تتنافس إيران وروسيا؛ لتتناهش ما تبقى من أهل سوريا وشعبها. كان بالأمس التنافس على البلاد واليوم يتسارقون العقول والقلوب والهوية.

الخبر

 “أقحمت لغة أقوى حلفاء النظام السوري ـ روسيا ـ إلى المناهج السورية بهدف تكريسها وإدخال الثقافة الروسية إلى المجتمع السوري عبر التعليم، وحتى تصبح لغة أساسية في المناهج السورية فيما بعد.

وأكد منسق اللغة الروسية في وزارة التعليم السورية في تصريح سابق لوسائل إعلام سورية، أن أكثر من (24) ألف طالب في جميع أنحاء البلاد يتعلمون حاليًا اللغة الروسية، والطلب عليها في ازدياد كبير.

كما “سعت وزارة التعليم الإيرانية إلى توقيع اتفاقية مع نظيرتها السورية، تنص على إدراج الثقافة واللغة الفارسية في المناهج السورية اعتبارًا من العام المقبل.

وقال نقيب المعلمين السوريين في مناطق المعارضة إن إدخال اللغتين الروسية والفارسية إلى المناهج السورية سيؤدي إلى تغيير ثقافة المجتمع لكونه احتلالا ثقافيا، ولفت إلى أن الحرب التي شنت بدعم من حليفي النظام على الثورة السورية طوال سنوات ماضية، أدت إلى التلاعب بالمؤسسات السيادية وإدراج اللغتين الروسية والفارسية في المناهج التي يدرسها آلاف الأطفال السوريين”. (1موقع “الجزيرة”، 21/2/2020، على الرابط: ماذا يخفي إدراج اللغتين الروسية والفارسية في المناهج السورية؟)

التعليق

قادت الأنظمة العلمانية بلادها وشعوبها للتغريب الثقافي، ولإشرابها ثقافات وهويات الدول التي يمثلون التبعية لها. لكنها اليوم تقودها للتبعية لدولٍ إقليمية تعبيرا عن مزيد من الإهانة والتردّي.

وبرغم ما كان للسوريين من خصوصية وميزة في تعريب مساحات من التعليم أفضل من غيرهم، ومنها الطب.

ولكن نكايةً في الشعب المسلم قام النظام بالإبادة الجسدية والتهجير وتخريب البلاد والمنشآت والبيوت وتدمير قرى ومدنا بأكملها.. ثم لم يكتفوا بهذا حتى كان التخريب المعنوي ـ والأخطر ـ للعقول والقلوب والاعتداء على الثقافة والهوية..

تبدأ الأنظمة عادة بتخريب العقول لتقبل بالمستبد العلماني وترَّهاته وفساده ومنطقِه الأعوج ومصادمته للحقائق واستعلائه على الكرامة ودوْسه لها ومصادرته للحريات..

تبدأ الأمور أن يقبل الناس من الأنظمة الطاغوتية وهما عكس واقعها وعكس ما تُبصر وتحس وتشعر، حتى تنكر بصرها وشعورها وإحساسها؛ فتقنعها الأنظمة أنها تعيش أزهى عصور الحرية، وأفضل وضع للكرامة، وأنها بالفعل تشارك قرارها وأن القرارات التي يتخذها الطاغية تمثلهم! وأنه يعبر عن آمالهم وطموحاتهم..! وتصل السفاهة بفريق من الجماهير الى تصديق هذا وهي تعيش الكذب الفادح والتزوير الفاضح، وأن الطاغية يستعبدهم وأنهم أسرى مكبوتون ومقهورون.

فإذا اعتاد هذا السقوطَ فريقٌ من الشعوب يستعمله الطغاة للركوب الى ما يبغون؛ تدنّت الأمور بعدها الى أن يتنازل الطغاة أنفسهم عما تبقى من كرامة أو عزة؛ وتظهر الحقيقة أنهم أنفسهم مجموعة من العبيد لسيد آخر، وفي بعض الأحيان هم عبيد لسادة متعددين أو كثُر.

والمثال السوري يحقق هذا الانهيار؛ فالقوة الغاشمة ضد الشعوب كسَر فيها الكثير ودمَّر البلاد، ولا يزال فريق من الناس يتبع النظام المجرم، وبقاء الأقلية النصيرية متحكمة تحت شعار “البعث” و”القومية”؛ ولا يزال من المنتسبين للإسلام والسنة من ينخدع بهذا النظام ويراه ممثلا للقومية وللسوريين، كما لا يزال يفرح النصيرية بخراب البلاد ويرون فيها أوضاعا ملائمة لطائفتهم؛ فهم مثل أقلية الصهاينة في فلسطين لا يعيشون إلا في خراب، بل وهكذا الأقليات في المنطقة العربية والإسلامية، ينشطون مع الخراب ويعيشون فيه آمنين سعداء على جثث “الأمة” بأكملها، ويرحبون به في سبيل الطائفة الكافرة على حساب الإسلام ولو حقق لهم العدل والإزدهار وعاشوا في المجتمع المسلم آمنين متمتعين بالعدل ورؤية الحق لو طلبوه.

واليوم يستباح كل شيء بعد استباحة الأرض لقوات من شتى البقاع الروسية للنصارى الأرذوكس، والإيرانية والأفغانية والباكستانية لأوباش الرافضة..

والآن يتبعها استباحة المؤسسات التعليمية لشتى اللغات والثقافات، وبعد أن كانت تطمع كل بلد أن تقتطع جزءا من أرض سوريا، اصبحت تطمع أن تقتطع جزءا من عقول السوريين وهويتهم؛ ليتْبع الناسُ الأرض بعد اقتطاعها.

وهذه الاستباحة أخطر وأشد ضررا من الأولى؛ فالإنسان المنتمي لدينه وهويته والعزيز في بلده والمدافع عنها وعن حرماته يتأبى على التبعية للغير، سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، والأشد منها جميعا التبعية الثقافية وتبعية الهوية.

وعلى أية حال فلا يستغرب على هؤلاء الطغاة مثل هذه المواقف فإنه ليس بعد الكفر ذنب.

خاتمة

ليس وراء الأوضاع المنقلبة والظالمة إلا مزيد من غلبة العدو وانهيار ما تبقى من موانع وحواجز.

وإيقاف وردْع هؤلاء المجرمين أمر واجب لا غنى عنه.

ولا يظن جزء من الأمة أنه بعيد عن هذا الانهيار لأجل أنه حدث في باد دون بلد؛ فالطغاة سلك منتظم يتساندون لئلا يسقط أحدهم، ولو جاء من بينهم شريف تآمروا ليسقطوه ويستبدلوه بواحد منهم. والخط العام الذي ساقنا اليه هؤلاء المجرمون في شتى بقاع المسلمين هو خط متشابه تتقدم بعض خطاه على الآخر، ولذا فالواجب أن تنتبه الأمة بأسرها لمستقبلها كأمة واحدة؛ وإلا اقتطع منها جزء تلو آخر.

والله تعالى العاصم والهادي الى سواء السبيل.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة”، 21/2/2020، على الرابط:
    ماذا يخفي إدراج اللغتين الروسية والفارسية في المناهج السورية؟

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة