تتبادر الفرحة للمسلمين في أمريكا لفوزهم بالاشتراك في مجالس البلديات والمجالس التشريعية، وتمتد موجات فرحهم الى غيرهم؛ يأملون فيهم. ثمة تحفظات عقدية وواقعية يجب اعتبارها.

الخبر

“أفادت ثلاث منظمات مدافعة عن حقوق المسلمين بأن أكثر من نصف المرشحين المسلمين لشغل مناصب في مجالس الولايات الأمريكية فازوا في الانتخابات العامة التي جرت بالتزامن مع انتخابات الرئاسة 2020.

وذكر بيان مشترك صادر عن منظمة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) و “جيت باك ” و “إم باور تشينج”، الجمعة (6/11/2020)، أن (57) مرشحا أمريكيا مسلما من أصل (110) ترشحوا لمختلف المناصب، فازوا في انتخابات مجالس الولايات.

كما أوضح البيان أن سبعة من إجمالي الفائزين الـ (57) دخلوا التاريخ كأول مسلمين تم انتخابهم لمجالس الولايات.

واحتفظت “إلهان عمر” من ولاية مينيسوتا و”رشيدة طليب” من ميشيغان، أول نائبتين مسلمتين ينتخبن لعضوية الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، بمقاعدهن في هذه الانتخابات أيضا.

ونجح مسلم ثالث في هذه الانتخابات بدخول الكونغرس، وهو” أندريه كارسن”. كما تم انتخاب (5) مسلمين لعضوية مجالس الولايات. كما سجل المرشح الديمقراطي المسلم فادي قدورة، اسمه كأول مسلم يدخل المجلس التشريعي لولاية إنديانا. ونشر قدورة صورة تجمعه بزوجته وابنتيه، وجميعهن يرتدين الحجاب”. (1موقع “الأناضول”على الروابط: الانتخابات الأمريكية.. 57 مسلما فازوا في مجالس الولايات
الانتخابات الأمريكية.. المسلمون يحافظون على مقاعدهم في الكونغرس
قدورة.. أول مسلم يفوز بعضوية مجلس شيوخ إنديانا الأمريكية
)

التعليق

يتسارع المسلمون في الحكم بالتهنئة لفوزهم ووجودهم في المؤسسات الأمريكية والأوروبية عموما. ويرون أن مجرد وجودهم فوز وانتصار. والأمر بباديء الرأي قد لا يخلو من مبررات لهذه الفرحة ولآمال يعقدها عليهم بعض المستضعفين والمضطهَدين من المسلمين المصادَرة حقوقهم؛ لكن لا بد هنا من التذكير بأمور واقعية وعقدية:

أولا) إن هذه الدول عندما صاغت مؤسساتها تدرك جيدا تحدي تغيير الهوية أو الثقافات؛ ومن ثَم فهي تصوغ مؤسساتها بحيث “تهضم” ما يقذف فيها من ثقافات “الأفراد”؛ فيصبحوا في النهاية على الصورة المرادة ممن صاغ المؤسسات ووضع عقائدها وتوجهاتها. وهذا ما تحقق في واقع التجربة.

أضف الى ذلك أن أمريكا على وجه الخصوص بلد مهاجرين، وتأتيها ديانات وأعراق وقوميات، من أوروبا الى الصين الى إفريقيا؛ ومع ذلك فقد هضمت كل هذا الخليط بحيث لا يبقى ولا يتدرج في الحياة العامة إلا إذا حدثت “الأمركة” تماما؛ حتى أن بعضهم يكون ملكيا أكثر من الملك، ويزايد على أصوله ليثبت ولاءه الأمريكي ـ كما هي عادة الضعيف المنهزم. فالخشية هنا أن يكون الفرح مخادعا ويكون الخاسر لدينه وعقيدته وهويته هو المسلم.

ثانيا) إن هناك خلافا عقديا في جواز دخول المسلمين للمجالس التشريعية العلمانية المفروضة عليهم في بلاد المسلمين، وأن مضارها العقدية أكبر من المصالح المتوهمة أو المرجوحة لما تتضمنه من مخاطر عقدية من الإقرار بحق التشريع لغير الله، والمشاركة في ذلك، وتحملهم جريمة التحليل والتحريم من دون الله والتعدي على حقه تعالى في التشريع لعباده. فثمة خطرعلى ايمان وعقيدة من دخل في هذه المجالس. فالمسألة عقدية وليست فقهية تختلف فيها الاجتهادات سواء كان ذلك في المجالس العربية أو المجالس الغربية.

[للمزيد عن حكم العمل السياسي مع الطواغيت انظر: فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (6-7) خطورة عدم اعتبار المآلات]

وإن غياب الكثير من المفاهيم العقدية يؤدي الى أن يكون أغلب المسلمين المشتركين في هذه المؤسسات  أقرب الى الذوبان؛ ولهذا أمثلة:

1- في مجال “قبول شرع الله ورفض ما سواه” كقاعدة للعبودية، وأنها أحد أركان توحيد العبادة، وهي معنى “لا إله إلا الله”، ومقتضىً من مقتضيات الإقرار بالربوبية؛ فلزوم الشريعة دون سواها للمسلم في المجال العام ليس بالوضوح الكافي عند الكثير من المسلمين في بلادهم؛ فضلا عن بلاد الغربة.
لأن من فهم هذا وأدركه فإنه يتعامل مع هذه الأوضاع بمحاذير شرعية.

2- وفي مجال الولاء والبراء؛ فإن المسلم مهما تغربت به الأوطان، ورحَبت به بلاد غير المسلمين؛ فإنه مع حُسن معاملته لأهلها ووفائه بعهوده، ونصحه لهم ودعوتهم الى الخير ومعاملتهم بالخير؛ فإن هذا لا يعني انتقال ولائه. فالتفريق بين “حسن الخلق” و”الولاء” أمر محوري مهم. فولاء المسلم هو لدينه ولأمته، يرجو لها الخير ويسعى في تحصيله لها. وهذا لا يُنكَر عليه؛ ولا ينكره عليه الكافرون أنفسهم إذا كان حازما في موقفه محسنا في معاملته.

3- لا يخلو المسلم في أي مكان عن تقديم نفسه للعالم على أنه (مسلم)، والعالَم يفهم هذا حتى مع إنكار بعض المنتسبين للإسلام المنهزمين أو المنافقين. فالعالَم لا يتعامل معنا إلا كمسلمين بغض النظر عن القوميات والأصول والأعراق. وموقفه منا متربط بمدى تمسكنا بديننا أو انسلاخنا منه وذوباننا فيهم.

ثالثا) ثمة نقطة حاسمة، تمثل فجوة في التاريخ، وهي غياب الدولة الإسلامية الشرعية التي تقيم شريعة الله وتحقق الولاء الإسلامي. ومن هنا ستجد خللا كثيرا، وترى “الأفراد” المسلمين يفرحون باشتراكهم ثم يذوبون في الثقافة الغربية الصليبية العلمانية. وترى عائد وجودهم ضئيلا أو محدودا في بعض الخدمات والمظاهر لا أكثر.

أما مع وجود حالة الدولة الإسلامية التي تحمي المسلمين فتكون منارة للعالم وللمسلمين في بلادهم وفي بلاد الغربة تستفيد منهم وتناصرهم مع حسن المعاملة ويكون لهم التأثير الإيجابي للمسلمين، فيكون الأمر أكثر أمانا عقديا فتُجنبهم المزالق العقدية التي تتناتفى مع دينهم، ويكون أعظم خيرا للمسلمين، وأضبط للمشتركين مع صدورهم عن قول أهل العلم وضبطهم لمشروعية وجودهم فيها.

سيبقى غياب الوضع السياسي الإسلامي الممثل للإسلام والمسلمين هو النقطة الفارقة.

خاتمة

في وجود بعض الأفراد في الكونجرس الأمريكي وغيره، وفي البرلمانات الأوروبية؛ تم نقل سفارة أمريكا الى القدس وإهداء القدس الى الصهاينة، ثم إهداء الجولان والإقرار به لهم، وتم منع المسافرين من بلاد المسلمين، وتم دعم الأنظمة الإجرامية في بلادنا، وقتل المسلمين ليل نهار؛ فلا اغترار إذاً بإنجازات متوهمة.

وفي كل حال فلا بد من الصدور في هذا عن مشورة أهل العلم والانطلاق من منطلق عقدي وانتماء واضح للإسلام دونما خجل أو اعتذار عن بعض ما أنزل الله إلينا.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الأناضول”على الروابط:
    الانتخابات الأمريكية.. 57 مسلما فازوا في مجالس الولايات،
    الانتخابات الأمريكية.. المسلمون يحافظون على مقاعدهم في الكونغرس
    قدورة.. أول مسلم يفوز بعضوية مجلس شيوخ إنديانا الأمريكية

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة