هل من يوجه الآن نقده العلني لهنية رحمه الله تعالى ومن وراءه في حماس يدرك مآلات هذا النقد وهل هذا هو وقته المناسب الذي تتكالب فيه قوى الشر والكفر ليجتثوا الإسلام من جذوره ويطمسوا فيه هوية المسلمين؟!

بعض الحقائق والمسلمات حول اغتيال هنية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛ فقد كثر اللغط والقول بلا علم ولا عدل؛ بعد مقتل إسماعيل هنية رحمه الله تعالى، وحتى لا أقع في هذا اللغط فقد آثرت الإعراض عن جزئيات الحدث كالانشغال بمن وراء هذا الاغتيال؟ وكيف تم؟ وما هي تداعياته؟ لأركز في هذه المقالة على بعض الحقائق والمسلمات التي قد تغيب عن كثير من الناس في زحمة الخوض في الحدث وتحليلاته والاستضاءة في ذلك بمصدري الهداية الكتاب والسنة.

المسلمة الأولى

في قوله تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) [السجدة:5] وقوله سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:112] وقوله سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253] وقوله عز وجل: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا) [آل عمران:145]، وحينما نفسر حدث اغتيال إسماعيل هنية رحمه الله تعالى في ضوء هذه الآيات تتبين لنا مسلمة عظيمة في هذا الحدث وغيره من الأحداث؛ وهو أن الله عز وجل قد علم هذا الحدث وكتبه في اللوح المحفوظ ثم أراده وأوجده في مكانه وزمانه الذي أراده الله فيهما بحكمته وعلمه وقدرته، ورحمته ولطفه بعباده المؤمنين. فبناء على هذا الإيمان بمراتب القدر الأربعة فلا شيء يكون عبثا، وهذا يجعلنا نحسن الظن بربنا، فلعل الله أراد بالمقتول والأمة خيرا من وراء الحدث لا نعلمه، وأراد بأعداء الأمة من رافضة ويهود وصليبيين شرا وراء ذلك الحدث. فمدبر هذا الحدث وكل حدث هو الله سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته وقدرته ورحمته ويكفينا في ذلك قوله تعالى: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم:4] وقوله سبحانه: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].

المسلمة الثانية

في قول الله عز وجل: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، إن هذه الآية العظيمة ترسم منهجا راقيا في تناول الأحداث والكلام فيها، حيث الأمر الإلهي بوجوب التثبت والتؤدة وأن لا يتكلم المرء إلا بعلم وتوثيق ولا يكفي هذا إلا بأن يضم إلى ذلك العدل بعد التثبت كما في قوله سبحانه: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) والله عز وجل يحب الكلام بعلم وعدل ويكره الكلام بجهل وظلم وقد ظهرت في هذا الحدث صور من مجانبة هذا المنهج النظيف تتمثل في الآتي:

  • ترديد ما يقوله الإعلام حول هوية القاتل وكيفية القتل وذلك بالخرص ودون تثبت وتوثيق فمن قائل أن إيران من وراء الحدث، وقائل أن اليهود وراءه، وأن ذلك تم بقذيفة موجهة، وقائل إنها قنبلة مزروعة في غرفة المقتول. وهذا كله ينافي قوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).
  • عدم العدل والإنصاف مع المقتول فبينما نجد الغالين في حبه، يمجدونه ويبالغون في صفاته وتعظيمه ويسحبون صفات الحسن على كل أقواله وأفعاله وكأنه نبي معصوم، نجد في مقابل هؤلاء أولئك الغالين في كرهه وخصومته؛ حيث يبخسونه حقه، ولا يذكرون إلا أخطاءه ويضخمونها، ولا يذكرون أو يتذكرون حسناته وبلاءه وصبره وجهاده وجوانب الخير الكثير التي عنده؛ والتي قد تنغمر فيها سيئاته وأخطاؤه، وقد قدم على رب رحيم كريم لا يضيع عنده مثاقيل الذر.
  • مجانبة المنهج القرآني في التعامل مع أخطاء المجاهدين، فقد بين الله عز وجل في كتابه الكريم المنهج العادل في ذلك في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة:217].

وقد نزلت هذه الآية في سرية عبدالله بن جحش رضي الله عنه التي كمنت في وادي نخلة لقافلة لقريش فغنمتها، وقتل فيها من المشركين عمرو بن الحضرمي، وكان ذلك في أول ليلة من رجب. فشنع المشركون على المسلمين؛ أنهم يقتلون في الأشهر الحرم، فشق ذلك على أصحاب السرية، فأنزل الله عز وجل مغفرة لهم لصنيعهم وأردف ذلك تطييبا لخواطرهم قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:218] فياليتنا نتعامل مع المجاهدين وأخطائهم بهذا المنهج القرآني في التعامل المتمثل في الاعتراف بأن القتل في الشهر الحرام خطأ كبير، ولكن شرك المشركين وكفرهم بالله وصدهم عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر مما وقع فيه المجاهدون. فمع ما وقع فيه هنية رحمه الله من أخطاء كثنائه على الخميني وعلى قاسم سليماني وقوله بأنه شهيد القدس فإنها لا توازي ولا تساوي أخطاء اليهود والمشركين، والمنافقين والطغاة من بني جلدتنا الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويوالون أعداء الله، فأين الكلام عن أخطاء الكفرة والمنافقين، وما نسبة خطئهم وضلالهم إلى خطأ هنية رحمه الله تعالى. وهذا لا يعني تبرير خطأ هنية وموافقته عليه.

[للمزيد اقرأ: المنهج القرآني في التعامل مع أخطاء المجاهدين .. (1-2)]

المسلمة الثالثة

إن أحكام الشريعة جاءت لمصالح العباد في العاجل والآجل وذلك بتحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها ومن ذلك مراعاة فقه الموازنات والأولويات والمآلات وسد الذرائع ومراعاة الزمان والمكان والأحوال في اتخاذ المواقف.

فهل من يوجه الآن نقده العلني لهنية رحمه الله تعالى ومن وراءه في حماس يدرك مآلات هذا النقد وهل هذا هو وقته المناسب الذي تتكالب فيه قوى الشر والكفر ليجتثوا الإسلام من جذوره ويطمسوا فيه هوية المسلمين. إن قواعد الشريعة ومقاصدها تأبى هذا التوقيت لأنه وقت رص الصفوف مع مناصحة المخالفين، وليس وقت الخصومة العلنية معهم؛ والتي هي ذريعة إلى أن يوظفها الأعداء في صالحهم، ويستغلونها في تفريق صف المسلمين. فلماذا لا تؤجل خصوماتنا في العلن لنتفرغ للعدو المشترك. كما فعل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الذي كان شديدا على أهل البدع؛ لكن لما جاء التتار لاجتياح بلاد الشام تحالف مع أهل البدع واشتركوا في صد الكفار التتار وذهبوا جميعا إلى قازان لفك أسارى المسلمين. وهذا قطز والظاهر بيبرس في عين جالوت مع أنهما أشعريان إلا أن ذلك لم يمنع علماء السنة والسلف من القتال تحت رايتهما. فهذا ابن قدامة المقدسي الحنبلي السلفي كان على ميمنة جيش قطز في عين جالوت.

المسلمة الرابعة

في قول الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82] حدد الله عز وجل في هذه الآية عدوين كبيرين هما الأشد عداوة للمؤمنين وهما اليهود والذين أشركوا ويضم إليهما عدو ثالث يتظاهر بالإسلام ويبطن الكفر والعداوة للمؤمنين ألا وهم المنافقون وذلك في قوله تعالى عنهم في سورة المنافقون: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون:4]. وحينما ننزل هذه الآيات التي حدد الله فيها أشد الناس عداوة للمؤمنين؛ حينما ننزلها على واقعنا اليوم وما يدور من صراع بين الحق والباطل بعد طوفان الأقصى نجد في ضوء الآيات السابقة أن الأمة تواجه اليوم أشد أعدائها:

العدو الأول: اليهود ومن نصرهم وظاهرهم من دول الغرب الصهيوصليبية.

العدو الثاني: المشركون الممَثَلُون في الرافضة الشيعة القائم دينهم على الشرك الأكبر.

العدو الثالث: المنافقون والطغاة من الحكام وبطاناتهم الموالون لأعداء الله المعادون لأولياء الله.

فلو كان رمحا واحدا لاتقيته    ……      ولكنه رمح وثان وثالث

[للمزيد اقرأ: الخطر الإيراني على الجهاد .. تفتيت واختراق]

فلك الله يا أمة الإسلام ما أكثر أعدائك وأشرسهم، لكنهم في قبضة الله تعالى وتحت قهره ومكره قال سبحانه: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل:50-52]، لكن هذا مشروط بقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، وقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].

وهؤلاء الأعداء الثلاثة قد وجهوا سهامهم للمسلمين ودينهم، وقد يتفقون وهو الأغلب وقد يختلفون وهو الأقل، لكن اتفاقهم واختلافهم كله على المسلمين.

وعداوة اليهود والصهيوصليبيين للمسلمين واضحة، ولكن عداوة الرافضة الشيعة للمسلمين السنة قد لا يعرفها كثير من المسلمين، وقد ينخدع البعض بما يرون ويسمعون ما ظاهره نصرة الشيعة للمجاهدين في طوفان الأقصى وادعائهم تحرير الأقصى ونشوب بعض المصادمات مع الكيان اليهودي بالصواريخ والطائرات المسيرة من إيران أو حزب الشيطان في لبنان أو الحوثيين في اليمن والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول: إن عداوة الرافضة الشيعة لأهل السنة عداء استراتيجي حقيقي على مدار تاريخ المسلمين القديم والحديث. فهل نسينا ما فعله الرافضة بأهل السنة حينما حكمت الدولة العبيدية في مصر والشام، وهل نسينا ما فعلته الدولة البويهية الشيعية بأهل السنة في العراق، وهل نسينا ما فعله الصفويون الرافضة الفرس في إيران بأهل السنة حينما حكموا، وهل نسينا أن الذي خان الدولة العباسية في آخر عهدها وظاهر التتار حتى دخلوا بغداد وقتلوا فيها مليونين من المسلمين ؛ إنما هو ابن العلقمي الرافضي، هذا في التاريخ القديم.

وأما في تاريخنا المعاصر فهل نسينا ما فعله -ويفعله- الرافضة الشيعة في العراق بعد سقوط صدام من قتل وتشريد وإعدامات لأهل السنة، وهل نسينا ما فعلوه في سوريا نصرة لبشار الباطني ففعلوا الشنائع بأهلنا السنة على يد ميليشياتهم الإيرانية أو على يد حزب الشيطان الذي دخل من لبنان -ولا زالوا يفعلون-، وهل نسينا ما فعلوه بالفلسطينيين في صبرا وشاتيلا بالتعاون مع المارون النصارى، وهل نسينا ما يفعله الحوثيون اليوم في اليمن من قتل وتجويع وسجن لأهل السنة في اليمن وسلب خيراتهم والتحكم في تعليمهم وإعلامهم.

كيف يمكن لمن يعلم كل هذا وغيره كثير أن يصدق بأن الرافضة الشيعة (إيران وأذرعتها) تنصر أهل السنة وتدافع عنهم وعن مقدساتهم؟؟!!

الوجه الثاني: إن الغرب الصهيوصليبي لن يجد أحسن من الرافضة الشيعة في فرض مشروعه الخبيث في المنطقة، لأن الغرب واليهود لا يزعجهم من المسلمين إلا أهل السنة فهم عدوهم الاستراتيجي. فأهل السنة هم الذين جاهدوه في أفغانستان حتى خرج حسيرا وذليلا، وأهل السنة هم الذين جاهدوه في العراق حتى سلمها للرافضة وخرج مثخنا بالجراح، وأهل السنة هم الذين جاهدوه في سوريا، وأخيرا أهل السنة هم الذين فجروها في طوفان الأقصى. إذن فالمشروع الصهيوصليبي يعتبر المشروع الرافضي رافدا من روافد مشروعه لأنه يتولى مواجهة أهل السنة نيابة عنه ويكفونه. فكيف يتصور أن يكون هناك عداء حقيقي بين إيران الرافضة والصليبية اليهودية العالمية. نعم قد تتقاطع المصالح بينهما ويتعدى أحد الطرفين الحدود المتفق عليها بينهم فيحصل بعض المصادمات التي يؤدب فيها الطرف المعتدي حتى يرجع إلى الحدود المرسومة. وعلى ذلك فيمكن أن توجد في بعض الأحوال عداوة حقيقية بين الطرفين وحرب محدودة لكنها عداوات وحروب تكتيكية وليست استراتيجية كما هو الحال مع أهل السنة. فالغرب الصليبي اليهودي مستفيدون كثيرا من إيران وأذرعتها في مواجهة أهل السنة، ولكن حينما تتجاوز طموحات الرافضة إلى التوسع الإقليمي على حساب المشروع الصهيوصليبي تكون بعض التأديبات التي يحسبها بعض الناس عداوة حقيقية بل هي عداوة تكتيكية، وقد تتحول إلى عداوة حقيقية وحرب حقيقية في بعض أطوارها فالحروب إذا قامت تخرج عن ما رسم لها وذلك تقدير العزيز الحكيم (فاللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أهل السنة منها سالمين).

[للمزيد أقرأ: أحداث المنطقة .. رسائل ومعادلات زائفة]

الوجه الثالث: ويبقى سؤال يعلق ببعض الأذهان ألا وهو: إذن ما تفسير نصرة إيران للمجاهدين في فلسطين ودعمهم بالمال والسلاح وكذلك ما يقوم به حزب الشيطان في لبنان والحوثيون في اليمن من مواجهات عسكرية مع اليهود ويدعون ذلك نصرة لأهل غزة وللجواب عن ذلك:

يجب أن نعود للوجهين الأول والثاني السابق ذكرهما فإذا اقتنعنا بما قيل هناك فالجواب على هذه الشبهة سهل ألا وهو أن إيران لم تدعم المجاهدين في فلسطين نصرة لأهل السنة وكذلك الحال عن أذرعها في لبنان واليمن والعراق وإنما يستخدم ذلك خداعا للمسلمين بأنها ناصرة للأقصى ومحررة له من اليهود. لأنها تعرف أن للأقصى مكانة عظيمة في قلوب المسلمين فإذا رأوها بهذا الموقف الناصر للأقصى وفلسطين بعامة تعاطف المسلمون معها وحصلت على مكانة عظيمة في قلوب السذج من المسلمين وهذا مكسب عظيم تدخره في طموحاتها وتوسعاتها الإقليمية حتى تدخل على بلاد الحرمين بلا منازع من عامة الناس الذين كسبت عواطفهم. وهذا مكسب لإيران الرافضية لا يستهان به. وإيران مستعدة للحصول عليه بأن تعلن عداوتها لليهود والأمريكان وتمد المجاهدين بالسلاح والمال ولا سيما في وقت خان الحكام المسلمين أمتهم ووالوا اليهود والنصارى وعادوا المجاهدين في فلسطين وباعوا القضية الفلسطينية. فحينما يرى المسلمون انفراد إيران بنصرة القضية الفلسطينية ينخدع كثير بهم وفي هذا فتنة وفساد كبير. وإلا في ضوء الكلام في الوجهين السابقين لا يمكن أن يتصور بأن الرافضة ينصرون أهل السنة ويوالوهم وهم ألد أعدائهم في القديم والحديث.

خلاصة ما سبق:

  • العداوة بين أهل السنة والرافضة الشيعة عداء حقيقي استراتيجي لأنهم مشركون وقد قال الله عز وجل عنهم وأمثالهم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82] بنص الآية.
  • العداوة بين أهل السنة والمسلمين بعامة وبين اليهود والصهيوصليبية عداء حقيقي بنص الآية.
  • العداوة بين الرافضة الشيعة واليهود والغرب الصهيوصليبي عداوة تكتيكية مؤقتة حسب المصالح والاتفاقات بينهما، وقد تحدث حروب بينهما مؤقتة عند الاختلاف على المصالح وقد يقلبها الله لصالح المسلمين إلى عداوة حقيقية والله غالب على أمره، ولكن كلا المشروعين الرافضي واليهودي الصليبي مجمعون على عداوتهم لأهل السنة والقضاء عليهم.

[للمزيد اقرأ: نقاط حاكمة في فهم أحداث المنطقة]

سؤال أخير

بعد مقتل إسماعيل هنية رحمه الله تعالى هل ستقوم إيران برد عسكري على الكيان اليهودي في فلسطين؟ وما أهداف هذا الرد؟

والجواب والله أعلم: الغالب أن سيكون هناك رد؛ من إيران وأذرعتها، ولكن ليس ثأرا لإسماعيل هنية كما يطرح في الإعلام وتدعيه إيران فقد قتل لهم من هو أعز وأحب من هنية: قاسم سليماني وتسعة من كبار ساستها في قنصليتها في سوريا وعلماء نوويين لها ولم ترد إلا ردا رمزيا لا يفقأ عينا ولا ينكأ عدوا. وإذا ردت إيران وهو الأغلب فإنما تهدف إلى أمرين هما:

الهدف الأول: المحافظة على ماء الوجه أمام شعبها والناس بعامة حيث إن في هذا اعتداء على سيادتها وأمنها القومي بقتل رمز من رموز حماس على أراضيها في الوقت الذي يجب عليها حمايته. ولاسيما أنه قد بان إثر كثير من الاغتيالات التي نفذت من عملاء داخل إيران بأن إيران مخترقة أمنيا ومن داخل المؤسسة العسكرية نفسها. فالعملاء المتعاونون مع اليهود والغرب كثيرون جدا وذلك بحكم التركيبة السكانية في إيران حيث أن إيران تعيش أزمة هوية لكثرة الأعراق والديانات، فالفرس يمثلون النصف تقريبا، والعرب والبلوش السنة يقدرون ب 10ملايين، ، و 15مليون كردي، وكل العرب والأكراد والبلوش مضطهدون، متنافرون مع السلطة، وثلث السكان أتراك أذريين ولاؤهم لأذربيجان، لذا لا يستغرب كثرة العملاء الكارهون لإيران، واختراقاتهم ومنهم عناصر كبيرة في الجيش حتى قيل أن إيران تكتشف خلية تجسسية كل أسبوع تعمل لصالح دول خارجية، فضلا عن مئات الألاف من اليهود الذين يعيشون في إيران، وإيرانيون يهود يعيشون في فلسطين، وملايين من المثقفين الإيرانيين يعملون في أوروبا وأمريكا ويكفرون بخرافات الشيعة، وتسلط ملاليهم، فكل هذا سهل الاختراقات الكثيرة، ولعل هذا من أسباب قتل هنية رحمه الله تعالى من مكان قريب من مقر إقامته بصاروخ موجه كما اعترفت بذلك إيران نفسها.

الهدف الثاني: في الرد الإيراني الذي يعج ويضج به الإعلام هذه الأيام ويطرح أسئلة كبيرة كيف؟ ومتى؟ وتدور حوارات وتحليلات حتى أصبح هو الخبر الأول على الصحف والقنوات، حتى نسيت غزة وطوفان الأقصى، هذا هو الهدف الثاني الذي تريده إيران. تريد أن تظهر للملأ بأنها هي التي تتصدى لليهود والأمريكان محاولة خطف النصر والإنجازات التي تحققت -على أيدي المجاهدين الأبطال في غزة- لصالحها وبأن تظهر للعالم ولا سيما المسلمين أنها الحامية لمقدسات المسلمين، ومنها الأقصى محاولة صرف الأنظار عن غزة وأهلها الصابرين ومجاهديها الأبطال، وهذا ما نراه يدور في هذه الأيام حتى لم يعد لغزة ومعاناتها وإنجازات المجاهدين فيها ذلك الذكر الذي كنا نراه ونسمعه في الإعلام وإنما توجهت الأنظار إلى إيران ومتى وكيف سترد على اليهود.

ختاما

أختم هذه الورقة بنصيحة من القلب إلى فئتين من العاملين للإسلام:

الفئة الأولى: إلى حركة حماس المجاهدة فلقد رفع مجاهدوكم ومجاهدوا الفصائل الأخرى روؤسنا وأنعشوا أرواحنا بما حققوه من نصر مبين في أكثر من معركة. لقد انتصرتم ونصرتم الأمة في معركة الميدان والسلاح، ولقد انتصرتم ونصرتم الأمة في معركة الوعي والمفاهيم، ولقد انتصرتم في معركة الأخلاق والقيم، ولقد انتصرتم في الحرب الإعلامية والنفسية، ولقد انتصرتم في معركة الفضائح للمنافقين والخونة، فجزاكم الله خيرا عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن حقكم علينا النصح والدعاء، ومما نراه من واجب النصح لكم أن نذكركم بخطر الرافضة الشيعة فهم من ألد أعدائكم وأعداء أهل السنة. وفي الوقت الذي نتفهم ذهابكم إليهم والاستفادة من دعمهم لكم -الذي ليس لله- فإننا نحذركم من تجاوز حدود هذه الضرورة إلى أن يجروكم ويوظفوكم في مشروعهم الخبيث وأنتم لا تشعرون فهذا ليس مكانكم وإنما مكانكم حفظكم الله في المشروع السني النقي مع إخوانكم في طائفة أهل السنة المنصورة نقول هذا بعد أن رأينا شيئا من تجاوز حدود الضرورة إلى ما لا ينبغي من الثناء على رموز الرفض ووصفهم بالشهداء كالخميني وقاسم سليماني وحسن نصر الله والحوثيين في اليمن، قال الله عز وجل في حدود الضرورة: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ) حفظكم الله وسددكم.

الفئة الثانية: إلى دعاة أهل السنة وعلمائها من أفراد ومنتمين. إن مما يحز في النفس أن يكون لكل عدو من أعدائنا مشروعه الواضح وأهدافه الخبيثة. فاليهود لهم مشروعهم، والصليبيون لهم مشروعهم، والرافضة لهم مشروعهم، والروس والصين والهند كل له مشروعه؛ إلا أهل السنة ما زالوا متفرقين في مشاريع جزئية أو حزبية فإن لم يسع المخلصون من علماء ودعاة أهل السنة في الاجتماع على مشروع موحد لأهل السنة يستعلي على الحزبية والقطرية والرسمية تكن فتنة وفساد كبير، وحساب على التفريط في ذلك بين يدي الله عز وجل.

أسأل الله عز وجل أن يجمع كلمة أهل السنة على الحق، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يستعملنا في طاعته ونصرة دينه، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. والحمد لله رب العالمين.

اقرأيضا

المنهج القرآني في التعامل مع أخطاء المجاهدين .. (1-2)

هل حقا قتل القائد

لماذا قرر نتنياهو أن يرتكب جريمته الكبرى؟

احذروا حسن نصر الله وشيعته

نقاط حاكمة في فهم أحداث المنطقة

الصف الإسلامي العام ..هل آن الأوان؟

التعليقات غير متاحة