اعتاد المسلمون أن يعقد حكامهم مؤتمرات تبدو أنها لمناقشة أمور المسلمين؛ ثم لا تُسفر عن نصرة حق أو مواجهة ظالم؛ يهنأ بها العدو ويُساء بها المسلم. وأما تفعيل قوة المسلمين فدونه حواجز.

الخبر

“أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن باكستان تعرضت لضغوط سعودية من أجل ثنيها عن المشاركة في القمة الإسلامية بالعاصمة الماليزية كوالالمبور. وقد غابت عنها باكستان وإندونيسيا. وأشار أن مثل هذه المواقف التي تصدر عن السعودية وإمارة أبوظبي ليست الأولى من نوعها.

وعن الضغوط التي مارستها السعودية على باكستان لمنع مشاركتها، أوضح أن السعوديين هددوا بسحب الودائع السعودية من البنك المركزي الباكستاني، كما هددوا بترحيل”4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية” واستبدالهم بالعمالة البنغالية.

وأوضح أن باكستان التي تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، اضطرت لاتخاذ موقف بعدم المشاركة في القمة الإسلامية، في ظل هذه التهديدات والضغوط. كما أن جاكارتا، من جهتها، كانت تفكر في بادئ الأمر بايفاد نائب الرئيس الإندونيسي؛ قبل أن تتراجع عن هذا القرار”. (1موقع “الجزيرة” 20/12/2019، عل الرابط:
أردوغان: ضغوط السعودية منعت باكستان من المشاركة بقمة كوالالمبور
)

التعليق

انتهى اجتماع القمة الإسلامية المصغر في ماليزيا، لكن أحداثه أرسلت إشارات مهمة للمسلمين..

لقد اعتاد المسلمون أن تنعقد مؤتمرات حاشدة لدول ذات ثقل وإمكانيات مالية وبشرية وروحية، ولكنها تنفضّ على بيانات “منددة” و”مستنكرة” وأحيانا يكون التنديد والاستنكار “بأشد الألفاظ”..! ثم تنحسر موجاته عن خواء وفراغ، وترجع الأمة من هذه المؤتمرات بوفاض خالٍ، ويمضي العدو ـ أيا كان صهيونيا أو وثنيا أو غربيا ـ ليكمل طريقه ومشاريعه كاملة بلا ممانعة ولا معوقات عربية أو إسلامية.. حتى أصبح التعبير العام عند الشعوب بل صار تعبيرا عالميا أن العرب والمسلمين “ظاهرة صوتية”.

وأحيانا يتفق الحاضرون على إنشاء “صناديق” لدعم بعض قضايا المسلمين؛ ثم يبقون أعواما يشتكي القائمون على هذه الصناديق أنه لم يصل اليها شيء مما وعد الحاضرون..!

ولما اعتاد الناس هذا إذ ببادرة لبعض الدول تعلن أنها تحاول تفعيل الأمور والنظر في مشاكل عاجلة للمسلمين وتكوين حالة فاعلة لهم ولو في صورة حالة “وليدية”، إذ بها بحكام بلاد الحرمين ترمي بثقلها لمنعه..!

وسواء صدق هؤلاء المجتمعون في ماليزيا فيما أعلنوا إرادته أو لم يصْدُقوا، وسواء كانت لهم مآرب سياسية أخرى أو ليس كذلك؛ ففي كل حال بقي عند المسلمين تساؤلان كبيران:

أفلا تملك ضغوطا على الكافرين..؟

السؤال الأول: إذا كان هذا ما تقوم به السعودية من أجل بقاء سيطرتها على منظمة التعاون الإسلامي وتبقى لها الهيمنة والسيطرة على المنظمة ومنتجاتها؛ وتمارس هذه الضغوط بحنكة وقوة؛ أفلا تملك أوراقا قوية تمارسها على “الصين” التي تذبح المسلمين في تركستان لترمي بثقلها لنصرة المسلمين..؟ بلى؛ إنها تملك الكثير؛ لكنها لا تفعل.

وأفلا تملك أوراقا قوية على “الهند”، وتستطيع التأثير على بلاد المسلمين لأخذ موقف اقتصادي ـ بلا طلقة رصاص واحدة ـ للضرب على يديها من أجل كشمير المسلمة..؟ بلى؛ إنها تملك. لكنها لا تفعل..!

وأفلا تملك أوراقا قوية جدا على الغرب بأموالها المودَعة في بنوكه، وبترولها القابع في بطون أرضها، وشبابها وشباب الأمة المسلم التواق للعودة للإسلام وتفعيل الحياة على وفقه والانحياز للإسلام فتهدّ الغرب عن دعم الصهاينة وتستطيع استعادة المقدسات ونصرة المسلمين..؟ بلى؛ إنها تملك، تملك بقرار واحد أن تغير الموازين. لكنها لا تفعل.

وأفلا تملك أوراقا لنصرة مسلمي الروهينجا في ميانمار لتكف البوذيين عن تقطيع أجساد المسلمين للكلاب..؟ بلى؛ تستطيع، لكنها لا تفعل.

تملك المملكة في نفسها – وبالتأثير في الأمة بحكم مكانتها – أن تفعل الكثير وتغير موازين العالَم؛ لكنها لا تفعل؛ بل “لا تريد”.

وهنا يبدو دور دويلة “جامبيا”، الفقيرة من المال، وتعداد المسلمين  بها لا يتعدى مليون نسمة؛ فضحت عجز الجميع وجرّت ميانمار الى محاكمة دولية، لتقول لجميع هذه الدول أن في أيديكم الكثير والكثير لكنكم لا تفعلون؛ بل لا تريدون. قامت جامبيا بواجب وأرسلت رسائل جمّة، وقامت المملكة بضغوط وأرسلت رسائل مخزية..!

أما أسباب أنها “لا تفعل” فلها محل تفصيل آخر؛ لكن على العموم فالأسباب أخزى من النتائج..! ما بين نفاق وعجز خيانة.

ما الجديد والأمور في أيديكم..؟

وأما السؤال الثاني الذي يتساءل عنه جميع المسلمين وهو ماذا لو انفض المؤتمر الذي يمثل لكم عبئا نفسيا وتمارسون الضغوط لإفشاله؛ ماذا بعد..؟

هل ستستمرون تديرون قضايا المسلمين ما بين الإغفال والاستغفال وتمرير الوقت لتتحقق مؤامرات الكافرين كاملة وتمضي كشمير تبتلعها الهند، وتركستان مأساة نازفة، والقدس وفلسطين يبتلعها اليهود، والإسلام نفسه في عملية محو لعقائده وأخلاقه على أيديكم.. وأموال الأمة في يد حفنة تستمتع به بنهم حيواني من جانب وتضع ملياراته في بنوك الغرب ليقيم عليها اقتصاده ليذبح به المسلمين من جانب آخر..؟!

ماذا بعد في استمرار الأوضاع الراهنة في قيادات تشد الأمة الى الأسفل وتهوي بها الى الحضيض، وتُشكك في كل بادرة للتغيير وترفض أي أفق يلوح فيه عمل وفعل حقيقي.

أرأيتم إن كانوا صادقين في محاولتهم لإنقاذ ما يستطيعون إنقاذه وأفشلتم مسعاهم؛ ماذا بعد..؟

وماذا أيضا حتى لو كانوا كاذبين في دعواهم – على زعمكم – ولم تقدموا بديلا صادقا فاعلا يقنع الأمة ويحقق آمالها ويطلق طاقات أبنائها..؟

خاتمة

سيبقى التساؤل الكبير؛ لو وجد الناس عندكم عملا وخيرا ونصرة للأمة هل كانوا ليتجهوا الى اتفاقيات أخرى..
كما سيبقى تساؤل أكبر؛ ما المصلحة أن تبقى فاعليات الأمة ومقدراتها وقراراتها السياسية تحت هيمنتكم..؟ إلا أن تكونوا عن قصد تجمعونها لتكون تحت تحكم حفنة يديرها الغرب من ناحية أخرى..؟ وتبقى أزِمّة أمور الأمة تحت السيطرة الصليبية بالإنابة..؟

ستبقى السؤلات في رقابكم تطاركم وتطارد كل داعم أعمى يتلو آية لا يفهمها أو يضعها في غير موضعها،  أو حديثا يتلاعب بمعناه؛ ليدعمكم..

وتبقى الأمة تراوح مكانها تأمل في الله وتسعى بجهد المخلصين فيها؛ تنتظر يوم أن يبدلها الله خيرا منكم ثم لا يكونوا أمثالكم.

…………………….

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة” 20/12/2019، عل الرابط:
    أردوغان: ضغوط السعودية منعت باكستان من المشاركة بقمة كوالالمبور

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة