تتوالى على أمتنا أحداث ثقيلة، وفتن متتابعة، ويأتي رمضان هذا العام ونحن نحتاج الى حسن الظن في الله، ودعائه، ومراجعة النفوس وإصلاح الأحوال العامة والخاصة.
عين على الأحداث
يأتي رمضان هذا العام والمنطقة العربية والاسلامية ساخنة بالأحداث المتلاحقة..
ففي مصر تم التلاعب بدساتير العلمانيين نفسها؛ فهي أصنام عجوة آن أوان التهامها، فغيروا وبدلوا وأسقطوا احترام ما أقسموا باحترامه، للتمديد والتوريث، ومزيد من الطغيان وتنفيذ مخططات العدو من أجل إسرائيل، ومحاربة هذا الدين، والتضييق على أهله، واستمرار قتل أبنائه وسجنهم.
وفي المملكة الإخفاق الخارجي في اليمن، وتواصل مساعدة الثورات المضادة، ومزيد من الإرتماء في التبعية الصليبية الغربية، وإعطائهم أموال الأمة ومقدراتها، والتطبيع مع الصهاينة والتعامل معهم سر وجهرا، وتهيئة الأمة لقبول الكيان الصهيويني.. هذا مع سجن العلماء وقتلهم تحت التعذيب والتجهيز والترتيب لقتل العديد منهم صراحة حدا تحت مزاعم الإفساد..! بسبب دعوتهم لدينهم تذكيرهم الأمة بواجبها وتذكيرهم الملوك والحكام بما أوجب الله وتحذيرهم من تعدي محارم الله..!
وفي اليمن مأساة أمة تشرذمت البلاد ووقعت في مجاعات ووباء ومذابح حاقدة، وخرجت البلاد من طاغية عميل للصليبيين الى أيدي عصابة الحوثي الرافضية المجرمة، ونهش الباقي شياطين العرب من النظام الإماراتي والطاغية السعودي.
وفي ليبيا يدفع الغرب أطرافها لمزيد من الانقسام ليفوز هو بالنفط، ويدعم طاغية عسكريا ومستبدا ليكون بدلا عن الطاغية السابق؛ القذافي.
وفي تونس عادت للعلمانية والخط الغربي عن طواعية واستباق بالخضوع قبل المصير المصري!
وفي الجزائر والسودان يتلاعب العسكر بالناس للهروب من استحقاقات التغيير.
العراق في الحضن المجوسي الإيراني والهيمنة الأمريكية والتشرذم القومي والطائفي، وضعف أهل السنة وبحثهم عن طوق للنجاة وفرصة للوجود.
وسوريا يفرح طاغيتها بهزيمة الثورة وصار كأنه انتصر لأنه على حق، وأن الشعب بأكمله خائن..!
يذبح المسلمون في نيوزيلندا في مساجدهم، تليها أعمال عنف من المنتسبين لـ “الجهاد”، غير منضبطة فيقتلون المئات في صورة مشوهة للإسلام كما حدث في سيريلانكا، وهي تثير الدنيا كلها ضد المسلمين. وكأن الوظيفة هي تشويه الإسلام وأهله وإثارة الدنيا عليه، وعندما يُقتل مئات النساء والصبيان يرى أصحاب ديانات الباطل من الكتب المنسوخة والوثينة البوذية وغيرها؛ وكأنهم على حق وكأن الطغاة في بلادنا يواجهون خطرا تخشاه الدنيا..!
تعيش اسرائيل أفراحا متتالية فهي تبتلع الجولان، والقدس أصبحت عاصمة لهم، وخضع لهم غربان الغرب. وزالت الحواجز العقدية بل والقومية بينهم وبين المنطقة في تهاوي لموازين القوى، وتغييب لدور الأمة، وتأخير لدور العقيدة بل زحزحتها عن الفعلية بل وإلغاء اعتبارها ومقرراتها.
على المستوى العقائدي والقيمي، يشكَك الناس في دينهم وثوابتهم، وفي ولائهم للإسلام، وفي شريعة الله وأحكامه، في سياق من مظاهر الانسلاخ من الإسلام؛ ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم: 41) «لأبتليك وأبتلي بك».
رجاء وقوع الخير في رمضان
في هذه الأيام يأتينا الشهر المبارك، وهو شهر تنزل فيه القرآن، المتضمن للرحمة المهداة للعالمين على قلب خير الخلق صلى الله عليه وسلم؛ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185)
فهو محل لتنزل الرحمة. وهو منبه للعبودية لله تعالى بإحسان الظن بربنا تعالى والتفاؤل بنزول رحمته في شهر الرحمة وزوال الغمة عن الأمة.
والنفوس المنكسرة لله تعالى جوعا وعطشا، وتركا للشهوات، ودعاء وتضرعا قريبة من عطايا الملك سبحانه.
الدعاء والتضرع
على الأمة واجبات كثيرة؛ بالرجوع لدينهم ومواجهة الظالمين والأخذ على أيدي الطغاة، وأن تتعاضد الأمة وتتآزر وتمتلك أمرها وتقيم دينها وتردع السفهاء عن الذهاب الى الهاوية.
وفي هذا الشهر الكريم تبرز عبودية ـ يجب ألا تتوانى عنها كل حين ـ لكنها أوضح وأوجب ما تكون في هذا الشهر الكريم.
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر: 60)
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (الأنبياء: 90)
فيبنغي على المسلمين توجههم الى الله تعالى بكثرة الدعاء والإلحاح بسؤاله سبحانه النصر والثبات على الحق وسؤاله النجاة للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
والدعاء اليه تعالى برد كيد الكافرين والمنافقين في نحورهم. وكفّ يد الظالمين عن الأمة، ورفع الفتة وكشف الغمة العامة التي عمت بلاد المسلمين وأقطارهم. وأن يأذن تعالى لأمته بفرَج عاجل ومخرج، وبأن يقام حكم الله وتسُود شريعته.
التوبة الواعية والمراجعة الناضجة
في هذا الشهر الكريم وهذه الأيام المباركة فإننا ندعو أنفسنا والمسلمين بعامة والدعاة والمجاهدين بخاصة الى التوبة النصوح في شهر التوبة من الذنوب التي هي سبب مصائبنا؛ ولا سيما ذنوب التفرق والتحزب والاختلاف ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ (آل عمران: 165)
التوبة من الارتهان بمعسكرات تتلاعب بالمسلمين، ومراجعة للتباغض والتدابر، وأسبابه، وقتل الهوى المفرِق بين المسلمين.
والتوبة من موالاة العدو أو الاستكانة له.. أو السماح بأن يمر على طريق إخواننا وجثثهم وحرماتهم.
تنبغي مراجعة النفس بالتلاحم مع الأمة، وعدم ثقل اليد عليها، وعدم التضحية بها؛ بل أن ننقذهم من الطغاة ونفتح لهم طريقا الى الأمل والرجاء؛ فهنا نوصي بـ “رحمة الخلق”.
وفي الوقت نفسه نوصي بـ “التمسك بالحق”؛ باتباع منهج الله وعدم التفريط فيه ولا المساومة عليه، ولا السماح بمرور التآمر عليه. نوصي بالتمسك بولاء الله ورسوله والمسلمين وعدم السماح بشيء من ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾ (محمد: 26)؛ إذ كلما حدث شيء من هذا جرّ على المسلمين بلاءا وشؤما وفتنة.
﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ (هود: 52).
خاتمة
“ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة” (1مختلف في رفعه، والصواب وقفه على ابن عباس رضي الله عنه، راجع هذا الرابط)
وما يُنتظر من خير للمسلمين فسببه المراجعة والتوبة.
فلينظر امرؤ حاله، وذنوبه المتلبس بها، ولْيخرج من ذنبه وليرجع الى ربه، فالخير عندئذ يتنزل؛ فرحمة أرحم الراحمين سابغة، ومن عاد من ذنبه عاد ربه عليه بالرحمة والستر والمعافاة.
ونحن اليوم أحوج ما نكون للمراجعة العامة والتوبة الجماعية.
اللهم تب علينا وعلى إخواننا والمسلمين جميعا.
………………………………………
هوامش:
- مختلف في رفعه، والصواب وقفه على ابن عباس رضي الله عنه، راجع: هذا الرابط