إن أحوال المسلمين اليوم شديدة الخطورة، ودور العلماء أن يُستضاء بهم، فعليهم واجب هداية الناس بالبيان، وأن يتقدموا في رفض الظلم، وإقامة الدين.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن من أركان التوحيد ومسلَّمات الدين التي لا يسع مكلفٌ الجهل بها “الموالاة في الله والمعاداة فيه”.

الموالاة لما يحبه الله عز وجل من التوحيد وعبادته وحده لا شريك له ولمن يحبهم الله عز وجل من أهل توحيده وطاعته، والبراءة من كل ما يبغضه الله عز وجل من الشرك والفسوق والعصيان، ومعاداة وبغض من يبغضهم الله من أهل الردة والإشراك.

بداهة القضية دينا وفطرة

إن عقيدة “الولاء والبراء” فوق أنها ركن التوحيد وأسّه العظيم فهي مما تنادِي به الفطر السليمة وتدل عليه العقول الصحيحة، وهو المشاهَد في جميع الأحياء من إنسٍ وجن وحيوان؛ لأن الصادق في محبته لمحبوبه لا يمكن إلا أن يكون محباً لمن يحبه محبوبه معادياً ومبغضا لمن يبغضه.

وإذا كان الأمر كذلك فما بالنا ـ على كثرة الآيات الواردة في ذلك ـ نشاهد ونسمع من بعض المنتسبين إلى العلم والمشيخة من يوالي أعداء الله ويظهر محبته وثناءه لهم مع علمه بكفرهم أو نفاقهم أو ظلمهم، بل قد يصل الأمر إلى حد “التقديس” و”الطاعة المطلقة” في الوقت الذي يناصبون فيه العداء والشماتة بمن نحسبهم أولياء لله عز وجل من علماء ربّانيّين ودعاة، ومجاهدين صادقين مع علمهم بقوله عز وجل: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ[هود: 113].

وكذلك علمهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب». (1رواه البخاري)

لا عذر في الكتمان اليوم

والحقيقة التي ينبغي أن تقرَر هنا هي أن نقول مستعينين بالله عز وجل:

كفى بنا اليوم مواربة لعلماء السوء الموالين لأعداء الله عز وجل المعادين لأوليائه فلئن كان لنا عذرٌ أو مبررٌ في السكوت على مداهناته فيما مضى من السنين بسبب بعض الشبهات، وتقنّع الأعداء الطواغيت بقناع الإسلام والإصلاح، ووجود “بعض” الجهل أو التأويل في أفعال هؤلاء الظلمة من قِبل بعض العلماء؛ فليس لأي عالم اليوم أي عذرٍ في موالاته للظلمة وقد سقطت الأقنعة عنهم وتعرت السوءات وأظهروا عداوتهم للدين وأهله ومظاهرتهم للكافرين من يهود ونصارى وشيوعيين.

وعليه، فلا عذر لنا في السكوت على تضليل المضلين من علماء السوء وأحبار السوء ورهبانها.

كفى بنا تخديراً للأمة أن يكرَّس فيها تقديس المشايخ وحرمة المساس بتصرفاتهم وضلالتهم وموالاتهم للظالمين بحجة أنهم علماء ولحوم العلماء مسمومة.

أيّ اللحوم مسمومة..؟

نعم لحوم العلماء بل والمسلمين عامة كلها مسمومة إذا كانت لمجرد الثلب والتسلية والتلهّي؛ أما بيان ضلالات العالم ونفاقه بمدح الظالمين ومعاداة أولياء الله عز وجل الذين ينكرون فساد الظلمة فلا يُسكَت عنه، وليس هذا من الغيبة في شيء، بل هو من قول الحق الواجب بيانه للناس وعدم كتمانه. وهذا شأن العلماء الربانيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون. وقدوتنا في ذلك العلماء الربانيون في علم الجرح والتعديل.

إن من يوالي أعداء الله عز وجل ويعادي أولياءه ليسوا بعلماء؛ بل هم من أعوان الظلمة الذين يجب فضحهم فلولاهم لما أقدم الطواغيت على ما أقدموا عليه من الفساد والطغيان وتبديل الدين؛ لأن الطواغيت يعلمون أنهم لا يستطيعون تحريف شيء من الدين أو تبديله إلا عن طريق عالِم سوء يتترسون وراءه ويستخدمونه منديلاً يتمسحون به.

إن العلماء الربانيين الذين يستحقون المحبة والتقدير وحفظ أعراضهم هم العلماء الذين قال الله عز وجل فيهم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]. فالعلم هو الخشية، وخشية الله لها علامات، من أهمها الموالاة والمعاداة فيه.

وهم الذين قال عنهم سبحانه: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: 63]، ووصفهم سبحانه بقوله: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا* وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعً﴾ [الإسراء: 107-109].

ومن كانت هذه صفاته من أهل العلم وخشوعه لله فلا يمكن أن يوالي أعداء الله ويعادي أولياءه ووصفهم بقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]. وقوله سبحانه: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران : 113-114].

الخلاصة

أن الحقيقة التي يجب أن نصدع بها دون مواربة وألا نخاف في ذلك لومة لائم هي أنه لم يبق اليوم بعد سقوط الأقنعة عن الظلمة وإظهارهم العداء للدين وأهله عذرٌ لأي مسلم في ركونه وموالاته لأعداء الله الظلمة بحجة “الجهل” أو “التأويل” أو “درء الفتنة”.

فمن رضي لنفسه أن يصطف مع الظلمة وأن ينحاز إلى خندقهم وفسطاطهم فإنه منهم ولا سيما من ينسب نفسه إلى العلم ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ[المائدة: 51].

وإن الحذر والتحذير من هؤلاء العلماء المضلين ينبغي أن لا يقِل عن الحذر من الطواغيت الظلمة أنفسهم؛ لأنهم هم الذين يبررون أفعال الظلمة ويسوّقونها للناس.

وصدق القاضي الجرجاني حينما قال:

ولو أن أهل العلمِ صانــــوه صانَهُـم            ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما

ولكــن أهانـوه فهانـــــــــو ودَنَّسُوا            مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّمــــا

ولم أقض حق العلم إن كان كلمـا         بدا طمع  صيرته  ســــ ـــــــــــلما

نسأل الله أن يعز دينه وأن ينصر أولياءه وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.

…………………………………..

الهوامش:

  1. رواه البخاري.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة