عبادة الضَّراء، وعُدَّة المسلم حين نزول البلاء، وزاد المؤمن حين وقوع الابتلاء، عن الطاقة المدَّخَرة في السراء، والحبل المتين في الضراء .. إنه الصبر تبدو مرارته ظاهرًا، ويصعب الاستشفاء به عند الضعفاء، لكن مرارته تغدو حلاوةً مستقبَلاً، ويأنس به رفيقًا الأقوياء النبلاء.

الصبر: عبادة الضَّراء وعُدَّة المسلم حين نزول البلاء

إن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 125]. والصبر والتقوى طريق العز والتمكين، كذلك أخبر الله عن يوسف عليه السلام: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 9].

عبادة الضَّراء، وعُدَّة المسلم حين نزول البلاء، وزاد المؤمن حين وقوع الابتلاء، عن الطاقة المدَّخَرة في السراء، والحبل المتين في الضراء .. إنه الصبر تبدو مرارته ظاهرًا، ويصعب الاستشفاء به عند الضعفاء، لكن مرارته تغدو حلاوةً مستقبَلاً، ويأنس به رفيقًا الأقوياء النبلاء.

وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ … وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

ويكبر في عين الصغير صغيرها … وتصغر في عين العظيم العظائمُ

جعل الله الصبر جوادًا لا يكبر، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يهزم، وحصنًا حصينًا لا يهدم ولا يُثْلَم.

وهو كما قيل: آخيّة المؤمن، يجول ثم يرجع إليها، مثله للإنسان مثل العروةُ تَّثبتُ في الأرض أو الحائط، تُرْبَط بها الدابة، فتجول ثم تعود إليها.

وهو ساق إيمان الزمن فلا إيمان لمن لا صبر له، وإن كان فإيمان قليل في غاية الضعف، وصاحبه ممن يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأنَّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة .. فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعالي المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر، إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم1(1) عدة الصابرين، ابن القيم/ 12. ..

حاجتنا إلى الصبر

لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا استوى الأبرار والفجار في حاجتهم للصبر على نكد العيش ومفاجأة الحياة، فاز الأبرار بالثواب العظيم على صبرهم لأنهم يصبرون في ذات الله، وخاب الفجار لأنهم لا يرجون من وراء صبرهم جزاءً ولا شكورًا.

وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر المحتسب عظيم الجزاء فقال جل من قائل: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، قال الأوزاعي رحمه الله: (ليس يوزن لهم ولا يكال إنما يغرف لهم غرفًا)2(2) تفسير ابن كثير 7/ 80..

وإذا كان المسلم محتاجًا للصبر في كل حال فحاجته إليه أشد إذا مرجت العهود، وضعفت الذمم واختلت المقاييس والقيم، ونحتاج للصبر إذا خُوِّنَ الأمين، وسُوِّدَ الخؤون، وألبس الحق بالباطل، وسكت العالمون، وتنمرَّ الجاهلون.

والصبر المشروع هنا ليس يأسًا مُقيطًا، ولا عجزًا مُقعِدًا، إنه الثبات على الحق، والنصح بالتي هي أحسن للخلق، والشعور بالعزة الإيمانية مع الظلم والهضم، والثقة بنصر الله وإن علت رايات الباطل برهة من الزمن، فالصبر والنصر- كما قيل- أخوان شقيقان، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر.

وأنت محتاج للصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله ….

تحتاج للصبر على الطاعة شكرًا للمنعم، وأُنْسًا بالخالق، واستجلابًا لراحة القلب وطمأنينة النفس، وتحتاج للصبر على الطاعة لطول الطريق، وقلة الرفيق، وكثرة الأشواك.

كما تحتاج للصبر عن المعاصي لقوة الداعي، وضعف النفوس، وكيد الشيطان وغروره، أماني النفس بتقليد الهالكين ..

تحتاج للصبر هنا لآفات الذنوب والمعاصي عاجلاً، وقبح الورد على الله آجلاً.

وتحتاج للصبر على أقدار الله حين تطيش النفوس بفقدان الحبيب، وتعلو خفقات القلب للنازلة المفاجئة، وتصاب بالحيرة والاضطراب للمصيبة الجاثمة …

الصبر يفتح الله به أبواب خير كثيرة

إن الله يفتح بالصبر والاحتساب على عباده آفاقًا لم يحتسبوها، ويغدو البلاء في نظرهم نعمة يتفيؤون ظلالها ويأنسون بخالقهم من خلالها، ويتحول الضيق في تقدير غيرهم إلى سعة يغتبطون بها، ولسان حالهم ومقالهم يقول: نخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا في الحياة الدنيا، وربما ذهبت إلى مصاب مبتلى معنَّى- في نظرك- فتجاسرت على تعزيته في مصيبته فكان المُعَرِّي هو المُعَزَّى وعاد المُعَزَّى يذكر لك من أنعم الله عليه ما خفف المصاب عنه وأنسى، فلا إله إلا الله لا يتخلى عن أوليائه في حال الضراء إذا كانوا معه في حال السراء. وما أجمل الصبر وصية للمؤمن في حال الشدة والرخاء.

الصبر في القرآن الكريم

كم تُسلينا آيات القرآن بالصبر فلا نرعوي، وكم تهدينا سنَّةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم ونظلُ بعدُ في حيرةٍ من أمرنا ليس عبثًا أن يتكرر الصبر في القرآن وفي تسعين موضعًا .. كما قال الإمام أحمد رحمه الله، وقد عدَّ لها العارفون أكثر من عشرين معنى، ليس تعليق الإمامة في الدين بالصبر واليقين إلا نموذجًا لها كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24].

فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين3(3) عدة الصابرين/ 122..

وعلَّق خصال الخير بالصبر فقالت تعالى: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ) [القصص: 80].

وحكم بالخسران حكمًا عامًا على كلِّ من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحقِّ والصبر فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

وقرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]، (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ) [يوسف: 90]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم: 5]، (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ) [الأحزاب: 35].

الصبر في السنة النبوية

ومن مشكاة النبوة قبسٌ يُسلي الصابرين ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»4(4) متفق عليه (البخاري ح 469. مسلم ح 1053)..

وكم هي إضاءة قوله عليه السلام: «والصبر ضياء»5(5) رواه مسلم 223.. قال النووي رحمه الله: (والمراد أن الصبر محمود ولا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًا على الصواب)6(6) النووي على مسلم 3/ 103.. وقيل: إن عاقبة الصبر ضياءٌ في ظلمة القبر، فبصبره على الطاعات والبلايا في سعة الدنيا، جازاه الله بالتفريج والتنوير في ضيق القبر وظلمته)7(7) مشكاة المصابيح 2/ 8..

وهل علمت أن الصبر من أعلى درجات الإيمان .. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة)8(8) أخرجه ابن أبى شبيبة في الإيمان، والبيهقي في الزهد بسند صحيح (أنظر: تحفة المريض/ عبد الله الجعيثن/ 45)..

وعلق عليه ابن القيم بقوله: (وهذا من أجمع الكلام وأعظمه برهانًا، وأوعبه لمقامات الإيمان من أولها إلى آخرها، فإن النفس يراد منها شيئان: بذل ما أُمرت به وإعطاؤه، فالحامل عليه السماحة، وترك ما نهيت عنه، والبعد عنه، فالحامل عليه الصبر)9(9) مدارج السالكين 2/ 167..

أجل لقد كان في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا)10(10) رواه أحمد وصححه القرطبي وحسنه ابن حجر. (تفسير القرطبي 6/ 398، تخريج أحاديث المختصر لابن حجر 1/ 326، وحسنه غيرهم: تحفة المريض، للجعيثن)..

الصبر عند السلف الصالح

وعرف السلف للصبر مكانته وقدره، فقال علي رضي الله عنه: (ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد- فإذا انقطع الكأس بان الجسد- ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له)11(11) ابن تيمية الفتاوى 10/ 40..

وقال عمر رضي الله عنه: وجدنا خير عيشنا بالصبر12(12) صحيح البخاري مع الفتح 11/ 303 معلقًا، ووصله أحمد في الزهد بسند صحيح .. الفتح 11/ 303..

وقال عمر بن عبد العزيز يرحمه الله: (ما أنعم الله على عبدٍ نعمةً فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، ما عوَّضه خيرًا مما انتزعه)13(13) عدة الصابرين/ 151..

وتمثل بعضهم:

صبرتُ فكان الصبرُ خير مغبَّةٍ        وهل جزعٌ يُجدي عليَّ فأجزعُ

ملكتُ دموعَ العينِ حتى رددُتها     إلى ناظرِي فالعينُ في القلب تدمعُ14(14) السابق/ 155..

ما هي حقيقة الصبر؟ 

ويرد السؤال: ما هي حقيقة الصبر؟ ومتى ومَن يحتاج إليه؟ وقد قيل: الصبر ثباتُ باعثِ العقلِ والدينِ في مقابلةِ باعث الهوى والشهوة)15(15) عدة الصابرين/ 25..

وهذا يعني أن الصبر ناتجٌ عن العقل والدين، وأنَّ الجزعَ والخور سائقهما الهوى والشهوة.

سُئل الجنيدُ عن الصبر فقال: (تجرع المرارة من غير تعبس)16(16) السابق/ 21..

هو باختصار كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: خُلقٌ فاضلٌ من أخلاق النفس يُمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل17(17) السابق/ 21..

الصبر سيد الأخلاق، وبه ترتبط مقامات الدين، فما من خلق فاضل إلا ويمر بقنطرة من الصبر، وإن تحول إلى اسم آخر، فإن كان صبرًا عن شهوة فرجٍ محرمةٍ سُميَ عِفةً، وإن كان عن فضولِ عيشٍ سُمي زُهدًا، وإن كان عن دواعي غضبٍ سُميَ حلمًا، وإن كان صبرًا عن دواعي الفرار والهرب سُميَ شجاعة،

وإن كان عن دواعي الانتقام سُميَ عفوًا، وإن كان عن إجابة داعي الإمساك والبخل سُميَ جُودًا .. وهكذا بقية الأخلاق فله عند كلِّ فعلٍ وتركٍ اسمٌ يخصه بحسب متعلقه، والاسم الجامع لذلك كلَّه (الصبر) فأكرِمْ به من خلق وما أوسع معناه، وأعظم حقيقته18(18) عدة الصابرين/ 27، 28..

والصبر ملازم للإنسان في حياته كلِّها وفي حال فعل الطاعات أو ترك المعاصي، وحين نزول البلاء.

ومتى ومَن يحتاج إلي الصبر؟

قال السعدي يرحمه الله: فالصبر هو المعونة العظيمة على كلِّ أمر، فلا سبيل لغير الصابر أن يدرك مطلوبه، وخصوصًا الطاعات الشاقة المستمرة، فإنها مفتقرة أشد الافتقار إلى تحمل الصبر وتقع المرارة الشاقة، وكذلك المعصية التي تشتدُّ دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محلِّ قدرة العبد، وكذلك البلاء الشاق خصوصًا إن استمر فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسديةُ ويوجد مقتضاها وهو التسخط إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله والتوكل عليه19(19) تفسير كلام المنان 1/ 176...

ويظنُّ الناس أن الصبر يُحتاج إليه في وقت الضراءِ فحسب، والعارفون يرون الصبر في حال السراء أشد، قال بعض السلف: (البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون)، وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (ابتلينا بالضراءِ فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر)20(20) أخرجه الترمذي وحسنه 4/ 2464. عدة الصابرين/ 98..

ويقول ابن القيم رحمه الله: وإنما كان الصبر على السراء شديدًا لأنه مقرونٌ بالقدرة، والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضوره21(21) عدة الصابرين/ 99. ..

والصبر في حال السراء والضراء يرشدك إلى اقتران الصبر والشكر وحاجتك إلى كليهما، قال بعض الأئمة: (الصبر يستلزم الشكر، لا يتم إلا به، وبالعكس، فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر، فمن كان في نعمةٍ ففرضه الشكر والصبر، أما الشكر فواضح، وأما الصبرُ فعن المعصية، ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر، أما الصبر فواضحٍ، وأما الشكر فالقيام بحقِّ الله عليه في تلك البلية فإنَّ لله على العبد عبوديةً في البلاء، كما له عبوديةً في النعماء)22(22) ابن حجر: فتح الباري 11/ 205..

الصبر يكون قبل العمل وأثناء العمل وبعده

وإذا علمت أنك محتاج للصبر في حال السراء والضراء، وفي حال النعمة أو البلِّية، فاعلم كذلك أنك محتاج للصبر قبل العمل وأثناء العمل، وبعده، فإن قلت وكيف ذلك؟ أُجبتَ: بأن حاجتك للصبر قبل الشروع في العمل تكون بتصحيح النية والإخلاص وتجنب دواعي الرياء والسمعة وعقد العزم على توفية المأمورية حقَّها، أما الصبر حال العمل فيلازم العبد الصبر عن دواعي التقصير والتفريط فيه، ويلازم الصبر على استصحاب ذكر النية وعلى حضور القلب بين يدي المعبود، أما الصبر بعد الفراغ من العمل فذلك بتصبير نفسه عن الإتيان بما يبطل عمله، وعلى عدم العُجب بما عمل والتكبر والتعظم بها فإن هذا أضرُّ عليه من كثير من المعاصي الظاهرة، وأن يصبر كذلك على عدم نقلها من ديوان السرِّ إلى ديوان العلانية، فإنَّ العبد يعمل العمل سرًا بينه وبين الله سبحانه فيكتب في ديوان السرِّ، فإن تحدث به نُقل إلى ديوان العلانية فلا يظنُّ أن بساط الصبر انطوى بالفراغ من العمل.

وهذا تقرير نفيس فافهمه واحرص عليه23(23) عدة الصابرين/ 100، 101..

الصبر رفيق الدربِّ في كلِّ شأن من شؤون حياتنا

فالحاجة ماسةٌ للصبر في كلِّ أحوالنا، وكذلك ينبغي أن نستصحب هذه العبادة في كلِّ شأن من شؤون حياتنا.

فالصبر سلوتنا على الطاعة لله إخلاصًا ومتابعةً وديمومةً وحفظًا.

والصبر عدتنا عن مقارفة المعاصي ومغالبة الشهوة والهوى، والرضى بأقدار الله المؤلمة حين تفجعنا، وما أحوجنا للصبر في تعلم العلم وتعليمه، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحسنى.

والصبر رفيق الدربِّ حين تُظلم الدنيا في وجوهنا فيفتح الله به علينا ما لم يكن في حسباننا، نحتاج للصبر حين يَظلمُ القريب ويجور البعيد، ونحتاج للصبر في الثبات على الحقِّ المجردِ من كلِّ قوةٍ إلا قوة الجبَّار جلَّ جلاله، والخالي من كلِّ منحةٍ إلا منح الرحمن يوم القيامة، ونحتاج للصبر في عدم الاغترار بالباطل إذا دُعم بالمال وتكاثر حوله أشباه الرجال، واستشرفت له النفوس، وتطاولت له الأعناق حرصًا على مغنمٍ عاجلٍ أو خوفًا من بأسٍ ينزل، وإذا علم الله صدق النوايا، وتميز الصابرون الصادقون، وانقطعت العلائق بأسباب الأرض، وتعلقت القلوب بالله وحده، ورُجيَ النصر منه دون سواه، جاء نصر الله والفتح، وتحققت سنة الله في النصر لعباده الصابرين وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلون: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].

الهوامش

(1) عدة الصابرين، ابن القيم/ 12.

(2) تفسير ابن كثير 7/ 80.

(3) عدة الصابرين/ 122.

(4) متفق عليه (البخاري ح 469. مسلم ح 1053).

(5) رواه مسلم 223.

(6) النووي على مسلم 3/ 103.

(7) مشكاة المصابيح 2/ 8.

(8) أخرجه ابن أبى شبيبة في الإيمان، والبيهقي في الزهد بسند صحيح (أنظر: تحفة المريض/ عبد الله الجعيثن/ 45).

(9) مدارج السالكين 2/ 167.

(10) رواه أحمد وصححه القرطبي وحسنه ابن حجر. (تفسير القرطبي 6/ 398، تخريج أحاديث المختصر لابن حجر 1/ 326، وحسنه غيرهم: تحفة المريض، للجعيثن).

(11) ابن تيمية الفتاوى 10/ 40.

(12) صحيح البخاري مع الفتح 11/ 303 معلقًا، ووصله أحمد في الزهد بسند صحيح .. الفتح 11/ 303.

(13) عدة الصابرين/ 151.

(14) السابق/ 155.

(15) عدة الصابرين/ 25.

(16) السابق/ 21.

(17) السابق/ 21.

(18) عدة الصابرين/ 27، 28.

(19) تفسير كلام المنان 1/ 176.

(20) أخرجه الترمذي وحسنه 4/ 2464. عدة الصابرين/ 98.

(21) عدة الصابرين/ 99.

(22) ابن حجر: فتح الباري 11/ 205.

(23) عدة الصابرين/ 100، 101.

المصدر

كتاب: “شعاع من المحراب” ، د. سليمان بن حمد العودة (3/152-163).

اقرأ أيضا

حاجة العبد إلى الصبر في جميع أحواله

التواصي بالصبر من صفات الناجين من الخسران

مفهوم الصبر وضرورته للداعية

بعض المسائل المتعلقة بالصبر

التعليقات غير متاحة