هدف أساس للصليبية الغربية والصهيونية التابعة لها ولأذنابهما من العلمانيين والليبراليين وهو تغيير مفهوم عالبية المسلمين عن الإسلام وأصوله، ومن أدواتهم الصوفية المنحرفة.

أصالة التيار السلفي

الحرب الأمريكية ضد أهل السنة هي سنة من سنن الله تعالى في المدافعة بين الحق والباطل الجزء الأول: سنة المدافعة، وفي هذه الحرب حاربوا على المحور العسكري المباشر الجزء الثاني: المحور العسكري وكانت ملايين الضحايا من المسلمين، ثم لم يكتفوا بهذا بل أرادوا ترسيخ هزيمة المسلمين بالحرب الفكرية الجزء الثالث: الحرب الفكرية؛ وقد أعلنوا أهميتها، ونوهوا اليها، وأنفقوا عليها الأموال.

وفي هذا السياق لاحظوا الخلاف بين التيار السلفي والتيار الصوفي، فكانت فرصة لهم للتخلص من أمر إقامة الشريعة وإقامة الولاء الإسلامي وتحقيق الولاء والبراء؛ فكانت الاستعاضة بالتيار الصوفي وتشجيعه ليحل محل المفاهيم الشرعية وتتغير مفاهيم الأغلبية عن الإسلام نفسه..

وفي هذا المقال بيان لإجراءاتهم المتخذة لتحقيق هذا الاستبدال.. فبعد الطريقة الأولى (استبدال السلفية) ثمة طرق يراوحون بينها:

الطريق الثاني: احتواء السلفية

هناك فكرة دقيقة تحتاج إلى تأمل وهي وجود فرق بين السلفية والسلفيين، وهذا يعني أنه عندما نتحدث عن احتواء السلفية كفكر، فهذا يختلف عن احتواء السلفيين، كحاملين لهذا الفكر.

واذا كان احتواء الفكر أهم وأخطر من احتواء حامليه من وجهة نظر الخصوم، إلا أنه لن يمكن احتواء الفكر إلا بعد احتواء حامليه، أو على الأقل احتواء عدد ممكن من رموز السلفيين وأتباعهم، وبات من الأمور المعتادة أن نجد جماعات ورموزاً سلفية لهم مذهبان: قديم وجديد..!

والخطة التي تنفذ اليوم لاحتواء السلفيين، ومن ثم السلفية في الوقت الحالي، هي في ممارسة مزيد من الضغوط والحصار عليهم.

وأخطر وسائل الضغط ـ وعلى غير ما يتوقع الكثيرون ـ هو أن يفتح المجال أكثر للرموز السلفية كي يخرجوا من ميدانهم الرئيسي، ويبرزوا للعلن وللجماهير، من خلال الإعلام، وفي ميادين لا يملكون أدواتها، حيث يواجهون عالَماً تغيرت مفاهيمه وثوابته، وأصبحت له قواعده الخاصة، وعندها سيجد السلفيون المطروحون للعلن أنه لا بد من تقديم جوازات المرور، المتمثلة في التخلص من عبء بعض الثوابت..

ولا بأس من طمأنة الغيورين، ودغدغة مشاعرهم بأنه لا يوجد تغير أو تراجع، ولكن كل ما في الأمر أنه لا بد من التعامل مع الإعلام بقدر من المداراة والمواربة.

ضغط الاعتقال للغلو أو التراجع

وهناك آلية أخرى لاحتواء الفكر السلفي وهي: ضغط الاعتقال، وقديماً كانت السجون تعتبر أحد محفزات الغلو والتكفير كما حدث في مرحلة الستينيات في مصر.

ولكن في السنوات الأخيرة أصبحت السجون عاملاً حافزاً للتراجعات والمراجعات كما حدث مع الجماعة الإسلامية في مصر أيضاً.

الطريق الثالث: إقصاء السلفية

في أوقات سابقة في بعض الدول الإسلامية كان تصريح أحدهم: أنا سلفي، يعد بمثابة إذن مرور لممارسة كثير من الأنشطة والتحرك الدعوي بحرية ويسر.

ولكن الآن أصبح الوضع مختلفاً، وأصبحت السلفية في قفص الاتهام في بلدان كثيرة، وبات السلفيون تحت المجهر؛ فما الذي تغير؟

إنه ببساطة: الإقصاء.

والمنطلَق الأول لتبرير وتسريع إقصاء السلفية، هو: الربط التعسفي بين السلفية العلمية، والسلفية الجهادية (1ومن سياسات الاقصاء التي تتبعها أمريكا ووكلاؤها من كثير من حكام الشعوب المسلمة: تغييب الرموز السلفية، ولا سيما الصادعين بالحق والمجاهدين، فهم إما في غياهب السجون أو بالاغتيالات الفردية، وكذلك ما تقوم به أمريكا ومن معها من التحالف الدولي من دعم جوي عسكري لرافضة العراق في تدمير مدن أهل السنة وقتل أهلها وتشريدهم) إنها إذن استراتيجية متعددة المراحل: استبدال ـ احتواء ـ إقصاء.

وهذا يعود بنا إلى السؤال المطروح عن كيفية مواجهة التيارات السلفية؛ فالإجابة الصحيحة تتضمن الخيارات الثلاثة، وليس خياراً واحداً.

تنوع أدوات التعامل

ولا ريب في أن هذا التنوع في مواجهة السلفية يبدو متناسباً أكثر مع كون التيارات والفكر السلفي يتفاوت حجمه، ومستوى انتشاره بين البلدان الإسلامية؛ ومن ثَم لا بد أن تختلف طرق مواجهته من المنظور الغربي.

فبعض الدول حققت إنجازات مسبقة، وتجاوزت مرحلة الاستبدال بالفعل، وهي الآن ما بين الاحتواء والإقصاء مثل مصر، وبعض الدول تجاوزت المراحل الثلاث مثل تونس وليبيا، ودول أخرى لا تزال بين الاستبدال والاحتواء.

هذا التحليل يفرز لنا نتيجة بالغة الأهمية، وهي أن سياسة الاحتواء تمثل عاملاً مشتركاً حالياً في عدد كبير من الدول الإسلامية. (2انظر: مقال “ممنوع دخول السلفية والسلفيين” أحمد فهمي، مجلة البيان عدد: 221 بشيء من الاختصار والتصرف اليسير)

تشجيع الصوفية المنحرفة

ويقول الباحث د/ عبد الوهاب المسيري:

“مما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محي الدين ابن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي.

وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يُضعِف ـ ولا شك ـ صلابة مقاومة الاستعمار الغربي” (3موقع الجزيرة نت)

مظاهر مشترَكة الدلالة

وينبه الأستاذ/ محمد بن عبد الله المقدي في مقال له طويل بعنوان: “نقض العرى.. رؤية في البديل الغربي للتيار السلفي” على مظاهر تستدعي الانتباه فيقول:

“حين دخلت القوات الصليبية الأمريكية والبريطانية إلى البلاد الأفغانية، كان أول ما قاموا به أنهم فتحوا المزارات والأضرحة، وسمحوا للموالد أن تقام وروجوا لها.

يقول أحد شيوخ الطرق واسمه “صوفي محمد” ـ وهو في الستين من عمره ـ لوكالة “رويترز”:

إن حركة طالبان المتعصبة أغلقت المزارات، وأوقفت الاحتفالات، ومنعتنا من حلقات الذكر والإنشاد طوال فترة حكمها، رغم أنها لم تتوقف حتى في وجود الحكم الشيوعي، والاحتلال الروسي! وأنا سعيد جداً بسقوط تلك الحركة المتعصبة، وأمريكا سمحت لنا بممارسة طقوسنا، وإقامة موالدنا، ونحن نشكر لها ذلك وبشدة

هكذا قال، وهكذا فعلت أمريكا: فتحت الأضرحة، وأقامت الموالد لإحياء البدعة، ومحاربة السنة، ولتشويه الإسلام.

وفي صيف “2001م” شنت الحكومة اليمنية هجمة شرسة على جميع المعاهد الدينية بحجة مكافحة الإرهاب، فقامت بإغلاقها عدا “دار المصطفى” بـ “تريم” وهي تتبنى النهج الصوفي.

وفي زيارة هامة للرئيس الباكستاني “برفيز مشرف” إلى الهند شملت إجراء محادثات مع رئيس الوزراء الهندي “مانموهان سينج” توجه الرئيس “مشرف” لولاية راجستان ـ بغرب الهند ـ لزيارة ضريح إسلامي بارز، ثم توجه إلى العاصمة دلهي.

وفي 16 شوال 1426 حضر مولد البدوي السفير الأمريكي في القاهرة، معلناً عن إعجابه الشديد بعالم التصوف الإسلامي، لافتاً إلى ما تنطوي عليه الصوفية من تسامح، وما تجسده من قيم ومبادئ إسلامية رفيعة، مثل الحق والخير والجمال!

وقام الرئيس الجزائري “عبد العزيز بوتفليقة” بزيارات مكثفة، لعدد من زوايا وأضرحة “الأولياء والصالحين” المنتشرة في مختلف أنحاء الجزائر؛ لزيادة شعبيته لدى عدد كبير من الجزائريين، الذين يتبركون بهؤلاء الأولياء، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في الثامن من إبريل “2004م”.

وفي العراق أيضاً ـ في مدينة كركوك ـ أوضح عدد من أهالي المدينة أن مِن المتصوفة في المدينة مَن أخذوا يهادنون الاحتلال والحكومة المعينة، خوفاً من الاعتقال، خاصة شيخ الطريقة الكستزانية ويدعى محمد الكستزاني، والذي أعلن قبل أشهر أن الجهاد في العراق ينبغي أن تنطبق عليه عدة شروط قبل إعلانه منها: صفاء القلب، وتحقيق الصلة بين العبد وربه. وهو ما أثار حفيظة المقاومة العراقية، وأهالي المدينة على حد سواء”. (4انظر: المقال وتوثيق المنقولات في مجلة البيان عدد: 223)

استخدام التيار الصوفي

ولعل ما أراد الكاتب لفت النظر إليه هو أن المشروع الأمريكي في استخدام التيار الصوفي لحرب التيار السلفي يساعده في ذلك كثير من حكام الشعوب المسلمة، تلك الحكومات العلمانية التي تعادي التيار السلفي، وتقترب من التيار الصوفي لما تعلمه من أصالة المذهب السلفي، ومشروعه المنادي بتحكيم شرع الله لاطمئنانها للتيار الصوفي المعادي للمشروع السلفي.

تغيير المناهج وتشجيع الابتعاث

ومما يدل على تمالؤ هذه الحكومات مع المشروع الأمريكي: استجابتها في تغيير مناهج التعليم، وحذف كل ما يشير إلى عداوة الكفار، كالولاء والبراء، والجهاد في سبيل الله، واستجابتها وتشجيعها لابتعاث الآلاف من الطلاب إلى أمريكا للدراسة، وتغيير الأفكار والتأثر بأنماط السلوك والتربية في المجتمعات الأمريكية.

فما ظننا بحال هؤلاء المبتعثين بعد بقائهم سنوات في بلاد الكفر وما يحملون في عقولهم من الأفكار التي تأثروا بها وأثروا؟

كسْبُ الغالبية وتغيير مفهومها للإسلام

وفي نهاية الحديث عن هذه الحرب الفكرية يمكن أن نحدد أهداف الحرب وآلياتها فيما كتبه الأستاذ/ عبد العزيز كامل ـ حفظه الله ـ في مقال له بعنوان: “حرب الأفكار بين يأس الأمريكان وبأسهم”. أقتطف منه قوله:

وقد حدد تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر هدفاً جوهرياً من أهداف “حرب الأفكار” عندما نص على أنه لا بد من منازلة التيار غير المعتدل في ميدان حرب الأفكار، من أجل كسب الغالبية المحايدة التي يمكن أن تتحول إلى متعاطفة معه.

“كسْب الغالبية” إذن؛ هو الهدف والرهان الاستراتيجي، للاستيلاء على القلوب والعقول، والوصول إلى ذلك لا يكون إلا عبر تحركات تكتيكية، يكون “الدولار” فيها هو الوقود المحرك لأفكارهم، والمحرق لأفكار غيرهم.

وهذا ما ذهب إليه تقرير مؤسسة “راند” السابق الصادر في “18/4/2005” بعنوان: “قلوب وعقول ودولارات”، والذي نص على أهمية مزاحمة “العدو” على عقول الناس وقلوبهم، عن طريق تسخير الدولار، في تغيير الأفكار، باتجاه العلمنة والأمركة واللبرلة.

أي باختصار: “تغيير الإسلام” في فهم واعتقاد متبعيه.

لهذا فإن الحرب الأمريكية الراهنة على العالم الإسلامي، ستبقى في جوهرها ـ وإن سكنت المدافع ـ حرب أفكار، ولذلك فمن غير المتوقع أن تتوقف بشكل نهائي، أو ترتبط بتغيرات سياسية عندنا أو عندهم، لارتباط تلك الحرب بمعايير رضاهم عنا وعن عقائدنا ومبادئنا وأفكارنا.

وهذا الذي لن يحصل، ما دام المسلمون مسلمين، والنصارى نصارى، واليهود يهوداً: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]؛ فالمعركة بيننا وبينهم ستظل دائماً معركةً على الثوابت، بين ما عندنا من منهج الحق والهدى، وما عندهم من أفكار الغي والهوى”. (5انظر: المقال في مجلة البيان العدد: 238)

لله قدرٌ غالب

هذا ما يريده العدو لكن الله تعالى غالب على أمره، وهو تعالى منجزٌ وعده، وليجبطن تعالى كيد المتآمرين، وأحلام المبطلين، والله متم نوره ولو كره الكافرون..

………………………………….

تنبيه:

  • سبق نشر المقال بتاريخ (11/8/2019).

هوامش:

  1. ومن سياسات الاقصاء التي تتبعها أمريكا ووكلاؤها من كثير من حكام الشعوب المسلمة: تغييب الرموز السلفية، ولا سيما الصادعين بالحق والمجاهدين، فهم إما في غياهب السجون أو بالاغتيالات الفردية، وكذلك ما تقوم به أمريكا ومن معها من التحالف الدولي من دعم جوي عسكري لرافضة العراق في تدمير مدن أهل السنة وقتل أهلها وتشريدهم.
  2. انظر: مقال “ممنوع دخول السلفية والسلفيين” أحمد فهمي، مجلة البيان عدد: 221 بشيء من الاختصار والتصرف اليسير.
  3. موقع الجزيرة نت.
  4. انظر: المقال وتوثيق المنقولات في مجلة البيان عدد: 223.
  5. انظر: المقال في مجلة البيان العدد: 238.

لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:

اقرأ أيضا:

  1. المشروع الأمريكي في الحرب ضد أهل السنة الجزء الأول: سنة المدافعة
  2. المشروع الأمريكي في الحرب ضد أهل السنة الجزء الثاني: المحور العسكري
  3. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة الجزء الثالث .. الحرب الفكرية

التعليقات غير متاحة