أيها النشء المسلم، أنت الرجاء بعد توفيق الله والأمل في رد الأمة إلى سالف عزها ما تمسكت بالقرءان، واقتديت بنبي آخر الزمان سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم، فأخرج سيفك من غمده، واضرب رؤوس المستدمرين، وثن بالمنافقين، بل أستغفر الله ! ابدأ بالثاني قبل الأول حتى لا يكون ظهرك مكشوفاً، ونصرك مكتوفاً…

فلسطين في الضمير العربي والإسلامي

فلسطين قبلة الإسراء والصلاة، ومعراج الحبيب، ومصلى الأنبياء، أرض مباركة ببركة الرحمن، وقصة سرمدية متجذرة في وجدان كل مسلم عبر التاريخ، فلسطين أرض المعراج، ومهوى أفئدة الموحدين، طهرها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من رجس الكافرين الملحدين، واستلم مفاتيحها الفاروق ففرق فيها بين الحق والباطل، وسكنها الصحابة فكانت لهم رباطاً تنطلق منه جحافل الفرسان الفاتحين.

فلسطين فيها المسجد الأقصى قدس الأقداس، ضم ثرى الأنبياء، وصلاة المرسلين، وطهر العاكفين، وإخبات الزاهدين، وأنات المنقطعين، فلسطين في كل قلب نابض بالحب والإيمان، حب صاف، ووفاء واف، وجروح دامية، وعبرات هامية.

فلسطين ليست سلعة يساوم عليها فتباع وتشترى، ولا لعبة يتقاذفها شياطين السياسية من أولي البطر والهوى، وبائعو الذمم في سوق النخاسة، فلسطين جوهرة مصونة، لها ولأهلها ضمانات مضمونة، وفتوحات مضنونة.

فلسطين أُخذت بالسيف، واقتطعت بالحيف وكاد لها الاستعمار فورثها شذاذ الآفاق، وعديمي الأخلاق.

فلسطين لا ترد بالمفاوضات ولا بالمساومات، فما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة، ولا يفل الحديد إلا الحديد، قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ…) بل ترهبون خونة قد عششت في قلوبهم الخيانة، وطمست من أنفسهم آثار الديانة، (وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ…) [الأنفال:59-60].

الإسلام والاستعمار ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا غاية

إن المسلمين عموماً والعرب خصوصاً قد حرروا فلسطين مرتين في التاريخ، ودفعوا عنها الغارات المجتاحة مرات كثيرة، وملكوها ثلاثة عشر قرناً، وعاش تحت رحمتهم أهل أديان شتى، فلم يساموا بظلم، ولم يعرفوا الضيم، ومنهم اليهود والنصارى، ولكن أتاح النصارى لليهود فرصة الاستيطان فناصروهم وأعطوهم السلاح والضمان، وكانت حلقة الشر من الإنجليز هي من عملت على تفكيك الخلافة، وتمليك أرض فلسطين الطاهرة لشرار الخلق، يقول الإبراهيمي في هذا:

(إن الإسلام والاستعمار ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا غاية، فالإسلام دين الحرية والتحرير، والاستعمار دين العبودية والاستعباد، والإسلام شرع الرحمة والرفق، وأمر بالعدل والإحسان، والاستعمار قوامه على الشدة والقسوة والطغيان، والإسلام يدعو إلى السلام والاستقرار، والاستعمار يدعو إلى الحرب والتقتيل والتدمير).

ويقول أيضاً عن الإنجليز: (إنهم ينطوون لكم على العظائم، وإنّ في جعبتهم ما في جعبة الحاوي من حيات، وإن في أيديهم عروق الجسم العربي يضغطون أين شاءوا، ومتى شاءوا).

سبيل الانتصار على اليهود وشركائهم

وقد آن لأهل الإسلام أن يجتمعوا على جهاد دفع الغزاة، بدءاً بإصلاح أنفسهم وأهليهم ليكون النصر حليفاً، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأعراف: ١٦٧].

إن الانتصار على اليهود وشركائهم هو طريق له مراحل يقطعها المجدون الصابرون، والمرابطون المعتصمون بحبل الله تعالى.. ولا يكون إلا بالتضحيات بالنفس والنفيس، والغالي والرخيص، والتخطيط الواعي، والوعي العميق.

يقول الشاعر محمد العيد آل خليفة الجزائري شاعر جمعية علماء المسلمين:

ولا تزعجك آلاف الضحايا .. وما أجراه من دمه الغزير

فتلك شهادة الشهداء فيه .. وذلك أجر مطلبه الكبير

الطابور الخائن

إن أكبر تحد في طريق النصر هو الطابور المنافق خادم الاستعمار وظهير الاستدمار، من المنافقين الذين لا يريدون نصراً مضرجاً بالدماء، ومن غير ألم ولا بأساء، بل ليس لهم عمل إلا تثبيط العزائم، وخذلان المرابطين والمجاهدين أولي الهمم العالية، إنّ موالاة الاستعمار عداوة لله وخروج عن دينه، فلا توالوه في سلم ولا حرب؛ فإنَّ مصلحته في السلم هي مصالحكم، وغنيمته في الحرب هي أوطانكم.

قال تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة: ٤6-٤7].

ومما زاد الطين بلة، والتصدع جِلَّة، هو مؤازرة خونة الخارج من بعض الدول العربية والإسلامية زمرة التطبيع والخضوع، والمسارعة في إرضاء شذاذ الآفاق من الصهاينة، والخيانة العالمية، خوفاً على كراسيهم، وتزلفاً لأسيادهم، وما أجمل تعبير القرءان! حينما وصفهم بالمسارعة في غير طهر ولا بر، وإنما في خيانة سينزاح ظلامها قريباً بإذن الله وهي من الضمانات الإلهية قال الحق سبحانه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) . هكذا فهمت قلوبهم المريضة أن الدائرة ستقع عليهم، وهي واقعة لا محالة بأيدي الأبرار الأطهار، قوام الليل وصوام النهار، (فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:51-52].

كشف سبيل المجرمين والتحذير منهم

ولذلك يتعين على كل مسلم أن ينبذ هؤلاء الخونة، وأن يكشف للأمة عوارهم، وأن يهدم ضرارهم، ويجلي آثارهم، حتى لا تنطلي على البسطاء الحيل المسمومة بعسل علماء السوء وفتاويهم المذمومة، التي يحثون فيها على السلم في غير موضعه، والهدنة في غير موطنها.

وعلى الأمة عامة وأهل فلسطين خاصة أن يجلوا سيوفهم، ويعدوا عدة التحرير فإن النصر قادم بإذن الله إن حققنا شرطه وكسبنا شطره قال تعالى: (إن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرُكُمْ) [محمد: 7] .

ولله در لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، حينما صاح صيحة النذير العريان في قومه فقال:

أبلغ إياداً وخَلَّل في سراتهم .. إني أرى الرأي -إن لم أعص-قد نصعا

يا لهف نفسي إذا كانت أموركم .. شتى، وأُحكم أمر الناس فاجتمعا

مالي أراكم نيام في بلهنية .. وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا؟!

فاشفوا غليلي برأي منكم حصد .. يصبح فؤادي لـه ريــان قـد نـقـعـا

صونوا جياد كم واجلوا سيوفكم .. وجددوا للقسي النبل والشرعا

جهاد المال لا يقل عن جهاد النفس

نعم، وما فائدة جمع الأموال، وبناء الشركات، إن لم تنفق في مجاهدة العدو الرابض، والعضيد النابض، وجهاد المال لا يقل عن جهاد النفس، بل هو العمود الذي تقوم على محوره الأنفس الزكية، والحركة الذكية، وإلا فلا:

لا تثمروا المال للأعداء إنهم .. إن يظهروا يحتووكم والتلاد معا

هيات لا مال من زرع ولا إبل .. يرجي لغابركم إن أنفكم جدعا

والله ما انفكت الأموال مذ أبد .. لأهلها -إن أصيبوا مرة- تبعا

قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم .. ثم افزعوا، قد ينال الأمن من فزعا

وقلدوا أمركم لله دركم .. رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مشرفاً إن رخاء العيش ساعده .. ولا إذا عض مكروه به خشعا

ما انفك يحلب هذا الدهر أشطره .. يكون متبعاً طوراً ومشبعا

حتى استمرت على شزر مريرته .. مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعا

وليس يشغله مال يثمره .. عنكم ولا ولد يبغي له الرفعا

لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل .. فاستيقظوا، إن خير العلم ما نفعا

النشء المسلم ورد الأمة إلى سالف عزها

فاستيقظي يا أمة أمتها الأمم فأكلت ما في قصعتها، وتكالبت عليها الأيادي فنخلت نخلتها، وأوكت قربتها، وذهبت نضرة حضارتها، وأما أنت أيها النشء المسلم، أنت الرجاء بعد توفيق الله والأمل في رد الأمة إلى سالف عزها ما تمسكت بالقرءان، واقتديت بنبي آخر الزمان سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم، فأخرج سيفك من غمده، واضرب رؤوس المستدمرين، وثن بالمنافقين، بل أستغفر الله ! ابدأ بالثاني قبل الأول حتى لا يكون ظهرك مكشوفاً، ونصرك مكتوفاً، واسمع نصيحة إمام المسلمين العلامة عبدالحميد بن باديس يوم نادی بأعلى صوته يحث الشباب على كسر قيد الاستدمار الفرنسي والذي ذاق الشعب الجزائري منه الويلات، كما يذوق الشعب الفلسطيني اليوم من حفدة القردة والخنازير النكال:

يَا نَشِءُ أَنتَ رَجَاؤُنَا .. وَبِكَ الصَّباحُ قَدِ اقْتَرَبْ

خُذْ لِلحَياةِ سلاحها .. وَخُضِ الخُطُوبَ وَلَا تَهبْ

وارفع مَنارَ الْعَدْلِ وَالإ .. حْسَانِ وَاصْدُمُ مَن غَصَبْ

واقلع جذور الخائنين .. فمنهم كُلُّ الْعَطَبْ

وَأَذِق نُفُوسَ الظَّالِمِينَ .. سما يُمزج بالرهب

وَاهْرُز نفوس الجَامِدِينَ .. فَرُبَّمَا حَيْ الْخَشَبْ

مَنْ كَان يبغي ودنا .. فَعَلَى الْكَرَامَةِ وَالرّحب

أو كَانَ يَبْغِي ذلنا .. فله المَهَانَةُ والحرب

هَذَا نِظامُ حَيَاتِنَا .. بالنُّورِ خُطَّ وَبِاللهب

حتى يعود لقومنا .. من مجَدِهِم مَا قَدْ ذَهَبْ

هَذا لَكُمْ عَهْدِي بِهِ .. حَتَّى أُوَسدَ في التَّرَب

فَإِذَا هَلَكْتُ فَصيحتي .. تحيا الجزائر وَالْعَرَب

وأخيراً نقول لفلسطين ما قاله شيخ المجاهدين في الجزائر العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله:

«يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحا دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري من محنتك عبرات هامية».

وأضاف شارحاً مكانة فلسطين والقدس في نفس كل مسلم:

«يا فلسطين!.. إذا كان حُب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمآرب التي يقضيها الشباب؛ فإنَّ هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأن فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإنكِ كنتِ نهاية المرحلة الأرضية وبداية المرحلة السماوية، من تلك الرحلة الواصلة ما بين السماء والأرض صعودا بعد رحلة آدم هبوطا».

وصلى الله وسلم على نبيه الكريم.

المصدر

الشيخ مختار بن العربي مؤمن، عضو مجلس الأمناء بالهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام.

اقرأ أيضا

إرهاصات النصر

لماذا يا حماس؟!

طوفان الأقصى

“طوفان الأقصى” في عيون الصهاينة

المشروع الصليبي الاستعماري في المشرق الإسلامي

هل من راية تجمعنا؟

التعليقات غير متاحة