وخزٌ في ضمير كل مؤمن ما يراه اليوم من منكرات وخلل عقدي وخطر اجتماعي وتراجع للمسلمين، ووجيعة في قلب كل عالِم تتقد في قلبه جذوة الغيرة على هذا الدين فوجب التساؤل عن دور العلماء وسبب غيابهم، والإنكار للخلل العقدي والاجتماعي وأوضاع المسلمين العامة..

نداء العلماء واحتياج الأمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد..

فقد روى البخاري ومسلم بسنديهما عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسيّ يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول: «إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذا نساؤهم»(1).

ففي هذا الحديث إنكار من معاوية رضي الله عنه وصْل شعر النساء بغير شعورهن، وتساءل عن علماء المدينة أين هم من إنكار هذا المنكر.

والشاهد قوله: «يا أهل المدينة أين علماؤكم».

وهذا الإنكار من معاوية على حرمة وصل المرأة لشعرها قرنه بإنكار آخر، ألا وهو سكوت من رآه من العلماء فلم ينكر.

وهذا في مسألة فقهية فرعية فكيف بالمنكرات الطوامّ في صلب العقيدة وتنحية الشريعة وتبديل الدين كما هو حاصل في زماننا هذا وفي بلدنا هذا.

وتأسّيا بمعاوية رضي الله عنه في قوله: «يا أهل المدينة أين علماؤكم» نخاطب الأمة في بلاد الحرمين بهذا النداء فنقول:

أيتها الأمة

خطر عقدي، وحرب أولياء الله

أين علماؤكم من إنكار ما يحصل في بلاد الحرمين من إقصاء للشريعة وتبديل للدين الحق القائم على توحيد الله عز وجل والبراءة من الشرك والمشركين، والسعي لطمس ذلك في مناهج التربية والتعليم والتثقيف والإعلام.

ألم تروا كيف يوالي حكام بلاد الحرمين أعداء الله الكفرة من اليهود والنصارى، ويتحالفون معهم في ضرب المسلمين السنة وتدمير ديارهم في أفغانستان والعراق وبلاد الشام فما موقفكم من ذلك؟

ثم ألَم تروا في المقابل كيف يعادي الحكامُ أولياء الله من علماء البلد ودعاته ويزج بهم في السجون ويؤذون فيها أصناف الأذى ، فأينكم من هذا ؟

عَداء المجاهدين وودّ اليهود..!

أين علماؤكم ممن يصرح بعدائه للجماعات الإسلامية من دعاة ومجاهدين في الوقت الذي يطلب فيه وُّد اليهود المحتلين لمقدسات المسلمين ويرى أن لهم الحق أن يعيشوا على أرض فلسطين بسلام.

ما حكم من يسعى متهالكا في التحالف وتطبيع العلاقات معهم .

نشر الرذيلة وشرعنتها

أين علماؤكم ممن يسعى لنشر الفساد والرذيلة بإفساد المرأة وتهيئة الأجواء المختلطة بينها وبين الرجل بإقامة الحفلات الماجنة والسينما وما فيها من الرقص والغناء وقلة الحياء.

أين علماؤكم ممن لم يكفه نشر الفساد والرذيلة بل وصل به الحال أن يُشرْعن ذلك بأن يتطاول على مقام النبوة وعصرها الذهبي النظيف فيقول زورا وبهتانا بأن الأغاني والرقص والمسارح كانت على وقت الرسول صلى الله عليه وسلم؟!!

أليس من المخزي ألا يوجد منا عالم ينبري لمثل هذه الافتراءات فيردها ويبين حكم الله فيمن يطرحها ويقول “كذبت”.

[للمزيد: الأمة تفتقدكم .. فأين أنتم يا معشر العلماء]

ضياع أموال المسلمين

أين علماؤكم ممن يهدر أموال الأمة ويقدمها لطواغيت أمريكا يضربون بها المسلمين في كل مكان وينقذون به اقتصادهم المنهار ويوظفون بها شبابهم العاطل؛ في الوقت الذي يعيش كثير من أبناء البلاد في فقر وبطالة وضرائب تفوق قدراتهم المالية.

زنادقة في الإعلام، ومُصلحون في السجون..!

أين علماؤكم ممن يمكن للزنادقة والمنافقين من وسائل التأثير والإعلام يقولون ما يشاؤون من الكفر والزندقة دون محاسبة لهم؛ في الوقت الذي تكمَّم فيه أفواه المصلحين ولا يُتسامح معهم بأدنى كلمة يقولونها في أمرٍ بمعروف أو نهيٍ عن منكر؛ بل السجون والمحاسبة الشديدة في انتظارهم.

أين علماؤكم من هذا كله..؟!

إن واحدة من هذه الطوام الآنفة الذكر كافيةٌ في الشعور بواجب الإنكار وقول الحق، وكافيةٌ في الشعور بالإثم العظيم في السكوت عليها فكيف بها مجتمعة؟!

إن الأمر جد خطير فماذا دهانا يا علماء الأمة؟ يقول الله عز وجل: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ (الأعراف 169-170).

[للمزيد: العلماء ومسؤولية البلاغ]    

حيَلٌ وبدائل في وسعنا

سيقول كثير من أهل العلم إنه ليس في اليد حيلة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ونقول لأنفسنا ولهم إن لدينا حيل وقدرات كثيرة يحاول الشيطان أن يقتلها في نفوسنا ويخوفنا من استخدامها ويبذر مكانها بذور اليأس والإحباط ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:175).

نذكر هنا مثالا من هذه الإمكانات ألا وهو أن يبدأ أهل العلم الصادقون بلقاءات مكثفة مع بعضهم في كل مدينة يتبادلون الرأي في مجالات التصدي لهذه المنكرات وشرعنتها وسينبثق بإذن الله تعالى عن هذه اللقاءات خير كثير وأعمال مباركة..

أما أن يبقى كل عالم في بيته يتحسر ويحوقل فهذا ما يريده شياطين الإنس والجن.

وبعد الكتابة لهذا البيان بأيام قلائل وقبل نشره جاء الجواب ـ والحمد لله ـ على السؤال المعنون له في هذه الورقة..

نعم جاء الجواب والفرج من الله عز وجل؛ وذلك بما فتحه الله سبحانه وتعالى على عبده المجاهد الصابر شيخنا “سفر الحوالي” حيث سطّر بسيف قلمه شهادة صدق وكلمة حق في كتابه المبارك إن شاء الله تعالى “المسلمون والحضارة الغربية”(2) مضحيا في سبيل الله تعالى بصحته وراحته وأهله وأولاده والدنيا جميعا؛ فنحسبه ـ والله حسيبه ـ أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (البقرة:207).

[للمزيد: “سفر الحوالي” .. الى كرامة السجن]

فلله الحمد والمنة على أن أنعم علينا بمثل هذا الرجل العظيم؛ حيث لم نلبث إلا أياما قليلة على سؤالنا “يأهل الحرمين أين علماؤكم” حتى جاء الجوابُ، والرّيُّ بعد العطش، وانتعشت النفوس لشعورها أن في بلاد الحرمين رجال وعلماء صادقون يصدعون بالحق ويجاهدون في سبيل الله تعالى ولا يخافون لومة لائم.. هذا ما نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا.

فنسأل الله عز وجل أن يجزي شيخنا الشيخ “سفر” عنا وعن أمة الإسلام بعامة وبلاد الحرمين بخاصة خير الجزاء، ولعل الله أن يرفع عنا معشر الساكتين ـ على ما نرى ونسمع من المنكرات ـ عقوبة السكوت بما صدع به هذا الشيخ الصابر المجاهد..

وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.

الهوامش:

  1. رواه البخاري (3468)، ومسلم (2127).
  2. لتحميل الكتاب:
    رابـــط أول: المسلمون والحضارة الغربية
    رابط ثانيٍ: المسلمون والحضارة الغربية

اقرأ ايضا:

  1. مختارات من “المسلمون والحضارة الغربية” (1) نصائح للعلماء
  2. لماذا الدعوة الى الله
  3. الوسطية في الدعوة والتغيير .. بين الخوارج والمرجئة
  4. العلماء ومسؤولية البلاغ

التعليقات غير متاحة