إن أسعد يوم نلقى الله تعالى فيه…يوم نلقاه، وقلوبنا ما زالت تنكر المنكر، وتبغض الظلم وأهله، وتحب الحق وأهله، وتنحاز للمصلحين، وتجاهد الظالمين ولو بشطر كلمة…

ولدي يحملني فوق طاقتي

رأيته حزينا وهو الذي يبثنا أمله، وينشر بِشره بيننا…

فقلت: ما بك؟

قال: ولدي يحملني فوق طاقتي، ويقول لي: أنت المتسبب في تفرق العائلة وشتات الشمل عندما اخترت طريقا أدى إلى مطاردتك، وإيذائنا من بعدك في وظائفنا وبيوتنا… ثم زاد عليَّ الحمل أضعافا بأن قاطعني-أو كاد- وأصبح يتهرب حتى من سماع صوتي!!

فقلت: وحزنك هذا ندمٌ على ما فعلت، أم حُزن عليه مما فعل؟!!

فقال: بل الثانية ولله الحمد…فما ندمت لحظة على ما فعلت، وأسأل الله الأجر.

انتهى موقف صاحبي..لكنه هيج في القلب كثيرا من المعاني والتساؤلات..

من الذي يُلام..الجاني أم الضحية؟

الظالم أم المظلوم؟

لماذا يستسهل الناس توبيخ الكرام، والاختزاء أمام أفعال اللئام؟

إن السكوت عن مثل هذا الانهزام حوَّل الأمر من الفرد إلى المجموع، وحتى من الكاره إلى المحب!!

حتى إنك لتجد على صفحات الفضاء الأزرق من يغمز المجاهد في آلامه، والأسير في أغلاله…يقولون قولة من سبقوهم:

ما أضيع أعمارهم؟!

وما أسوأ اختيارهم؟!

وكأن الدِّين على مر العصور كان يُنصر مجانا؟!

وكأن يحيى الذبيح، وإبراهيم المهاجر، وأبا أيوب الذي مات غريبا عن داره بآلاف الكيلومترات كانوا مخطئين، وحاشاهم!!

أُقَدّر أن لوعة وغصة وألماً واحتقانا قد يصيبون المجاهد وسط ركام الابتلاء، وأوجاع المحنة فيقول قولة خباب:

ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟

أو يقولون قولة عمر حال غضبه يوم الحديبية:

ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟

فلِمَ نعطي الدنيّةَ في ديننا؟!

قد يحدث معنا هذا كلما قطعنا مسافة من الطريق… لكنه لا ينبغي أن يتجاوز حده كنفثة مصدور، أو تألم موجوع… ثم لما تذكر عِظَم الأمانة، وقداسة الغاية، ومسئولية الدين، وعاقبة المتقين توقف واستغفر..

أهل الحق إن قصروا لا يخونوا

إنني أجزم أن فِرَقا كثيرة مدربة علميا ونفسيا يبثون سمومهم في النفوس كل يوم بغية أن يحولوا مشاعر الناس من السخط على الظالم العتيد، إلى النقمة على المظلوم المقاوم…بالسخرية تارة، وبإلباس الباطل ثوب الحق تارة…

وإظهار بؤس الظلم على أنه قمة النعيم، ونعيم المظلوم النفسي-جراء قيامه بالواجب-على أنه غاية البؤس!!

والمؤلم أن كثيرا من الجماهير انطلى عليها ذلك!!

إن أسعد يوم نلقى الله تعالى فيه…يوم نلقاه، وقلوبنا ما زالت تنكر المنكر، وتبغض الظلم وأهله، وتحب الحق وأهله، وتنحاز للمصلحين، وتجاهد الظالمين ولو بشطر كلمة…

قد يكون أهل الحق قد قصروا، لكنهم لم يخونوا… وقد يكونوا قد أخطئوا لكنهم لا شك قد تعلموا، وقد يكونوا قد تأخروا لكنهم بدؤوا..

فالصواب تراكم التجارب..

والنصر تضافر الجهود، وولاء القلوب..

فاستقيموا يرحمكم الله..

واعتزوا بانحيازكم للحق، ووقوفكم أمام عدوه، ولا يندمن أحدكم على وقفة وقفها لله ولو للحظة، فيضيع عليه عمر كامل..

ورحم الله أبا بكر حين قال:

“ليس بعد التمام إلا النقصان”…وقد استكمل الظالم غوائله، فانتظروا غروب شمسه، وسطوع شمس من ظلمه…فما كان الله ليبتلي عباده فوق طاقتهم.

المصدر

صفحة الأستاذ خالد حمدي على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

ويسألونك لماذا البلاء..؟

عبادة الضَّراء وعُدَّة المسلم حين نزول البلاء (1)

عبادة الضَّراء وعُدَّة المسلم حين نزول البلاء (2)

موقف المسلم عند الفتن

التعليقات غير متاحة