المنافقون: سوس هذه الأمة الذي ينخر في جسدها ويتربص بها الدوائر ، وما أكثرَ هؤلاءِ اليوم! أحسنوا زخرفة الألفاظ ، وتسلَّقوا منابر شتى، وأعملوا معول الهدم في دين الأمة، تارة باسم العقل، وتارة باسم الاعتدال، وتارة باسم التقدم وعدم الرجعية، وتارة باسم نبذ التطرف والإرهاب، وتارة باسم متطلبات العصر.

الآثار الواردة في النفاق والمنافقين

المنافق وزخرف القول

– عن أبي إدريس عائذ الله بن عبدالله الخولاني أنه أخبره یزید بن عميرة صاحب معاذ: أن معاذا رضي الله عنه كان يقول كلما جلس مجلس ذکر: الله حکم عدل. وقال أبو اليمان: قسط، تبارك اسمه، هلك المرتابون. فقال معاذ بن جبل يوما في مجلس جلسه: وراءكم فتن يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والحر والعبد، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، فيوشك قائل أن يقول: فما للناس لا يتبعوني؟ وقد قرأت القرآن، والله ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة، واحذروا زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلال على فم الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق. قال قلت له: وما يدريني يرحمك الله أن الحكيم يقول كلمة الضلال، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟! قال: اجتنب من کلام الحكيم المشتبهات، التي تقول ما هذه، ولا ينئينك ذلك منه، فإنه لعله أن يراجع، ويلقى الحق إذا سمعه، فإن على الحق نورا. وفي رواية القاضي: ولا يثنينك ذلك عنه)1(1) السنن الكبرى للبيهقي (21444) 10/210..

– عن عروة بن الزبير رحمه الله قال: أتيت عبدالله بن عمر ، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء، فيتكلمون بالكلام نعلم أن الحق غيره، فنصدقهم، فيقضون بغير الحق، فنقر به عليهم، ونحسنه لهم، فكيف ترى في ذلك؟ قال: (يا ابن أخي کنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد هذا من النفاق، ولا أدري كيف هو عندكم)2(2) صفة النفاق للفريابي (64) ص 65..

– عن الحسن قال: (من النفاق: اختلاف اللسان والقلب، والسر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج)3(3) صفة النفاق للفريابي1/ 49..

– عن الحسن قال: (الكذب جماع النفاق)4(4) الزهد للإمام أحمد 1/142..

– قال الشعبي: (من كان كذابا فهو منافق)5(5) مصنف ابن أبي شيبة 8/592 (5657)..

– عن الأعمش عن ثابت أبي المقدام عن أبي يحيى قال: قيل لحذيفة: ما النفاق؟ قال: الرجل يتكلم بالإسلام، ولا يعمل به)6(6) تهذيب الآثار (961)..

المنافقون والوقوف على أبواب السلاطين

قال الحسن رحمه الله: كان فيمن كان قبلكم رجل له قدم في الإسلام وصحبة لرسول الله صلى الله عليه  وسلم، قال عبد الله بن المبارك: عنى به سعد بن أبي وقاص وقال: وكان لا يخشى السلاطين وينفر عنهم، فقال له بنوه: يأتي هؤلاء من ليس هو مثلك في الصحبة والقدم في الإسلام فلو أتيتهم. فقال: (يا بني آتي جيفة قد أحاط بها قوم، والله لئن استطعت لا أشاركهم فيها) قالوا: يا أبانا إذن نهلك هزالا. قال: (يا بني لأن أموت مؤمنا مهزولا أحب إلي من أن أموت منافقا سمينا). قال الحسن: خصمهم والله، إذ علم أن التراب يأكل اللحم والسمن دون الإيمان. وفي هذا إشارة إلى أن الداخل على السلطان لا يسلم من النفاق البتة وهو مضاد للإيمان، وقال أبو ذر لسلمة: يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين، فإنك لا تصيب شيئا من دنياهم، إلا أصابوا من دينك أفضل منه. وهذه فتنة عظيمة للعلماء، وذريعة صعبة للشيطان عليهم، لا سيما من له لهجة مقبولة وكلام حلو، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه إن في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع، إلى أن يخيل إليه أن الدخول عليهم من الدين، ثم إذا دخل لم يلبث أن يتلطف في الكلام ويداهن ويخوض في الثناء والإطراء، وفيه هلاك الدين)7(7) إحياء علوم الدين 1/ 133..

المنافق قلبه أسود

– عن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي، قال: قال علي رضي الله عنه: (الإيمان يبدأ نقطة بيضاء في القلب، كلما ازداد الإيمان ازداد بیاضا حتى يبيض القلب كله، والنفاق يبدأ نقطة سوداء في القلب، كلما ازداد نفاقا ازداد سوادا حتى يسود القلب كله، والذي نفسي بيده لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود القلب)8(8) مصنف ابن أبي شيبة (30957) 11/11..

– عن حذيفة رضي الله عنه ، قال: القلوب أربعة: قلب مصفح، فذلك قلب المنافق، وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب أجرد، كأن فيه سراجا يزهر، فذاك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان، فمثله كمثل قرحة يمد بها قيح ودم، ومثله كمثل شجرة يسقيها ماء خبيث وماء طيب، فأي ماء غلب عليها غلب)9(9) مصنف ابن أبي شيبة (31043) 11/ 36..

خوف السلف من النفاق

– قال عمر رضي الله عنه: (ما أخاف عليكم أحد رجلين: رجل مؤمن قد تبين إيمانه، ورجل كافر قد تبين كفره، ولكن أخاف علیکم منافقا يتعوذ بالإيمان ويعمل بغيره)10(10) صفة النفاق للفريابي ص30..

– عن أم الدرداء أن أبا الدرداء كان إذا رأى الميت قد مات على حالة صالحة، قال: هنيئا له، ليتني مثلك! فقالت أم الدرداء له: لم تقول ذلك؟ فقال: هل تعلمين أن الرجل يصبح مؤمنا ويمسي منافقا؟ قالت: وكيف؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر، لأنا بهذا الموت أغبط مني لهذا بالبقاء في الصلاة والصيام)11(11) کنز العمال (42793) 10/ 698..

– كان أبو الدرداء رضي الله عنه يتعوذ من النفاق إذا فرغ من التشهد)12(12) صفة النفاق ص71..

– عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يرى الجسد خاشعا، والقلب ليس بخاشع)13(13) الزهد للإمام أحمد 1/ 142..

– عن هارون أن عبدالله بن عمرو لما حضرته الوفاة، قال: (انظروا فلانا لرجل من قريش، فإني كنت قلت له من ابنتي قولا کشبه العدة، وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته)14(14) سير أعلام النبلاء 8/394..

– قال البخاري: قال ابن أبي مليكة: (أدركت ثلاثين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبریل ومیکائیل)15(15) رواه البخاري تعليقا باب (خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر) 1/18..

– عن حذيفة رضي الله عنه قال: مر بي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة إن فلانا قد مات فأشهده، ثم مضى حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس، فعرف فرجع إلي فقال: يا حذيفة أنشدك الله أمن القوم أنا؟ فقلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحدا بعدك. فرأيت عيني عمر جاءتا)16(16) کنز العمال (1622)..

– عن إبراهيم بن نشيط، سمعت عمر مولى غفرة يقول: أبعد الناس من النفاق أشدهم خوفا على نفسه منه، الذي لا يرى أنه ينجيه منه شيء، وأقرب الناس منه الذي إذا زكي بما ليس فيه ارتاح قلبه وقبله، قال: وقال : وإذا زكيت بما ليس فيك، فقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، فإنك تعلم وهم لا يعلمون)17(17) صفة النفاق للفريابي 91..

المنافق يرائي بأعماله

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا أتاه فقال: أتخوف على نفسي النفاق. فقال له أبو موسى: (أما صلیت قط حيث لا يراك أحد إلا الله؟) فقال: بلى. قال: (فإن المنافق لا يصلي حيث لا يراه أحد إلا الله عز وجل)18(18) الآثار لمحمد بن الحسن1/251..

– عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق، قد علم نفاقه أو مريض. إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة)19(19) رواه مسلم (654)..

المنافق ذو لسان عليم

عن أبي عثمان النهدي قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عدد أصابعي هذه، وهو يقول: (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم. قيل: وكيف يكون المنافق العليم؟ قال: عالم اللسان، جاهل القلب والعمل)20(20) صفة النفاق للفريابي ص28..

المنافق أشد خطرا من الكافر

– عن حذيفة رضي الله عنه قال: (إنما كان النفاق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان)21(22) البخاري (7114)..

– وعنه قال: (إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون)22(23) البخاري (7113)..

المنافق قليل الذكر

– عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (نقل الحجارة أهون على المنافق من قراءة القرآن)23(24) شعب الإيمان للبيهقي 2/354..

– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من أكثر من ذكر الله، فقد برئ من النفاق)24(25) کنز العمال 1/446..

الهوامش

(1) السنن الكبرى للبيهقي (21444) 10/210.

(2) صفة النفاق للفريابي (64) ص 65.

(3) صفة النفاق للفريابي1/ 49.

(4) الزهد للإمام أحمد 1/142.

(5) مصنف ابن أبي شيبة 8/592 (5657).

(6) تهذيب الآثار (961).

(7) إحياء علوم الدين 1/ 133.

(8) مصنف ابن أبي شيبة (30957) 11/11.

(9) مصنف ابن أبي شيبة (31043) 11/ 36.

(10) صفة النفاق للفريابي ص30.

(11) کنز العمال (42793) 10/ 698.

(12) صفة النفاق ص71.

(13) الزهد للإمام أحمد 1/ 142.

(14) سير أعلام النبلاء 8/394.

(15) رواه البخاري تعليقا باب (خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر) 1/18.

(16) کنز العمال (1622).

(17) صفة النفاق للفريابي 91.

(18) الآثار لمحمد بن الحسن1/251.

(19) رواه مسلم (654).

(20) صفة النفاق للفريابي ص28.

(21) البخاري (7114).

(22) البخاري (7113).

(23) شعب الإيمان للبيهقي 2/354.

(24) کنز العمال 1/446.

  • اقرأ أيضا

آيات في النفاق وأهله ذما ووصفا وتحذيرا

أحاديث في النفاق وأهله ذما ووصفا وتحذيرا

النفاق الأكبر: حقيقته وبعض صوره

خطر النفاق .. حقيقة أم خيال؟

 

التعليقات غير متاحة