الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد:

فحمدا لربنا عز وجل وشكرا وثناء على ما من به من نصر وعز لأمة الإسلام بعامة، وعلى إخواننا في غزة وأكناف بيت المقدس بخاصة، حيث أنعش الله عز وجل قلوب المؤمنين، وشفى صدورهم، وأقر أعينهم؛ بما قام به المجاهدون الأبطال في غزة، من تضحيات وبطولات؛ أرغمت أنوف اليهود في التراب، وكسرت قوتهم وهيبتهم، وذلك في وقت خيم اليأس والإحباط على كثير من النفوس؛ فجاء الله عز وجل بهذا الحدث الجلل رحمة بعباده المؤمنين، وإعادة للعزة والكرامة لأوليائه المؤمنين، فلله الحمد أولا وآخرا. ولإخواننا المجاهدين الأبطال كل حب وولاء، ونصرة وإجلال، وبهذه المناسبة ونصحا لنفسي وللأمة ولإخواني المجاهدين أنبه على أمور مهمة منها:

أولا: المنطلق العقدي لهذه النازلة

إن لهذا الكون علويه وسفليه ربا ومالكا وإلها واحدا لا شريك له يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ولا يكون شيء في ملكه إلا بعلمه وأمره وإذنه حسب ما تقتضيه حكمته وعزته ورحمته ولطفه فله سبحانه الحمد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. لذا ينبغي أن ننظر لكل الحوادث صغيرها وكبيرها ومنها هذا الحدث والنازلة العظيمة في ضوء أسماء الله الحسنى وآثارها في الخلق والأمر حيث ترد جميع الأمور إليه كما قال سبحانه: (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ) [يونس:31]، وقوله تعالى: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [الحديد:5]، وقوله سبحانه: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) [الروم:4]، والخلق (لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) [سبأ:22]، وإنما هم ينفذون إرادة الله عز وجل ومشيئته قال سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام:112]، وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253].

ومن آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلى أن جعل لحركة الناس وتقلباتهم سننا لا تتبدل ولا تتحول، فينبغي على المسلم العارف بربه وبأسمائه الحسنى أن يقرأ الأحداث كلها صغيرها وكبيرها في ضوء ما سنه سبحانه من سنن؛ تفسر لنا الأحداث وأسبابها وملابساتها ونتائجها وكيفية التعامل معها والحكم عليها.

ومن أبرز هذه السنن التي ينبغي أن نقرأ أحداث غزة وانتصارات المجاهدين فيها وما يتعرضون له من الابتلاء: (سنة المدافعة)، وحتمية الصراع بين الحق والباطل، وسنة التمحيص والابتلاء، وسنة الإملاء والاستدراج للكافرين والمنافقين، وسنة أن العاقبة للمتقين، والسنة في قوله تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]، وسنة (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، وسنة (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46]، وسنة (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].

ثانيا: الفرح بنصر الله

لقد أقر الله عز وجل عيون الموحدين؛ بما أجراه الله عز وجل على يد عباده المجاهدين الأبطال، الذين جاءت انتصاراتهم في وقت قد تعطشت القلوب إلى ذلك؛ عطش الأرض الميتة إلى المطر؛ فأحيا الله عز وجل بهذا الحدث القلوب، وفرحت الأمة وتجاوبت من مشرقها إلى مغربها بما جرى، وأحست الأمة بهويتها، وحقيقة انتمائها، بعد أن سعى أعداؤها من عقود في طمس هويتها، وتجريدها من دينها ، فعرفت حقيقة أعدائها، وانتعشت عقيدة الولاء و البراء فيها ، فجزى الله المجاهدين الأبطال على تضحياتهم خير الجزاء، وتقبل شهداءهم، ومكن ونصر أحياءهم.

وإن الناظر في هذه التضحيات والشجاعة المنقطعة النظير؛ ليخجل من نفسه وهو بعيد عن هذه الصفات، غارق في الترف ومتع الدنيا الفانية، ولعل في هذا مراجعة للنفس، ومحاسبتها في تقصيرها وخورها، وانتشالها من أوحال الترف والغفلة، وتربيتها على ما تربى عليه هؤلاء الأبطال، وإعدادها للجهاد والنية الصادقة في الغزو في سبيل الله عندما يتاح ذلك؛ حتى لا يدخل تحت قول الرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»1(1) [رواه مسلم].، وإن من لم يفرح بهذه الانتصارات فلا شك أنه منافق أو مريض القلب ضعيف الإيمان.

وفي الوقت الذي نفرح فيه بهذا النصر (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم:4-5]، يمازج ذلك أسى وحزنا؛ لما يتعرض له إخواننا وأخواتنا في غزة من محرقة تأكل الأخضر واليابس، يستهدف فيه إخوان القردة الصغير والكبير، والمرأة والرجل، والمسجد والمستشفى، والحرث والنسل، ومع ذلك نرى ونسمع نماذج من الصبر والعزة والثبات يندر وجوده في العالم أثناء الكوارث والحروب، وما ذاك إلا بإيمانهم العميق، ويقينهم بأن لهم الحسنيين من الله تعالى؛ إما النصر وإما الشهادة، ويتذكرون قوله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:104].

ثالثا: المخذلون المخذولون في هذه النازلة

نحسب أن المجاهدين الذين قاموا بهذه البطولات، وداسوا أنوف اليهود في التراب، وصبروا وصابروا، أنهم ممن قال فيهم الرَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ»2(2) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].. وقد جاء التصريح بمكانهم في حديث أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»3(3) [مسند أحمد:22320].، ونود أن نقف عند قوله (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ) ففيه بيان أن هذه الطائفة سيتعرض لها المخالفون و المخذلون، ومع هذا فهذه الطائفة لا تبالي بمن خالفهم من الكفار وإخوانهم من المنافقين المرتدين، ولا يبالون ولا يضرهم خذلان من يخذلهم من بني جلدتهم من المسلمين، وإنه لمن المؤلم والمؤسف أن يوجد من بين المسلمين وفي هذه الظروف الصعبة من يمارس التخذيل والتخطئة لإخواننا المجاهدين في أكناف بيت المقدس، الذين يدفعون اليهود الصائلين على ديارهم وأنفسهم وأعراضهم، ويتهمونهم بالاستعجال، وتعريض الناس في غزة وغيرها لحرب إبادة وتهجير؟!! وكيف يواجهون جيوشا جراره، فالمعركة غير متكافئة!! أهذا واجب النصرة في حقهم؟ أهذا وقت النقد والتخطئة وترديد أقوال الإعلام الكافر الصائل؛ بأن المجاهدين هم السبب فيما يحصل في غزة؟! إنني أنصح هؤلاء المخذلين بالتوبة من هذا الموقف المخذل المخزي، وأقول لهم: إن إخواننا المجاهدين في فلسطين يقاتلون ويدفعون الصائل على أرضهم وأعراضهم وأنفسهم وأموالهم.

وجهاد الدفع لا يشترط له التكافؤ؛ بدليل حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»4(4) [رواه البخاري ومسلم].. فلم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم التكافؤ؛ بل إن المعتدي على أرضك أو مالك أو عرضك مهما كان من الكثرة أو القوة فالواجب مقاتلته، فإما أن يرد صولته أو يموت دون ذلك.

ثم إنكم أيها المخذلون القاعدون في بيوتكم تحت المكيفات، المنغمسون في ترفكم من المطاعم والمشارب والمراكب، كيف يصح لكم أن تقفوا هذا الموقف وأنتم لم تشهدوا ولم تعيشوا ما يعيشه إخوانكم المسلمين في فلسطين، من عدوان اليهود عليهم كل يوم قتلا وهدما لبيوتهم وسجنا وتعذيبا رجالا ونساء، فكيف حالكم أيها المخذولون لو كنتم مكانهم، إن لسان حالكم يقول يا أيها المجاهدون في فلسطين ارضوا بالذل والخنوع لليهود اتركوهم يهتكوا أعراضكم ويسجنوا نساءكم وأطفالكم ويسومونهم سوء العذاب اعطوهم أموالكم وأرضكم وطأطئوا رؤوسكم لهم، أهذا الذي تريدون، إن كان هذا فبئس القوم أنتم.

وهل تعلموا أنكم بهذا التخذيل واللوم تقدمون خدمة كبيرة لليهود وأعوانهم، إن هذا الذي تقولونه هو الذي يتردد في إعلام الكفار والمنافقين، وهو الشنشنة التي كان يسوق له المحتلون قديما في بلاد المسلمين لتثبيط المسلمين عن جهاد المحتل ومقاومته، فلا يستخفنكم الذين لا يوقنون، ولا تكونوا يدا مع اليهود المحتلين على إخوانكم؛ الذين يدافعون عن دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم وأراضيهم، بل إنهم يدافعون عن الأمة السنية بأسرها أمام مشروع صهيوصليبي يريد تقسيم المقسم من بلدان المسلمين واحتلالها فاحمدوا الله على العافية، ولا تشمتوا بإخوانكم فيعافيهم الله ويبتليكم. وحقهم عليكم الدعاء لهم لأن انتصارهم انتصارا لكم وإحباطا لمخططات الأعداء.

رابعا: لا تحسبوه شرا لكم

قال الله عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]، فكم من محنة في أعطافها المنح والخيرات، ومع أننا في الأيام الأولى من هذه النازلة إلا أنه قد ظهر لنا من ألطاف الله عز وجل، وحكمه الباهرة، ما يجعل المؤمن يزداد إيمانه بربه، وبقضائه وقدره، وأسمائه وصفاته، وتقوى محبته لربه وتعظيمه ورجائه وإحسان الظن به سبحانه، وما خفي عنا من هذه الألطاف والحكم وما سيظهر لنا في مستقبل الأيام أكثر، وأسوق هنا بعضا من هذه الألطاف والحكم:

  • استيقاظ الأمة وحبها لدينها وتحقق انتمائها وهويتها التي كاد أعداؤها أن يطمسوا هويتها، ويقطعوها عن دينها، وهذا ظاهر من تعاطف الأمة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها مع المجاهدين، وطوفان الأقصى، وفي هذا خير كثير.
  • وعي الأمة بحقيقة أعدائها؛ وأن الحرب مع اليهود ومن ناصرهم إنما هي حرب عقيدة، مهما رفع الأعداء من مبررات للحرب فافتضح الغرب وأمريكا بحقدهم على الإسلام والمسلمين وازدواجية معاييرهم وأعلنوا ذلك بلا تردد، بعد أن كانوا يحاولون إخفاء ذلك، وانفضحت منظمات وهيئات حقوقية، وفي هذا خير.
  • وعي الأمة بمنافقيها دولا، وطوائف، وأفرادا، الذين يوالون أعداءها من الكفرة والمرتدين. وتميز الخبيث من الطيب، وفي هذا خير بحيث تحذرهم الأمة ولا تنخدع بهم.
  • ظهور جذوة الجهاد بعد أن كادت أن تنطفي، فأصبح جهاد الكفار من يهود وصليبين يسمع في كل مكان، وأصبحنا نسمع بالشهادة في سبيل الله، والمواقف البطولية للمجاهدين، وثباتهم وتضحياتهم؛ التي بدورها تستحث همم القاعدين والمستضعفين، وفي هذا خير.
  • أحبطت هذه النازلة خطط المنافقين؛ الذين مالؤوا اليهود، وتهالكوا على التطبيع، والتحالف معهم، وخلطت أوراقهم، وتبين لمن كان مخدوعا بالتطبيع مع اليهود استحالة ذلك؛ بعدما رأوا من جرائمهم وحقدهم وعدوانهم والدعم لهم من النصارى الصليبين، كما قضت على ما يسمى اتفاقيات السلام وتقارب الأديان والبيت الإبراهيمي، وفي هذا خير.
  • ظهور آيات الله عز وجل في نصر عباده المستضعفين، وظهور قوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249]، وسقوط هيبة العدو الكافر، مهما ملك من استخبارات وأسلحة فتاكة، وفي هذا خير.
  • من سقط من المؤمنين تحت أسلحة الكفار فإنه يرجى له الشهادة والجنة وهذا هو الفوز الكبير، فلا سواء الله مولانا ولا مولى لهم، قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فأي فوز خير وأعظم وأكبر من هذا.
  • الحدث يذكرنا بقصة غلام الأخدود وأصحاب الأخدود، وأن النصر الحقيقي هو الثبات على الدين وبمثل هؤلاء تحيا الأمة وتنهض.
  • ستظهر هذه الأحداث حقيقة الرافضة وأذرعتها، ومن سمي بدول الممانعة، وكذبهم وجعجعتهم في عداوته لليهود وأمريكا، وأنهم كذبة خونة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يدخلوا في تاريخهم معركة مع اليهود ولا النصارى، بل ما عرف عنهم إلا موالاة اليهود والنصارى على أهل السنة ، ولا ننخدع بجعجعات وفقاعات إيران الرافضية وأذرعتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وأنماهم يبذلون مكرهم في سرقة النصر من حماس.
  • أظهرت الأحداث هشاشة العدو وجبنهم وفي هذا كسر حاجز الخوف من اليهود وأمريكا وكل أعداء الله.

خامسا: التوصيف الشرعي لحقيقة المعركة الجارية الآن في فلسطين

إن اشتعال الحرب بين اليهود والمجاهدين في فلسطين ليست بين اليهود وحماس وبقية فصائل الجهاد، وإنما هي معركة فاصلة بين الإسلام والكفر، وإذا أردنا أن نخصص ونفصل قلنا بين الإسلام السني والمشروع الصهيوني الصليبي الكافر، ولذا فمعسكر الكفر من اليهود والنصارى ومن والاهم من المنافقين يستميتون في دعم اليهود ببوارجهم وأساطيلهم وأموالهم، لأن اليهود ينوبون عنهم في مواجهة الإسلام السني، ويرون أن هزيمة اليهود هزيمة لهم، وهذا الأمر ليس بجديد فمنذ أن زرع الغرب نبتة اليهود الخبيثة في بلاد المسلمين، كان هدفهم منها بالدرجة الأولى انتفاعهم باليهود في الحيلولة بين الأمة الإسلامية ونهوضها بعد سقوط الخلافة العثمانية، لأنهم يرون أن في أمة الإسلام مقومات عظيمة للنهوض الحضاري؛ من وحدة الدين، والجنس، واللغة، وامتلاكها لأعظم الثروات في العالم من نفط ومعادن، كما أن موقعها الجغرافي لو نهضت لخنقت العالم بما تملكه من مضايق بحرية استراتيجية، كمضيق هرمز، وباب المندب، والسويس، ومضيق جبل طارق. وهم خائفون من قيادة صالحة تنهض بالأمة الإسلامية فلا يستطيع أن يقوم في وجهها أحد. فقام اليهود في دولتهم شر قيام في خدمة الغرب في مواجهة الأمة السنية الإسلامية، وعمل اليهود على زعزعة المنطقة، وجعلها في حالة فوضى وتفرق وعدم استقرار، هذه الأمور التي لا يمكن لأي أمة أن تنهض في مثل هذا المناخ غير المستقر.

إذن المعركة الآن في فلسطين معركة دينية مصيرية بين فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وإعلاء كلمة الله وفئة كافرة ماكرة تحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، مهما رفعوا من مبررات ورايات لهذه الحرب، ولئن انطلى على بعض المسلمين هذا الخداع فيما مضى من الحروب؛ فلن ينطلي على أحد في هذه الحرب، حيث أسفروا عن وجوههم وانتماءاتهم، وجاء رؤساء دول الصليب إلى رؤساء اليهود ليعلنوا دعمهم لهم ويقولوا ويصرحوا أنها معركة دينية، وهذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي، حيث قال لليهود جئتكم بصفتي يهوديا وليس وزيرا للخارجية الأمريكية. فالحمد لله الذي فضحهم وجعل الأمة تعي حقيقة أعدائها، وهذا مصداق قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]، ومما يلحق بهؤلاء الكفرة في خندقهم المنافقون من بني جلدتنا الذين قال الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الحشر:11]، فرأينا اليوم في هذه النازلة بني علمان والليبراليين والطواغيت والذين في قلوبهم مرض كيف دخلوا في جحورهم وخنسوا وليس لهم همُّ إلا التخذيل والنيل من المجاهدين.

كما رأينا الرافضة بزعامة إيران وأذرعتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، الذين يحاولون سرقة النصر من المجاهدين الأبطال، ولم نر منهم إلا الجعجعة والفرقعة مهما حاولوا خداع المسلمين ببعض الصواريخ التي يوجهها حزب الشيطان فهذه فقاعات تمت باتفاق مع اليهود. وهذا ما قاله (نتنياهو) بصراحة: (نحن والشيعة يدا واحدة)، وإن من أخطر مخادعات إيران التي قد تنطلي على بعض المسلمين علاقتها بحماس والجهاد الإسلامي ودعمها لهم بالمال والسلاح، وإيران لم تفعل ذلك إلا لتأخذ المقابل ألا وهو تفريغ حماس من المقاومة وسرقة نصر حماس، وإبراز حزب الشيطان في لبنان وأنه المواجه الشرس لليهود، وعداء إيران وأذرعها للسنة لا يحتاج أي جهد في بيانه فمن الذي قتل أهل السنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.؟؟

سادسا: الجهاد هو الحل لدفع الصائل على النفس والأرض والعرض

إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وماذا جنت الأمة من الحلول السلمية واتفاقات السلام المخزية في أوسلوا وكامب ديفيد ووادي عربة وغيرها، إنها لم تجنِ إلا مزيدا من الذل وتسلط عدوهم وزيادة المستوطنات وحصارا على المسلمين في غزة وامتلاء سجونهم بالمجاهدين.

إن ما يقوم في غزة اليوم هو جهاد دفع؛ فلا يشترط له ما يشترط لجهاد الطلب، بل يجب على كل قادر على حمل السلاح أن يقاتل، ولا يشترط فيه إذن العبد من سيده، ولا المرأة من زوجها، ولا التكافؤ في العدد والعتاد، والله عز وجل ولي المؤمنين، والكافرين لا مولى لهم. والمظلوم منصور ولو بعد حين، والله لا يصلح عمل المفسدين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

سابعا: حديث الخلافة الراشدة

عن حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ” ثُمَّ سَكَتَ)5(5) [رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط والألباني]..

والخلافة التي على منهاج النبوة هي التي تولى فيها الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه أجمعين، والملك العضوض هو الذي تلا الخلافة الراشدة واستمر من ملك معاوية رضي الله عنه والدولة الأموية والعباسية والعثمانية حتى سقطت الخلافة العثمانية، وسميت ملكا عاضا لأن ملوكها يعضون عليها، وفيها شيء من الظلم والتعسف، وتوارث الحكم ، غير أنها كانت تحكم بالشريعة، وتجاهد في سبيل الله، وأما الحكم الجبري فهو ما تلا سقوط الخلافة العثمانية من الدويلات الوظيفية؛ التي وضعها وحد حدودها المحتل، فنحت شرع الله وحكمت الناس بالحديد والنار، وإجبار الناس على ما يريده الحكام من ظلم وقهر وعدوان على الأنفس والأموال والأعراض؛ وذكر الحديث هنا وفي هذه الأحداث تذكير بأنا اليوم نعيش الحكم الجبري المتعسف؛ بل إننا والله أعلم نعيش في آخره، حيث ظهرت بعض علامات انهياره وذهابه، ولعل ما يحدث اليوم في فلسطين من الجهاد والنصر أن يستمر ويتجاوز الحدود ويسقط الحكم الجبري الأعظم (أمريكا وهيئة الأمم وحلفائها)، والتي بسقوطها تسقط الحكومات الجبرية الأذناب، وتشرق أنوار الخلافة الراشدة، التي تكون على منهاج النبوة، ولن تكون إلا بجنود ومجاهدين مضحون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، نسأل الله عز وجل أن نكون منهم.

ثامنا: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون

إن المتابع لهذه الأحداث وما يصيب إخواننا وأهلنا في غزة من قتل وقرح وهدم وتهجير يخشى عليه من الإحباط، ولكن عندما يتلو قول الله عز وجل: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، لا يمكن أن يتطرق إليه اليأس والإحباط، نعم نحزن، لكن حزن المؤمن المعتز بدينه، المحسن الظن بربه، الواثق بنصره، ومن باب التفاؤل ورفع المعنويات أسوق بعض ما يعانيه اليهود ويتألمون منه أكثر مما أصاب المجاهدين وأهليهم:

  • أكثر من 2200 قتيل في صفوف العدو.
  • أكثر من 5000 جريح في جيشهم.
  • جيشهم دخل في حالة نفسية منهارة وحالات انتحار غير معلن عنها.
  • العملة اليهودية فقدت من 30% من قيمتها.
  • أكثر من 150 جندي وضابط أسرى.
  • شلل اقتصادي كبير.
  • مستوطنات كبيرة هجر منها أهلها، أكثر من 200.000 نازح ومهجر.
  • المطارات مزدحمة بالهاربين إلى أوروبا.
  • الخلافات الكبيرة بين القيادات السياسية والعسكرية (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14].

إذن هم يتألمون كما نتألم، ولكن الفرق بيننا وبينهم ما قاله ربنا عز وجل: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:104].

تاسعا: واجبنا في هذه النازلة

أولا: الجهاد معهم لو كان ذلك ممكنا.

ثانيا :مراجعة أنفسنا ونمط حياتنا وحياة أولادنا وما نعيشه من ترف وخور ومحاولة تغيير هذه الحال واعداد النفس للجهاد في سبيل الله عز وجل واستثمار هذه الاحداث في الالتفات الى أولادنا وتعريفهم بغزوات المسلمين وقادة المسلمين فيها وزرع حب الدين في نفوسهم وتقوية الولاء والبراء في قلوبهم ومن ذلك تعريفهم بمقدسات المسلمين ومنها المسجد الأقصى الذي كان من أسباب الجهاد الآن في غزة ، إن التربية والأحداث ساخنة خير من ألف خطبة باردة.

ثالثا: الجهاد بالمال ودعمهم بالمستطاع منه فهذا من الجهاد الواجب بالمال في سبيل الله وليس تبرعا والسعي لتفريج كروبهم وسد جوعتهم وإيوائهم.

رابعا: التخذيل عنهم والدفاع عن أعراضهم؛ ممن ينال منهم ويشمت بهم أو يلومهم.

خامسا: الدعاء؛ الدعاء، فما أعظمه من سلاح؛ لأن المدعو والمسؤول هو الله الملك القاهر، العزيز الرحيم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها.

فاللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وسدد سهامهم وآراءهم، ووحد صفوفهم.

اللهم ارحم المستضعفين في غزة، وارفع البلاء والشدة والعذاب عنهم.

اللهم انج الأسارى في سجون الطغاة والظالمين، وثبتهم واحفظهم في دينهم وأنفسهم وأولادهم وأعراضهم.

اللهم اجعل الدائرة على اليهود وأمريكا وكل من عاونهم من كفار ومنافقين، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، ورد كيدهم في نحورهم، وخالف بين كلمتهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك يا قوي يا عزيز يا ذا البطش الشديد.

والحمد لله رب العالمين

الهوامش

(1) [رواه مسلم].

(2) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].

(3) [مسند أحمد:22320].

(4) [رواه البخاري ومسلم].

(5) [رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط والألباني].

اقرأ أيضا

إرهاصات النصر

لماذا يا حماس؟!

طوفان الأقصى

“طوفان الأقصى” في عيون الصهاينة

المشروع الصليبي الاستعماري في المشرق الإسلامي

التعليقات غير متاحة