرعونة.

وفي جميع الأحوال لهم أجندة غير أجندة الأمة، ولهم أولوياتهم بخلاف الأمة، وأعداؤهم مختلفون عن الأمة، كما أن تحالفاتهم لا تخص المسلمين في شيء.

ومن هنا كان التحرك الأرعن والإخفاق المتتالي، بينما يكسب “الحوثيون” كما يكسب حزب “حسن نصر” في لبنان، كما تكسب شيعة العراق وسوريا؛ كلهم يكسبون بجهد ضئيل، وأحيانا بغير جهد، لا بجهدهم بالاعتبار الأول بل بحمق المتحكمين في المسلمين، ثم بجهدهم المنظم واتساقهم الذاتي.

وهي مفارقة عجيبة؛ فأمة الرافضة هي أحمق طائفة؛ فكوْنها تتغول وتتقدم فثمة خلل كبير في واقع المسلمين، وثمة غيبوبة وتغييب تعيشها الأمة.

وهنا إطلالة على سير الأمور في اليمن..

الواقع في الميدان على الأرض

جاء على مواقع رابطة علماء أهل السنة تحت عنوان “كيف صنع التحالف سلطة الحوثي وحافظ عليها؟”

“التحالف أصدر توجيهاته للرئيس عبد ربه منصور بضرورة التخلص من الإسلاميين عبر دعم الحوثي وعدم التعرض له وتوجيه كل المعسكرات ومشايخ القبائل في صعدة وعمران ثم صنعاء بالتعاون مع الحوثيين وتسليمهم النفوذ بشرط أن يتولى الحوثي القضاء على جامعة الإيمان والفرقة الأولى مدرع بمساعدة مدفعية المعسكرات المحيطة بصنعاء وسلاح الجو اليمني إذا احتاج إلى إسناد جوي.

كل وحدة عسكرية تتعرض “للحوثيين” يتم تعاون “الحوثيين” والدولة ضدها لقمعها وسحقها وأبرزها لواء “القشيبي” في “عمران” واضطرت وزارة الدفاع في الأخير للتحايل حتى تقتل “القشيبي” غدرا وبعدها مباشرة استلم الحوثيون محافظة “عمران” وزار الرئيس “عمران” وصرح من هناك للتلفزيون الرسمي بأن “عمران” لم تسقط وأنها تحت سلطة الدولة !! ودعم مجلس التعاون الخليجي كل هذه الخطوات ورفض استقبال المشايخ الذين لم يتعاونوا مع “الحوثيين” وأبرزهم الشيخ “صادق الأحمر” شيخ مشايخ قبائل “حاشد”.

تم توجيه “الحوثيين” بعد “عمران” نحو “صنعاء” تحت نظر التحالف العربي ممثلا حينها بسفاراتهم في صنعاء، ولم تحدث مقاومة إلا في “جامعة الإيمان” و”الفرقة الأولى” التي تطل على الجامعة ولما شعر الإسلاميون بأن عبد ربه وسفراء دول الخليج والدول الراعية للمبادرة الخليجية كلهم متواطئون ولم يصدر الرئيس حتى إعلان بيان الحرب أو تشكيل مقاومة أو الدعوة للدفاع عن العاصمة انسحب الإسلاميون وقرروا عدم الدفاع عن دولة لا ترغب في الدفاع عن نفسها وأدركوا خطورة حمل السلاح خارج نطاق الدولة وتأكد لهم ثبوت مؤامرة خليجية ودولية.

بهت الخليج باستلام “الحوثيين” لكل ترسانة الدولة دون القضاء على الإسلاميين فقرر الخليجيون إطلاق عاصفة الحزم لإبقاء “الحوثيين” المنتشين تحت السيطرة وتفتيت أي قوة حقيقية أخرى فلما أعلنت الدولة رسميا الحرب على الحوثي بدعم إقليمي سارع الإسلاميون للانخراط في الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وشكلوا أكبر نسبة في التشكلات العسكرية الجديدة.

شعر التحالف بإفلات الإسلاميين من عاصفة الحزم التي أعدت للقضاء عليهم فعملوا على إضعاف الشرعية حتى لا يستفيد منها الإسلاميون من جديد واتبعوا في ذلك أبشع الوسائل:

ردع أي تقدم ضد “الحوثيين” بقصف المقاومة بالطيران وهذا ما برز بشكل علني في “عدن” وفي جبهات “تعز” و”نهم” حول “صنعاء” و”الجوف” و”صرواح” ودائما يتم التسويغ لذلك بأنها نيران صديقة وقصف غير متعمد !! تم قصف المقاومة في ميدي بطائرات الأباتشي السعودية عدة مرات قال أحد الضباط (2016) لولا التحالف كنا دخلنا الحديدة من زمان !

قال بعض الضباط في جبهة “نهم” نحن نشاهد صنعاء أمامنا منذ أواخر 2016 ولكن قطع التحالف عنا الإمدادات وإذا تقدمنا جاءنا الطيران وقصفنا ثم أوقف التحالف رواتبنا وبعد أشهر تأتي الرواتب بالتقسيط وتوزع على بعد مائة كيلومتر من الجبهة ويجب حضور الأفراد شخصياً وتعمدوا توزيع الرواتب بهذا الشكل لكي نترك الجبهة ونضطر لإعادة استعادة مواقعنا !!

يقول ضابط آخر في جبهات مدينة تعز تعرضنا للقصف عدة مرات من التحالف وفي مواقع بعيدة عن مسرح العمليات ومناطق حررت من زمن مما يؤكد عدم مصداقية قول التحالف أن القصف تم بالخطأ لأن موقع القصف لا تتقاطع فيه النيران.

عمل التحالف على إضعاف الجيش الوطني والمقاومة من خلال إنشاء تشكلات عسكرية خارج سلطة وزارة الدفاع وقام بتسليحهم بالعتاد المتطور وصرف لهم رواتب مضاعفة بالريال السعودي وتصرف رواتبهم دون انقطاع واحتفظ بمعظم هذه القوة بعيدا عن الجبهات.

سخر التحالف أذرعه الإعلامية لكسر عزيمة المقاومة من خلال تشويهها والشماتة بها والسخرية من عدم تقدمها وإذا تقدمت قام بقصفها.

حرص التحالف على اغتيال القيادات العسكرية الجادة في مواجهة الحوثي كما حدث لمقاومة عدن وغيرها وقد يصل الأمر إلى كشف مواقع بعض القيادات البارزة وتسليم الإحداثيات للحوثيين لكي يوجهوا إليهم القصف المدفعي بشكل دقيق ومباشر.

التصريحات الإعلامية المسيئة للمقاومة ومن أبرزها التصريحات الإماراتية نحن لا نريد تحرير “الحديدة” وإنما أردنا فقط الضغط على “الحوثيين” ليأتوا الى مائدة الحوار !!

ومنها الصريح السعودي: “الإخوان” أخطر من إيران !! ومنها: ليس أمامنا سوى سيء وأسوأ !! وطبعا الأسوأ هو “الإخوان” كما في التصريح المشهور”. (1)

“أبرمت السعودية نحو أربعة اتفاقات مع الحوثي في ظهران الجنوب وفي الرياض ولم تبرم أي اتفاق ولو شكلي مع الإسلاميين الذين يشكلون أكبر مكون عسكري في مكونات الشرعية! ولولا أن الحوثيين خرقوا الاتفاقات لكانت سلمت لهم كل اليمن بحماية التحالف أيضا”. (2)

“عمل التحالف بالتنسيق مع المجتمع الدولي على إهانة وفود “الشرعية” في كل المفاوضات السابقة ووصل الحد إلى أن يحضر وفد الحكومة ولا يحضر وفد “الحوثيين”! رغم العلم المسبق للتحالف! أو يحضر وفد الشرعية دون السماح لفريقهم الإعلامي ويأتي وفد الحوثيين برفقة المبعوث الأممي! وبكامل الطاقم وزيادة..!

تتم المساواة في المفاوضات بين الطرفين! ولا يسمى الحوثيون بـ “المتمردين”! ولا يوصفون بـ “الانقلابيين”.

كلما وهنت جبهات الحوثيين صنعوا مع التحالف لعبة بهلوانية لإعطاء الحرب دفعة جديدة تزيد الإثارة وتبعد الملل وتشد المتعاطفين من العربان لتستمر الحكاية أطول أمد ممكن”. (3)

“كْم نجح الغرب في قراءة نفسيات الشيعة في إيران وأذرعها حيث علم أن لهم أنفس يستهويها الاستعراض الهزلي في التصريحات والتسليح !! ومزاعم القوة الوهمية.

أخيرا حرص التحالف على إدارة حرب تحت السيطرة بحيث يضعف كل الأطراف وينهك الجميع دون القضاء النهائي على أي طرف.

كما تستمتع أمريكا بإيران على عوجها كذلك تستمتع دول التحالف العربي بالحوثي على عوجه. كلما شعرت بأنه تضاءل وضعف أعادت إليه الروح وصنعت له ولو إنجازا عسكريا أو سياسياً وهميا وكلما رأت أنه عتى وصدق أن لديه قوة قمعته بالمعروف وكسرت بعض زهوه بلطف.

القضاء على “الحوثيين” يعني أن لا مبرر لوضع التحالف يده على اليمن !

القضاء على الحوثيين يعني أن يخلو الجو للإخوان كقوة وحيدة متماسكة ومتواجدة سياسياً وعسكريا!

ولهذا عمل التحالف العربي على صناعة الحوثي والحفاظ عليه هذه الحقيقة وما سوى ذلك من التهريج الإعلامي فهو جزء من ديكور العملية الدرامية”. (4)

صراحة الدور الإيراني

جاء على موقع (BBC) العربية:

“وقال المسؤول إنه تم اكتشاف طائرة إيرانية تتوجه مباشرة نحو العاصمة اليمنية صنعاء في 28 أبريل/نيسان، وتجاهل طياروها نداءات من مراكز مراقبة الملاحة الجوية السعودية والعمانية.

وبدافع الاشتباه في أنها تحمل أسلحة، رد التحالف وقصف مدرج طائرات مطار صنعاء لمنعها من الهبوط، في حين شكت الحكومة اليمنية في المنفى لمجلس الأمن الدولي بأن إيران تسعى لانتهاك حظر الأسلحة المفروض”. (5)

الهدف من تدمير اليمن

جاء على موقع رأي اليوم تحت عنوان “السبب الحقيقي للحرب السعودية باليمن.. ايران ليست الهدف”

“يبدو أن المملكة تستهدف أمرين:

  • إبقاء اليمن ضعيفا فقيرا يتقاذفه الجهل والفقر والتطرف والنزاعات ليظل تحت السيطرة السعودية، ولِتأمن الخطر اليمني الذي ظل يؤرقها كفوبيا مستحكمة بالنفس السعودية منذ زمن مؤسسي الدولة السعودية الأولى والثانية، وحتى زمن قيادة المملكة العربية السعودية “الدولة السعودية الثالثة”.
  • ثانياً : ضمان التحكم بالقرار السياسي والإرادة اليمنيتَين وإبقاء هذه البلاد المنهكة مربوطة لبوابة قصر اليمامة. “ظل الملحق العسكري السعودي  الشهير باليمن “صالح الهديان” أبرز عرابي هذه السياسية لفترة طويلة” الحديث هنا عن اليمن الشمالي حتى عام 90م, وعن اليمن شماله وجنوبه من بعد هذا التأريخ”. (6)

أين تواجَه إيران؟

جاء على الموقع السابق:

“فإن كان الخطر الإيراني هو الباعث الوحيد لهذه الحرب وليس لأطماع أخرى لكنا شاهدنا مثل هذه الحرب وهذه العاصفة قبل (13) سنة ـ موجهة سعودياً ضد العراق؛ ففي العراق ملايين الشيعة، وفيها أهم مراكز وحوزات هذه الطائفة التي تقول السعودية أنها “مجوسية” تهدد وجودها، وفي العراق أيضا ـ وهو أهم ما بالأمر وفقا للتخوفات السعودية المعلنة ـ النفوذ الإيراني الحقيقي من قوات عسكرية واستخباراتية وأمنية ومرجعيات دينية إيرانية؛ فضلا عن النفوذ السياسي والاقتصادي وغيرها من أشكال النفوذ والتواجد الإيراني الصريح.

وبالتالي يكون منطقيا أن يأتي الخطر الإيران على المملكة من هناك قبل أن يأتيها من جبهتها الجنوبية ـ اليمن”. (7)

خاتمة

هكذا ترى أن مواجهة إيران حولها شكوك، كما أنها تتسم بالتذبذب والتردد، والأفعال المتضادة، والإجراءات الضعيفة والسياسات الفاشلة والإجراءات الحمقاء؛ فيكسب العدو.

لكن تقبع نقطة أخيرة هي الأخطر؛ وهي عداء الجماعات الاسلامية السنية التي كان يمكن أن يكون لها دور حاسم في هذه المواجهة وفي تحقيق تطلّع هذه الشعوب وفي عودة الشرعية الاسلامية؛ لكن تم شيطنتها وعداؤها بحجج مصطنعة وتُهم مكذوبة بسبب حقيقة أخرى وهي الخوف من أن تكون سببا في سلب ملك مستبدّ ـ من خلال ما تعطي للشعوب من متنفس ـ أو لتوجيه قادة الغرب من صليبيين وصهاينة منعا لتخوفاتهم من انعتقاق الأمة من التبعية، واستعادة الأمة لدورها.

ألا سيكون الخير بإذن الله، وتعود الأمة لدورها؛ رغم أنف كل تأخير يودّه المستبدون، وخاب كل طاغوت وخائن .. وصدق الله العظيم ﴿إن الله لا يصلح عمل المفسدين﴾.

…………………………..

هوامش:

  1. موقع رابطة علماء أهل السنة، بتاريخ: 19/12/2018، على الرابط:
    كيف صنع التحالف سلطة الحوثي وحافظ عليها؟، بقلم: أ. مطلق مثنى حسين
  2. المصدر السابق.
  3. المصدر نفسه.
  4. المصدر نفسه.
  5. BBC، بتاريخ 3/5/2015 على الرابط:
  6. أزمة اليمن: لماذا شنت دول الخليج حربا على الحوثيين؟
  7. موقع “رأي اليوم” بتاريخ 19/3/2018، على الرابط:
    السبب الحقيقي للحرب السعودية باليمن.. ايران ليست الهدف
  8. المصدر السابق.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة