لا أحد يحب القتال.. لا أحد يحب الخسارة.. لكن لو فُرض علينا احتلال جاثم على قلوبنا ماذا نحن فاعلون؟

البداية المنطقية: سؤال مصيري واثنان من حماقة الرد!

هل سيزول الاحتلال من تلقاء نفسه؟

لو قلت “نعم” = فهي حماقة!

ولو قلت “لا”= إذَن.. هل لابد من مقاومته؟

لا= تناقُض.

المقاومة المسلحة: ليس خياراً، بل ضرورة تاريخية

نعم= إذن.. هل لابد من مقاومة سلمية أم بالسلاح؟

بالسلمية= حماقة؛ فلم يحدث في التاريخ أن غادر احتلال بلا مقاومة مسلحة.

بالسلاح= إذن.. هل سيرد العدو بكل قوة أم يإلقاء الزهور على غزة؟

سيلقي الزهور= حماقة ظاهرة.

ثمن الحرية: دماءٌ كثيرة.. أم حياةٌ ذليلة؟

سيرد بكل قوة= إذن.. هل سيموت خلق كثيرون أم قليل.

قليل= حماقة وجهل بطبيعة اليهود وما فعلوه في فلسطين من قبل وإلى ما قبل 7 أكتوبر.

هل يتأثر الاحتلال؟.. نعم، وهزائمه تتحدث!

خلق كثيرون= لكن.. هل سيتأثر الاحتلال سلبياً بهذه المقاومة؟

لا= حماقة؛ لأن الاحتلال خسر بحسب (المعهد الوطني لدراسات الأمن القومي الإسرائيلي) “أكبر خسارة بشرية في تاريخه”. هذا غير انهيار “حلم إسرائيل الكبرى”، وارتفاع معدلات الهجرة والإصابة بالهلع وانعدام الأمن والأمراض النفسية في شعب الاحتلال.

نعم= هل تأثره هذا تأثر كبير أم محدود؟

محدود= حماقة، ولا يقول بذلك عاقل أو متابع، فإسرائيل نفسها ترى أن ما حدث بها من نكاية مادية ومعنوية لم يحدث من قبل في تاريخها.

كبير= وهل يتحقق النصر في معركة واحدة؟

نعم= حماقة، راجع تاريخ الشعوب المستعمرة وكم عانت ومرت بمراحل مختلفة من النصر الجزئي والهزيمة حتى نالت استقلالها.

الطريق طويل.. والمقاومة تتطور: من الحجارة إلى غزو المستوطنات

لا= إذن أنت تتفق معي أن الطريق طويل، وبإمكانك أن تلاحظ أن المقاومة تتطور، فأطفال الحجارة في الانتفاضة أصبح أبناؤهم مقاتلين شرسين يهجمون على الصهاينة بحراً وجواً وأرضاً! فيقتلون الضباط ويأسرون الجنود ويحتلون المستوطنات ثلاثة أيام ويفجرون الدبابات والمدرعات ويقصفون مستوطنات الاحتلال بآلاف الصواريخ!

مأساة غزة: احتلال غاشم يضعك بين نارين

عندما تموت المقاومة المسلحة، أو تصبح معارضة سلمية، أو تكون على شاكلة محمود عباس، الدمية العجوز.

أسمعك تقول: لكني حزين على الأطفال والنساء ودمار غزة الهائل!

نعم يا صديقي، فهي خسارة عظيمة ونسأل الله لهم الجنة ولذويهم الصبر، لكن أتعرف أن السبب في هذا هو الاحتلال الذي وضع الفلسطينيين بين خيارين أحلاهما مر:

الخيار الأول: إما أن تستسلموا وحينها أقتلكم بالتدريج وبالبطيء، عن طريق الحصار والتجويع، وإهانة مسجدكم الأقصى ومقدساتكم، واغتصاب أراضيكم وإعطاؤها للمستوطنين، واعتقالكم اعتقالاً إدارياً لمجرد أنكم فلسطينيون وتغييبكم في ظلمات المعتقلات بلا أي أفق للحرية… إلخ

الخيار الثاني: وإما أن تقاوموني وتجاهدوني وحينها سأقتلكم أيضاً لكن بسرعة هذه المرة وبقوة أكبر، وسأجعلكم تندمون على مجرد التفكير في التجرؤ على أسيادكم!

لمن لا يذوق مرارة الذل: أهذه حياة يستحق العيش؟

بربك يا صديقي: هل هذه حياة؟

أم الموت أكرم وأعز وأشرف؟

ربما لم تذُق أنت مرارة الظلم والإذلال في نفسك أو أهلك من قبل، لكن الفلسطيني يعيشه كل يوم بل كل لحظة!

الفئة المستسلمة: الوجه الآخر للاحتلال عبر التاريخ

لكن دائماً، واقرأ إن شئت جميع تجارب الاحتلال في كل دول العالم، فوضوح الحال يغني عن المقال، وليس يصح في الأفهام شيء ** إذا احتاج النهار إلى دليل!

اقرأ واطلع ستجد أن مجاهدي ومقاومي المحتلين دائماً يواجَهون بفئة انهزامية تلومهم على فِعل المقاومة! وإخوانهم في نفس الفئة لكن في درجتها العليا يتعاونون مع الاحتلال نفسه!

الطبع البشرى والواجب العقلي: لماذا نخالف فطرة الخوف؟

إن طبع الإنسان في كراهية القتال والحرب والخوف والهلع، كل ذلك نص عليها القرآن الكريم: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ﴾، ﴿كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ﴾، ﴿ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا﴾.

لكن منذ متى كان الانجرار مع الطبع والرضوخ له هو السبيل الصحيحة؟ في الدنيا قبل الدين أنت تخرج من منطقة راحتك وتخالف طبعك ونفسك عندما تحكم بعقلك لا بمشاعرك على شيء بالصحة، تتحرك بعقلك حينها وإن خالفت أهواءك، لابد من الصلاة وإن شعرت بالتعب، لابد من العمل رغم حبك للراحة، لابد من المذاكرة رغم شعورك بالملل، لابد من الصبر على الرزق الحلال رغم صعوبة العيش… إلخ

لقد خالف الكفار طبعهم عندما احتلت ديارهم؛ فما الأولى بالمسلمين؟!

دروس من التاريخ: عندما فضّل الآخرون الموت الكريم على الحياة المهينة

المقاومة الفيتنامية كانت أشرس ما يكون وتكاد تُصعق حينما تقرأ في تلك التجربة سواء ضد فرنسا أو أمريكا، حيث عاش المقاومون الفيتناميون في ظروف قاسية للغاية تحت الأرض لشهور، متحملين نقص الهواء والرطوبة والأمراض، مع الاستمرار في شن الهجمات المفاجئة والقاسية على القوات الأمريكية.

اليابانيون كوّنوا كتائب من الطيارين الفدائيين (الكاميكازي) فكانوا ينطلقون زرافات ووحداناً ليلقوا بأنفسهم وطائراتهم إلى الموت، والموت وحده، بلا أي أفق للنجاة، ضد سفن الحلفاء خلال المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وشكّلوا كتائب (شينيو) تلك الزوارق السريعة والصغيرة المحشوة بالمتفجرات، يقودها فرد واحد ليصطدم بها في سفن العدو. ولا نستطيع أن نحصي هنا المزيد من هذه النماذج لبشر قرروا الحياة هم وشعبهم بكرامة وإلا فالموت!

كيف يكون المسلم؟ بين نداء الجهاد ووسوسة الاستسلام

هل تراه يفرط في أرضه؟ هل تراه يعيش ذليلاً عبداً لغير الله مهاناً؟

يموت كل يوم؟ من أجل ماذا؟

كيف وربه أمره بالجهاد في سبيله والدفاع عن أهله ونفسه؟

كيف وكتب تاريخه مليئة بالاستشهاديين والمجاهدين الأبطال؟ بدءاً من الصحابة الكرام وإلى عصرنا هذا؟

هكذا يتكلم المنهزمون: شبهات واهية تحت غطاء “الواقعية”!

إن الفئة الانهزامية كانت وستظل موجودة ودوماً سيكون لسان حالهم إذا أفصحوا بصدق عن دواخلهم:

المقاومة ستجلب الشر والاستسلام هو أفضل خيار.

لكن بالطبع لن يقولوها بهذا الوضوح ولكن سيقولون: الإمكانيات غير متكافئة (وكأن المقاومة لو ظلت مليون سنة ستصل لكفاءة الاحتلال العسكرية!). أو: التوقيت غير صحيح (وكأنهم يعملون بجد ويثابرون بالليل والنهار ويعدون العدة لملاقاة العدو!)… إلخ.

تلك الفئة غير مستعدة لدفع أي ضريبة، هي فقط تريد الأمان والسلام، حتى لو سُرق مالها، واغتُصبت نساؤها، وسُلبت أرضها، وأُهين دينها، ودُمر مستقبل أبنائها!

الخيانة العليا: عندما يبيع البعض وطنهم بوعود كاذبة

إن هذه الفئة درجات، في درجتها العليا قد يرى منتسبوها أن من الذكاء الوقوف مع الاحتلال ضد المقاومة التي ستدمر البلاد بأفعالها غير الحكيمة وغير المحسوبة! بينما ترى الاحتلال سيطور البلاد وينميها!

وقد حدث هذا في وقائع تاريخية كثيرة، مثل المعلم يعقوب في مصر إبان الاحتلال الفرنسي، الذي كان موظفاً إدارياً لدى المماليك وعندما احتل الفرنسيون مصر، رأى في ذلك فرصة فأسس فرقة عسكرية وساعد في قمع جهاد المصريين، ووصل إلى رتبة جنرال في الجيش الفرنسي، وعندما انجلى الاحتلال غادر مع بقاياه.

وفي المغرب كان التهامي الكلاوي (باشا مراكش).. الذي تعاون مع الاحتلال الفرنسي، وأسهم في نفي السلطان محمد الخامس. وفي الجزائر قيادات قبائل وعائلات إقطاعية، دعمت فرنسا وشاركت في قمع المقاومة.

وفي فلسطين نفسها (قبل 1948) بعض سماسرة الأراضي باعوا مساحات شاسعة من الأراضي للمنظمات الصهيونية، مما سهل الاستيطان وتهجير أصحاب الأرض. وإلى يومنا هذا جواسيس تجندهم إسرائيل لتقديم معلومات أمنية ومخابراتية عن المقاومين والناشطين.

وفي الفلبين والصين وفيتنام، تكررت تجربة قوات محلية متعاونة قدمت الدعم العسكري والإداري لليابان خلال احتلالها لهذه البلاد. والأمثلة كثيرة جداً وعصية على الإحصاء.

اختر موقعك.. إما مع الأحرار، أو مع المستسلمين!

لا أحد يحب القتال.. لا أحد يحب الخسارة.. لكن لو فُرض علينا احتلال جاثم على قلوبنا ماذا نحن فاعلون؟

إما أن تكون رجلاً حراً كريماً شريفاً.. تدافع عن دينك وأرضك وأهلك وعرضك ومالك، وتصبر وتحتسب.

أو تكون من الفئة المستسلمة! سواء في درجتها الدنيا من اللوّامين القاعدين، أو في درجتها العليا من العملاء والجواسيس!

فاختر لنفسك!

كل التحية والإجلال والإكبار لشهداء غزة الأبرار وجنودها الأشداء وشعبها الصابر الصامد.. نصركم الله وثبتكم وأخلفكم خيراً!

المصدر

مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، حامد عبد العظيم.

اقرأ أيضا

أجهزة السلطة الفلسطينية: أمن مَن؟

مهانة الترتيبات الأمنية مع المحتل .. ومنظور شرعي

المنافقون في فلسطين وحكمهم

من صفات المنافقين المسارعة في ولاء الكافرين

التعليقات غير متاحة