لتسألن عن النعيم من أين نلتموه؟ وفيم أنفقتموه؟ أمن طاعة وفي طاعة؟ أم من معصية وفي معصية؟ أمن حلال وفي حلال؟ أم من حرام وفي حرام؟. هل شكرتم؟ هل أديتم؟ هل شاركتم؟ هل استأثرتم.

تفسير سورة التكاثر في ظلال القرآن

قال صاحب الظلال رحمه الله تعالى: (هذه السورة ذات إيقاع جلیل رهيب عميق، وكأنها هي صوت نذير، قائم على شرف عال، يمد بصوته ويدوي بنبرته. يصيح بنوم غافلين مخمورين سادرين، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة، وحسهم مسحور. فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) .

أيها السادرون المخمورون، أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد، وأعراض الحياة وأنتم مفارقون، أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه، أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها، ولا تفاخر، استيقظوا وانظروا، فقد (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ).

ثم يقرع قلوبهم بهول ما ينتظرهم هناك بعد زيارة المقابر في إيقاع رزین: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ).

ويكرر هذا الإيقاع بألفاظه وجرسه الرهيب الرصين: (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ).

ثم يزيد التوكيد عمقا ورهبة. وتلويحا بما وراءه من أمر ثقيل. لا يتبينون حقيقته الهائلة في غمرة الخمار والاستكثار: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ).

ثم يكشف عن هذه الحقيقة المطوية الرهيبة: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ).

ثم يؤكد هذه الحقيقة، ويعمق وقعها الرهيب في القلوب: (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ).

ثم يلقي بالإيقاع الأخير، الذي يدع المخمور يفيق، والغافل يتنبه، والسادر يتلفت، والناعم يرتعش ويرتجف مما في يديه من نعیم:  (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)!

لتسألن عنه من أين نلتموه؟ وفيم أنفقتموه؟ أمن طاعة وفي طاعة؟ أم من معصية وفي معصية؟ أمن حلال وفي حلال؟ أم من حرام وفي حرام؟. هل شكرتم؟ هل أديتم؟ هل شاركتم؟ هل استأثرتم.

(لَتُسْأَلُنَّ) عما تتكاثرون به وتتفاخرون.. فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم، ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل!

إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها. وتلقي في الحس ما تلقي بمعناها وإيقاعها، وتدع القلب مثقلا مشغولا بهم الآخرة عن سفساف الحياة الدنيا وصغائر اهتماماتها، التي يهش لها الفارغون!

إنها تصور الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل.. (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ).. وتنتهي ومضة الحياة وتنطوي صفحاتها الصغيرة، ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال، ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء. فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد..

وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها.. حتى يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض، ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلا في الطريق ! ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد!!!)1(1) في ظلال القرآن تفسير سورة التكاثر..

ذكر بعض الآيات مما له صلة بسورة التكاثر

الآية الأولى

قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20].

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عند هذه الآية: (أخبر سبحانه عن حقيقة الدنيا بما جعله مشاهد لأولي الأبصار، إنها لعب ولهو تلهو بها النفوس وتلعب بها الأبدان واللعب واللهو لا حقيقة لها، وأنها مشغلة للنفس مضيعة للوقت، يقطع بها الجاهلون فيذهب ضائعا في غير شيء.

ثم أخبر أنها زينة للعيون وللنفوس، فأخذت بالعيون والنفوس استحبابا ومحبة، ولو باشرت القلوب معرفة حقيقتها ومآلها ومصيرها لأبغضتها وآثرت عليها الآخرة، ولما آثرتها على الآجل الدائم الذي هو خير وأبقی ثم أخبر سبحانه وتعالى عنها أنها يفاخر بعضنا بعضا بها، فيطلبها، ليفخر بها على صاحبه، وهذا حال كل من طلب شيئا للمفاخرة من مال أو جاه أو قوة أو علم أو زهد .

والمفاخرة نوعان: مذمومة ومحمودة. فالمذمومة: مفاخرة أهل الدنيا بها.

والمحمودة: أن يطلب المفاخرة في الآخرة، فهذه من جنس المنافسة المأمور بها، وهي أن الرجل ينفس على غيره بالشيء، ويغار أن يناله دونه، ويأنف من ذلك ويحمي أنفه له.

ثم أخبر تعالى عنها أنها تكاثر في الأموال والأولاد، فيجب على كل واحد أن يكثر بني جنسه في ذلك، ويفرح بأن يرى نفسه أكثر من غيره مالا وولدا، وأن يقال فيه ذلك، وهذا من أعظم ما يلهي النفوس عن الله والدار الآخرة؛ كما قال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)، والتكاثر في كل شيء؛ فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمر من الأمور عن الله والدار الآخرة، فهو داخل في حكم هذه الآية، فمن الناس من يلهيه التكاثر بالمال ، ومنهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو العلم، فيجمعه تكاثرا وتفاخرا، وهذا أسوأ حالا عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه فإنه جعل أسباب الآخرة للدنيا، وصاحب المال والجاه، استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر بأسبابها)2(2) عدة الصابرين ص ۲۸۰، ۲۸۱ تحقیق سلیم الهلالي دار ابن الجوزي ..

الآية الثانية

قوله تعالى: (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ) [محمد:36].

يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عن هذه الآية: (هذا تزهيد منه لعباده في الحياة الدنيا بإخبارهم عن حقيقة أمرها، بأنها لعب ولهو، لعب في الأبدان، ولهو في القلوب، فلا يزال العبد لاهيا في ماله، وأولاده، وزينته، ولذاته من النساء، والمأكل والمشارب والمساكن والمجالس، والمناظر والرياسات، لاعبا في كل عمل لا فائدة فيه، بل هو دائر بين البطالة والغفلة والمعاصي، حتى تستكمل دنياه، ويحضره أجله، فإذا هذه الأمور قد ولت وفارقت، ولم يحصل العبد منها على طائل، بل قد تبين له خسرانه وحرمانه، وحضر عذابه ، فهذا موجب للعاقل الزهد فيها وعدم الرغبة فيها، والاهتمام بشأنها وإنما الذي ينبغي أن يهتم به ما ذكره بقوله: (وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) [محمد: ۳6]، بأن تؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الإيمان ومقتضياته، وهي العمل بمرضاته على الدوام، مع ترك معاصيه، فهذا الذي ينفع العبد، وهو الذي ينبغي أن يتنافس فيه، وتبذل الهمم والأعمال في طلبه، وهو مقصود الله من عباده رحمة بهم ولطفا، ليثيبهم الثواب الجزيل)3(3) تفسير السعدي ص ۷۹۰..

الآية الثالثة

قوله تعالى: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].

يقول ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: (يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها، وأنها لا دوام لها، غاية ما فيها لهو ولعب (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) ، أي: الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هي مستمرة أبد الآباد، وقوله (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ، أي: لآثاروا ما يبقى على ما يفنى)4(4) تفسير ابن كثير 6/294 ط دار طيبة..

الآية الرابعة

قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: ۳6-۳۷].

يقول ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: (وقوله: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) ، كقوله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ) ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

يقول تعالى: لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها، عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم؛ لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق؛ ولهذا قال: (لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)[النور: ۳۷] أي: يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم)5(5) تفسير ابن كثير 6/68 ط دار طيبة..

الآية الخامسة

قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء: 1 – 3].

قال صاحب الظلال رحمه الله تعالى عن هذه الآية: (مطلع قوي يهز الغافلين هزا، والحساب يقترب وهم في غفلة والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى، والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته، وكلما جاءهم من القرآن جدید قابلوه باللهو والاستهتار، واستمعوه وهم هازلون يلعبون.. (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ).. والقلوب هي موضع التأمل والتدبر والتفكير.

إنها صورة للنفوس الفارغة التي لا تعرف الجد، فتلهو في أخطر المواقف، وتهزل في مواطن الجد؛ وتستهتر في مواقف القداسة، فالذكر الذي يأتيهم، يأتيهم (مِّن رَّبِّهِم) فيستقبلونه لاعبين، بلا وقار ولا تقديس، والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال والقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال؛ فلا تصلح للنهوض بعبء، ولا الاضطلاع بواجب، والقيام بتكليف، وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة!

إن روح الاستهتار التي تلهو بالمقدسات روح مريضة والاستهتار غير الاحتمال، فالاحتمال قوة جادة شاعرة، والاستهتار فقدان للشعور واسترخاء.

وهؤلاء الذين يصفهم القرآن الكريم يواجهون ما ينزل من القرآن ليكون دستورا للحياة، ومنهاجا للعمل، وقانونا للتعامل..باللعب.

ويواجهون اقتراب الحساب بالغفلة، وأمثال هؤلاء موجودون في كل زمان، فحيثما خلت الروح من الجد والاحتفال والقداسة صارت إلى هذه الصورة المريضة الشائهة التي يرسمها القرآن، والتي تحيل الحياة كلها إلى هزل فارغ، لا هدف له ولا قوام!

ذلك بينما كان المؤمنون يتلقون هذه السورة بالاهتمام الذي يذهل القلوب عن الدنيا وما فيها:

جاء في ترجمة الآمدي لعامر بن ربيعة أنه كان قد نزل به رجل من العرب فأكرم مثواه.

ثم جاءه هذا الرجل وقد أصاب أرضا فقال له: إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا في العرب. وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ)، وهذا هو فرق ما بين القلوب الحية المتلقية المتأثرة، والقلوب الميتة المغلقة الخامدة، التي تكفن ميتتها باللهو؛ وتواري خمودها بالاستهتار، ولا تتأثر بالذكر لأنها خاوية من مقومات الحياة)6(6) في ظلال القرآن: الآيات (۱، ۲، ۳) من سورة الأنبياء..

الآية السادسة

قوله تعالى عن المكاثرين بالأموال والأولاد: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ: ۳5].

ومثل هذه الآية قوله تعالى عن صاحب الجنتين في سورة الكهف: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) [الكهف:34-36].

ويقدم سيد قطب رحمه الله تعالى لقصة صاحب الجنتين وصاحبه المؤمن بقوله: (ثم تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المغترة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله، وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين، نموذج الرجل الثري تذهله الثروة، وتبطره النعمة فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة ، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى.

فلن تخذله القوة ولا الجاه، وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه الذاكر لربه، يرى النعمة دليلا على المنعم، موجبة لحمده وذكره)7(7) في ظلال القرآن الآيات ۲۲- ۲6من سورة الكهف..

الآية السابعة

قوله تعالى عن قيام الساعة وحقيقة اللبث في الدنيا: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات: 46].

يقول سید قطب رحمه الله تعالى عن هذه الآية: (فهي من ضخامة الوقع في النفس بحيث تتضاءل إلى جوارها الحياة الدنيا، وأعمارها، وأحداثها، ومتاعها، وأشياؤها، فتبدو في حس أصحابها كأنها بعض يوم .. عشية أو ضحاها!

وتنطوي هذه الحياة الدنيا التي يتقاتل عليها أهلها ويتطاحنون والتي يؤثرونها ويدعون في سبيلها نصيبهم في الآخرة، والتي يرتكبون من أجلها ما يرتكبون من الجريمة والمعصية والطغيان، والتي يجرفهم الهوى فيعيشون له فيها.. تنطوي هذه الحياة في نفوس أصحابها أنفسهم، فإذا هي عندهم عشية أو ضحاها.

هذه هي: قصيرة عاجلة، هزيلة ذاهية، زهيدة تافهة .. أفمن أجل عشية أو ضحاها يضحون بالآخرة؟ ومن أجل شهوة زائلة يدعون الجنة مثاية ومأوی!

ألا إنها الحماقة الكبرى، الحماقة التي لا يرتكبها إنسان، يسمع ویری !)8(8) في ظلال القرآن الآية (46) من سورة النازعات..

الآية الثامنة

قوله تعالى: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) [الطور:11-12].

يعلق سید قطب  رحمه الله تعالى على هذه الآية فيقول: (كذلك يبدو أن الناس في خوض يلعبون من ناحية اهتماماتهم في الحياة، حين تقاس بالاهتمامات التي يثيرها الإسلام في النفس، ويعلق بها القلب، ويشغله بتدبيرها وتحقيقها، وتبدو تفاهة تلك الاهتمامات وضآلتها، والمسلم ينظر إلى اشتغال أهلها بها، وانغماسهم فيها، وتعظيمهم لها، وحديثهم عنها، وكأنها أمور کونية عظمى! وهو ينظر إليهم كما ينظر إلى الأطفال المشغولين بعرائس الحلوى وبالدمی الميتة، يحسبونها شخوصا، ويقضون أوقاتهم في مناغاتها واللعب معها وبها!!!)9(9) في ظلال القرآن: الآيات (11،12) من سورة الطور..

الهوامش

(1) في ظلال القرآن تفسير سورة التكاثر.

(2) عدة الصابرين ص ۲۸۰، ۲۸۱ تحقیق سلیم الهلالي دار ابن الجوزي .

(3) تفسير السعدي ص ۷۹۰.

(4) تفسير ابن كثير 6/294 ط دار طيبة.

(5) تفسير ابن كثير 6/68 ط دار طيبة.

(6) في ظلال القرآن: الآيات (۱، ۲، ۳) من سورة الأنبياء.

(7) في ظلال القرآن الآيات ۲۲- ۲6من سورة الكهف.

(8) في ظلال القرآن الآية (46) من سورة النازعات.

(9) في ظلال القرآن: الآيات (11،12) من سورة الطور.

اقرأ أيضا

التعليقات غير متاحة