أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغربة هذا الدين واتباع هذه الأمة لما سبقها من الأمم، إلا أنه تعالى تكفل لهذه الأمة بوجود طائفة منصورة، تحفظ هذا الدين ويظهر الله بها الحق ليفيء اليها من أراد الله له الخير، ويُظهر بها من الحق ما ينجو به من كتب الله له السعادة. ومن أجل المعرفة بها يقدم الموقع هذه السلسلة..

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا؛ أما بعد:

فإن المتأمل فيما يدور اليوم من نوازل عظيمة في ديار المسلمين لَيأخذه الفزع والخوف على إيمانه ودينه، وذلك مما ظهر في هذه الأحداث ويظهر من فتن وابتلاءات يمتحن الله عز وجل فيها إيمان عباده، ولاسيما عقيدة الولاء والبراء التي هي صلب التوحيد، ولمن يكون ولاء المسلم ولمن لا يكون، ولمن تكون براءته ولمن لا تكون؛ وذلك في هذا الصراع الذي تشهده الأمة بين معسكر الإيمان والتوحيد وبين معسكر الكفر والشرك والردة والنفاق.

محورية «الولاء والبراء» ومواقف الناس اليوم

لقد تعرضت عقيدة الولاء والبراء لحملة شعواء وهجمة شرسة في محاولة لهدمها وتهميشها وإطلاق أنواع التهم على مَن يحملها ويدعو إليها، وتسميتهم بالمتطرفين تارة وبالإرهابيين، ودعاة الكراهية والعدوان تارة أخرى.

ونتيجة لهذه الحملات والضربات المتتالية على الإسلام الصحيح وحملته وعلى عروته الوثقى ـ عقيدة الولاء والبراء ـ انقسمت الأمة إلى الفئات التالية:

الفئة الأولى

فئة الجهَلة من المسلمين الذين وافقوا الكفار والمنافقين على طروحاتهم وشبهاتهم فمالوا إلى خندقهم ودخلوا فسطاطهم فأصبحوا معهم، جهلًا منهم بمفهوم الدين الصحيح.

الفئة الثانية

فئة من المسلمين لا تهمهم إلا مآكلهم ومشاربهم وملذاتهم الدنيوية انساقوا مع شهواتهم؛ فلم يهمهم أمر الدين ولا عقيدته القائمة على الموالاة والمعاداة في الله.

ومثل هؤلاء الذين لا يهمهم أمر هذا الدين لديهم الاستعداد لأن يكونوا في خندق الكفار والمنافقين إذا كان ذلك يحقق لهم مصالحهم ومكاسبهم الدنيوية.

الفئة الثالثة

وهم أحسن حالًا من الفئتين السابقتين في فهمهم للدين والاهتمام به وبغضهم للكفار، ولكن ليس لديهم الاستعداد للتضحية في سبيل الله والركوب في سفينة الدعاة والمجاهدين والطائفة المنصورة بل هم في بعض الأحيان مخذِّلون لأهل الحق مثبّطون لهم يبثّون اليأس من نصر الله ويضخّمون قوة العدو وعدم القدرة على مواجهته.

الفئة الرابعة

الطائفة المنصورة التي وفقها الله عز وجل للفهم الصحيح لهذا الدين والقصد الصحيح؛ فاستعانت بالله عز وجل وقامت بنصرة دينه بالحجة والبيان وبالسيف والسنان، وصبرت وضحّت في سبيل الله عز وجل.

وهي المذكورة في الحديث الصحيح المتواتر الذي سيأتي سرد رواياته وشرحها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك». (1متفق عليه)

إن أبرز صفة لهذه الطائفة المنصورة كونها قامت على الولاء لهذا الدين وأهله والبراءة من الكفار والمنافقين، وجهادهم وعلى الموالاة والمعاداة في الله عز وجل.

وإن هذه العقيدة التي تنطلق منها الطائفة المنصورة في ظل هذه الأحداث والفتن المتلاطمة تمتحن اليوم في قلوب أهلها ويميز الله عز وجل بهذه الأحداث والابتلاءات مَن هو الصادق في حملها المضحي في سبيلها ومن هو الكاذب الذي يدعيها.

مقدمات مستقرَأة

وقبل الدخول في سرد روايات الطائفة المنصورة وصفاتها وخصائصها أودّ ذكر بعض الأمور المتعلقة بهذا الأصل العظيم من أصول التوحيد «الولاء والبراء» والذي هو سمة الطائفة المنصورة:

الأولى: مكانة «الولاء والبراء» من التوحيد

إن المتدبر لآيات الولاء والموالاة والبراءة من المشركين في كتاب الله عز وجل يتقرر عنده أن عقيدة الولاء والبراء هي صلب التوحيد، وأنها قضية إيمان وكفر وتوحيد وشرك وليست قضية جزئية فرعية.

إن كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» نصفها براءة من الشرك والمشركين من قول: «لا إله» ونصفها الآخر ولاء لله عز وجل بإفراده سبحانه بالعبودية وذلك من قوله: «إلا الله».

الثانية: كثرة الأدلة على هذا الأصل العظيم

كما أن المستقرئ لآيات الولاء والبراء في القرآن يخرج بنتيجة مهمة؛ ألا وهي أنه ليس في كتاب الله عز وجل في الكلام على التوحيد من الأدلة أبين وأوضح وأكثر من الحديث عن الولاء والبراء لأنه الصورة العملية والتطبيقية لكلمة التوحيد.

الثالثة: غياب هذا الأصل في الواقع رغم وضوحه..!

ومع هذا الوضوح والبيان عن هذه العقيدة فإنا نرى الغياب المذهل لهذه العقيدة عن واقع كثير من المنتسبين للإسلام والانشغال عنها بالاستغراق في ملذات الدنيا وشهواتها.

الرابعة: معاقبة من والى الكفار بنقيض قصده

في قراءة التاريخ واستقراء السنن الإلهية يتضح لنا أن الذين يتولون الكفار من دون المؤمنين يعاقبهم الله بنقيض قصدهم؛ فبينما هم يقصدون العزة بتولي الكفار؛ فإذا أمرهم يؤول إلى نقيض ذلك؛ حيث يقهرهم الكفار ويذلونهم ويستعبدونهم ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء 138).

وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ (مريم: 81، 82).

وجوب حسم المسلم لموقفه .. «فيم كنتم»

فيا أيها المسلم حدد موقفك وولاءك لمن يكون؛ أهو للكفار والمنافقين والمخذولين؟ أم لأهل الحق القائمين بأمر هذا الدين ونصرته؟ فالأمر خطير ولا يجوز التهاون به.

ولْنتأمل قوله سبحانه عن القاعدين عن الهجرة الذين بقوا مع المشركين في مكة ولم ينضموا إلى المجتمع المسلم في المدينة، يقول سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 97).

يقول القرطبي رحمه الله تعالى عند قوله ﴿فِيمَ كُنتُمْ﴾:

«وقول الملائكة: ﴿فِيمَ كُنتُمْ﴾ سؤال تقريع وتوبيخ، أي: أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم من المشركين». (2القرطبي (5/ 346))

ويقول البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى ﴿فِيمَ كُنتُمْ﴾:

« أي: في ماذا كنتم أو في أي الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين أم المشركين». (3البغوي (2/ 272))

ويقول السعدي رحمه الله تعالى عند قوله ﴿فِيمَ كُنتُمْ﴾:

«أي: على أيِّ حال كنتم، وبأيِّ شيء تميزتم عن المشركين؛ بل كثَّرتم سوادهم وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخيرُ الكثير والجهادُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والكونُ مع المسلمين ومعاونتهم على أعدائهم». (4تفسير السعدي (ص:195))

وفي ضوء هذه الآية الكريمة وحديث الطائفة المنصورة ينبغي للمسلم اليوم وفي هذا الصراع المرير الذي تُشن فيه الحرب على الإسلام وأهله من كافة قوى الكفر العالمية ومن والاهم وحالفهم من المنافقين..

على المسلم أن يحدد موقفه من هذا الصراع وأهله، وأن يعدّ لهذا السؤال العظيم: ﴿فِيمَ كُنتُمْ﴾؟ جوابه ويحدد موقفه في أي الفريقين يكون؟ ومع أي الطائفتين يصطف؟ إن الأمر جدُّ خطيرٌ والتهاون فيه وبالِه شديد.

وجوب معرفة صفات الطائفة المنصورة والانحياز اليها

وبعد هذه المقدمة في بيان خطورة شأن الموالاة والمعاداة وضرورة اليقظة والحذر في أزمنة الفتنة والابتلاءات من الانحياز إلى صف الكفار والمنافقين، ووجوب الانحياز والاصطفاف مع المؤمنين الصادقين في خندقهم وصفوفهم، وهم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم الطائفة المنصورة الثابتين على الحق المجاهدين في سبيله..

بعد هذه المقدمة التي لا بد منها، نصل إلى المقصود من هذه الرسالة؛ ألا وهو بيان المنهج الحق الذي ينبغي للمسلم أن ينتمي إليه وينصره، طريق أهل السنة والطائفة المنصورة؛ وذلك بسرد الروايات الصحيحة لأحاديث الطائفة المنصورة التي قال فيها أهل العلم: إنها بلغت حد التواتر، والتعرف من خلالها على أهم صفاتها ومواقف الناس منها.

يقول الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل:

“إذا كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس؛ وإذا كان أهل السنة والجماعة هم خير فِرَقها؛ فإن «الطائفة المنصورة» التي تواترت بشأنها الأحاديث هم خاصة أهل السنة وخُلاصتهم؛ ولهذه الطائفة ـ التي لن يخلو منها زمان ـ صفاتٌ تمثل مؤهلات نصر ومسوغات تمكين..

وهي في النهاية تكاليف من أخذ الدين بقوة؛ وأمور تُمتثل شرعًا، ولا يُنتظر ظهورها على سبيل التمني قدَرًا، وصفات تلك الطائفة تمثل خطوطًا وخطوات «شرعية»…

نعم شرعية لتصحيح المسار المؤهِّل لتحقيق النصر والعزة للمسلمين.

وتُستفاد خصائص الطائفة المنصورة وصفاتها من الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة بشأنها، ومن آيات وأحاديث أخرى أشارت إليها وفُسرت بها، وهي كلماتُ وحْيٍ أوحى الله بها إلى نبيه الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فهي جديرة بالتأمل والتفكر، واستخراج الفوائد والفرائد والعبر…

وهذه الأحاديث أرجو… ثم أرجو ألا يمر عليها القارئ مرورًا عابرًا، بل يجتهد في استخراج الصفات المطلوبة للنصر منها ومن غيرها، عساه ينال شرف الانتساب لها، والنصح للأمة بنشرها». (5عن مقال الطائفة المنصورة: موقع طريق الإسلام)

خاتمة

إن لله تعالى رحمته الخاصة بهذه الأمة وإنعامه عليها بوجود طائفة تتمثل فيها خصائص الحق الذي بعث الله به رسوله، علما وعملا وجهادا؛ فمعرفة صفاتهم والتزام سبيلهم سبيل نجاة. والحمد لله.

 ………………………………

هوامش:

  1. متفق عليه.
  2. القرطبي (5/ 346).
  3. البغوي (2/ 272).
  4. تفسير السعدي (ص:195).
  5. عن مقال الطائفة المنصورة: موقع طريق الإسلام.

لقراءة بقية أجزاء السلسلة:

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (2-8) مرويات الحديث وبيان تواتره

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (3-8) لا يخلو منها زمان، وهي على الحق

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (4-8) ظاهرين، صابرين على اللأواء

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (5-8) وصْفُهم في كتاب الله

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (6-8) ارتباطها بالأحداث المعاصرة

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (7-8) وجوب الانتماء اليهم

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (8 – 8) حقيقة الصراع، ووجوب الثبات

لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:

التعليقات غير متاحة