إن دور العلماء محوري في كل زمن، وفي زماننا أكثر أهمية، إذ بهم تتعلق قلوب وتتشوف نفوس، وترمقهم العيون ليتأسوا بمواقفهم ويعرفوا أين منزلهم الذي نزلوا فينزلوا خلفهم؛ فمن اهتدى وهدى كان وريث النبوة، ومن ضل وأضل اشترى ثمنا قليلا وكان في جملة الهلكى؛ وما أكثرهم..! وما أصبرهم على النار..!!
أخطأ الفوزان
الفوزان يقول ببدعية تنظيف البيوت قبل رمضان وفي الوقت ذاته يرى أن من لم يحب ولي الأمر ابن سلمان فهو منافق1(1) https://www.youtube.com/watch?v=xyZ_ush3f2c..
والفوزان هنا مخطئ على طول الخط فلا التنظيف في المناسبات الشرعية بدعة لأنه مباح والناس يفعلونه دون قصد للتعبد كما أنهم يأكلون الزلابية في رمضان بغير قصد التعبد.
والمباح يبقى على حكمه ما لم يتعبد به. وعند أبي داود وغيره من حديث ابن عباس: بينما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ إذا هو برجُلٍ قائمٍ في الشَّمْسِ، فسأَل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيلَ نذَر أن يقومَ ولا يقعُدَ ولا يستظِلَّ ولا يتكلَّمَ ويصومَ، قال:(مُرُوهُ فليتكلَّمْ وليستظِلَّ وليقعُدْ وليُتِمَّ صومَهُ)2(2) أخرجه البخاري (6704)، وأبو داود (3300) واللفظ له، وابن ماجه (2136).، فنهاه عن التعبد بالمباح من حيث هو مباح وأمره بإتمام ما كان عبادة شرعية. وأيضا إذا كان المباح وسيلة إلى طاعة أخذ حكمها من باب : للوسائل حكم المقاصد.
هل تثبت الولاية الشرعية مع موالاة الكفار وإفساد دين المسلمين؟!
والفوزان مخطئ أيضا في إثبات الولاية الشرعية للملوك والحكام الذين لا يلتزمون طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل يلتزمون طاعة الدساتير الوضعية وبعضهم يلتزم طاعة البيت الأبيض فهم يعبدون رب هذا البيت الأبيض ويوالونه ويتولونه وهم به مؤمنون ويظاهرونه على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد أجمع العلماء على أن واجب الطاعة والنصرة لا يبذل للحكام إلا على شرط التزامهم بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة. وأن البيعة الشرعية تكون على كتاب الله وسنة رسول الله. وأن من أثبت الولاية والبيعة على اللادينية فهو من أعظم الدجالين الخراصين.
هل من لم يحب ولي الأمر فهو منافق؟!
والفوزان مخطئ أيضا في زعمه أن من لم يحب ولي الأمر -ابن سلمان وأشباهه- فهو منافق. وهذا معناه أن علماء السلف الذين لم يكونوا يحبون ولاة الأمر الملتزمين شريعة الإسلام ولكن فسقوا في بعض النواحي العملية هم منافقون على هذا الفهم المنكوس.
فالذين كانوا يرون الخروج على الحكام الفسقة هم صفوة السلف منهم على سبيل المثال لا الحصر:
عبد الله بن الزبير ومحمد والحسن بن علي وبقية الصحابة من المهاجرين والأنصار والقائمين يوم الحرة رضي الله عن جميعهم أجمعين وقول كل من أقام على الفاسق الحجاج ومن والاه من الصحابة رضي الله عنهم جميعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين كعبد الرحمن ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير وابن البحتري الطائي وعطاء السلمي الأزدي والحسن البصري ومالك بن دينار ومسلم بن بشار وأبي الحوراء والشعبي وعبد الله بن غالب وعقبة بن عبد الغافر وعقبة بن صهبان وماهان والمطرف بن المغيرة ابن شعبة وأبي المعد وحنظلة بن عبد الله وأبي سح الهنائي وطلق بن حبيب والمطرف بن عبد الله ابن السخير والنصر بن أنس وعطاء بن السائب وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبي الحوسا وجبلة بن زحر وغيرهم ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ومن بعدهم كعبد الله بن عبد العزيز ابن عبد الله بن عمر وكعبد الله بن عمر ومحمد بن عجلان ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن وهاشم بن بشر ومطر ومن أخرج مع إبراهيم بن عبد الله وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة والحسن بن حيي وشريك ومالك والشافعي وداود وأصحابهم فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث إما ناطق بذلك في فتواه وإما الفاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رآه منكرا3(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 132)..
بل ذكر الحافظ أن الخروج بالسيف على أئمة الجَوْر، مذهب للسلف قديم. لكن: استقر الأمر على ترك ذلك.
بل ذكر صاحب الشذرات أنه (نقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسين على يزيد وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية وخروج ابن الأشعت ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج ثم الجمهور رأو جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج، ومنهم من جوّز الخروج على كل ظالم) .
ولسنا هنا بصدد مناقشة هذا المذهب وإنما مقصودنا الرد على دعوى الفوزان أن من لم يحب ولي الأمر فهو منافق وهؤلاء السلف اجتهدوا في طاعة الله تعالى ولم يكونوا يحبون حكام الجور وهم أبعد شيء عن النفاق وإنما المنافق من يجادل عن الخونة المجرمين ويصبغ الشرعية على اللادينيين وأئمة الحرابة والفساد والموالين للصليبيين الحربيين.
وأنا أعلم أن طائفة من المنتسبين إلى منهج السلف يكذبون على الله في كثير من القضايا السياسية ويزعمون أن الخروج منهج الخوارج حصرا وأن الخارجين منافقون.
نعم الخروج منهج المعتزلة والخوارج ولكن هو مذهب للسلف قديم. وقد ذكر الحافظ أن الأمر استقر على ترك الخروج وهذه الدعوى قد ذكرها شيخ الإسلام أيضا وقد ألمحنا إلى مناقشتها في غير هذا الموطن.
وفي كل الأحوال فأهل السنة الذين خرجوا على حكام الجور إنما خرجوا اجتهادا في طاعة الله وليسوا بغاة ولا خوارج ولا نرضى أن ننعتهم إلا بنعت الاجتهاد في طاعة الله تعالى وإن لم نوافقهم على مذهبهم.
ولكن مقصودنا التنبيه على جرأة الفوزان وتوقيعه عن رب العالمين بأن الولاية الشرعية تثبت مع موالاة الكفار وإفساد دين المسلمين وأن من لم يحب ولي الأمر فهو منافق.
وحسبك من شر سماعه.
الهوامش
(1) https://www.youtube.com/watch?v=xyZ_ush3f2c.
(2) أخرجه البخاري (6704)، وأبو داود (3300) واللفظ له، وابن ماجه (2136).
(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 132).
المصدر
صفحة الدكتور سليم سرار، على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
ملوك فوق الملوك .. “المسلمون والحضارة الغربية” (3) قراءة في نصح العلماء
علماء السلاطين.. بأي فكر يحيا هؤلاء؟
ماذا يجري في بلاد الحرمين؟(1)…ابن سلمان وجناياته على الدين
ابن سلمان..وأمراء آخر الزمان..!
ماذا يجري في بلاد الحرمين؟(2)…ابن سلمان وجناياته على الأنفس والأعراض والأموال