إن روح الأمة الواحدة سياسيا وشعوريا حاضرة لم تغب، ولم تخبُ شعلتها منذ سقوط الخلافة حتى اليوم، وأنها أقوى من كل الولاءات المصطنعة وطنيا وقوميا وحزبيا، وأنها كما أكد القرآن ﴿أمة واحدة﴾، لم تستطع الحدود وأدها

فرح الملايين من المسلمين والمستضعفين بفوز الطيب أردوغان

لم يفرح المسلمون في مشارق الغرب ومغاربها في العصر الحديث على اختلاف شعوبهم ومذاهبهم وجماعاتهم كما فرحوا في ليلة فشل الانقلاب العسكري في تركيا ٢٠١٦ وعشية هزيمة المعارضة التركية العنصرية في انتخابات ٢٠٢٣م!

وهو فرح شهده الجميع الموافق والمخالف فلا يمكن المكابرة بنفي حدوثه! كما لم تصطنعه أكاذيب وسائل الإعلام، ولا تضليل الحكومات لشعوبها، فقد كان الإعلام العالمي، والنظام الغربي الأمريكي الأوربي مع الانقلاب، ومع المعارضة التركية بما فيهم الأحزاب الإسلامية (السعادة) والجماعات الدينية (فتح الله قولن)!

بينما كانت الأمة وشعوبها ومستضعفوها ومهاجروها مع الحكومة التركية حتى من كانوا ينتقدونها ويرون تفريطها في حقوقهم لم يجدوا بدا في تلك الأحداث من الوقوف معها والفرح بهزيمة عدوها!

بل كان أشد المسلمين فرحا هم أشدهم سخطا عليها وهم السوريون الذين يرونها تخلت عن ثورتهم وخذلتهم!

فرح الأمة … دلالات وعلامات

وهو أمر لم يحدث مثله قط في تاريخ الأمة الحديث! ولا يمكن تجاهله، ولا تجاوز أسبابه والوقوف على دلالاته، إذ يؤكد هذا الفرح:

أولا: أن روح الأمة الواحدة سياسيا وشعوريا حاضرة لم تغب

ولم تخبُ شعلتها منذ سقوط الخلافة حتى اليوم، وأنها أقوى من كل الولاءات المصطنعة وطنيا وقوميا وحزبيا، وأنها كما أكد القرآن ﴿أمة واحدة﴾، لم تستطع الحدود وأدها، ولا السدود صدها، ولا المال شراءها، ولا غيّر الإعلام ولاءها، ولا استطاع طمس هذه الروح التي تنتظر الفرصة السانحة لاستعادة وحدتها المفقودة، وسيادتها وخلافتها الموؤدة !

 ثانيا: كشفت هذه الأحداث عن حقيقة الولاء الإيماني بأوضح صوره

فانحاز المؤمنون وصالحوهم ومستضعفوهم ومجاهدوهم جميعا إلى خندق الأمة انحيازا لا شعوريا بلا تواطؤ منهم ولا اتفاق ﴿ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة﴾، وإنما حملهم عليه أخوة الإيمان كما في الصحيح (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) وهذا إخبار عنهم وعن حالهم، وأنهم لا يكونون إلا كذلك، ﴿هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم﴾، بينما انحازت أكثر حكوماتهم وإعلامها، وأحزاب الضرار وأتباعها، إلى الخندق الأمريكي الأوربي وأوليائه!

ثالثا: كان فرح المؤمنين بهزيمة العدو أشد منه بنصر الحكومة التركية

فقد استنفرت الأمة كلها ودفعت عن نفسها خطر العدو الخارجي الذي يتربص بها، وفرحت بهزيمته، كما فرح الصحابة المهاجرون في الحبشة بهزيمة عدو النجاشي ولم يكن حينها يعلمون إسلامه!

كما قالت أم المؤمنين أم سلمة – في مسند أحمد – وهي تقص خبر هجرتهم إلى الحبشة وسعي المشركين لإعادتهم منها لاضطهادهم وما حدث بعد ذلك للنجاشي والانقلاب عليه: (وأقمنا عنده بخير دار، مع خير جار قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به من ينازعه في ملكه.

قالت: فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك! تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه.

قالت: وسار النجاشي وبينهما عرض النيل، فقال أصحاب رسول الله ﷺ: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم، ثم يأتينا بالخبر؟

قالت: فقال الزبير بن العوام أنا.

قالت: وكان من أحدث القوم سنا، قالت: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج من ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم.

قالت: ودعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة).

وفي سيرة ابن هشام: (قالت: فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، قالت: فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن، إذ طلع الزبير وهو يسعى، فلمع بثوبه وهو يقول: ألا أبشروا، فقد ظفر النجاشي، وأهلك الله عدوه، ومكن له في بلاده، قالت: فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها.

قالت: ورجع النجاشي، وقد أهلك الله عدوه، ومكن له في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم).

رابعا: ظل أسرى الأوهام الفكرية والحزبية كعادتهم في كل نازلة

لا يفرحون بفرح المسلمين، ولا يحزنون لحزنهم، حيث انقطعت الولاية، وحالت تصوراتهم دون واقع أمتهم، وحقيقة دينهم، فظنوا أنهم أهدى منها سبيلا، وأوضح دليلا، ولم يروا أن فرحها إنما كان بنعمة الله عليها أن دفع عنها صولة عدوها، بل رأوا ذلك الفرح الطبيعي تعزيزا للعلمانية التي خرجوا لدفع طغيانها، وصد عدوانها!

فواخذوا الأمة بلوازم الفعل التي لا تلزمها أصلا، كمن يلزم الصحابة بفرحهم يوم هزيمة عدو النجاشي ودعائهم له بالنصر بتعزيز النصرانية وشركها وتثليثها في الحبشة!

وظنوا أن فرحها بنصر الله لها على عدوها من عمل الشيطان، ولو رأوا استغاثة الملايين من اللاجئين والمهجّرين بالدعاء ثم فرحهم بالنصر (لوجدوا الله عندهم)!

المصدر

الدكتور حاكم المطيري.

اقرأ أيضا

درس وعبرة من الانتخابات التركية

الانتخابات التركية بين أردوغان وضياع تركيا

علماء الأمة يدعون إلى انتخاب أردوغان

التعليقات غير متاحة