تتوالى أخبار هدم المساجد في مصر، ومشاهد أنقاضها مسجدا تلو آخر، تحت حجج وذرائع واهية، ولهذا سياق جامع، ودلالات مهمة، ويستوجب وعياً ومواقف.

الخبر

جاء على موقع “الجزيرة نت” تحت عنوان “هدم العشرات.. ماذا بين السيسي والمساجد؟”:

“ما بين مصدق ومكذب تتوالى أخبار هدم مساجد في محافظة الإسكندرية المصرية، وبعد استبعاد وتشكيك جاءت الصور ومقاطع الفيديو لتقطع الشك باليقين مؤكدة أن ما كان يحذّر منه البعض أصبح حقيقة واقعة.

وخلال أقل من خمسة أشهر فقط، طال الهدم ثمانية مساجد في محافظة الإسكندرية وحدها، كان آخرها مسجد “الإخلاص” قبل يومين، لينضم إلى مساجد “عزبة سلام”، و”فجر الإسلام”، و”التوحيد”، و”عثمان بن عفان”، و”نور الإسلام”، و”الحمد”، و”العوايد الكبير”.” (1موقع “الجزيرة نت” بتاريخ 20/3/2019، على الرابط:
هدم العشرات.. ماذا بين السيسي والمساجد؟
)

“لكن تكرار الإغلاق والهدم في محافظات أخرى وتصريحات متكررة تحذّر من دور المساجد تطرح علامات استفهام عديدة.

وحتى يونيو/حزيران 2014 بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدر قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون.

وفي يوليو/تموز 2016 وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية.

وبعيدا عن أعين الإعلام، وفي مايو/أيار 2015 تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد “الوالدين”، و”الفتاح”، و”النصر”، و”قباء”، و”قمبز”.

وسبق أن هدمت قوات الجيش مساجد أخرى في سيناء عبر قصفها بالطائرات المروحية -خصوصا في مدينتي رفح والشيخ زويد- بدعوى محاربة الإرهاب.

ولم تكن جامعة القاهرة بعراقتها بعيدة عن عمليات هدم المساجد، ففي تصريحات لصحيفة الوفد مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2015 قال رئيس الجامعة -آنذاك- جابر نصار إنه “تم تحطيم جميع منصات إطلاق صواريخ التطرف والعنف والإرهاب داخل الجامعة من خلال افتتاح مسجد لأداء الشعائر داخل الجامعة، وإلغاء جميع المصليات التي كانت تستخدم في نشر الفكر المتطرف داخل الجامعة”.

وقبيل رمضان الماضي، طالب وزير الأوقاف فروع وزارته في عدد من المحافظات بمنع الصلاة في قرابة 25 ألف مسجد وزاوية”. (2المصدر السابق)

“ولم يكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعيدا عن “استهداف المساجد وربطها بالإرهاب”، ففي حفل تخرج طلاب الكلية الجوية في يوليو/تموز 2016 وبحضور السيسي شخصيا نفذت طائرات حربية مصرية مناورة تحاكي عملية لـ”محاربة الإرهاب” تضمنت قصف مجسم مسجد بحجة أنه يؤوي إرهابيين.

واستخدمت في المناورة مروحيات عدة من أنواع مختلفة، إضافة إلى مجموعات قتالية من وحدات المظلات.

وقبل شهر من “مذبحة المسجدين” في مدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية، دعا السيسي -في خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن- الأوروبيين إلى مراقبة المساجد في الغرب، وحثهم على “الانتباه لما ينشر في دور العبادة”.

حضور وتصريح دفعا البعض لربطهما بما أصاب مسجدي “رابعة العدوية” و”الفتح” في القاهرة بعيد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي عام 2013″. (3المصدر نفسه)

التعليق

تعرية الطغاة

يعْمَد المجرمون والطغاة الى نوع من التورية لحروبهم ومواقفهم، وهم لا يخْلون من هذا، حتى فرعون استعمل هذه الأغلوطة وتلك المخادعة ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (غافر: 26)

ولكنهم أيضا لا يخْلُون من أفعال تُعرّيهم وتعرّي أتباعهم أمام أنفسهم وأمام الناس؛ فكم من تابع يدعي الصلاح في خنادق الفجرة والمفسدين..! فيعرّي الله تعالى المفسين بأيديهم لئلا يكون لهؤلاء حجة في معسكرهم، وليظهر حقية مهمة، وهي أن الأتباع يُخفون شهواتهم قابعةً تحت رتوش الادعاء الباطل، وأن “الغواية” هي المحرك الحقيقي لمواقفهم، ولهذا قال المستكبرون لأتباعهم في النار ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ (سبأ: 32)

والتوجه نحو المساجد في مصر بالهدم، هو تعبير عن حقيقة الصراع، وأن المستهدف هو مساجد الله وبيوته، وتجفيف منابع الدين ومصادر الهدى، وان من يقتل المسلمين هناك لا يفترق عمن قتلهم في مساجد الله في “نيوزيلندا”.

كما أن الجرأة والوقاحة في ذلك الهدم تابع لمواقف ابتلع الناس فيها حرق المساجد في “رابعة” وضرب مآذن مسجد الفتح، والاعتداء على مسجد “القائد إبراهيم” وحرق أجزاء منه بإلقاء عبوات حارقة بداخله..

لقد صرّح بعض “عوام” المصريين المنسبين للإسلام يومها أنهم يعلمون أن الاسلام يضعف في هذه المواجهة؛ لكنهم يتحملون هذا من أجل “الوطن”..!

هكذا يتراكب الجهل وتنهار العقائد.. إذ جعلوا الاسلام مقابلا للوطن، ثم فضّلوا الوطن، ثم سمحوا بضرب الاسلام وإهانته وحربه وتتبُّع أهله، ثم سمحوا بإفساح الطريق أمام جرعات من الإلحاد وخطوات من الإباحية وأدخلوا في هذا أبناءهم وبناتهم..!

ومن ثم يأتي سياق هدم المساجد في يُسرٍ وبلا إنكار..! عنوانا لحالة من الفتنة، واقتناص شياطين الإنس والجن لفريق من الناس ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سبأ: 20)

لكنها في النهاية فترة غفلة تستوجب الصبر والتوكل على الله، والتلطف بالأمة، وتوعيتها حتى يعود غائبهم ويفيء غائبهم.

حقائق

الحكم بغير شريعة الله احتلال

إن نزول الكفار في مكان ينشرون فيه الشرك والكفر ويحكمونه بغير ما أنزل الله عز وجل إنما هم بذلك محتلّون غاصبون لهذا المكان، لا يجوز إقرارَهم عليه؛ بل يجب عند القدرة إخراجهم وعدم تمكينهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله تعالى.

حكومات محتلة لا يجوز إقرارها

وبناء على الحقيقة السابقة فإن الحكومات التي تحكم اليوم في أكثر بلدان المسلمين إنما هي “حكومات محتلة” لديار المسلمين؛ خانت ربها وشعوبها حيث نبذت شرع الله عز وجل، وحكمت بغيره، ونشرت الكفر والفسوق والعصيان؛ وبناء على ذلك فلا يجوز إقرارها؛ بل يجب البراءة منها وإعداد العدة لجهادها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

الاحتلال السابق لا يزال مستمرا

وبناء على الحقيقة السابقة يتضح لنا مفهوم (المحتل) و (الاحتلال) وأنه ليس قاصرا على الكفار الغزاة الذين احتلوا ديار المسلمين في القرن الماضي بل إن ديار المسلمين اليوم لا زالت تحت الاحتلال بعد أن جاء أناس من بني جلدتنا خلَفوا المحتل السابق وتسلطوا على البلاد والعباد وحكموهم بحكم أشد كفرا من المحتل الغازي. وبهذا الفهم والوعي الشرعي الصحيح يتضح لنا حقيقة المحتل.

إزالة احتلال الطواغيت يسبق طرد اليهود

إذا تبيّن لنا ما ذكر في الحقائق السابقة اتضح لنا واقع أكثر الدول والأنظمة التي يحتل طواغيتها الدول الإسلامية اليوم؛ ولا سيما العربية منها، وبان لنا أنهم محتلون معتدون على بلدان المسلمين وشعوبها بل قد يكون احتلالهم هذا أشد وأنكى من احتلال اليهود الغاصبين لفلسطين التي يتباكى عليها حكام المسلمين ويُظهرون عداءهم لليهود ويصفونهم بأنهم محتلون.

والحقيقة التي ينبغي أن تُذكر هنا هو أنه لا يُطمع في سقوط دولة اليهود وتحرير مقدسات المسلمين منهم قبل أن تسقط تلك الأنظمة الطاغوتية المحتلة لبلدان المسلمين الحامية لليهود والمدافعة عنهم. (4“من هو المحتل”. مقال على الموقع).

للمزيد : [من هو المحتل]

خاتمة

لا يقنط مؤمن ولا ييأس، ولا ينخدع بانتفاش الباطل؛ فإنه مؤقت، وما هُدم على الأرض لم يُهدم في قلوب المسلمين، وسيبنون أضعافه.

فقط إن الطغاة يتعرّون، ولعل هذا يساعد في رؤية المسلمين لحقيقة الجولة وجوهر الصراع .. ولعلهم يرجعون.

…………………………….

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة نت” بتاريخ 20/3/2019، على الرابط:
    هدم العشرات.. ماذا بين السيسي والمساجد؟
  2. المصدر السابق.
  3. المصدر نفسه.
  4. “من هو المحتل”. مقال على الموقع.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة