العلم هو الدواء الشافي للقلوب والنفوس. وحاجة الناس إليه قائمة في كل حين. وفي كل وقت يتعين منه ما يزيل شبهة أو يصحح إرادة. وهذا دور العلماء الربانيين.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه؛ أما بعد..

فلم يعد خافياً اليوم على من له أدنى بصيرة ما يمارسه أعداء الإسلام من كفرة ومنافقين من حربٍ شرسة معلنة لا هوادة فيها ولا مواربة ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32) وإنّ على كل مسلم واجبا في مواجهة هذه الحرب ومدافعتها وبيان زيفها وبطلانها للناس بداية من الأهل والأولاد والأقارب، ثم بذْل المستطاع في بيان ذلك للمسلمين كل على حسب علمه ووعيه وقدراته، وأن لا يترك الناس نهباً لشياطين هذه الحرب يمكرون بهم ويلبّسون عليهم دينهم ويشوّهون تصوراتهم ومعتقداتهم ومفاهيمهم وأخلاقهم في هذه الدنيا ويعرضونهم لعذاب الله في الآخرة قال الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..﴾ الآية (التحريم: 6).

مما ينبغي بيانه للمسلمين اليوم

وإن من أهم الأمور التي ينبغي أن يتضمنها بيان الحق للناس حتى لا يضلوا ما يلي

تعريف الناس بربهم

تعريف الناس بربهم سبحانه وذلك بمعرفة أسمائه وصفاته العلا، وما تقتضيه من الآثار في الفهم والسلوك والعبادات، وما تثمره من محبة القلب لله عز وجل وتوحيده والموالاة والمعاداة فيه وتعظيمه وتعظيم أمره وحرماته، والتسليم له سبحانه، ورجائه والخوف منه.. لأن القلب اذا امتلأ من معرفة ربه أحبه وعظمه وأحسن الظن به وقذف الله  في قلبه نوراً يعرف به الحق من الباطل.

تعظيم وتقديم كلام الله

تعظيم كلام الله عز وجل وما صح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بفهم الصحابة رضي الله عنهم والتسليم له، وألا يقدَم على نصوص الوحيين عقلٌ ولا رأي ولا ذوق ولا سياسة؛ وبهذا يتحصن المسلم من شبهات أهل الباطل وشهواتهم، ويكون أبعد من أن تنطلي عليه تلبيساتهم؛ فيسهل عليه التفريق بين الحق والباطل فلا يلتبسا عليه. يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

“فمن كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله كان أعظم فرقاناً. ومن كان أبعد من اتباع الكتاب والرسول كان أبعد عن الفرقان فيشتبه عليه الحق بالباطل”. (1الفرقان بين الحق والباطل)

بيان سبل المجرمين

بيان سبيل المجرمين من الكفار والمنافقين؛ وذلك ببيان صفاتهم وفضحهم وبتعريف الناس بهم وبيان خططهم ومكرهم وكيدهم وتلبيساتهم وإسقاط الأقنعة الزائفة عن وجوههم؛ لأن في جهل الناس بسبيل أعدائهم وما يكنّونه من خبث وعداوة وكيد للمسلمين خطرا عظيما على الدين وأهله؛ قال الله عز وجل (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: 55).

بيان سبيل النجاة

بيان سبيل المؤمنين القائم على الفهم الصحيح النقي النظيف والقصد الحسن السالم من لوثات الرياء وإرادة الحياة الدنيا؛ وهذا يقتضي بيان وتأصيل المفاهيم العقدية والشرعية الصحيحة وبيان المفاهيم المنحرفة المضادة، وبيان تلبيس الملبّسين وتلاعبهم بالمصطلحات الشرعية ليلبّسوا على الناس دينهم ويلبّسوا الحق بالباطل.

وأن أول وأهم ما ينبغي العناية به في بيان سبيل المؤمنين بيان التوحيد الخالص وبيان ما يضاده من الشرك وأنواعه؛ شرك النسك وشرك الولاء وشرك الطاعة والاتباع. وبيان نواقض الايمان الاعتقادية والقولية والعملية وبيان بعضاً من صورها المعاصرة.

بيان سنن الله

بيان سنن الله عز وجل في خلقه وأمره والنظر إلى ما يحدث من أحداث ونوازل في ضوء السنن الإلهية التي لا تتبدل ولا تتحول؛ فهي سنن مطردة ثابتة دقيقة منتظمة. وفي هذا عون على تفهم الاحداث وأسبابها ونتائجها وبيان الموقف الشرعي من الاحداث وتفسيرها وبيان الميزان الصحيح الذي ينبغي أن توزن به، وفي هذا منجاة من التخبط والاضطراب الذي يعتري كثيرا من الناس في مواقفهم وموازينهم وأحكامهم بسبب غفلتهم عن سنة الله عز وجل في التغيير.

ومن أهم السنن التي ينبغي ذكرها في الأحداث و المصائب والنوازل:

سُنة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)

وسُنة ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (الشورى: 30)

وسنة المدافعة ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (البقرة: 251)

وسنة الابتلاء والتمحيص والتمييز ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: 179) ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ(محمد: 31) (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران: 141).

بيان حكم الله في الأحداث والنوازل

بيان المواقف الشرعية الصحيحة من الأحداث والنوازل في ضوء معرفة الله عز وجل ومعرفة اسمائه الحسنى، وأن المدبر الحقيقي لكل حدث ونازلة هو الله عز وجل الحي القيوم القاهر فوق عباده العليم الحكيم العزيز الرحيم؛ فإليه يُرجع الأمر كله، والخلق كلهم تحت مشيئته وتصرفه؛ لا يفعلون شيئاً ولا يُحدثون أمراً إلا بإذنه وعلمه وحكمته.

وإذا أضيف الى ذلك تفسير الأحداث في ضوء السنن الإلهية فإن الصورة الصحيحة لتفسير الأحداث والموقف منها تكتمل وتتضح، وفي المقابل تتهاوى ويضمحل ما يضادّها من التفسيرات المادية المضطربة التي لا تجعل في اعتبارها قيومية الله عز وجل وعلمه وإرادته وقدَره وقضائه ولا الأسماء الحسنى ولا سننه التي لا تتبدل ولا تتحول. ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ (السجدة: 19) ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الرعد: 19) ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ (محمد: 114).

التحذير من مكر الفجار

التحذير من استخفاف وألاعيب المجرمين من الكفار والمنافقين واستخدامهم أساليبَ مزخرفة ليشوهوا بها وجه الحق مستخدمين بعض الأدلة الشرعية بتأويلات فاسدة  ليمرروا بها مفاهيم منحرفة باسم الدين والشرع؛ بل قد يستخدمون أناساً من أهل العلم يستخفّونهم ويوظّفونهم في نشر باطلهم مستخدمين بعض الأدلة الشرعية في غير مناطها؛ وذلك لجهلهم بسبيل المبطلين ومكرهم وكيدهم فيَضلون ويُضلون قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ (الروم: 60).

التوجه إلى الله بالضراعة

بيان أن الهداية للحق والثبات عليه واجتناب الباطل وشبهاته إنما ذلك بيد الله عز وجل وتوفيقه وهدايته؛ ولهذا وجب التنبيه لهذا الحبل المتين؛ ألا وهو دعاء الله عز وجل والتضرع بين يديه، وسؤاله الهداية للحق والثبات عليه ومعرفة الباطل واجتنابه. ومن أنفع الادعية في ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ ربَّ جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ عالِمَ الغيبِ والشَّهادةِ أنتَ تحكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ اهدِني لما اختُلِفَ فيهِ منَ الحقِّ بإذنِكَ إنَّكَ تهدي من تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيمٍ» (2رواه مسلم).

خاتمة

إن العلماء للمجتمعات بمنزلة الجبال الراسيات للأرض؛ بهم تثبت المجتمعات ويستقر الناس ويتجهون الى الخير. وبغير دورهم الفعال تميد المجتمعات وتضطرب ويكثر الهرج والفتن. فورثة الأنبياء دورهم اليوم محوري ومناط لنجاة الأمة؛ ولهذا توجهنا اليهم نحثهم على قيامهم بدورهم تجاه أمتهم وأمام نحور العدو؛ فبهم يصنع الله من الخير ما يحفظ بهم المسلمين.. والحمد لله رب العالمين.

………………………..

هوامش:

  1. الفرقان بين الحق والباطل.
  2. رواه مسلم.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة