انحسرت الانتخابات التونسية عن انهزام الأحزاب، وانهزام المنتسبين لكونهم “إسلاميين”، مع من جُربوا في العمل التنفيذي كرئيس الحكومة. ولهذا دلالة.

مقدمة

انتهت الجولة الأولى للانتخابات وتمخضت عن شخصين كلاهما علماني، وأحدهما “نبيل القروي” أشد عداوةً للإسلام ويبث عداءه من خلال امتلاكه آلة إعلامية، يقوم من خلالها بالسخرية والتعدي على الذات الإلهية وتجسيده ـ قبحه الله وأخزاه ـ لرب العالمين في عمل تمثيلي ـ جل جلال الله ـ وتأييده لتبديل الأحكام الشرعية، وغير ذلك.

ولهزيمة من يوصفون بأنهم “إسلاميون” جوانب عديدة؛ لكن نشير الى الدرس الكبير فيما يتصل برسالة الموقع.

الدرس الكبير .. للتراجع ثمن أفدح

الدرس الكبير، وهو أن تراجع المنتسبين للعمل الإسلامي هزيمة دينية ودنيوية؛ وهو درس مهم إذ هو صدى لما نهى الله تعالى عنه؛ ذلك أن الله تعالى حذَّر عباده المؤمنين عن المداهنة والتنازل ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (القلم: 9)

وأخبر تعالى أن ثمنا عاجلا قد يحصّله من يتنازل ويركن للباطل وهو أن يتخذه أهل الباطل محبوبا ويثنون عليه؛ ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا..﴾ (الإسراء: 73) وهو ثمن بخس؛ فهي محبة مضرّة من أهل الباطل في مقابل مثمن عظيم القدْر وهو دين الله ومحبته وفوز الآخرة.. يخسر المسلم كل هذا حينما يتنازل عن دينه ويركن للباطل ـ ولو لم ينسلخ رأسا ـ ناهيك عن التلون والخداع والاعتذار عن دين الله..!

والخسارة في مقابل هذا ضياع الطريق على الناس وخيانة الأمانة وخسارة الدارين، ثم يحتقره أهل الباطل أنفسهم ويلفظونه. بينما في ثبات المؤمنين على دينهم والاعتصام بربهم تعالى بيان للطريق وحفظ وتأدية للأمانة وهداية للخلق.

وفي السياسة أيضا فالأمر جارٍ على المنحى نفسه، ولكن المتراجعين لا يفقهون..

يعتمد بعض السياسيين المنتسبين للعمل الإسلامي والحركات الإسلامية التراجع، والمرونة المفرطة، والمبالغة في التصالح مع “الآخر” العلماني الليبرالي الملحد الإباحي، ومحاولة استرضائه المستمرة حتى يصبح مشروعه الاستراتيجي هو “استرضاء” الملاحدة والإباحيين وقوى الكفر المختلفة.. وصولا الى الصهاينة والصليبيين..!!

وهذا ما اعتمده بعض المرشحين المحسوبين على التيار الإسلامي إذ يثني على الراقصة الفاضحة، ويشجع راقصة الباليه المائي ويعطيها جائزة، ويصرح بـ “حقوق” أصحاب الفاحشة الشاذة وأنه يجب احترام اختياره الشخصي..! ويسترضي اليهود في تونس كمندوبين للصهاينة في الكيان الصهيوني وعبر العالم.

يخرج بعضهم فيذم الإسلاميين ويطعن فيهم ويقول للعلمانيين “أشفقوا على الإسلاميين فقد كانوا مغيبين..! واعذروهم فقد تأخروا كثيرا وأخطؤا كثيرا”. (1من تصريحات “عبد الفتاح مورو” في ندوات متعددة) يعمدون هذا الطريق الموحل، ويظنون فيه تحصيلا لمصالح أو نجاة من مخاطر أو أنهم خدعوا العدو..!!

الثبات محور للإستقطاب

مع تحفظنا الشديد على وصف هؤلاء بـ “الإسلاميين” فإن الدرس الكبير هو أن الأمور عكس ما يتخيله محترفوا البيع والتنازل؛ وهو أن التمسك بالعقيدة ووضوح المبدأ وعدم التفريط، وهو ما يعبر عنه السياسيون بتعبير “الوضوح الأيدولوجي”.. هذا الوضوح والتمسك بالمبدأ هو عامل نجاح وسبب استقطاب للخلق إذ عندما يرون وضوحك ومبدأك يعرفون جيدا رسالتك، ويعرفون أن المبدأ والمعتقد أهم  من حياتك ومصالحك، وعندما يرونك لا تبيع مبدأك ولا تتنازل عن معتقدك يعرفون صدقك وتتضح لهم أهدافك وتوصل اليهم قضيتك فيحملونها معك ويتقدمون فيشاركونك قضيتك ويصبحون اصحاب مباديء مثلك.

عندها يفهمون قضيتك ويتأثرون بصدقك ويُعجبون بمبدئك سيبحثون عن ها المبدأ ليفهموه ويسألون عن سر ثباتك ويريدون فهمه ويجعلونك مثالا لهم.

بثباتك يمكن أن تتكون قاعدة تقيم المنهج ويعرف الناس الطريق ويسلكونه من بعدك، أما التلاعب بدين الله ونثره عند قدم راقصة وعارية، وعند ملحد معتدٍ تسترضيه وتتبرأ من دينك وتعتذر عنه؛ عندها لا يعرف الناس من أنت ولا ما طريقك ولا منهجك..؟ ولا يعرفونك هل أنت صاحب قضية أم صاحب مصلحة تطلبها بالدين كما يطلبها غيرك بشعارات مختلفة..؟!

إن الخسارة العاجلة اليوم في الانتخابات هي إشارة فحسب.

وإنه يقبع خلف كل هذه هذه المهاترات واختلاطِ الطريق على الناظر المخالفةُ العقدية التي هي أصل البلاء وهي قبول الديموقراطية واعتمادها طريقا، ذلك الوثن الذي يشرك به مع الله في حكمه وشرعه بدلا من الاعتزاز بالإسلام ومنهجه وتمييز طريقه ومأخذه.

خاتمة

إن الأمان في التمسك بدين الله تعالى، مهما كان الثمن المدفوع. وكن على بصيرة مما أخبر الأنبياء عن طبيعة الطريق؛ فنبي الله نوح يقول ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (هود: 30)، ونبي الله صالح يقول ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ (هود: 63) هذا هو ما يخافه المؤمن.

وهذا ما حذر الله تعالى منه ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ (الحاقة: 44-47) ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ (الأنعام: 15-16)

وأما أن يكون ثمة ثمنا مدفوعا للحق فهو في الله قليل، وهو قليل أيضا أمام “أثمان” التراجع. وأما تباطؤ الناس عن الاستجابة فأمر مؤقت؛ فالثبات يعقبه أن يدخل الناس في دين الله أفواجا لاحقا. فمشهد الأفواج لم يأت إلا عقب ثبات ووضح وتضحيات.

هذه رسالة لمن يعقلها .. لو كانوا يعقلون.

…………………………………

هوامش:

  1. من تصريحات “عبد الفتاح مورو” في ندوات متعددة.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة