تصدح الجماهير في الملاعب بآلاف الحناجر تهتف؛ وأحيانا تهتف لقضية من القضايا العامة؛ لكن، للأسف، نجح الطغاة ـ ولو الى حين ـ في تدجينهم لدرجة مخزية.
الخبر
“قررت نيابة أمن الدولة العليا في مصر حبس الشاب “عز منير خضر” ـ الذي يبلغ من العمر (19) عاما، والذي رفع علم فلسطين في ملعب القاهرة أثناء مباراة منتخب مصر وجنوب أفريقيا ـ (15) يوما على ذمة التحقيق.
وقال محاميه ” تم عرضه على نيابة أمن الدولة أمس، وصدر قرار بحبسه احتياطيا وتم ترحيله إلى سجن طرة”
وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا تسجيلا مصورا يظهر فيه عناصر من الأمني المصري بالزي المدني يلقون القبض عليه عندما كان يرفع العلم الفلسطيني في مدرجات ملعب القاهرة. وانتزع رجلان يرتديان الزي المدني العلم الفلسطيني من المشجع الشاب، واقتاداه من مدرجات الملعب إلى الخارج أثناء سير المباراة”. (1موقع “الجزيرة”، 26/11/2019، على الرابط:
قرار بحبس مشجع مصري رفع علم فلسطين)
التعليق
أولا: قد يستوقفك أملٌ في بقاء نبضٌ في الأمة وتحدٍ للحملة الشرسة ضد المسلمين في غزة وفلسطين، وأن هناك رابطة وتلاحما رغم التشويه والشيطنة، وصل التعاطف الى ملاعب الكرة حيث تفاهة الاهتمامات؛ لكن في مجتمعٍ من الناس نبَض شيء من التعاطف وبقي شيء من الصلات.
هو تعاطف قاصر لا يمثل الكثير ولا يمثل فارقا لا عند الطغاة ولا عند الصهاينة؛ إذ إن الطريق الى “القدس” لا يمر عبر الملاعب ولا عبر الهتاف المؤقت؛ ولكن له طريقه المشروع الذي يمر بإسقاط الطغاة والرجوع الى الهوية والشريعة وإقامة الدين وامتلاك القوة ومواجهة المشروع الغربي ” الصليبي الصهيوني”.
وبرغم هذا يرى البعض في هذه التعبيرات دلالة إيجابية على بقاء قضية إسلامية حية في النفوس.
ثانيا: وقد يستوقفك أيضا وقاحة الأنظمة وهي تعادي هذه الصِلة البسيطة بقضايا المسلمين، وتسعى جاهدة لقطعها لتأمين العدو الصهيوني وإرسال رسالة واضحة اليه أنهم يعملون من أجل أمنه، وأنهم يئدون أي شرارة في مهدها قد يخشون أن تلتقطها قطاعات من الأمة أو تذكرها بعدوها الحقيقي وتوجه اليه السهام.
ثالثا: لكن ما يستوقفك أكثر وأوضح وتأْسَى من أجله هو ذلك “التدجين” العجيب للجماهير؛ وكيف أن عشرات الآلاف تستسلم لشخص أو شخصين يختارون من يقتنصوه من بينهم ـ بسهولة بالغة ـ للسجن أو التغييب أو التعذيب. وفي وقاحة شديدة وبين آلاف الجماهير يتقدم شخص ـ في ثقة ـ ليعاقب من ناصر قضية أمته، والباقون أفسحوا له ليصل اليه، وشاهدوه يقبض عليه، ثم أخذه في أمان واطمئنان ليعاقبه ويغيبه، والباقون يشاهدون، ثم استأنفوا الهتاف للكرة..!
هذا المشهد وصمة عار على من حضره، ودلالة سلبية على ما وصلت اليه الجماهير.
إن الجماهير في ظل حكم الاستبداد والطواغيت يصبحون بلا قيمة؛ أوراقا هشة تذروها رياح الأهواء والمخاوف والشهوات. يتحكم أشخاص معدودون في قطاعات عريضة من الناس، ويوجه أفراد قليلون ملايين من الناس فتصخب وتفرح، وتحزن وتغضب، وتخاف وترجو؛ تبعا لسادتهم..!
إن هذا الانتاج البشري المحزن لا يحرر قدسا ولا أرضا، ولا يحمون عِرضا، ولا يواجهون طغيانا؛ إذ إنهم وقعوا في أسر النفوس وتبعية الطغيان؛ إنهم يحتاجون أن يتحرروا هُم أولا.
أما في الإسلام فترتفع كرامة الناس، حقيقة لا ادعاءا، يعبدون الله وحده وينحنون لله وحده. إن الإسلام يبدأ مع الناس بـ “لا إله إلا الله” ليحررهم من أمثال تلك المخاوف، وليجد المرء في فطرته من الكرامة ما يوجب عليه استخراجها وتفعيلها وفرضها على الآخرين. وعلى الأقل فلو عجز عن نصرة مظلوم فلا يبقى مؤيدا وهاتفا للطغاة.
إننا نشاهد خسارة الناس في ظل الطغيان بأسىً شديد، وبين أملٍ وأسىً نتراوح. وفي كل حال نرجو الله تعالى ربَّنا أن يصل صوت هذا الدين ولمْسته المحيية للقلوب والنفوس وللكرامة؛ وأن تصحح الأوضاع؛ فيخاف الطغاة من الأمة، ويعملون لدينها وعقيدتها وتوجهاتها ألف حساب.
بل نأمل أن تسحق الأمة الطغاة سحقا؛ فلا تقبل بوجود ظالم أو طاغية أو مستبد، بل يتعامل الناس مع غيرهم بمنطق دين الله؛ رأسا برأس وندّا لندّ، ولا يحول بينها وبين نصرة دينها وأمتها حائل، ولا تسمح به.
……………………..
هوامش:
- موقع “الجزيرة”، 26/11/2019، على الرابط:
قرار بحبس مشجع مصري رفع علم فلسطين