خرجت العلاقات الإماراتية مع دولة اليهود من الخفاء الى العلن، ترْقُبُ أنظارَ عواصم النصارى، وتحتقر أمتها، وتدوس على قضاياها وتتجاهل آلامها، وتتعامى عن الغد وهي تسقط في الوحل.

الخبر

أعلن الرئيس الأمريكي ترامب الخميس 13/8/2020 عن توصل الإمارات ودولة اليهود الى اتفاق سلام ـ رغم كونهما ليستا متحاربتين في الأصل..! وإقامة علاقات رسمة بينهما، وقال “نتنياهو” ـ رئيس وزراء الصهاينة بأن إسرائيل ستتعاون مع الإمارات العربية المتحدة على تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، وفي مجالات الطاقة والمياه والحماية البيئية والكثير من المجالات الأخرى. (1موقع رويترز: ترامب يحرز اتفاقا دبلوماسيا مع حليفتيه إسرائيل والإمارات قبل الانتخابات
موقع “BBC “: الإمارات وإسرائيل تتفقان على إقامة علاقات رسمية
موقع “CNN” : بيان مشترك: اتفاق على “تطبيع كامل” للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل
موقع ” CNN” إسرائيل عن الاتفاق مع الإمارات: يوم تاريخي.. ويفتح الطريق لمزيد من الاتفاقيات
)

التعليق

المشهد المخزي الذي انتهى باتفاق الإمارات مع الصهاينة له مقدماته وعوامله ومكوناته. ومن أراد الإنكار اللفظي الوقتي لن يفيد لكننا نحاول أن نسبر مقدمات المشهد ودوافعه.

التمهيد للمشهد

كان التمهيد قبل هذه الخطوات هو مذابح متتالية للمسلمين؛ فقُتل المسلمون ويُقتلون. ومن عاش منهم فمقهور ومستضعف. وفي يوم إعلان الاتفاق العلني بين الإمارات ودولة اليهود كان إعلان وفاة أحد رموز الحراك السياسي الإسلامي ـ د. عصام العريان، رحمه الله ـ ومنع أهله من دفنه في بلده أو عمل جنازة له؛ وقد سبقه ورافقه ـ وقد يلحقه ـ الكثير من ضحايا المسلمين باختلاف تياراتهم وفصائلهم وجماعاتهم.

ولا زالت مشاهد الرؤوس المتفجرة بالرصاص، والأمعاء المتدلية، والأجساد المحروقة، والمساجد المشتعلة والمنتهكة في مصر.. ولا زالت طوابير المهجرين والبراميل المتفجرة والمدن الخربة والمدمرة على رؤوس أهلها والأجساد التي تنتشل بين حي وميت من تحت الأنقاض في سوريا.. وسجن الشرفاء والعلماء والآمرين بالقسط وفتح الطريق لفساق العالم لتدنيس أرض الحرمين وتصدير المشهد بسفهاء الخلق والقتل البشع الذي يهز أرجاء العالم، والسرقات المليارية والتغيير القيمي والأخلاقي وتغيير مسار التعليم في السعودية.. مع المشهد الفوضوي والاحترابي في اليمن وليبيا، والمشهد المهتريء في تونس.. الخ؛ لا زالت هذه الصور ماثلة، وهي التمهيد لهذه الفواحش السياسية والعقدية.

هذا للتيارات التي تمتلك مشروعا منتميا للإسلام؛ لكن كانت التيارات المنتمية زورا للسلفية تنضم الى جيش “حفتر” في ليبيا كمتطوعين..! وفي مشاهد الانتخابات الهزلية في مصر كراقصين، يرسخون شرعية النظام العلماني الانقلابي، وبأدلة شرعية..! وهو كفعل السحرة إذ يقرؤون القرآن في الكُنُف والمراحيض.

مكافأة اليهود

وفي الوقت نفسه كانت مكافأة دولة اليهود على ضم القدس والشروع في ضم بقية أراضي المسلمين؛ وذلك باتفاق سلام جديد وفتح الأسواق لها وإعطائها مزيدا من الشرعية الشعبية والسياسية..!

مع الإشارة والتذكير أن كل نمو لإسرائيل يبقى على حساب آلام المسلمين ومقدراتهم واستنزافهم، بل وقتلهم وسجنهم، ومنع الحرية عنهم، وحرمانهم من الكرامة. وبشرط أوّليّ وأساس وهو انسلاخهم من دينهم وهويتهم.

مراهنة المجرمين

يقوم حكام الإمارات بما يقومون به، هم وإخوانهم من الطواغيت؛ ببذل ثمن شعبي ضخم، وهو حالة التيه والجهل بالعقائد أو مهاجمتها وعداؤها، وانهيار أخلاقي، وانهيار استراتيجي وارتهان لمجموعة من الأعداء من الإثيوبيين الى الصهاينة الى الإيرانيين.. الخ.

تُعوّل هذه الأنظمة جميعا على اضطراب عقيدة الناس وانسلاخهم من دينهم وسيطرة الشهوات عليهم وتخليق مصالح شعبية للناس مع الصهاينة. وهي مجازفة ترتهن فيها وجود الأنظمة وإسرائيل معا بمحو الإسلام في الجانب الآخر.

من المخادنة الى السفاح..!

والانجاز الحقيقي لحكام الإمارات هو انتقال الفواحش السياسية من حالة “متخذات أخدان” الى حالة “مسافحات فاجرات مُعلنات أصحاب رايات..!!” فما كان يتم في الخفاء صار علنا ببجاحة وفخر وتيه.

وفي ردود أفعال سياسيي الإمارات كانت أنظارهم معلقة بعواصم النصارى ويقولون ” إن ردود الفعل من أهم عواصم العالم على اتفاق الإمارات مع إسرائيل ”مشجعة“”، ولم ينظروا لحظة الى أمتهم وشعوبهم. إنه احتقار المسلمين. (2رويترز: قرقاش: ردود الفعل الإيجابية من العواصم الرئيسية على الاتفاق مع إسرائيل مشجعة)

المتسابقون الى السقوط

قناة “الجزيرة” تنتقد، بينما كان العقد الأول من القرن الواحد والعشرين كانت فيه قطر هي إسرائيل الثانية، والى الآن فالجزيرة هي من يأتي بالمحللين الصهاينة الى بيوت المسلمين، وهي من تُسمع صوت المتحدث باسم جيش الصهاينة الى جميع العرب والمسلمين في غرف نومهم..!

فليس الانتقاد من أجل مبدأ ولا ضعف؛ بل يبدو الأمر كمكايدة، لا يستطيعون التمادي فيها وإلا ذكّرهم أصحاب الجرائم الحديثة بجرائمهم.

لا تستطيع دولة أن تبدأ المنزلق ثم تتحكم فيه أو تمنع غيرها من الإنزلاق، فبداية مصر بكامب ديفيد تبعها الأردن ثم الفلسطينيون ثم الخليج، وبداية قطر تبعها الخليج.. والغير قادم بحسب تصريحات اليهود؛ فقد صرحوا أن البحرين هي التالية والسعودية هي الجائزة الكبرى. (3CNN: محلل لـCNN  حول اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل: السعودية ستكون الجائزة الكبرى)

الفتاوى المغلوطة

في هذا السياق تأتي فداحة سقطة من يقول بالصلح مع الصهاينة وجواز التطبيع معهم قياسا على صلح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع يهود خيبر أو قريظة؛ فهذا قياس فاسد؛ فاليوم هذه أرض إسلامية مغتصَبة وهي واجبة الاسترداد الى يوم القيامة. استردادها فرض عين على كل مسلم ومسلمة بحسب قدرته. هذا حكم الله تعالى الذي أجمع عليه المسلمون. وهو بخلاف التعامل مع اليهود في بلادهم الأصلية دون أن يكونوا مغتصبين لأرض إسلامية يقيمون عليها دولة للكفر.

[للمزيد راجع: التطبيع مع اليهود والحلقة المفقودة]

ومهما يكن من أهل العلم من أخطأ فهي زلة عالم، رفضها آلاف العلماء على مدار العقود الماضية؛ يوضحون حكم الله في أمر متقرر في الشريعة بأن العدو إذا داهم أرض المسلمين في ناحية وجب الجهاد والدفع كفرض عين على الحر والعبد والكبير والصغير والرجل والمرأة.

مخازيهم لازمة لهم..!

يقول ساسة الإمارات ـ كذبا وتبريرا ـ أن هذا الاتفاق من أجل العرب وفلسطين، وعليهم أن يشكروها على هذه الفاحشة لأنهم أوقفوا بها مشاريع ضم أجزاء من الضفة الغربية؛ فعاجلهم “نتنياهو” بهذا الإعلان بالنص: “ليس هناك أي تغيير في سياساتنا في يهودا والسامرة ـ (الضفة الغربية بالتسمية التلمودية)”. ثم أكد أنه ماض في مشارع ضم الضفة الغربية بلا أي توقف أو تراجع، وأن الاتفاق مع خونة الإمارات لم يكن على حساب توفير أرض المسلمين..! فقال “لا يعني حدوث أي تغيير على نيته فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية. (4موقع العربي الجديد: إسرائيل تكذّب بن زايد: ملتزمون الضم)

بينما يصرخ الفلسطينيون أن هذا خيانة لقضيتهم. (5العربي الجديد: القيادة الفلسطينية: ما قامت به الإمارات خيانة للقدس والأقصى والقضية)

وعليه فيجب أن يتعاملوا مع الفاحشة العقدية والسياسية بحبٍ للفاحشة لذاتها دون مصالح أخرى أو أجرة مبذولة..!!

لقد ارتدّت الإمارات  وأخواتها وأصحاب القرار فيها عن دين الاسلام بكفريات كثيرة منها؛ رفض شريعة الاسلام وفرض العلمانية في الحكم والتحاكم، وموالاة أعداء الله ونُصرتهم على المسلمين، وتأتي ثالثة الأثافي بخيانة الأمة في عقيدتها ومقدساتها، وموالاة اليهود من دون المؤمنين ـ والتي لم نفاجأ بها ـ ليشكّل هذا زيادة في الكفر وظلماته ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ..﴾ (التوبة:37)؛ ولكن نرجو من الله عز وجل أن يكون في تقديره لهذه السلسة من الفضائح قرب نهاية الطواغيت وطغيانهم، وقرب انفلاق الفجر لدعاة الحق، والتمكين لهم ولدينهم في الأرض؛ يعبدونه لايشركون به شيئا.﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام: 83) ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (الأنعام: 112)

خاتمة

يبقى المسلمون خلال العقد الأخير وهم يشاهدون تعري كل الكاذبين، ونتائج الانهيار والخواء السابق، والحالي، وسقوط ادعاء الحركات المنتسبة لصفة أنها (إسلامية) عندما تكون فارغة المحتوى أو فروعية الاهتمام أو خائنة المشرب.. فالخلل العقدي أصل كل خلل؛ ومنه يتفرع الكثير، كما أن غياب الأمة عن الحضور والإنكار والفاعلية تغري هؤلاء المجرمين المنافقين بالمزيد من الجرأة والوقاحة.

إن  كل الأحداث تدل على الطريق بألم مزعج؛ الطريق هو الإسلام .. العقيدة الواضحة .. فضح الطواغيت ورفض تبديل شريعة الله وولاء الإسلام .. القيام بفرض العين الذي أمر الله به تجاه الطغاة وتجاه الصهاينة.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع رويترز: ترامب يحرز اتفاقا دبلوماسيا مع حليفتيه إسرائيل والإمارات قبل الانتخابات.
    موقع “BBC “: الإمارات وإسرائيل تتفقان على إقامة علاقات رسمية.
    موقع “CNN” : بيان مشترك: اتفاق على “تطبيع كامل” للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل.
    موقع ” CNN” إسرائيل عن الاتفاق مع الإمارات: يوم تاريخي.. ويفتح الطريق لمزيد من الاتفاقيات.
  2. رويترز: قرقاش: ردود الفعل الإيجابية من العواصم الرئيسية على الاتفاق مع إسرائيل مشجعة.
  3. (CNN: محلل لـCNN حول اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل: السعودية ستكون الجائزة الكبرى.
  4. موقع العربي الجديد: إسرائيل تكذّب بن زايد: ملتزمون الضم.
  5. العربي الجديد: القيادة الفلسطينية: ما قامت به الإمارات خيانة للقدس والأقصى والقضية.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة