يتهم الرئيس الفرنسي “ماكرون” الإسلام بأنه يعيش في أزمة؛ بينما هو يعبر عن حالة نفسية تدل على مرض ألمّ به، وعن أزمة يمر بها هو وقومه، والغرب نفسه أمام تنامي الإسلام وصعوده في عقر دارهم.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فلله عز وجل الحمد والمنة أن هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القائم على التوحيد الخالص لفاطر السماوات والأض والقائم على الطُهر والنور في أحكامه وقيمه وأخلاقه؛ تلكم النعم الكبرى التي إذا أتمها الله عز وجل للعبد فلا يهمه ولا يضيره بعد ذلك ما فاته من الدنيا ولا ما أصابه من لأوائها. قال سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا﴾ [المائدة: 3].
ولا يقدّر هذه النعمة الكبرى حق قدْرها إلا من رآى ضدها ورآى مَن حُرمها أفرادا وشعوبا ودولاً.
الغرب الكافر في أزمة!
ونظرة سريعة إلى ما يعيشه الكفار في مجتمعاتهم ودولهم وسيما ما يسمى بالحضارة الغربية؛ تطلعك على قطيع من البهائم؛ بل البهائم أحسن حالاً منهم؛ حيث نرى مصداق قوله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الفرقان:44]. وقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه:24 – 25].
فلا هدفا ساميا، ولا غايةً شريفة يعيشون من أجلها، ولا طهارة ولا نقاء؛ بل هم في وحل النجاسات والأقذار والظلم والأهواء؛ فأي الفريقين يعيش في أزمة..؟؟
إنه بمقارنة سريعة بين عقيدة الإسلام وأخلاقه وطهارته، وبين عقيدة الكفر وأخلاقه ورجسه ونجاسته؛ يتبين لنا ـ وبدون أي عناء ـ مدى الفرق والبون الشاسع بين الملتين؛ ملة الإسلام وملة الكفر؛ مفادها أن الإسلام نور والكفر ظلمات، والإسلام حياة والكفر موت، والإسلام بصيرة والكفر عمى، والإسلام سعادة واطمئنان والكفر شقاء وتعاسة واضطراب. وما أبلغ وصف الله عز وجل لهذه المفارقة حيث قال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر:22].
وبنظرة الى حياة الغرب الكافر وما فيه من الإلحاد، وغياب الهدف، والحيرة والشقاء، والعهر والقاذورات والعري، والظلم، والتكالب على المال من أي مصدر؛ تري أنهم يعيشون في أزمة خانقة ومعيشةٍ ضنكٍ؛ يحاولون الفرارمنها بمقارفة الفواحش، والخمور والمخدرات، والتعري والمجون، التي لا تزيدهم إلا شقاء وقلقا واكتئابا وانتحارا؛ فأي الفريقين أحق بكونه يعيش في أزمة..؟؟
وهنا نأتي الى المقالة الفاجرة التي تفوه بها المعتوه القذر؛ رئيس فرنسا “ماكرون”، حينما قال أن الإسلام يعيش في أزمة. وأجزم أنه يعلم كذبه في ذلك، وأنه هو الذي يعيش في أزمة خانقة! فأراد إسقاطها على الإسلام فراراَ من أزماته النفسية والاقتصادية والمجتمعية التي يعيشها؛ وصدق القائل “رمتني بدائها وانسلت”؛ قال سبحانه: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ [آل عمران: 19].
“ماكرون” المأزوم
إن ما قام به المأزوم “ماكرون” من إعلان الكراهية للإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ـ فداه أبي وأمي ونفسي ـ لا يعدو أن يكون “إسقاطاَ نفسياَ” ـ بعبارات علماء النفس ـ وهي حيلة شعورية من حيل دفاع “الأنا” التي بمقتضاها يَنسب الشخص إلى غيره أفكاراَ وممارسات مستمدة من حيرته واضطرابه الذاتي وتاريخه الذاتي؛ يرفض الاعتراف بها لِما تسببه له من آلام وما تثيره من مشاعر اقتراف الذنوب والجرائم..
وهذا الذي عبر عنه الرئيس المعتوه فكشف لنا حقيقة الأزمة التي يعيشها الغرب الكافر ـ ولاسيما فرنسا الكافرة العاهرة ـ إن شعور ساسة الغرب حول تقدم الحضارة الغربية الحديثة بدأ يتزعزع ويهتز وينهار، ليس عند بعض المفكرين الغربيين فحسب؛ بل لدى جماهير كثيرة من الشعوب في أوروبا وأمريكا التي بدأت تدرك أن غروب شمس هذه الحضارة قد بات أمرا وشيك الوقوع..
فـ “ماكرون” يعبّر بتصريحاته هذه عن حقيقة الأزمة التي يعيشها الغرب، والذي فقد كل معنى للغيب يصله بالله عز وجل، ولعالَم الغيب، ولكل معنى للأخلاق والقيم والفطرة السوية؛ ومن ثم كراهية كل ما هو ديني أو كل ما هو مقدس؛ فما ثم من حقيقة ثابته عندهم .
وقد اعتاد رؤساء فرنسا ـ وتولى كِبْرها “ماكرون” ـ أنه كلما مروا بأزمة من أزماتهم صدَّروا مشاكلهم وأزماتهم على حساب الإسلام والمسلمين. واليوم يعيش “ماكرون” في بلاده أزمات سياسية وصحية واجتماعية، وخلافاتٍ مع أعضاء الاتحاد الأوروبي، وهذه الخلافات هي مصدر أزمته السياسية؛ حيث بدأ يغازل اليمين المتطرف في فرنسا بإعلان الكراهية للإسلام ليستجلب به أصواتهم في الانتخابات القادمة.. وهذه سنة الله عز وجل في حتمية الصراع مع الكافرين والماجنين والملحدين الذي لا دين لهم ولا شرف ولا كرامة. وقد اعترف الفيلسوف الفرنسي “ميشيل اونفراي” بانعدام الشرف والكرامة في قومه؛ حيث قال:
“أعتقد أن المسلمين يعطوننا بمواقفهم درساً مهماً يتعلق بالكرامة؛ لأن هؤلاء الناس لهم أخلاقيات وشرف ونحن فقدنا معنى الشرف.. ليس لدينا معنى للشرف”.
وأمر آخر يجعل الغرب الكافر ـ ولا سيما دولة العهر والرذيلة “فرنسا” ـ يعيش في أزمة ورعب من الإسلام؛ ألا وهو صعود الإسلام وانتشاره ودخول فئام من الشعوب الغربية في الإسلام مع تنامي الجالية الإسلامية وتكاثرها؛ مما حدى بمفكريهم أن يحذروا قومهم من هذا التنامي والصعود الإسلامي في ديار الغرب! وألّف أحدهم كتاباً بعنوان: “موت الغرب” وألف آخر كتاباً بعنوان: “انتحار الغرب”.
النقمة تجمعهم!
إن الظاهرة التي أقضَّت مضاجع الحكام الغربيين الناقمين علينا إسلامنا ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج:8]، ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ [المائدة:59].
الحقيقة التي تؤلمهم هي أن الإسلام ينتشر بقوة كبيرة. وكلُ دراساتهم وبحوثهم تؤكد بما لا يدَع مجالاً لأدنى شك أن الإسلام سيصير الديانة الأولى في كثير من الدول الأوروبية رغم أن عملية التشويه الممنهج للإسلام والمسلمين بلغت حداً جنونياً..!
ثم إذا كنا نعلم أن أغلب المسلمين لا يلتزمون الإسلام كما يجب ولا يطبقون أحكامه كما ينبغي..! كما أن أوضاع المسلمين وأحوال دولهم لا تشرف ولا تجذب الناس لدينهم..! فكيف لو تمثل المسلمون دينهم حقاً، وتحسنت أوضاعهم وأحوالهم..؟
حتماً سترى الناس في العالم يدخلون في دين الله أفواجاً..! هذا ما يخشاه الرؤساء الغربيون؛ لذا لا نعجب حين يخرج علينا رئيسٌ مراهق، متهدداً متوعداً مطلقاً الأحكام على عواهنها، ناسياً الأزمات التي تتخبط فيها بلاده وبلاد حلفائه؛ ليحدثنا حديثاً مضحكاً عن أزمة الإسلام التي لم يرها أحد إلا هو..!
وإذا كان يوجد في مستشاريه من له مسكة من عقل؛ سيقول له حتماً لماذا تورط نفسك في هذه التصريحات الخرقاء..؟ كيف هزك مجرد حضور فتاة مسلمة لبرلمانك “مريم الفرنسية ممثلة الطلبة الفرنسيين التي مثلتهم أمام البرلمان الفرنسي” فطار لب النواب المتعصبون في الحادثة المشهورة..! فأفقدتك توازنك..؟ كيف سيكون حالك لو واجهت أبطال المسلمين..؟! وكيف سيكون حالك حينما يصير الإسلام الدين الأول في بلادك..؟!
إن إجماع الدارسات العلمية حول تطور الأديان في العالم على أن الإسلام هو أكثر الأديان نمواً في العالم بنسبة (6) بالمائة في السنة، هو مصداق لقول الحق جل جلاله: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:32 – 33]. والتاريخ يؤكد أن الإسلام لم يمر يوماً بأزمة؛ بل كان دائماً ظاهراً على الدين كله حتى في الوقت الذي عصفت فيه الأزمات بالمسلمين شرقاً وغرباً؛ بقي الإسلام “ظاهرالحُجة”؛ في انتشارٍ وتمدد. وخير شاهد على ذلك زمننا المَعيش؛ أزمات كارثية في أغلب بلاد المسلمين، والإسلام هو أكثر الأديان نمواً وانتشاراً، مما زاد أعداءه رعباً على رعب وكذلك يبقون ﴿…تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الانفال:60].
خاتمة
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن توكل عليه فكفاه، واستهداه فهداه، واستنصره فنصره، واستغفره فغفر له. كما نسأله سبحانه أن يجعلنا من المتقين الصابرين ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 120]. والحمد لله رب العالمين.
………………………….