ما يحمله الإسلام من عقيدة وقيم ومنهج، وما في الأمة من أخلاق وقيم، كلاهما يعطيها التفوق، وما يحمله الغرب من بذور خبيثة وملامح تفكك وإفلاس أخلاقي وقيمي، كلها يؤكد ـ وباعترافهم ـ أن الإسلام هو الحضارة المهيأة للاستمرار والبقاء، وله المستقبل بإذن الله.

ما تعانيه الأمة اليوم لا يعني دوام النصر للمعتدين

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :

فقلد بلغ الظلم اليوم بالمسلمين غايته، وبلغ فساد وإفساد المجرمين منتهاه، وبات المستضعفون من الرجال والنساء والولدان يتساءلون متى نصر الله؟ فيجيبهم المتفائلون من العلماء والدعاة والمحسنون الظن بربهم بما أجاب به سبحانه وتعالى على هذا السؤال: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) ومع أن التفاؤل مطلوب في مثل هذه الظروف؛ التي ظهرت فيها إرهاصات قرب نصر الله، والله عز وجل يحب الفأل؛ إلا أنه سبحانه قد جعل لنصره، وتمكينه لأوليائه، ومحق أعدائه، سننا يجب أن يقف عندها الصالحون والمصلحون، فبدون معرفتها والسير في ضوئها يحصل الانحراف في بوصلة التغيير، ويتأخر النصر، بسبب المعوقات الموجودة عندهم، ويجد الشيطان بغيته في التشكيك في وعد الله النصر لأوليائه.

دين الإسلام لا ينصر إلا بجهد البشر وتضحياتهم وبلائهم

نعم إن نصر الله قريب، ولكنه لا يتحقق إلا بتوفر شروطه، وانتفاء موانعه، ولو شاء الله عز وجل لانتصر لدينه، ومكن لأوليائه، ومحق أعداءه في لمح البصر؛ بدون جهد البشر فإن الله على كل شيء قدير، لكن الله عز وجل بحكمته وعلمه لم يرد هذا؛ وإنما أراد أن ينتشر الدين، وتعلوا كلمته بجهد البشر، والصبر والمصابرة والابتلاءات، والسير في ضوء سننه سبحانه في التغيير، لما في ذلك من الحكم والغايات الشريفة.

أخطاء بسبب نسيان السنن الربانية

ومن أعظم السنن التي يجب أن تراعى وتنفذ؛ سننه سبحانه في التغيير، والتي بينها سبحانه في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) وكثير من الناس تراه إذا تأخر نصر الله، وتوالت المحن على المسلمين؛ وطال ليلها؛ يداخله شك في وعد الله بنصره للمؤمنين والوارد في مثل قوله سبحانه وتعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً) ولجهله بربه وبنفسه يرى أنه مستحق للنصر والتأييد يجيب الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن سبب هذا الشك والوساوس الشيطانية فيقول: (وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين:

إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه، وبدينه، واعتقاده بأنه قائم بما يجب عليه، وتارك ما نهي عنه، واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك.

المقدمة الثانية: اعتقاده أن الله عز وجل قد لا يؤيد صاحب الدين الحق وينصره، وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه بل يعيش عمره مظلوما مقهورا مستضاما، مع قيامه بما أمر الله به ظاهرا وباطنا، وانتهائه عما نهي عنه ظاهرا وباطنا، فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، وهو تحت أهل الظلم والجور والعدوان، فلا إله إلا الله كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل، ومتدين لا بصيرة له، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين،… والمقصود أن المقدمتين اللتين ثبتت عليها هذه الفتنه أصلها الجهل بما أمر الله، ودينه، ووعده ووعيده)1(1) إغاثة اللهفان (2/180)..

قل هو من عند أنفسكم

إن كثيرا من المسلمين يحيلون فيما يصيبهم من قهر واستضعاف وظلم على العدو الخارجي من كفار ومنافقين، ولا شك أن لهم دور في ذلك، ولكنهم ينسون أنفسهم ومجتمعاتهم وما فيها من المخالفات الظاهرة والباطنة، والتي بسببها تأخر نصر الله وتسلط الأعداء، لذا وجب الانتباه إلى أننا إذا أردنا أن يغير الله ما بنا من ذل وظلم، فإنا نبدأ من أنفسنا وصفوفنا الداخلية بأن نتخلص من الآثام الظاهرة والباطنة، التي تنقص الإيمان، ويتأخر بسببها النصر والفرج، وهذا واضح جلي في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وقوله تعالى عن كيد الكفار وعداوتهم: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، وبهذا نفهم قوله تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، وقوله سبحانه: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)، وأنه إذا تأخر نصر الله وجعل الله للكافرين علينا سبيلا؛ فالنجزم أن وصف الإيمان الذي رتب الله عليه النصر ورد كيد الأعداء فيه خلل ونقص. والعلاج أن نتوجه لإصلاح هذا النقص، ما كان منه باطنا في القلوب؛ وما فيها من الآفات، أو ظاهرا على الجوارح والسلوك. ونظرة إلى أحوالنا اليوم وما اعتراها من الخلل والآفات تفسر لنا المهانة التي نعيشها وسر تأخر نصر الله عنا.

أدواء وأمراض لا بد أن نتعافى منها

ومن أهم الأمور التي يجب المسارعة إلى معالجتها بالتوبة النصوح والتغيير (وهي على سبيل المثال لا الحصر) :

أولا: الخلل الحاصل في أعمال القلوب من الإخلاص لله تعالى والخوف منه ورجائه والتوكل عليه وما نتج عن هذا الخلل من رياء وعجب وكبر وتحاسد والخوف المحرم من المخلوق والتعلق به.

ثانيا: الظلم الواقع بين طبقات المجتمع سواء كان ذلك في الاعتداء على الأنفس أو العقول أو الأعراض أو الأموال أو أكل للربا والمال الحرام  أو التقصير في الواجبات والحقوق التي تكون بين العباد.

ثالثا: موالاة الظالمين والركون إليهم والمداهنة لهم من بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة.

رابعا: التحزب المذموم ولا سيما الحاصل بين الجماعات الإسلامية، أو الفصائل الجهادية، وما نجم عنه من التفرق والاختلاف؛ بل والمعاداة، وهذه الآفة من أخطر الآفات لما لها من التأثير في تأخير النصر قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).

خامسا: الاختلال في بعض المناهج الدعوية؛ ومخالفتها لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سواء كان ذلك في بعض المفاهيم، أو الأخلاق والسلوك.

سادسا: حب الدنيا والركون إليها، وسيطرة حياة الترف والبذخ، والتنافس فيها، والغفلة عن الآخرة عند كثير منا فكيف نطمع في النصر وعندنا هذه الآفات التي تنقص الإيمان الواجب؛ الذي هو شرط للنصر. وقد يقول قائل إن هذه الآفات والمخالفات لا يخلوا منها مجتمع من مجتمعات المسلمين في تاريخهم الطويل.

والجواب: أننا نعني بذلك مجتمعات الدعاة والمصلحين الذين قاموا لنصرة هذا الدين، ووجود هذه الآفات بينهم فلابد أن يتنادوا ويتواصوا بينهم في إصلاح ذات بينهم والإقلاع عن هذه الذنوب المانعة من نصر الله.

نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بمواطن الضعف في نفوسنا وأن يصلح لنا شأننا كله وأن يستعملنا في طاعته ونصرة دينه… والحمد لله رب العالمين ..

الهوامش

(1) إغاثة اللهفان (2/180).

اقرأ أيضا

أبشروا وأملوا يامعشر المسلمين

أسباب النصر وأصول التمكين .. (1-2)

أسباب النصر وأصول التمكين .. (2-2)

بشارات .. لمن المستقبل؟ مختارات من “المسلمون والحضارة الغربية” (10)

لماذا يتأخر النصر ومن يستأهله؟

ولا تهنوا ولا تحزنوا .. فالنصر قادم

التعليقات غير متاحة