تفاعل العالم مع قضية الصحفي “جمال خاشقجي” وحُق للناس أن ترفض الغدر والظلم، لكن نفس هذا العالم هو من يسمح ويبرر ويتغاضى عن حبس الشيخ الكريم “سفر الحوالي” وإخوانه وأقرانه. ولهذا أسبابه وقراءته ودروسه.

غربة العالم

هذا العالم غريب على الإسلام وقيمه، بعيد عنه، خضع لترتيب لم يحضره الإسلام كفاعل في شكل نظام وقوة تفرض نفسها ومنهجها.

وللقوة قيمتها في إعطاء حق ترتيب الاهتمام والأولويات، بل والقيم. فتشاغل العالم برجل وأغفل رجالا أفضل وأكرم.

هذا العالم الذي نعيشه اليوم تم ترتيب قواه، ومنظماته، ومحوره وأطرافه .. ثم ترتيب العقائد الحاكمة والقيم السائدة، وكذلك الشكل الحديث للدول والأنظمة؛ من خلال قوى وثنية أو ملحدة أو صليبية أو صهيوينة. عدا الإسلام.

لقد تم تراجع قوة المسلمين خلال القرون المتأخرة ـ وخاصة القرنين الأخيرين ـ وغاب المسلمون عن الحضور الدولي كنظام وقوة تمثل النظام السياسي الإسلامي بقوانينه وعقيدته، وتوجهاته ومنهجه، وقيمه وأخلاقه.

نتج عن هذا أن العالم اليوم قد تم ترتيبه من قِبل قوى لها عقيدتها ولها قيمها ولها مصالحها ولها عداءاتها التاريخية والآنية.

إذا كان منافقا شرسا

وإذا علمت أن تاريخ القوى المتحكمة في عالم اليوم هو تاريخ عداء للإسلام كعقيدة وحضارة وتاريخ وحركة، وأنها ممتلئة منه رعبا لأنه المهدد الحقيقي الوحيد لها تاريخيا وآنيا، ولذا تخاف من استيقاظه، وهو محل متابعة وتخطيط وتغييب مستمر، بحرص في اللاوعي الغربي والشرقي، يتوارثونه في جيناتهم الوراثية..!

وإذا علمت أن هذه القوى تتسم بالعنف الحيواني واللاأخلاقي والنفاق المصلحي؛ علمت أن الوجوه التي ترسم الحفاظ على قيم الإنسانية هي الوجوه نفسها التي تمارس الظلم الصارخ والوحشية الهابطة.

وتعلم حينها أيضا سبب النفاق والتناقض، و”الإنسانية الانتقائية” التي يعاني منها العالم في ظلم فاضح.

القوة عامل حاسم

إن الحقيقة التي يجب استيعابها أن القوة عامل حاسم ومتقدم، فمن يمتلك القوة يمتلك شرح الأمور وفرضها من وجهة عقيدته ونظرته للأمور. فإن كان منحرف العقيدة باطل التوجه فستكون التفسيرات على وفق ما يعتقد ويتوجه. وفي المقابل فلو امتلك الحق القوة لاستطاع أن يُظهر الحقيقة فينصف الخلق ويقرر الميزان الذي أنزله الله للبشرية ويبلغ رسالة الله الى خلقه.

ولو حُرم الحق وأهله من القوة فلن يستطيعوا إظهار الحقيقة ولا تقرير العدل الذي يؤمنون به، ولا إمتاع الإنسانية وإسعادها بهذا الدين وعقيدته وقيمه وأخلاقه، وسيبقى العالم حبيس الإلحاد والإباحية، والتقافز على القيم والتلاعب بها، وانتقاء الأخلاق، والظلم الصارخ في جميع الأحوال.

يبقى العالم يبكي على طائر وقع في بترول مسرب في الخليج إبان غزو صدام للكويت؛ فيبكي على “الطائر” لأن العالم أريد له أن يكون في هذه الحالة مرهف الحس..! بينما سيبقى ابتلاع قتل الملايين بالحصار والجوع، ثم بالحرب والتدمير، ثم بإثارة الفتن الطائفية، ثم بالتعذيب والقتل البشع والتصوير ـ افتخارا ! ـ مع الجثث المقتولة تعذيبا، ثم ما لا يُحصى من صور الامتهان والسحق.. فيبتلع العالم مخازي عظاما.

في غياب الاسلام وقوته ستبقى القوى التي تتحكم في مفاصل العالم هي من يحدد ما هو “الضمير” وما هي “الإنسانية” وما هي “الأخلاق” بحسب ما يتراءى له. فإن كان فاقدا لهذه الأمور فلك أن تتصور ما هي البشاعة المنتظرة.

في غياب فاعلية الاسلام ونظامه سيبقى ملايين من الناس يعانون الاستبداد تحت لافتة الحرب على “الإرهاب”، ومنع الشعوب من حريتها لأن الحرية في حقها “فتنة”..! وسيرحب العالم بملايين اللاجئين المهجّرين من بلادهم عقابا لطلبهم الحرية.. كل هؤلاء تتلقاهم اللافتات الغربية بترحيب، ويقبلهم الضمير الغربي باتساع غريب..!

في غياب قوة المسلمين سيبقى المظلوم يصرخ كأنه في كابوس، يصرخ ولا يجاب ولا يُسمع ولا يؤبه له، ويشكو من مذابح متتالية، من مصر ومحطاتها؛ رابعة والنهضة والحرس وغيرها، الى سوريا بمذابحها اليومية والفاجرة، الى اليمن ومجاعاتها، الى ليبيا وحروبها.. الى العراق وابتلاع الرافضة والفرس له.. الى ما لا ينحصر من المآسي والمخازي.

إن القوة عامل حاسم .. قوة الأفكار، والأموال، والعلوم، والسلاح، والنُظم.

“سفر” وإخوانه .. أقمار محبوسة

في إطار هذا الترتيب، تعرف أن “الضمير الانتقائي” قد ينتفض لأجل رجل مظلوم هو الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” وهو مظلوم حقا وهو أشرف من غيره من المطبلين، وله مواقفه الإيجابية ضد الاستبداد؛ لكن هذا الضمير نفسه لا يفعل ذلك مع قمع و حبس المصلحين، ومع المطالبة بقتل من هم أكرم وأشرف وأعلم وأقوم مواقفاً وعقيدةً، مثل الكرام في السجون السعودية كالشيخ “سفر الحوالي” وأقرانه وإخوانه، والأطهار الكرام في السجون المصرية، ومن هم بيد السفاح “حفتر” ومجرميه، ومئات الآلاف في سجون السفاح الطاغية “بشار”.

شفع لـ “جمال خاشقجي” توجهاته اللبيرالية وعلاقاته الغربية فدخل تحت مظلة “الإنسانية الغربية”. وأما من كان ثابتا على منهج الله داعيا اليه، فلا يدخل تحت المظلة الغربية بل يبقى لقمة ملقاة للطواغيت يأذن له الغرب أن يلتهمها كما يحلو له، أو يأمره بذلك.

هنا ينتفض، هناك ينام، وهو نفس الضمير..!

نحن نعلم أن هؤلاء الكرام لا بواكي لهم من هذا العالم، لكن الأكثر خطورة أن أمتهم في غفلة، تمرر وتبتلع هذه الفواجع..!

لكن نعلم أن الله لا يغفل ولا يغيب. وأنه مع أوليائه يسمع ويرى.

والأقمار المنيرة لا تضرها القيم الغربية المنحرفة؛ فالصفقة من بداية الطريق مع الله، وفي الله تعالى حسن عزاء وعوض عن كل فائت. والله من ورائهم محيط.

…………………………………….

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة