القوة أمر حاسم لهيَبْة المسلمين، وردع العدو الظاهر، والعدو المستتر من المنافقين حكاما كانوا أم أفرادا وجماعات؛ لمنع أدوارهم الخطيرة والمفسدة.

القوة فرض

إن الإسلام دعا إلى امتلاك كل أنواع القوّة بوسائلها المشروعة..

فيجب على المعسكر الإسلامي إعداد العدة دائماً واستكمال القوة بأقصى الحدود الممكنة؛ لتكون “القوة المهتدية” هي القوة العليا في الأرض؛ التي ترهبها جميع القوى المبطلة؛ والتي تتسامع بها هذه القوى في أرجاء الأرض؛ فتهاب أولاً أن تهاجم دار الإسلام، وتستسلم كذلك لسلطان الله فلا تمنع داعية إلى الإسلام في أرضها من الدعوة، ولا تصدّ أحداً من أهلها عن الاستجابة، ولا تدّعي حق الحاكمية وتعبيد الناس، حتى يكون الدين كله لله…

والمسلمون مكلفون أن يكونوا أقوياء، وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض؛ ولتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدين كله لله. (1)

العدوُّ الذي أمر الله بإعداد العدة  له على نوعين: عدوٌّ ظاهرٌ سافرٌ، يعلنُ العداءَ، وهو في زمنِ نزول قول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال:60) المشركونَ واليهود.

وعدوٌّ آخرُ غيرُ مُعلَن، وهو أخطرُ على الأوطان مِن الأول، وهم الذين يُظهرون المودةَ والصحبة، ويضمرونَ الغدرَ والخيانةَ، وهؤلاءِ هم المنافقونَ، الذين أخبرَ اللهُ بأنهم في الدركِ الأسفل مِن النار، ولن تجدَ لهم نصيرًا، فعذابُهم أشدُّ مِن عذابِ المجاهرينَ بعدائِهم للدِّين.

وبعدَ أن أمرَ الله بأخذِ العدةِ للعدوِّ عامّة، الظاهر منه والباطن، في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، نبَّهَ بالخصوصِ على العدوِّ المتستِّرِ؛ لخبثه وخطورِة الدورالخسيس الذي يلعبه، فقال: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ وفي قوله: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ تهديد ووعيد لهذا العدو المتستر.

وكان يمثلُه في العصرِ الأوّلِ المنافقونَ والمخَذِّلونَ والمرجِفُون، الذينَ قالَ الله فيهم: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ (الأحزاب:60-61).

فقد قام المنافقون بتشكيلِ جبهةٍ سياسية داخلية تعملُ بمبدأ “التقيَّة” في العاصمة الإسلامية، وهذه الجبهة تعمل بشكل منسَّق مع المشركين من قريش ومشركي بقيَّة العرب من جهة، ومع اليهود في الجزيرة العربية من جهة أخرى، ضد الدولة الإسلامية؛ من أجل إضعافها وشل مساعيها في البناء والتطور وإسقاطها فيما بعد.

ويترأَّس هذه الكتلةَ المنافقُ عبدالله بن أُبي بن سلول، وقد أظهر الإسلامَ هو ومَن معه وأضمر الكفرَ والعداء للإسلام والمسلمين ولشخص رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم.

وقد قام المنافقونَ بأعمالٍ لا يستهان بها، ولها من التأثير السلبي الشيءُ الكثير، ولكن انضباط المجتمع المسلم بالتكاليف، والانصياع بشكل كامل للأوامر، والإخلاص في العمل من أجل رضا الله، سبحانه وتعالى، والحكمة في التصرف، كان سببًا مباشرًا في تشتُّت أعمالِ المنافقين كافَّة، على الرغم من عظم حجمها وخطورتِها. (2)

العدو المستتر إن كان “حكاما”

أمّا اليوم، فالعدوّ المتستر صارت له جيوشٌ مجيَّشةٌ مِن بني جلدتِنا، متنوعة، جماعات وأفراد وحكام، كلّها مجنّدٌ لخدمةِ العدوِّ الخارجيّ وتختلف أدوارهم.

إن كانوا حكّامًا، فالعدو يستخدمُهم ضدّ مصالحِ الأمة لقاءَ الحفاظِ على عروشِهم، وحمايتهم من شعوبِهم، ومدِّهم بما يلزمُ لذلك مِن السلاحِ والعتادِ، وتبادلِ معلوماتِ التجسّسِ على الشعوبِ وقضايا الأمةِ.

ثمن خدمة العمالة

وثمنُ هذه الخدمة، التي يقدمُها الأجنبيُّ للحكامِ، متنوع:

إتاوات وجزية

منها إتاوات وجزية تُدفع لخزائنِه، ومن لا يقدر منهم على الجزية يرضون منه بالمذلة وبذل وسعه في خدمة الصهاينة.

استلاب الحرية، وقمع الشعوب

ومنها ـ وهو الأوكَسُ والأبخس ـ استلابُهم حرية اتخاذِ القرارِ في بلادهم، فلا يملكون من أمرهم شيئا، لذا تراهم لا يترددون في مساندة قمع الشعوب التي ثارت على الظلم والاستبداد.

عداء حركات التحرر، والعدالة، وإقامة الشريعة

ومن الثمن الذي يقدمه هؤلاء الحكام أنهم لا يترددون في إعلان عدائهم لحركات المقاومةِ للكيانِ الصهيونيّ في فلسطين، ووصفهم بالإرهاب، ولا يترددون في العمل على تهميشِ دورِ الدّين في حياةِ الناسِ، واتهام كل من يدعو إلى العودةِ إلى تطبيق الإسلامِ في السياسة والحكم، أو يدعو إلى العدالة الاجتماعيةِ ـ التي يطبقها الغرب  في بلاده! ـ بالتطرفِ والإرهابِ.

هذا على مستوى الحكام..

العدو المستتر إن كان “أفرادا وجماعات”

وعلى مستوى الأفرادِ والجماعاتِ؛ صار الذين يعملون للغرب أو للشرق، ويستخدمُهم العدوّ ضد شعوبهم ـ بكل أسف ـ من الكثرة بمكان، يُشْتَرَونَ بالثمن القليلِ والكثير، بالتجنسِ في بلادِ الغربِ، وبفتحِ الحسابات الأجنبيةِ، التي تودع لهم فيها الأموالُ المنهوبةُ مِن بلدانهمْ، وبالعقود المشبوهة التي مكّنهم منها الحكام الموالون لأعداء الوطن، وبالوعودِ بالمناصبِ، وكم وعدوا وأخلفوا، فذهبت الدنيا والدين.

وبالتمكينِ لهم في حكمِ بلدانهم نيابةً عن الأجنبيِّ؛ ليكونُوا خدَّامًا له، وكلاءَ عنه، رهنَ إشارتِهِ؛ فصاروا مطيةً له، هيْمَنَ مِن خلالِها على الأوطان، لسلب خيراتها، ومصادرة قرارِها وحرياتها.

وتوسع هذا الاستخدام “السافل”” لأبناءِ الوطنِ، واستعمالهم أينما اتجهت، استعملهم في قهر شعوبِهم وإذلالها، بالتهجير والترهيبِ والتخويفِ، وانعدامِ الأمنِ، وغيابِ القانونِ، وشحِّ القوتِ، والشعورِ باليأس وفقدِ الأملِ، وفي تدميرِ أوطانِهم، تحتَ مسمَّى “محاربةِ الإرهاب”، وتحت تغطيةِ ما يُسمّى “بالمجتمعِ الدولي”، وتدخلاتِه مِن خلالِ “الأممِ المتحدةِ” ومبعوثيها في الشؤونِ الداخليةِ للدولِ التي قامت فيها الثوراتُ؛ لتأديبها، وإعادتِها إلى الاستبدادِ والقهرِ!

هذا الأسلوب في استخدام أبناء الوطنِ وشراءِ الذّمم، وَجَدَهُ الغربُ الوسيلةَ السهلةَ، التي مكنتهُ ممّا يريدُ، دونَ خسائر ولا مخاطر، لا تكلّفهُ سوى تنفيذِ مخططاتِ المكرِ، وزرعِ الفتنِ والعداواتِ، وإشعالِ الحروب؛ ليدمروا بلادَهم بأيديهم، ويقتلَ بعضُهم بعضًا، دونَ أيّ كلفةٍ في صفوفِهِ.

تعدد وخطورة جهات العدو المستتر

الجبهاتُ التي تعملُ في الخفاءِ في عصرنَا، استعصَت على الحدِّ والعدِّ، استخباراتية وسياسية واقتصادية ومالية وإعلانية.

جبهاتٌ بعضُها نعلمُه، وبعضُها لا نعلَمُه، كما قال الله تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، قد لا نعلم ما يكيدُه العدوُّ في وقتِهِ، ونعلمُه بعد فواتِ أوانِهِ، وإنفاذِ مكرهِ.

الواجب على من انزلقَ وأخطأَ، الرجوعُ والتوبةُ، فإنّ بيعَ الأوطانِ خزيٌ وعارٌ، في الدنيا والآخرة.

أما الأمة فعليها أن تعرف عدوها لتحذره، والتيقظ للمكرِ المعلَن والخفيِّ بإعداد القوة كما أمر الله تعالى.

هناك قوةٌ عظيمة تملكُها الأممُ والشعوبُ الضعيفةُ، سببُ نكبتِها أنّها فرّطتْ فيها، وهي قوة لا تُغلبُ، لا تستطِيعُها الطائراتُ ولا الصواريخُ ولا البارجاتُ، هيَ …

رصُّ الصفوفِ قوةٌ يرضاهَا اللهُ ويحبُّها؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾.

رصُّ الصفوفِ مع صدقِ العزائمِ وإخلاصِ النوايَا .. قوةٌ لا تُغلَب.

وهو سلاح لا تملكه الأمم الكافرة.

الهوامش

  1. في ظلال القرآن، الأنفال آية60.
  2. “سياسة الدولة الإسلامية في التعامل مع الطابور الخامس (المنافقين) عبدالستار المرسومي”

 المصدر

  • موقع الشيخ صادق بن عبد الرحمن الغرياني.
  • في ظلال القرآن، سيد قطب، رحمه الله.

اقرأ أيضا

التعليقات غير متاحة