القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي ﷺ، وإلى جانبها أوتي رسول الله ﷺ معجزات حسية من جنس ما أوتي إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وأجرى الله على لسانه أحاديث نبوية وبشارات مستقبلية هي من دلائل النبوة.
المجددون في الأمة
روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. قال السيوطي رحمه الله في (مرقاة الصعود): “اتفق الحفاظ على تصحيحه، وممن نص على صحته من المتأخرين الحافظ ابن حجر”. اهـ.
ذكر السيوطي رحمه الله: “أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة”.
صفات المجدد
أي أن المجدد قد يكون فرداً واحداً، أو مجموعة في وقت واحد يحصل بهم المراد، ويكون المجدد قائداً كما في المائة الأولى، أو عالماً كما في المائة الثانية، وأول من صرح بأن عمر بن العزيز هو مجدد القرن الأول، والشافعي للقرن الثاني هو الإمام أحمد بن حنبل، وبدأ بهما الحافظ السيوطي منظومته التي رمز لها بـ: “تحفة المهتدين بأسماء المجددين”، ثم وضع كتاباً بعنوان: “التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة”، واستقصى السيوطي سلسلة المجددين بعد عمر بن العزيز والشافعي، فتتبعهم على رأس كل مائة سنة حتى بلغ زمانه، والاعتقاد الجازم بوقوع هذه البشارات من جملة الإيمان بالغيب الذي هو عمود خيمة الإيمان، لأن من أصول الإيمان الاعتقاد بأن النبي ﷺ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وأمتنا موعودة بالتجديد، وهو قدر الله تعالى فيها، حيث جعلها الله فيها ختم النبوات وآخر الرسالات.
البداية كانت في فتح كابل
في المائة سنة الأخيرة أُسقطت فيها مظلة الحكم الإسلامي، وقسمت دولة الخلافة الموحدة، إلى دول ودويلات يحكمها الاحتلال الأجنبي لتغيير هويتها ونهب ثرواتها، وزرع الفتن وغرس الإحن بين الدول المتجاورة، وجعل من الحدود الفاصلة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، ولم يخرج الاحتلال المباشر حتى اطمأن على وكلائه الذين ينفذون خطته ويحفظون حدوده، وكانت الطبقة العسكرية أقرب الحلفاء إليه وأكثرهم مسارعة في رضاه، وشاءت عناية الله أن تبدأ الأمة في الانعتاق من هذا الاحتلال وأذرعه، ولو كتبت هذه السطور قبل ثلاثة أعوام من الآن، ما وجدت من النماذج ما أستدل به على الأمر الواقع، ولكني الآن أرفع بها صوتي وأقول: البداية كانت في فتح كابل وانتصار أفغانستان على أكثر من أربعين دولة تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية، وسمعنا قبل أيام رد المتحدث باسم الإمارة الإسلامية ذبيح الله مجاهد على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عندما تحدث عن الأسلحة التي تركوها في قاعدة باجرام ومطالبة الأفغان بردها، فرد عليه ذبيح الله بأن سلاح الجيش المهزوم التي تؤخذ منه أو يتركها خلفه، يقال عنها غنائم، وأن أفغانستان عندها جيش قوي قادر على الرد والردع، ولم يفلح سلفك في محاولة تجربة الأفغان.
مرحلة الطوفان وطالبان
بعد نصر الأفغان جاء عز الطوفان، وثبات جنود المسجد الأقصى مدة 15 شهراً أمام القتل والتهجير والتجويع، ولم يفلح الصهاينة في إحراز أي هدف من أهدافهم المعلنة، كما صرح بذلك بعض أركان جيش الاحتلال، والدليل فداحة ما حل بهم، ما ظهر عليهم من كآبة وخيبة أمل في اليوم التالي للحرب إزاء ما يقوم المجاهدون في غزة من استعراضات مدروسة، ورسائل للعدو محسوسة، مما جعلته يطالب بتسليم الأسرى دون مراسم احتفالية، باعتبار أن فرحة الغزاوية تحمل رسالة امتهان للنظام المحتل!
وإذا كانت الأحداث السياسية الكبرى التي تعد مراحل فاصلة يؤرخ بها، فإن التاريخ سيكتب في أعلى درجاته وأنصع صفحاته عن مرحلة الطوفان وطالبان.
تحرير سوريا وفتح الشام
وليس بعيداً عن الطوفان ما حدث من تحرير سوريا وفتح الشام، فإن تحرير هذا الجزء الكبير من الشام الشريف ليس بعيداً عن مشروع التحرير الذي أعلنه أبو إبراهيم في السابع من أكتوبر 2023، ويعد هذا المثلث: أفغانستان -الطوفان -تحرير الشام، هو بداية عهد جديد من التجديد لهذه الأمة، وعما قريب تنضم إليهم السودان لما نراه من تقدم الجيش السوداني والشباب المستنفرين، على حساب عصابات المرتزقة ومليشيات الدعم السريع، وبإذن الرحمن ستكون أول الهزائم المباشرة لمحور الثورة المضادة، وتعود كرة جديدة لنجاح الربيع العربي، ولعل اليمن تستفيد من الظروف المواتية التي أوصلت أحمد الشرع إلى قصر الحكم في العاصمة دمشق، أما الجائزة الكبرى فهي أم الدنيا التي ينتظر فرجها الجميع: ﴿ويومئذٍ يفرحُ المؤمنونَ بنصرِ اللهِ﴾.
المصدر
د. محمد الصغير – رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ.