وعد الله بالنصر لا يتخلف. يخبر بذلك الشرع ويصدقه الواقع. فزهوق الباطل لا مفر منه، وإدالة الباطل مؤقتة، وأما الحق فإدالة مستقرة، وخير عميق.

مقدمة

تناولت هذه الدراسة في المقال الأول الأول محورية عقيدة الولاء والبراء.. وفي المقال الثاني مرويات الحديث وبيان تواتره.

وفي المقال الثالث أنها لا يخلو منها زمان وانها طائفة من أمة محمد وكونها على الحق.. وفي المقال الرابع صفة وكونهم ظاهرين منصورين ومجاهدين وصابرين على اللأواء..

وفي المقال الخامس أنهم غير محصورين في مكان واحد، وبيان مرتكزات وصفهم في كتاب الله.. وفي هذا المقال تتناول الدراسة ربطها بواقعنا المعاصر..

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر

وهذا هو بيت القصيد من طرح هذه الدراسة: وذلك بربطها بواقعنا المعاصر، وأين نحن منها اليوم؟ وما هي التحديات والعقبات التي تواجهها في خضم هذه الأحداث والفتن والنوازل المتسارعة؟ وهذا هو الجديد في هذه الدراسة إن كان ثمة جديد، وإلا فقد سبقت دراسات ليست بالقليلة في مرويات حديث هذه الطائفة رواية ودراية قد كفت ووفت.

وقفات مستقلة

وطلبًا لتسهيل هذا المطلب من الدراسة وتيسير فهمه جعلته في صورة فقرات مستقلة أسميتها وقفات.

وقفةٌ .. بشائر النصر

إن في هذا الحديث الشريف بمجموع رواياته البشارة والأمل للقائمين بنصرة هذا الدين بانتصار الحق وأهله، بل وقُرْب ذلك وظهور أماراته وإرهاصاته مهما اشتد الظلم والعدوان والصد عن سبيل الله تعالى، وهذا التفاؤل بقرب النصر يقطع الطريق على شياطين الإنس والجن مما يبثونه من إحباط ويأس في أوساط المسلمين ليرضوا بالمهانة والإستسلام للأمر الواقع.

ومما يؤكد بشائر النصر وقدومه إضافة إلى ما جاء في حديث الطائفة من بشائر الدلائل التالية:

أولًا: وعد الله تعالى الذي لا يتخلف

قال الله عز وجل: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. (الروم: 47)

ولا يشك في هذا الوعد إلا كافر أو منافق أو ضعيف إيمان جاهل بربه وصفاته، جاهلٌ بسننه في عباده، قال الله عز وجل: ﴿وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (الروم: 6، 7).

من فقه الآية

والمُلفت في هذه الآية: أن الله عز وجل قد وصف الذين يشكّون في هذا الوعد بأنهم ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: لا يعلمون أشرف العلوم، وهو العلم بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وسننه وآياته، ومن ذلك قدرته سبحانه وقوته التي لا يعجزها شيء، ومحبته ومعيته ونصرته لأوليائه، وحكمته، وعلمه في توقيت الأمور وخلقها، ومنها النصر والهزيمة.

ثم وصف هؤلاء الشاكّين الذين لا يعلمون هذا العلم الشريف بأنهم ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي لا يؤمنون ولا يقيمون حساباتهم وموازينهم إلا على الأمور المادية المحسوسة في ظاهر الحياة الدنيا، وهذا من أسباب محْقهم وتدميرهم؛ حيث أغفلهم الله عز وجل عن الأسباب الحقيقية للنصر والهزيمة.

وقد ترتب على هذا أيضًا أن أغفلهم الله عز وجل عما يترتب على حماقاتهم وقراراتهم في حرب المسلمين، وهذا يعجّل بنهاياتهم وانهيارهم كما هو المشاهد اليوم، وهذا من بشائر قرب نصر الله عز وجل.

ثانيًا: بلوغ العدو ذروة الغطرسة والظلم

بلوغ الغطرسة عند الأعداء أوجّها وبلوغ الظلم ذروته، والله عز وجل يرى ويسمع ولا يُعجزه شيء، والله عز وجل قد وضع للظلم والظالمين أجلًا ينتهون إليه، فيقصم الظالمين عنده..

والظلم لا يستمر إلى ما لا نهاية، بل إن الله عز وجل يملي للظالم حتى يزداد في ظلمه وكبريائه وغطرسته ليسوقه سبحانه إلى نهايته المحتومة حين يبلغ الظلم مداه، فيأتي وعد الله عز وجل بمحق الظلم وأهله..

قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ (آل عمران: 178). وقال الله عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا﴾ (الكهف: 59).

تصديق الواقع لخبر الله

وإن الناظر اليوم فيما يقوم به أعداء الإسلام وعلى رأسهم أمريكا الطاغية من قتل ذريع في المسلمين، وما امتلأت به سجونهم وسجون الظالمين من الدعاة والمجاهدين، ثم هم في غيّهم وغطرستهم يعمهون، وفي ظلمهم يتمادون؛ ليتراءى قرب نهايتهم وانهيارهم..

ومن رحمة الله عز وجل بالمؤمنين واستدراجه للكافرين أنه سبحانه يُغفل الكفار الظالمين عما يترتب على حماقاتهم من قرب نهايتهم وسريان روح اليقظة في قلوب المسلمين، قال الله عز وجل: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214).

ثالثًا: فضائح الكفار والمنافقين

ما تشهده السنوات الأخيرة من فضائح متلاحقة للمنافقين والكفار والطواغيت والملبّسين التي تكشف عداءهم السافر للدين وأهله، وتكشف معاييرهم الزائفة، وكذبهم ومكرهم..

وكون هذه الفضائح وهذا المكر يظهر للناس؛ فإن هذا من عوامل وقرب النصر للمسلمين؛ لأن بيان سبيل المجرمين وظهور كيدهم وبيان تلبيسهم أمر لازم يسبق محقهم وغلبة المسلمين عليهم.

نوازل الأمة تكشفهم

فهذه نوازل الأمة في أفغانستان والعراق وسوريا ومصر واليمن كم كشفت والحمد الله رب العالمين للمسلمين من فضائح الكفار وعملائهم، وفضائح المنافقين من بني جلدتنا، قال الله عز وجل: ﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: 179).

وقال سبحانه: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأنعام: 55).

شواهد التاريخ وتجربته

ولقد مر بالأمة حين من الدهر خُدعت فيه برايات وهتافات وادعاءات، نراها اليوم تنفصل من جسد الأمة، بعد أن ظهر عوارها وخبثها وولاؤها لأعدائها، وتنكّرها لدينها وعقيدتها، فهاهم الباطنيون الرافضة تنكشف باطنيتهم، ويعرف الناس خبثهم ونفاقهم، وأنهم دين ونحلة غريبة في جسد الأمة تنفصل عنها الآن..

ولولا أن الله عز وجل قدر أحداث العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان واليمن ولبنان ومصر؛ لبقي كثير من المسلمين مخدوعًا بهم وبتقيتهم.

وها هي الأنظمة الطاغوتية والنفاق المتمثل في العلمانية والليبرالية ورموزهما تتكشف لأبناء الأمة، فيتبرءون منها، وهي في طريقها إلى الانفصال عن جسد الأمة؛ لتستقر مع أخواتها من النحل الباطلة في مزبلة التاريخ، ويبقى الإسلام الصافي عزيزًا شامخًا..

وهذا الوعي عند الأمة من عوامل نصرها ونصرها قريب ـ إن شاء الله تعالى..

رابعًا: عودة حميدة؛ هداية وتوبة

تلك العودة الحميدة والرجوع الصادق إلى دين الإسلام الحق من كثير وفئام من الناس، سواء من يدخل منهم في هذا الدين من الكفار، أو من يهتدي من أبناء المسلمين الفساق أو من يترك بدعته ونحلته الباطلة إلى منهج السلف أهل السنة والجماعة..

هذا مع ما يبذله المفسدون من نشر للشبهات والشهوات، وصد عن سبيل الله تعالى، ولكنه دين الله عز وجل الذي تحن إليه الفطر النظيفة والعقول الصحيحة والقلوب السليمة، لا سيما بعد أن جرّب كثير من الناس مذاهب ودعوات خداعة، لم يروا فيها إلا العناء والشقاء والكذب والخداع..

فحنين الناس اليوم إلى دين الإسلام الحق ودخولهم فيه أفواجًا من إرهاصات قرب النصر لهذا الدين وأهله.

خامسًا: كوارث وانهيارات وخلافات العدو

تسليط الله عز وجل على دول الكفر الظالمة، لاسيما الغرب الكافر، وعلى رأسه أمريكا الطاغية المتغطرسة..

تلك الكوارث والنكبات التي تفتك الآن باقتصادهم، وذلك بما يعيشونه من انهيارات وإفلاس وعجز مالي، وبما يحصل بينهم من خلافات وتجسسات ستئول بإذن الله تعالى إلى تصدع تحالفاتهم، وبما يعيشونه من جراء ذلك من تفكك بنيتهم السياسية والاجتماعية..

يضاف إلى ذلك ما سبق بيانه من أنهم يعيشون الآن مكروهين عند الناس، بما تكشَّف من فضائحهم ومعاييرهم المزدوجة، وبيان خداعهم للناس، وبما يعيشونه من سقوط أخلاق شهواني ذريع..

وهذا كله يؤذن بإذن الله تعالى بسقوطهم وتفككهم، كما سقط وتفكك المعسكر الشيوعي، وفي هذا تمهيد وإرهاص بقرب نصرة هذا الدين، وظهوره على الدين كله ولو كره المشركون، وذلك بحول الله وقوته.

سادسًا: بدايات يقظة الأمة ونوازل كاشفة

ما تشهده الأمة من يقظة في مختلف جوانبها، وبما تعيشه من نوازل، كشفت لها حقيقة وهوية أعدائها، والتي أفرزت سريان روح المقاومة، وبعث عقيدة الولاء والبراء في النفوس، مما قويت به جذوة الجهاد في كثير من الثغور، واليقين بأنه لن يرفع الذلة والمهانة ويرد كيد الأعداء إلا الجهاد في سبيل الله تعالى، والإعداد له نفسيًّا وإيمانيًّا وماديًّا..

وهذا كله من علامات قرب نصر الله عز وجل لدينه وأوليائه.

نسأل الله عز وجل أن يرفع علم الجهاد، وأن يؤلف بين أهله، ويوحّد صفوفهم، وأن يجنبهم الفرقة والاختلاف، وأن ينصرهم على القوم الكافرين.

هتاف ونداء للدعاة والمجاهدين

وفي خاتمة هذه البشائر أقول لإخواني الدعاة والمجاهدين القابضين على الجمر أصحاب النفوس الكبيرة ممن ركب في سفينة الطائفة المنصورة وقام بنصرة دين الله عز وجل.

بشارة واطمئنان

هنيئًا لكم ما أنتم عليه، فأنتم صفوة الناس، وأولياء الله، ولا أحد أحسن منكم قولًا ولا عملًا ولا غاية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33)، وأنتم صمام الأمان لمجتمعاتكم وأمتكم بإذن الله تعالى، لأنكم تقومون بما قام به أنبياء الله ورسله، عليهم الصلاة والسلام..

فلا تستوحشوا الطريق، ولا تشعروا بأنكم قلة وضعفاء، فأنتم أقوياء بإيمانكم، وأنتم الأكثرون إذا تذكرتم أنكم ضمن قافلة شريفة عظيمة تنتسب إليها ملائكة الرحمن الذين لا يُحصون عددًا، وأنبياء الله تعالى، والصالحون من عباده، بل والكون كله هو رفيق المؤمنين لأنه مسبح عابد لربه تعالى.

ولم ينفرد عن هذه العبودية الشرعية إلا الكافر الظالم لنفسه، فماذا يساوي بالنسبة لبقية العوالم المستسلمة لربها عز وجل، إنه لا يساوي شيئًا، وإنما هو نشاز عن الطريق اللاحب الواسع الذي هو طريق الله عز وجل وسبيله، قال تعالى: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ (غافر: 4).

صبر محمود العاقبة

واصبِروا على طاعة الله عز وجل وترك معاصيه! ولا يهولنكم ضغط الواقع وشدته! ولا تيأسوا من إصلاح الناس وإقامة دين الله في الأرض؛ فإن العاقبة للمتقين الصابرين، مهما أجلب أعداء الدين وتكالبوا على حربه، ومهما كثر المنافقون والمخذلون؛ فإن العاقبة لأهل الاستقامة الذين ثبتوا على دين الله عز وجل ولم يضعفوا ولم يهنوا ولم يستكينوا، ولم يغيروا ولم يبدلوا وبقوا على الأمر الأول.

قال الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 173-175).

وقال سبحانه: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 22).

زهوق الباطل لا بد منه

إن الباطل وإن صال وجال، وإن علا في زمان أو طال؛ فإنه ولا ريب سيعود إلى ما كان عليه من التراجع والصغار، وتلك سنة من سنن الحكيم القهار، وقد وعد أصدق الواعدين سبحانه بذلك: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ (الأنبياء: 18)؛ وذلك أن هذا هو طبيعة الباطل: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81).

وإن الذي يمكث ويبقى هو ما ينفع الناس: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: 17).

إن المؤمنين الصابرين موعودون إحدى الحسنيين؛ فإما شهادة تعجّل بهم إلى دار النعيم والكرامة، وإما نصر تقرّ به عيونهم؛ ففيم اليأس والأسى؟ أما غيرهم فبم يفرحون؟! وبم يسرّون؟ أبالنار التي إليها يسيرون؟ أم بالعذاب الذي إليه يساقون؟ أم بالخسارة التي إليها يهرعون..؟!

ولقد قال الحكيم العليم سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (الأنفال: 36، 37).

ولقد كانت غايتهم من إنفاق أموالهم الصد عن سبيل الله فسيخسرون أموالهم، ثم تصير نفقتهم ندامة عليهم..

ومن نصر الله لدينه أن جعل الزمان لا يخلو من أهل الحق، الصابرين في سبيله، الذين يعضّون بنواجذهم عليه، ويتحملون في سبيله كل أذىً وقتال..

كما جاء في حديث الطائفة عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس». (1سبق تخريجه)، وهنيئًا لمن لحق بهم وركب في سفينتهم.

المستقبل لهذا الدين

إن الخوف على أنفسنا لا على دين الله، الخوف على أنفسنا في عالم تموج به الفتن أن يتخبطنا الشيطان فتزِلّ بنا القدم أو يضل بنا الفهم..

أما دين الإسلام فقد تكفل الله ببقائه وحفظه ونصره، ولا علينا أن يصيبنا ما يصيبنا في سبيل نصره وتمكينه.

عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِ عزيزٍ، أو بذلِ ذليلٍ؛ عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل الله به الكفر». (2«مسند أحمد» (16957) ط. الرسالة (28، 155)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» رقم (1/ 7))

وفي الحديث الصحيح الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا». (3مسلم (2889))

وإن من سنن الله عز وجل: أن المستقبل لهذا الدين، والنصر لأوليائه الصادقين، مهما كاد الكائدون، وتآمر المتآمرون، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21)، إنهم كما أخبر الله عز وجل: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32)، إنهم يكيدون الليل والنهار ويمكرون، والله خير الماكرين، وهو سبحانه ولي المؤمنين المتقين.

جولة للباطل لا إدالة مستقرة

ولئن كان لليهود اليوم صولة وجولة، وكان للنصارى مظاهرة لهم وممانعة، ولئن حرِص من حرص من حكام زماننا ممن خانوا دينهم وأمتهم فطبّع العلاقات معهم وأقرّهم على ديار المسلمين، ولئن ظن بعض المنهزمين أن لا قدرة عليهم، فقد جاءت البشارة بأن خاتمة المطاف تحمل نصرًا للمسلمين وإبادة لهم؛ إبادة يتعاون مع المسلمين فيها الحجر والنبات.

أخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله». (4«صحيح مسلم» (2922))

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبدالله هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله! إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود». (5«مسلم» (2922)) (6باختصار وتصرف يسير من مقال «بشائر النصر» أحمد السديس مجلة البيان عدد (188))

إن العاقبة للمتقين الصابرين، مهما أجلب أعداء الدين وتكالبوا على حربه، ومهما كثر المنافقون والمخذّلون؛ فإن العاقبة لأهل الاستقامة الذين ثبتوا على دين الله عز وجل ولم يضعُفوا ولم يهِنوا ولم يستكينوا..

ومهما كانت قوة الحرب المشبوبة على الإسلام فإنها لا تُفقدنا الثقة المطلقة في أن المستقبل لهذا الدين، لقد صمد الإسلام في حياته المديدة لما هو أعنف وأقسى من هذه الضربات الوحشية التي توجه اليوم إلى أبناء الدعوة الإسلامية في أغلب بقاع الأرض.

الاسلام محور حماية الأمة والأوطان

إن الإسلام هو الذي حمى الله به الوطن الإسلامي في الشرق من هجمات التتار كما حماه من هجمات الصليبيين على السواء، والمماليك الذين حموا هذه البقعة من التتار لم يكونوا من جنس العرب ولكنهم صمدوا في وجه المهاجمين حميّة للإسلام لأنهم كانوا مسلمين، صمدوا بإيحاء من العقيدة الإسلامية وبقيادة روحية من الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

لقد كافح الإسلام وهو أعزل؛ لأن عنصر القوة كامن في طبيعته كامن في بساطته ووضوحه وشموله وملاءمته للفطرة البشرية وتلبية لحاجاتها الحقيقية..

كامن في الاستغناء عن العبودية للعباد بالعبودية لله رب العباد، وفي رفض التلقي إلا منه، ورفض الخضوع إلا له، ومن ثَمَّ لا تقع الهزيمة الروحية طالما عمر الإسلام القلب، وإن وقعت الهزيمة الظاهرية في بعض الأحايين لحكم ربانية.

ومن أجل هذه الخصائص لهذا الدين يحاربه أعداؤه هذه الحرب المنكرة، ولكن الأمر الذي لا شك فيه على الرغم من حرب الأعداء وكيدهم أن المستقبل للإسلام وأهله. (7انظر كتاب: «المستقبل لهذا الدين» (ص5) بشيء من الاختصار والتصرف اليسير)

خاتمة .. سنن مترابطة تتعلق بنفوسنا

ولكن ذلك مرهون بأن نحقق ـ معاشر المسلمين ـ أسباب النصر، وأن نغيّر ما بأنفسنا، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

وإن لم نغير ما بأنفسنا فلا يعني هذا ألا يكون نصرٌ لهذه الأمة ودينها، بل سينصر الله عز وجل دينه ويظهره على الدين كله ولكن بقوم آخرين يتحقق فيهم أوصاف من ينصرهم الله عز وجل، قال الله عز وجل: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ (محمد: 38).

فها هنا ثلاث سنن إلهية مترابطة يكمل بعضها بعضًا:

الأولى: قوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: 47).

الثانية: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ (محمد: 38).

فنصر الله عز وجل آتٍ لا محالة إما على أيدينا إن نحن غيّرنا ما بأنفسنا إلى ما يحبه الله ويرضاه، أو يستبدل بنا قومًا آخرين تتحقق فيهم صفات عباد الله المؤمنين فينصرهم.

فنسأل الله عز وجل أن ينصر بنا دينه، وأن يجعلنا ممن ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: 54).

………………………………

هوامش:

  1. سبق تخريجه.
  2. «مسند أحمد» (16957) ط. الرسالة (28، 155)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» رقم (1/ 7).
  3. مسلم (2889).
  4. «صحيح مسلم» (2922).
  5. «مسلم» (2922).
  6. باختصار وتصرف يسير من مقال «بشائر النصر» أحمد السديس مجلة البيان عدد (188).
  7. انظر كتاب: «المستقبل لهذا الدين» (ص5) بشيء من الاختصار والتصرف اليسير.

اقرأ أيضا:

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (1-8) محورية الولاء والبراء

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (2-8) مرويات الحديث وبيان تواتره

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (3-8) لا يخلو منها زمان، وهي على الحق

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (4-8) ظاهرين، صابرين على اللأواء

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (5-8) وصْفُهم في كتاب الله

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (7-8) وجوب الانتماء اليهم

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (8 – 8) حقيقة الصراع، ووجوب الثبات

لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:

التعليقات غير متاحة