الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فإن الذي يجري في مخيم جنين في هذه الأيام أن أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، والمعهود عنها التنسيق الأمني العالي مع الكيان الصهيوني تقوم بحصار هذا المخيم منذ ثلاثة أسابيع، وقد قامت بتنفيذ عدد من الإعدامات الميدانية بحق بعض أبناء المخيم إضافة إلى اعتقال بعضهم والتنكيل بهم، وكل الذين اعتقلوا أو أعدموا لم يُعهد عنهم قط أنهم رفعوا سلاحاً في وجه السلطة الفلسطينية أو مؤسساتها؛ بل سلاحهم موجَّه في نحر عدو المسلمين المحتل لأرضهم المنتهك لحرماتهم؛ وهذه الأجهزة بذلك تنوب عن الاحتلال الصهيوني الذي كان يقوم بهذه المهام فيما مضى من الأيام.
جملة من الحقائق الشرعية
وإن العلماء الموقعين على هذه الفتوى يبينون جملة من الحقائق الشرعية التي لا بد من الإحاطة بها:
أولاً: إن من أهم الواجبات الشرعية على الفصائل الفلسطينية الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني في مقاومة عدوان الاحتلال الصهيوني المستمر، وإن أهم واجب شرعي على أي سلطة أن ترعى مصالح الشعب وفق مقاصد الشرع فإن كان عملها ضد مصالح الناس وبما يخالف مقاصد الشرع فلا شرعية لها، والواجب على الفصائل والجهات والعائلات الفلسطينية نبذ الأجهزة الأمنية التي تصر على التنسيق مع الاحتلال والتجسس لصالحه والنيابة عنه لتحقيق أهدافه ورفع الغطاء عنها وعن منسوبيها.
ثانياً: إن ما تقوم به هذه الأجهزة إنما يجتمع فيه أمران كلاهما محرَّم، وهما العدوان المباشر على الشعب الفلسطيني المسلم بعامة ومجاهديه خاصة، في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ثم موالاة العدو الصهيوني وتمكينه من رقاب المجاهدين، وحفظ أمنه وحمايته بمنع أي بادرة مقاومة له، والتجسس لصالحه، بما ينتج عنه الفتُّ في عضد المجاهدين وتقوية أعدائهم، وقد قال ربنا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:51-52].
ثالثاً: يؤكد العلماء حق المجاهدين الشرعي في الدفع عن أنفسهم ورد الصيال عنهم، ويرتقي ذلك في قول جمهور العلماء إلى الوجوب، دون نظر إلى شخص الصائل أو جنسيته أو دينه، لا سيما إذا كان هذا الصيال يأتي في سياق خدمة العدو وتمكينه والقضاء على الجهاد والمجاهدين. فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قُتِل دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والترمذي في جامعه وأحمد في مسنده) وَقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ – يُرِيدُ قَتْلَهُ – فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ) (أخرجه أحمد في مسنده 6/ 266).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عند قتال التتار فقيل له: إن في التتار قوماً مسلمين؟ وكأن السائل قد تحرج من قتالهم والذي قد يفضي إلى قتلهم؟ فقال ابن تيمية: إن رأيتموني في صف التتار والمصحف على رأسي فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم. (ابن كثير، البداية والنهاية، 14/ 28)
وقد قال جمهور أهل العلم: إِنْ قَتَل الْمَصُولُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَنَحْوِهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ.(الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، 2/ 544)، وقد استدلوا بحديث من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد فقالوا: “إنه لما جعله شهيدا دل على أن له القتل والقتال كما أن من قتله أهل الحرب لمَّا كان شهيدا كان له القتل والقتال ولا إثم عليه أيضا لأنه مأمور بدفعه” (البجيرمي، تحفة الحبيب على شرح الخطيب، 4/ 221)
رابعاً: وأما العاملون في هذه الأجهزة الأمنية التي تلاحق المجاهدين وتضيِّق عليهم؛ فإنه يحرم عليهم الاستمرار في هذا العمل الأثيم، لأن الله تعالى قال: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2] ويجب عليهم ترك هذا العمل، فمن تاب تاب الله عليه، بل عليهم أن ينضموا بسلاحهم إلى إخوانهم لمقاتلة أعدائهم ومن تعاون معهم، والحسنات يذهبن السيئات.
خامساً: يجب على أهل الضفة الغربية عون إخوانهم المجاهدين بكل سبيل ممكن من الإيواء والحماية والإمداد والتحرك الذي يخفف الضغط عن مخيم جنين بالتظاهر والاعتصام، وإن احتيج إلى العصيان المدني في وجه هذه السلطة الظالمة فذاك عمل سائغ مشروع.
سادساً: أما المتشبع بما لم يعط من العلم؛ ممن يتزيون بزي العلماء وليسوا منهم؛ ويحاولون ليَّ أعناق النصوص خدمة لأولياء نعمتهم، ويبيعون دينهم بدنيا غيرهم؛ أو بعرض من الدنيا قليل، تزييناً للباطل وتحريضاً على قتل المجاهدين فهؤلاء شركاء في الجريمة والعلم منهم براء، ويصدق فيهم قول ربنا جل جلاله { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} ( سورة آل عمران: الآية 187).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الموقعون على الفتوى:
1- العلامة الشيخ صادق الغرياني – مفتي عام ليبيا
2- العلامة محمد حسن الددو – رئيس مركز تكوين العلماء
3- أ. د. عصام أحمد البشير – نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
4- د. همام سعيد – رئيس الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين 5- د. عبد الحي يوسف – رئيس لجنه الفتوى في هيئه علماء فلسطين رئيس أكاديمية نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
6- د. محمد يسري إبراهيم – نائب رئيس رابطه العلماء المسلمين 7- أ. د. عبد الله جاب الله – رئيس جبهة العدالة والتنمية – الجزائر
8- د. نواف هايل تكروري – رئيس هيئه علماء فلسطين
9- الشيخ برهان سعيد – أمين عام رابطه علماء إريتريا
10- د. وصفي أبو زيد – أستاذ الفقه وأصول الدين – جامعة ماردين
11- الشيخ محمد الصغير – رئيس هيئة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم
12- الشيخ مروان أبو راس رئيس لجنة القدس في الاتحاد العالمي
13- الشيخ حسن الكتاني – رئيس رابطة علماء المغرب
14- د. عبد الله عبد المجيد الزنداني – رئيس جمعية نهضة العلماء اليمن
15- الشيخ حسن سلمان – نائب رئيس مجلس الشورى رابطة علماء إريتريا
16- الشيخ عبد القدوس حلمي – نائب رئيس اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية
17- أ. د. عبد الحق ميحي – عضو جمعية علماء المسلمين – الجزائر
18- الشيخ سامي الساعدي – أمين عام دار الإفتاء الليبية
19- الشيخ أحمد الحسني – من علماء موريتانيا
20- الشيخ محمد خير موسى – عضو مكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين
21- الشيخ مجدي قويدر – عضو لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين.
اقرأ أيضا
أجهزة السلطة الفلسطينية: أمن مَن؟
ماذا قدم أبو مازن للقضية الفلسطينية