أسلمت موظفة إغاثة إيطالية مختطَفة. قد يمكن الخير في الشر، وقد يُساق الإنسان لسعادته كرها منه. لكن في أقدار الله آية، وفي استجابة القلوب كذلك.

الخبر

“أعلنت مختطَفة إيطالية حررتها الاستخبارات التركية قبل أيام، اعتناقها الإسلام، وتغيير اسمها إلى “عائشة”؛ تقول “أنا غيّرت ديني، واسمي الآن عائشة”، وأضافت في إفادتها إنها شعرت بالرعب عند اختطافها، ثم انزوت إلى التفكر إلى أن قررت اعتناق الدين الإسلامي. وأكدت أنها لم تتعرض لأي ضغوط أو عنف في اختيار الإسلام، مشيرة إلى أنها سمّت نفسها باسم زوجة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وأنها اعتنقت الإسلام بمحض إرادتها.

في الصومال وضعها الخاطفون في غرفة وأوضحت أنها قضت أياما صعبة للغاية. وعن ذلك تقول “سيلفيا رومانو” التي تحدثت للمدعي العام الإيطالي المكلف بقضايا الإرهاب “كنت يائسة، كنت أبكي دائما. الشهر الأول كان فظيعا.. قالوا لي إنهم لن يؤذوني، وسيعاملونني معاملة جيدة”. وتواصل “لم يضربوني ولم أتعرض قط من العنف”، “لقد كنت دائما محبوسة في الغرف. قرأت وكتبت. ربما كنت بالتأكيد في إحدى القرى، سمعت صوت المؤذن ينادي للصلاة عدة مرات في اليوم.. كنت أقرأ القرآن وأصلي. فكرت طويلا وفي النهاية أصبح ذلك قراري”. (1موقع “BBC  عربي” على اليوتيوب، على الرابط:
عاملة إغاثة إيطالية تعتنق الإسلام رغم خطفها من جماعة إسلامية متشددة، فكيف علق الإيطاليون؟
موقع “الجزيرة” على الرابط:
أقرأ القرآن واسمي عائشة الآن.. الرهينة الإيطالية التي قضت 18 شهرا بالصومال واعتنقت الإسلام
موقع “الأناضول” على الرابط:
إيطالية حرّرتها الاستخبارات التركية من الخطف: اعتنقت الإسلام
)

التعليق

في الخبر المرفق مثال عندما يكمن الخير في الشر، وعندما يضع الله للعبد الخير فيما يكرهه ويخشاه، وهو لا يدري أنه سيكون سببا للخير الى الأبد، في الدنيا وفي الخلود بلا انقطاع ـ إن ثبت على الخير..

فإذا مرّت السنون وتتابع العمر وعبَر طبقا عن طبق؛ والْتفت وراءه؛ لم يجد شيئا حدث له خيرا مما كان يكرهه؛ إذ سيق اليه الخير سوقا وأُجبر أن يسمعه ويراه ويتفكر فيه ويقطع انشغالاته التافهة الأخرى التي استغرقت حياة الملايين سواه من الناس. ومن ثم تعامل مع الحق بصفاء ورويّة وانقادت له نفسه.

وبغض النظر عن حكم ما حدث معها، وظروف ذلك الاختطاف، وموقف الإسلام وحكم الشرع منه؛ فإن الله تعالى قد يسوق للعبد الخير كرها من العبد في البداية لما يعلمه الله فيه من الخير ولما أراده به من الخير.

كثير من الكفار سمعوا الحق وشاهدوا علاماته وآثاره ولم تستجب له قلوبهم. وكثير منهم لم يساقوا هذا السوق للتفاعل مع الخير، وآخرون منهم سيق لهم الخير ورفضوه. وهذا يدلك على أن القلوب مكشوفة لله تعالى وأنه يعلم مواضع الخير فيها والشر، وطبيعة كل قلب وما يليق به من الهدى والضلال. وهذا بعض من آثار اسمه “الباطن” حيث كل شيء بادٍ لله تعالى لا يحول عنه شيء دون آخر، والله محيط بكل شيء علما وسمعا وبصرا وإحاطةً حيث الشيء نفسه لا يحيط بنفسه. (2راجع طريق الهجرتين لابن القيم)

﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك: 14) ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ..﴾ (الأنفال: 23) وهنا تعلم دعاء المسيح عليه السلام وهو يقول ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ..﴾ (المائدة: 118) فمن غفر الله له بأن هداه للحق فبفضله ورحمته وبحكمته لما يعلم من قلب أحدهم، ومن أضله تعالى فلم يغفر له فعن عزة وحكمة وعلم بما يليق بقلوب فيها خبيئة خبث لا تليق بالهدى وبفضل ربها تعالى.

خاتمة

في الخاتمة ثمة دور للمسلمين لا ينفصل عنهم ولا ينفكون عنه ما داموا مسلمين؛ وذلك أنهم حملة للخير أينما كانوا وأينما حلّوا.

إننا لا نوافق على ما حدث من أزمة لهذه المرأة واختطاف، ولا نتأكد من ملابساته. ولا نعرف طبيعة المنظمة التي تعمل بها إن كانت إغاثية فعلا فجازاها الله بأفضل مما قدمت، أو كانت منظمة تنصيرية خبيثة لكن الله أنقذها. وعلى كل حال فاختطاف النساء ليس خلقا للمسلمين.

لكننا نتأكد من أمر آخر وهو أن المسلمين لو صدقوا الله في أخذهم لدين الله وحملهم له؛ فإن القلوب الخيّرة ستتعرف اليهم وتقبل منهم وتتقبل ما حملوه من الخير، ولو كانوا في حالة من الضعف والتشويه، بل لو شابهم بعض الأخطاء والعيوب.

ونتأكد أيضا من هذه الحقيقة ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ..﴾ (البقرة: 216) والأخرى ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا..﴾ (النساء: 19)

ونتأكد من حقيقة ثالثة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..﴾ (آل عمران: 110)

قال الصحابة والتابعون «خير الناس للناس” وقال ابن كثير ” والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس» وقال أبو هريرة رضي الله عنه «خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام».. (3راجع تفسير ابن كثير، آل عمران: 110)

والإنسان يكره القيد لكن رُبَّ في القيْد حرية، ورُبَّ قيْد يسوق الى الحرية.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “BBC عربي”، على اليوتيوب، على الرابط:
     عاملة إغاثة إيطالية تعتنق الإسلام رغم خطفها من جماعة إسلامية متشددة، فكيف علق الإيطاليون؟
    موقع “الجزيرة” على الرابط:
    أقرأ القرآن واسمي عائشة الآن.. الرهينة الإيطالية التي قضت 18 شهرا بالصومال واعتنقت الإسلام
    موقع “الأناضول” على الرابط:
    إيطالية حرّرتها الاستخبارات التركية من الخطف: اعتنقت الإسلام
  2. راجع طريق الهجرتين لابن القيم.
  3. راجع تفسير ابن كثير، آل عمران: 110.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة