بعمائمهم التي تشبه عمائم الأزهريين يبدو شيوخ الطائفة الدرزية كما لو كانوا من علماء المسلمين، ولربما تحدث وجهاؤهم بلسان مسلم، أو حاكوا المسلمين في بعض مفرداتهم…إلا أن هذا العجب سرعان ما يتبدد حينما يستبين لهؤلاء حقيقة القوم، وحين نجلِّي عن الدروز حجاب الإسلام عبر هذه السطور..

الدروز…حتى لا ننخدع

بيد أن المخابر لا تبديها المظاهر، وإنما تكشفها العقائد والأصول والمواقف. والحق أن هذه الطائفة بعيدة النجعة عن طريق الإسلام والمسلمين؛ فالدين غير الدين، والولاءات متعارضة، والمواقف السياسية متباينة.

وإذ يعتري بعض المسلمين العجب وهم يظنون أن الدروز هم إحدى فرق المسلمين، وأنهم وإن اختلفوا عن السنة إلا أنهم لا يخرجون عن دائرة الإسلام والمسلمين، وهم يشاهدون درزياً (صالح طريف) وزيراً بلا وزارة في حكومة شارون، ويعجبون كذلك وهم يرون العديد من شباب الطائفة ورجالها يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويصوبون رصاصهم في قلوب (إخوانهم من العرب الفلسطينيين).

إلا أن هذا العجب سرعان ما يتبدد حينما يستبين لهؤلاء حقيقة القوم، وحين نجلِّي عن الدروز حجاب الإسلام عبر هذه السطور فنستطيع وقتها أن نراهم عن كثب على حقيقتهم التي ربما تخفى على العديد من المسلمين.

تعريف الدروز ونشأتهم

هم فرقة باطنية تقترب عقيدتها من عقيدة الإسماعيلية تخفي عقيدتها عن الناس، وقد نشأت إبان حكم الطاغية الحاكم بأمر الله العبيدي (408 هـ) على يد محمد ابن إسماعيل الدرزي (بنشتكين) الذي تسرَّع في إعلان ألوهية الحاكم بأمر الله مما أثار المسلمين ضده في مصر، فاضطر للفرار إلى الشام؛ وهناك دعا إلى مذهبه فاستجاب له بعض الناس فأسس الفرقة الدرزية التي ارتبط اسمها باسمه، على الرغم من أن الدروز يلعنونه لتسرعه ويلقبونه بالغطريس الذي تغطرس في الكلام دون علم أو يقين، ويفضلون اسم الموحدين على الدروز؛ غير أنهم لا ينكرونه، والدروز عرب خُلَّص من قبيلتي لخم و تنوخ وليسوا أكراداً كما يظن بعض من الناس.

معتقدات الطائفة الدرزية

– يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، ويعتقدون بغيبته ورجوعه.

– ينكرون جميع أحكام الإسلام من صلاة وحج وصيام وتحريم للميتة والخمر.

– يزعمون أن شريعة محمد بن إسماعيل نسخت شريعة محمد بن عبد الله.

– يؤمنون بالتقية.

– لا يؤمنون بجنة ولا بنار؛ وإنما يؤمنون بتناسخ الأرواح.

– يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى لا سيما المسلمون، ويستبيحون دماءهم وأموالهم.

– لا يؤمنون بالأنبياء سوى أنبيائهم المزعومين.

– لا يتلقى الدرزي عقيدته إلا إذا بلغ الأربعين.

طبقات الدروز

الناس في الطائفة الدرزية طبقتان:

أ – الروحانيون: وهم أهل العلم من الطائفة العالمون بأسرارهم، وينقسمون إلى: (شيوخ عقل): وهم كبار علمائهم، و (أجاويد): وهم بمثابة طلاب العلم عند أهل السنة.

ب – الجثمانيون: وهم عامة الطائفة المعنيون بأمور الدنيا من أمراء وعامة.

الطلاق الدرزي للإسلام طلاقاً درزياً (لا رجعة فيه)

يطيب لبعض الكتاب تجسيم مواقف الدروز من قضايا الأمة المصيرية على أنها مواقف تنم عن خيانة للأمتين العربية والإسلامية، وإذا كنا نوافق هؤلاء على أن مواقف الدروز هي خيانة علنية للعرب والعروبة باعتبارهم من القبائل العربية الأصيلة، إلا أننا لا نشاطرهم الرأي فيما يخص الإسلام؛ فالدروز لا يعدون طابوراً « إسلامياً » خامساً؛ لأنهم بكل وضوح ليسوا بمسلمين وقد طلقوا انتماءهم للإسلام طلاقاً درزياً (لا رجعة فيه) منذ مرقوا من الدين حين أنشؤوا دينهم عام 407 هـ، وليس في القول جرأة، بل هذا الكلام قد قال نظيره شيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل عن الدروز فأجاب: «هؤلاء الدروز كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدُّون عن الإسلام ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى وإن أظهروا الشهادتين وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب»1(1) مجموع الفتاوى، ج 35، ص 161.، وقال أيضاً عن الدروز: «كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون؛ بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم»2(2) مجموع الفتاوى، ج 35، ص 162..

جذور علاقة الدروز بالمحتل

قبل احتلال اليهود فلسطين عام 48م وما تبعه من مساندة الدروز لليهود؛ كان أمير الدروز (بشير الشهابي) الذي وقف أنصاره بجانب القائد الفرنسي نابليون خلال حصاره لمدينة عكا، نكايةً بالوالي التركي (أحمد باشا الجزار) وقد جاء في رسالة نابليون المؤرَّخة ب20 مارس – آذار 1798م – بعد حصاره للجزار – إلى الشهابي قوله: « وأُسرِع إلى إعلامك بكل ذلك؛ لأنني لا أشكُّ أنك تفرح لهزائم هذا الطاغية الذي سبب الكثير من الذعر إلى الإنسانية عامة، والدروز الأباة بشكل خاص، ورغبتي المخلِصة، هي أن أقيم للدروز استقلالهم، وأعطيهم مدينة بيروت ذات المرفأ كمركز تجاري لهم ».

التعاون الدرزي اليهودي

من المعلوم أن عدداً كبيراً من طائفة الدروز يقيمون على أرض فلسطين المحتلَّة عام 1948م، ويوالي كثير منهم اليهود ضد المسلمين، وينخرط شبابهم في خدمة جيش الكيان الصهيوني، وقد اعتلى الضباط الدروز مراكز مرموقة في جيش الاحتلال، ويشكِّل الدروز نسبة كبيرة من حرس الحدود الصهيوني فيما يُعرف بالعبرية (مشمار كفول) الذي يذيق الفلسطينيين أنواع التنكيل والبطش3(3) “انظر عقيدة الدروز” للدكتور محمد بن أحمد الخطيب: ص 252..

متى بدأ انخراط الدروز في الجيش الإسرائيلي؟

تتفاوت التقديرات الإسرائيلية حول تاريخ محدد لهذه المسألة، مرجحة أنه منذ قيام إسرائيل في 1948 تطوع الدروز للخدمة في الجيش، ضمن كتيبة ضمت الدروز والبدو والشركس، تحقيقا لما سمي في حينه بـ”حلف الدم”، الذي شرعنه ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية.

وفي 1956، وبعد عقد اتفاق مع زعيم الطائفة الدرزية، تم سن قانون يلزم الدروز بالالتحاق بالجيش، وفي 1974 نشأت الكتيبة الدرزية المسماة “حيرف”، وتعني السيف، وهي قوة برية في عداد القوات النظامية للجيش، معظم جنودها من الدروز، عقب اتخاذ قرار بدمج جميع وحدات الأقليات تحت قيادة واحدة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن “إخواننا الدروز شركاء في حفظ الأمن الإسرائيلي، وسنعزز مكانتهم في الجيش الإسرائيلي”، واعترف يعكوف شيمعوني، الدبلوماسي الإسرائيلي بوزارة الخارجية، أن “قرار تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي أتى ليكونوا حربة نطعن بها القومية العربية، ونؤثر فيها على دروز سوريا ولبنان”.

الدروز ما زالوا مواطنين من الدرجة الثالثة

يعاني الدروز الذين يعملون في وحدات المشاة في الجيش الصهيوني من تمييز عنصري حتى في صفوف الجيش، حيث ترفض هيئة أركان الجيش تجنيدهم في بعض أفرع الجيش مثل سلاح الجو، أو الإستخبارات العسكرية، أو صفوف المخابرات العامة.

هذه النزعة العنصرية في المجتمع الصهيوني لم تكن استثناء في صفوف الجيش فقد أصل لذلك الحاخام مئير كهانا لحركة “كاخ” المتطرفة حينما سأله أحد الصحفيين، قائلا هل تطالب بطرد أبناء الطائفة الدرزية من “إسرائيل”، بالرغم من خدمتهم في الجيش الإسرائيلي؟ فرد كهانا بكل  ثقة ” نعم، ولكننا سنحرص على توفير حافلات مكيفة لهم أثناء الطرد”.

وكشف مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية الثاني عشر الشهر الماضي أن نسبة ثقة المواطنين العرب الدروز في إسرائيل ومؤسساتها تواصل انخفاضها بنسبة كبيرة. وحذر هذا المؤتمر الأمني إسرائيل في استخلاصاته من “فقدان الدروز”، داعيا إلى تجديد مساعي احتوائهم.

وفي الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (18/11/2023) أعلن الائتلاف الحكومي نيته تشريع قانون أساس الطائفة الدرزية (قوانين الأساس لها مكانة خاصة في ظل عدم وجود دستور في إسرائيل)، ليمنح مكانة خاصة لأبناء الطائفة من دون أن يلغي قانون القومية. وارتفعت أصوات أخرى تطالب بإجراء تعديلات على قانون القومية ذاته وتشمل ضمان المساواة لغير اليهود.

بموازاة هذا الحديث تواصل النقاش بين أبناء الطائفة بشأن ضرورة المطالبة بإلغاء القانون أو إيجاد بدائل لضمان مساواة الدروز باليهود. وأبرق قادة روحيون وسياسيون رسائل فردية وجماعية للمسؤولين الإسرائيليين وتزايدت محاولات أبناء الطائفة بإثارة مسألة المساواة في الرأي العام. إحدى تلك الرسائل وجهها النائب السابق في الكنيست أكرم حسون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال فيها إنه يشعر بالأسف الشديد لاضطرار الطائفة الدرزية إلى المطالبة بإلغاء قانون القومية أو تشريع قانون جديد بشأن مكانة الطائفة في أيام الحرب القاسية. وتابع حسون القول إن الدروز ما زالوا مواطنين من الدرجة الثالثة بعد مرور خمسة وسبعين عاما على إنشاء إسرائيل.

الهوامش

(1) مجموع الفتاوى، ج 35، ص 161.

(2) مجموع الفتاوى، ج 35، ص 162.

(3) “انظر عقيدة الدروز” للدكتور محمد بن أحمد الخطيب: ص 252.

المصادر

– مجلة البيان العدد: “السهم الدرزي في ظهر العرب” أمير سعيد.

– مجلة البيان العدد: “الدروز في دولة اليهود” أ.د. صالح الرقب.

– موقع الجززيرة نت، “هل يبطلون “حلف الدم”؟.. الدروز في الجيش الإسرائيلي بين القيادة ورفض الخدمة” عدنان أبو عامر.

– موقع الجزيرة نت، “إسرائيل تفقد “حلف الدم” مع الدروز” وديع عواودة.

– موقع المجلة “دروز في إسرائيل… “حلف الدم” والبحث عن المساواة”.

اقرأ أيضا

الولاء والبراء بين النظرية والتطبيق في نازلة غزة المرابطة

الفرق الباطنية … المنهاج والتاريخ

“ولتستبين سبيل المجرمين” .. دروس وعبر

أفول الدَّولة الوطنيَّة العربيَّة

لماذا لا تقبل المقاومة بإلقاء السلاح؟..

التعليقات غير متاحة