يستبشر الكثير بوجود مسلم ما في السلطة في بعض البلدان متعددة الديانات والطوائف. لكن السلطة في الدولة القومية الحديثة مأزق يقع تحت الهيمنة.

الخبر

“قام رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” السبت (31/8/2019) أول زيارة رسمية يقوم بها إلى إسرائيل منذ وصوله للسلطة في أبريل/نيسان 2018.

وتهدف الزيارة إلى تأكيد التعاون الثنائي في مجالات الأمن والزراعة والتكنولوجيا خاصة في مجال الإنترنت. وذلك بدعوة من نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

في يونيو/حزيران (2017) زار رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ماريام ديسالين إسرائيل بدعوة رسمية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضا.

في حين زار نتنياهو إثيوبيا في يوليو/تموز (2016) ضمن جولة أفريقية شملت أيضا أوغندا ورواندا وكينيا، وتعهد حينها من أديس أبابا بدعم مشاريع التنمية وتحديث الزراعة والتحول التكنولوجي والتعليم والصحة والثروة الحيوانية في إثيوبيا.

من جهتها، اعتبرت وزارة الخارجية الصهيونية أن هذه الزيارة دليل آخر على نجاح سياسة نتنياهو في العودة إلى أفريقيا، والرغبة المشتركة للبلدين في تقوية أواصر الصداقة وتعميق التعاون الثنائي.

وكثفت إسرائيل في السنوات القليلة الماضية من تواصلها مع القارة السمراء من خلال زيارات قام بها نتنياهو وزيارات مسؤولين أفارقة إلى تل أبيب”. (1موقع “الجزيرة” 31/8/2019، على الربط:
آبي أحمد يبدأ اليوم أول زيارة رسمية له إلى إسرائيل
)

التعليق

1) تُعدّ الدولة القومية الحديثة “نازلة” في الفقه الإسلامي، تحتاج الى اجتهاد وفقه وأحكام لما استجد بها من الظروف. والدولة القومية الحديثة أيضا هي من نتاج الغرب في عصوره الأخيرة، وهي أيضا مما اشترطته أمريكا وفرضته في عصر هيمنتها ووراثتها للدول الاستعمارية.

والصيغ المطروحة والإمكانات المتاحة لهذه الدولة تجعلها غارقة في التبعية للدول الصليبية الرأسمالية المهيمنة.

يستبشر الكثير من المسلمين بوجود رئيس “مسلم”على رأس دولة كـ “إثيوبيا” سبق لها وجود أنظمة امبراطورية معادية للمسلمين ومُقصية لهم. لكن الأمر ليس كما يبدو؛ فللدولة الحديثة سياسات ملزمة يقوم بها ويكملها كل من يتولى السلطة. كما لا تسمح القوى الدولية المتحكمة في العالم اليوم أن يخرج عن السرب أحد، ولا تسمح إلا بوصول من تضمن أو يغلب على ظنها أنه داخل الحظيرة. وإلا فثمة أدوات كثير يملكونها حيث الأمم المتلاعَب بها مخترقة مجتمعيا واقتصاديا وأمنيا. وفيما حدث في مصر مع الدكتور مرسي، رحمه الله، مثال صارخ.

2) ومن هنا فوجود المسلم في السلطة، وسعْي البعض اليها في ظل هذه الأوضاع، قد يعني رفع بعض المظالم الاجتماعية للمسلمين؛ لكنه لا يعني التغيير العميق ولا الجذري ولا المُكنة للمسلمين، وبالتالي ففي الغالب يعجز عن تغيير السياسات والخطوط والقواعد الاستراتيجية للدولة؛ فالجيوش والأجهزة كلها تابعة للعقيدة الأمنية العلمانية على أحسن تقدير..! وفي دولة كإثيوبيا فهي تابعة للهيمنة الصليبية، وبوضوح.

3) وهذا كله على افتراض أنه مسلم يعي معنى عقيدته ومقتضياتها ويسعى بالفعل الى إحداث تغيير للمسلمين، لا يتقدم كعرق أو قومية بل يتقدم بما يمليه عليه دينه لإحداث تغيير يُرضي ربه تعالى بحسب الاستطاعة، لا أن يُرضي الناخب الإثيوبي وحسب. ولكن المُشاهَد أن الغالب أنهم يكونون علمانيين يتماهون مع الطرح القومي الحديث الى أبعد حدوده؛ ففي حين يحتفظ أصحاب الديانات الأخرى بتميزهم وقوتهم ويفرضون على المسلمين ما يشاؤون تحت ادعاء المصالح القومية؛ يخسر المسلمون في هذه المعادلة ويبقى غيرهم فائزا تحت ضغوط عالَم يستهدف المسلمين.

4) تأتي جريمة الإقرار للصهاينة بأنهم “دولة” ـ يقوّيها ويدعمها اقتصاديا وتجاريا ـ ليقوم بها منتسب للإسلام ليقرر أنه إما أنه لا عقيدة له واضحة، أو أنه لا يملك من أمره شيئا فيوقعه قومه في ولاء الكافرين لا يستطيع له دفعا.

5) وللإيضاح فمآرب الصهاينة في إفريقيا كلها مآرب خبيثة؛ وأولها حصار أرض الكنانة والوصول للتحكم في أكبر كتلة سكانية للمسلمين في المنطقة وهي كتلة تاريخية في الدفاع عن الإسلام وتحطيم تآمرات الكفار على المسلمين، وذلك من خلال التحكم في منابع النيل؛ للإبتزاز والتركيع أو للمجاعات والتجفيف.

وثمة مآرب أخرى كتفتيت بلدان المسلمين مثلما فعلوا  مع جنوب السودان، وكانت أعلام الصهاينة بجانب أعلام جنوب السودان المنفصل. أو للتدريب العسكري بسب ضيق مساحة الكيان المغتصِب. أو لتكون سوقا لبضائع الكيان ليزدهر اقتصاده بدلا من أن تقوم مصر ودول شمال إفريقيا المسلمة بهذا الدور.

6) وعلى هذا؛ فعندما يتقدم “مسلم” صاحب عقيدة في سلطة الدولة الحديثة يجب أن يكون أولا مضمونةٌ عقيدته، ويعرف زمانه فتستقيم طريقته، ويعرف الحدود العقدية التي لا يجوز له فيها التنازل، والحدود التي يمكن أن يرجع فيها للسياسة الشرعية.

وللموضوع جوانب أخرى للمعالجة لها مظانها؛ ولكن هذه لمحة عاجلة تعليقا على الخبر.

ليس ما يهمنا هو “آبيي أحمد” في شخصه، ولكن تقرير هذه الحقائق من خلال خبر كهذا يمر على الكثير، ويُدمي قلوب الكثير، ويترك تساؤلات عند الكثير. والبعض يهوّن من الأمر بأن صهاينة العرب يفعلون من هذا الكثير..!!

…………………………

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة” 31/8/2019، على الربط:
    آبي أحمد يبدأ اليوم أول زيارة رسمية له إلى إسرائيل

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة