يظن بعض الناس أن أهل الدنيا المكاثرين فيها المترفين فيها يعيشون في سرور وسعادة؛ ولكن الحقيقة أن كثيرا من الراكنين إلى الدنيا الغافلين عن الآخرة، يعيشون حياتهم في قلق وكآبة وهمّ.

بعض الأسباب التي تقي من آفة التكاثر

ذكرنا في مقال سابق – [بعض الأسباب التي تقي من آفة التكاثر (1-2)] – بعض الأسباب التي تكون سببا في الوقاية من آفة التكاثر وأضرارها، وفي هذا المقال نكمل بعض هذه الأسباب.

5- محاسبة النفس في تقصيرها والتفكر في حقيقة الدنيا وزوالها، والآخرة ودوامها

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: ۱۸].

وقال سبحانه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: ۳۰].

وعن ثابت بن حجاج قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم، وزنوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة: ۱۸])1(1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ص33..

إن من أقوى الأسباب المعينة بإذن الله تعالى على تدارك العمر والحذر من الدنيا والتكاثر فيها وتذكر الآخرة والاستعداد لها محاسبة النفس ومجاهدتها، وتدارك العمر القصير قبل حلول الأجل، والنظر في سرعة زوال الدنيا وفنائها، والتفكر في الآخرة وبقائها.

ويبين ابن القيم رحمه الله تعالى بعض ما يعين العبد على المحاسبة فيقول:

(ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا، إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا، ويعينه عليه أيضا معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، و خسارتها دخول النار والحجاب عن الرب تعالى، فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم، فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر، ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسکناتها، وخطراتها وخطواتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة، لاحظ لها يمكن أن يشتري بها كنز من الكنوز، لا يتناهی نعیمه أبد الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاکه: خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلا، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران: ۳۰])2(2) إغاثة اللهفان 1/81..

ويتحدث الغزالي رحمه الله تعالى عن إطالة التفكير في الدنيا وفنائها، وأثر ذلك في الاستعداد للآخرة، فيقول:

(ولا يسلم الناس من أهوال يوم القيامة إلا من طال فيها فكره في الدنيا، فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد، فمن خاف هذه الأهوال في الدنيا أمنها في الآخرة، ولست أعني بالخوف رقة كرقة النساء تدمع عيناك ويرق قلبك حال السماع ثم تنساه على القرب، وتعود إلى هواك ولعبك، فهل هذا من الخوف في شيء، بل من خاف شيئا هرب منه، ومن رجا شيئا طلبه، فلا ينجيك إلا خوف يمنعك عن معاصي الله تعالى ويحثك على طاعته، و أبعد من رقة النساء خوف الحمقى إذا سمعوا الأهوال سبق إلى ألسنتهم الاستعاذة، فقال أحدهم: استعنت بالله، اللهم سلم سلم، وهم مع ذلك مصرون على المعاصي التي هي سبب هلاكهم، فالشيطان يضحك من استعاذتهم، كما يضحك على من يقصده سبع ضار في صحراء وراءه حصن، فإذا رأى أنياب السبع وصولته من بعد قال بلسانه: أعوذ بهذا الحصن الحصين، وأستعين بشدة بنيانه وإحكام أركانه! فيقول ذلك بلسانه وهو قاعد في مكانه، فأنى يغني عنه ذلك من السبع؟!

وكذلك أهوال الآخرة ليس لها حصن إلا قول: لا إله إلا الله صادقا، ومعنی صدقه ألا يكون له مقصود سوى الله تعالى، ولا معبود غيره، ومن اتخذ إلهه هواه فهو بعيد من الصدق في توحيده وأمره مخطر في نفسه)3(3) إحياء علوم الدين ۷/ ۲۸۱..

نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم

ويبقى في هذه الفقرة إتحاف القارئ بنماذج من محاسبة السلف لأنفسهم، وأخرى من حثهم على محاسبة النفس، وما تنطوي عليه من تقصير وتفريط.

أ- عن إسحاق بن إبراهيم أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: (قال إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي، أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا وأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي)4(4) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا، تحقیق عبدالله الشرقاوي وقال: رجاله ثقات ص۳۹..

ب- وقال میمون بن مهران: (لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريکه؛ ولهذا قيل: النفس کالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك)5(5) مصنف ابن أبي شيبة ۱۳/ ۵۰۳..

ح- وقال الحسن: (المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه، فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك من حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك .. إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله)6(6) مصنف ابن أبي شيبة ۱۳/ ۵۰۳ رقم ۳6۳۵۷. وانظر: صفة الصفوة (3/ ۲۳4)..

وهذه صورة من صور المحاسبة في حوار مع النفس الأمارة بالسوء يصورها الشيخ السعدي رحمه الله تعالى، فيقول:

(ويحك يانفس! كم بيني وبينك في المعاملة، أنت تريدين هلاكي، وأنا أسعى لك بالنجاة، وأنت تحيلين علي بكل طريق يوقع في المضار والشرور، وأنا أجتهد لك في كل أمر مآله الخير والراحة والسرور، فهلمي يا نفس إلى صلح شريف يحتفظ كل منا على ما له من المرادات والمقاصد، ونتفق على أمر يحصل به للطرفين أصناف المصالح والفوائد.

دعيني يانفس أمضي بإيماني متقدما إلى الخيرات، متجرا فيه لتحصيل المكاسب والبركات، دعيني أتوسل بإيماني إلى من أعطاه أن يتمه بتمام الهداية، وكمال الرحمة، وأكمل ما نقص منه، لعل الله أن يتم علي وعليك النعمة، ولئن تركتيني وشأني لم تعترضي علي بوجه من الوجوه؛ لأعطينك كل ما تطلبينه من المباحات، وكل ما تؤمله النفوس وترجوه، ولئن تركتيني وشأني لأوصلنك إلى خيرات ولذات طالما تمناها المتمنون، وطالما مات بحسرتها قبل إدراكها الباطلون.

یا نفس، أما تحبين أن تنقلي من هذا الوصف الدنيء إلى أوصاف النفوس المطمئنة التي اطمأنت إلى ربها، وإلى ذكره، واطمأنت إلى إعطائه ومنعه، واطمأنت في جميع تدبيره، واطمأنت إلى توحيده والإيمان به حتی سلاها عن كل المحبوبات، واطمأنت إلى وعده حتى كانت هي الحاملة للعبد على الطاعات المزعجة له عن المعاصي والمخالفات.

فلا يزال المؤمن مع نفسه في محاسبة ومنافرة حتى تنقاد لداعي الإيمان، وتكون ممن يقال لها يوم القيامة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: ۲۷ – 30])7(7) الفتاوی السعدية ..

6- الاعتكاف وترك فضول الاختلاط

إن مما يعين على مجاهدة النفس، وإنشاء همّ الآخرة إحياء سنة الاعتکاف، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ففي الاعتكاف تحصل للعبد منافع عظيمة منها:

أ- التفرغ للنفس ومحاسبتها، وتفقد أخطائها ومثالبها ومعاصيها في ماضي حياتها، وأثر ذلك في صدق التوبة وتطامن النفس وتواضعها، وذلك عندما يعلم المحاسب لنفسه أنها كلها عورة وضعف وخطيئة.

ومن هذه المعاصي التي يحاسب العبد فيها نفسه حقوق الخلق بداية من حقوق الوالدين والأزواج والأولاد والأقربين إلى حقوق الآخرين وماذا فرط فيها.

ب- الشعور الشديد بالفاقة والفقر إلى الله عز وجل والضرورة القصوى لإعانته سبحانه وإغاثته وتوفيقه، والشعور بخطر الاعتماد على النفس والثقة المفرطة فيها.

ج- فراغ القلب في الاعتكاف من مشاغل الدنيا ومشکلاتها، وأثر ذلك في ملء القلب بذكر الله عز وجل والإنابة إلى دار الخلود، والتجاني عن دار الغرور.

د- الحياة مع كلام الله عز وجل والعيش مع كتابه العزيز، وما يحوي من ذكر الآخرة وما فيها، وذكر أنبيائه وأوليائه، وأثر ذلك في محبتهم والشوق إلى مصاحبتهم والتأسي بهم، وبما أصابهم في سبيل الله عز وجل وكيف صبروا وصابروا مع ما في القرآن من ذكر الله عز وجل وأسمائه وصفاته، والأجر العظيم في تلاوته والقيام به آناء الليل وأطراف النهار.

ه- الانقطاع عن الناس وقلة الاتصال بهم وبكلامهم، وأثر ذلك في صفاء القلب وتقبله للمواعظ والزواجر مع ما في ذلك من ترك لآفات اللسان التي قلَّ من يسلم منها.

و- في الاعتكاف نقلة من حياة الترف مع الأهل والأولاد في المساكن المترفة والفرش الناعمة إلى حياة الاعتزال والمسكنة والفراش الخشن والأكل القليل، وهذا بدوره يؤثر في حياة المعتکف ونظرته للدنيا، مع ما يصاحب ذلك من النوم القليل، فكل ذلك يؤدي بإذن الله تعالى إلى تقوية العزيمة وتنشيط النفس؛ لأن النفس تثقل مع كثرة الفضول من الطعام والنوم والكلام والخلطة.

ز- في الاعتكاف وحبس النفس في مكان معين مجال لتربية النفس على الصبر والمصابرة واكتشاف قوة التحمل والصبر عند النفس، وفي هذا ترویض للنفس وتوطئة لها على النقلات المفاجئة – نسأل الله عز وجل العافية والثبات – كما أن في ذلك تذكرا للصلحاء المبتلين الذين يمضون في معتقلاتهم الأشهر والسنوات، فيتوجه بالدعاء لهم بالتثبيت وسؤال الفرج لهم.

ح- في الانقطاع عن الأهل والأولاد في المعتكف مع الشوق إليهم؛ تذكير بالموت والانقطاع الطويل عنهم، وهذا بدوره ينعكس على بذل الجهد في صلاح النفس والأهل، لعل الله عز وجل أن يجمع الشمل في جنات النعيم، التي لا ينفد نعيمها ولا يتفرق أهلها.

ك- في الاعتكاف تعود على أعمال فاضلة يحصل فيها التفريط غالبا عند الكثير كأداء السنن الرواتب، والصف الأول، والطمأنينة في الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن لوجود التفرغ التام للعبادة، ولعل المعتكف أن يداوم عليها بعد الخروج من المعتکف.

ومن الأوقات التي يخلو فيها العبد بنفسه، بعيدا عن الخلق ما قبل غروب الشمس وقبل طلوعها حيث ورد فضيلة هذين الوقتين وفضيلة ذكر الله عز وجل فيها ومحاسبة النفس فيها، وكذلك آخر ساعة من يوم الجمعة، وما يرجى فيها من إجابة الدعاء.

۷- مصاحبة أهل الخير الذين تذکر رؤيتهم وكلامهم الآخرة، والقراءة في سير الزاهدين من السلف

قال الله عز وجل: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: ۲۸] هذه وصية الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده، وما ذاك إلا لما يكون من أثر الصالحين الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل وذكرت الآخرة، وهذا واقع ومجرب، فما أن يعيش المسلم بين أهل الخير ويستمع إلى مواعظهم ویری سمتهم وأخلاقهم ويقرأ في كتبهم ويطلع على زهدهم وسيرتهم إلا ويتأثر بهم، ويتأسی بفعالهم الطيبة، وتبقى الآخرة في ذهنه دائما، والعكس من ذلك فيمن يصاحب أهل الدنيا الغارقين في لججها، والغافلين عن النبأ العظيم، حيث يظهر أثر هذه المصاحبة في قسوة القلب ونسيان الآخرة، وما يترتب على ذلك من ضعف الاستعداد لها أو عدمه. وإن هذا الأمر ليتأكد في زماننا اليوم أكثر من أي وقت مضى. هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وتزينت فيه الدنيا لأهلها، وتنافس الناس وتكاثروا فيها، وتجمعوا حول حطامها، وكان جل حدیثهم فيها. وقل في هذا الزمان من يذكر بالآخرة، ويحذر من الدنيا وغرورها.

كل ذلك يؤكد ضرورة الحذر من أهلها وضرورة الالتصاق بأهل الصلاح والزهد والإصلاح، والمعايشة المستمرة معهم، والإكثار من سماع المواعظ والقراءة في كتب الوعظ وسير الصالحين والزاهدين من سلف هذه الأمة وعلى رأسهم سید الزاهدين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وألا يكتفي بالزيارات المتفرقة أو القراءة المتفرقة، فإن نفعها في هذا الزمان قليلة؛ فالنفس إن لم يتوال عليها الوعظ والتذكير فإنها تلهو وتنسی مع الوقت إذا طال بعدها عن ذلك.

وهذا ما يوضحه ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كون المواعظ يزول أثرها بعد إلقائها، ولا يستمر ذلك الأثر في النفس طويلا يقول رحمه الله – : (قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة، فتدبرت السبب في ذلك فعرفته، ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفة واحدة من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها، لسببين:

أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت وقوعها.

والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح مع تلك الجواذب أن يبقی کما کان؟!)8(8) صيد الخاطر. ص ۱..

۸- ضرورة إحياء الوعظ في الأمة بمفهومه الشامل

ينبغي تكثيف طرح المواعظ في المحاضن التربوية ودور العلم وحلق التدريس والعلم وفي مخاطبة الناس في خطبة الجمعة والمحاضرات والكليات والندوات ومدارسة الكتب والمؤلفات والأشرطة، التي تهتم بهذا الجانب من جوانب التربية والتزكية، وفي هذا المقام أنبه نفسي وإخواني المربين إلى أن يولوا هذا الجانب من جوانب التربية اهتمامهم، وأن يكون له الحظ الأكبر في التوجيه والتربية والطرح والمناقشة والمناصحة.

ومن الأمور المهمة التي ينبغي للمربين العناية الكبيرة بها في التربية أن يكونوا قدوات لمن يربونهم ويوجهونهم، وإلا فلن يكون لمجرد الكلام والنصيحة الجدوى في التحذير من الدنيا والتكاثر فيها والتحذير من الترف إذا لم يكن المربي قدوة لطلابه في الزهد وعدم الركون إلى الدنيا.

إذ كيف يطمع المربي في تغيير سلوك وأخلاق من يربيهم، وهم يرون الفصام والتناقض بين ما يقوله ويقرؤه لهم، وبين سلوکه وأحواله في نفسه وبيته ونمط حياته، والتربية بالقدوة تفعل ما لا تفعله مئات الكليات والمقالات. أو ليس من المفارقات والتربية المشوهة أن يسمع المربي من أستاذه أو شيخه الحث على التقلل من الدنيا والتحذير من التكاثر فيها، ثم هو يرى شيخه من أهل التكاثر فيها، سواء في ملبسه أو مطعمه أو مسکنه أو مركبه أو غير ذلك من أعراض الدنيا.

9- تعويد النفس ومن ثم اليد على السخاء والبذل في سبيل الله عز وجل

واليأس مما في أيدي الناس والسعي في طلب الرزق بدون مغالاة أو حرص أو خوف على فواته أو قطعه، والحذر من البطالة، والقعود عالة على الناس، وترك الأسباب بحجة التوكل على الله تعالى، والقناعة بما كتب الله عز وجل من الرزق واليقين بأن القليل من نعيم الدنيا يكفي لعبور هذه الدار وأن الذي ينبغي الاهتمام به والحرص عليه هو عيش الآخرة ونعيمها.

وأن يقدم لنفسه في الآخرة من النفقة والخير ما يجده عند الله عز وجل أحوج ما يكون إليه.

الهوامش

(1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ص33.

(2) إغاثة اللهفان 1/81.

(3) إحياء علوم الدين ۷/ ۲۸۱.

(4) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا، تحقیق عبدالله الشرقاوي وقال: رجاله ثقات ص۳۹.

(5) مصنف ابن أبي شيبة ۱۳/ ۵۰۳.

(6) مصنف ابن أبي شيبة ۱۳/ ۵۰۳ رقم ۳6۳۵۷. وانظر: صفة الصفوة (3/ ۲۳4).

(7) الفتاوی السعدية .

(8) صيد الخاطر. ص ۱.

اقرأ أيضا

بعض الأسباب التي تقي من آفة التكاثر (1-2)

ألهاكم التكاثر: أضرار وآفات (2-2)

الأحاديث النبوية التي تحذر من الدنيا والتكاثر فيها

 

التعليقات غير متاحة