النفاق مرض خطير وداء وبيل وموجب لمقت الله وعقوبته. فيجب على كل مسلم أن يزن نفسه بميزان هذه الأحاديث ليرى هل هو سالم منه أو واقع فيه، فهو أُسُّ الرَّذائل، ومجمع المساوئ.

تعدد مظاهر النفاق في المجتمعات الإسلامية

إنَّ من عظيم الأسى ما يُرى في كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم من مظاهر النفاق وعلامات المنافقين، وعمومِ البلاء فيه، في كثير من المنتسبين للإسلام، حتى تعدى عامة الناس إلى بعض المنتسبين للعلم، والمتظاهرين بالصلاح، فكم بيننا ممن لا يتورع عن الكذب في أقواله وأخباره، وإشاعةِ الأقوال المختلَقة، وترويجِ الأخبار المغْرِضة، بقصد الإساءة إلى فرد أو جماعة، وكم ممن تلبس بالغش والخداع، والمكرِ والتدليس في المعاملة، حتى أصبح لا يؤمَنُ جانبه، ولا يُطمئنُ إلى معاملته، ولا يُوثَق بأقواله، وكم هنالك ممن يحاول خِداع النَّاسِ بحسنِ كلامه، ورقة حديثه، ولطافةِ خُلُقِه، يُظهر للآخرين النصحَ والأمانةَ، والصِّدق والمودة، ولكنه بخلاف ما يُظهر، وعلى عكس ما يبدي، قد امتلأ قلبه غيظاً وحقداً، وحسداً وغِلاً، ونفاقاً ومراوغة، يبيع دينه بعرض من الدنيا، ويهدر كرامته في سبيل نيلِ غرضٍ شخصيٍّ، أو مصلحة دنيوية زائلة، غير عابئ بعظيم جرمه، وقبيح صنعه.

بعض الأحاديث الواردة في وصف النفاق وأهله

تشتمل بعض هذه الأحاديث على ذكر النفاق الأكبر (الاعتقادي)، وبعضها في ذكر النفاق الأصغر (العملي)، ويمكن فهم ذلك وتمييزه من السياق العام للحديث.

خصال المنافق

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعهن: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»1(1) أخرجه البخاري (2459)، ومسلم (58)..

المنافق ذو وجهين

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة»2(۲) مسلم (2783) ..

حال المنافق مع المصائب

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء. ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز، لا تهتز حتى تستحصد»3(3) البخاري (7466)، مسلم (2809) واللفظ لمسلم..

حال المنافق في رمضان

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أظلكم شهر رمضان بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما مضى على المسلمين شهر خير لهم منه، ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن الله عز وجل يكتب أجره ونوافله من قبل أن يدخل، ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل، وذلك أن المؤمن يعد له النفقة للعبادة، وأن المنافق يعد فيه غفلات المسلمين واتباع عوراتهم، فهو غنم للمؤمن يغتنمه الفاجر»4(4) البيهقي في السنن الکبری (8765) 4/ 64، قال المناوي بإسناد حسن ورواه أحمد (10783)..

صلاة المنافق

عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك رضي الله عنه في داره بالبصرة، حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قال: فصلوا العصر. فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام، فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا»5(5) مسلم (622)..

سماع الغناء من علامات النفاق

عن عبدالله بن مسعود ده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل»6(6) تعظيم قدر الصلاة 2/ 636، ورواه البيهقي في السنن (21537) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2474) ونقل الإمام ابن القيم رحمه الله صحة وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه وفي رفعه نظر..

النفاق وسوء الخاتمة

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الرجل ليعمل بعمل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»7(7) البخاري (4202) ومسلم (112)..

المنافق والقرآن

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون خلف بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا. ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر. قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق کافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به»8(8) مسند الإمام أحمد(11340) وصححه الحاكم 2/374 وقال: رواته حجازیون وشاميون أثبات، ولم يخرجاه..

الشح والفحش والبذاء من النفاق

وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشح والفحش والبذاء من النفاق، وإنهن ينتقصن من الآخرة ويزودن في الدنيا، وما ينتقصن من الآخرة أكثر مما يزودن من الدنيا»9(9) البيهقي في الآداب 1/184 ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2630)..

ترك الجهاد عند المقدرة من شعب النفاق

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من شعب النفاق»10(10) مسلم (1910)..

المنافقون والصلاة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا»11(11) البخاري (657) ومسلم (651)..

التخلف عن الجهاد الواجب من النفاق

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجالا من المنافقين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بها لم يفعلوا، فنزلت: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [ آل عمران: ۱۸۸]12(12) البخاري (4567)..

المنافقون يخادعون الله وهو خادعهم

عن جابر بن عبدالله يسأل عن الورود، فقال: (نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس؟ قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: حتى ننظر إليك. فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا، ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة: وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة ويشفعون، حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها)13(13) مسلم (191) (1/177)..

المنافق وفتنة القبر

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فیقولان له: ما کنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبدالله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا. وأما الكافر أوالمنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين»14(14) البخاري (1338)..

المنافق لا تسوؤه سيئته ولا تسره حسنته

عن السائب بن مهجان من أهل الشام، وكان قد أدرك الصحابة، قال: لما دخل عمر الشام حمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر وأمر بالمعروف ونهی عن المنكر، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا خطيبا كقيامي فيكم، فأمر بتقوى الله وصلة الرحم وصلاح ذات البين، وقال: عليكم بالجماعة -وفي لفظ: بالسمع والطاعة- فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته فهي أمارة المسلم المؤمن، وأمارة المنافق الذي لا تسوؤه سيئته ولا تسره حسنته، إن عمل خيرا لم يرج من الله ذلك الخير ثوابا، وإن عمل شرا لم يخف من الله في ذلك الشر عقوبة15(15) کنز العمال (44188) 16/154 ، شعب الإيمان للبيهقي 7/ 488 (10574)..

المنافق وإملاء الله تعالى له

عن قتادة قال: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: یا رسول الله إنه يمرض الرجل الذي كنا نرى أنه صالح، فيشدد عليه عند موته، ويمرض الرجل الذي ما كنا نرى فيه خيرا، فيهون عليه عند موته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن يبقى من ذنوبه شيء، فيشدد عليه عند موته، لأن يلقي الله لا ذنب له، وإن المنافق تبقى من حسناته شيء، فيهون عليه، لأن يلقي الله ولا حسنة له»16(16) مصنف عبدالرزاق 3/595..

آية النفاق بغض الصحابة رضي الله عنهم

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار»17(17) البخاري (17)، مسلم (74) ..

ختاما، إذا استحضر المؤمن النصوص الواردة في حقّ المنافقين، وما أعدّه الله لهم من الفضيحة في الدنيا، والنكال في عالم البرزخ، والعذاب في الآخرة، والطرد من رحمة الله، والخلود في النار، قاده ذلك إلى بُغض مسلكهم وطريقتهم، فيحميه الله من شرّهم، ويُنجيه من مهلكتهِم.

الهوامش

(1) أخرجه البخاري (2459)، ومسلم (58).

(۲) مسلم (2783) .

(3) البخاري (7466)، مسلم (2809) واللفظ لمسلم.

(4) البيهقي في السنن الکبری (8765) 4/ 64، قال المناوي بإسناد حسن ورواه أحمد (10783).

(5) مسلم (622).

(6) تعظيم قدر الصلاة 2/ 636، ورواه البيهقي في السنن (21537) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2474) ونقل الإمام ابن القيم رحمه الله صحة وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه وفي رفعه نظر.

(7) البخاري (4202) ومسلم (112).

(8) مسند الإمام أحمد(11340) وصححه الحاكم 2/374 وقال: رواته حجازیون وشاميون أثبات، ولم يخرجاه.

(9) البيهقي في الآداب 1/184 ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2630).

(10) مسلم (1910).

(11) البخاري (657) ومسلم (651).

(12) البخاري (4567).

(13) مسلم (191) (1/177).

(14) البخاري (1338).

(15) کنز العمال (44188) 16/154 ، شعب الإيمان للبيهقي 7/ 488 (10574).

(16) مصنف عبدالرزاق 3/595.

(17) البخاري (17)، مسلم (74) .

اقرأ أيضا

آيات في النفاق وأهله ذما ووصفا وتحذيرا

خطر النفاق .. حقيقة أم خيال؟

خذلان قضايا المسلمين .. وسياق النفاق

 

التعليقات غير متاحة